“في عصرنا لا يوجد شئ, اسـمه بعيداً عن السياسة، كل القضايا هي قضايا سياسية.” جورج أورويل/ صحافي وروائي بريطاني.
كانت السياسة مقتصرة, على أشخاص منتمين لأحزابٍ, لها برامج واضحة, بشعاراتٍ مفهومة وأهداف واضحة, من الممكن لكل مواطن استقراءها, ليحدد مسار قبولها من معارضتها, مع وجود مثقفين فكرياً, يطرحون آراءهم اجتماعيا, كالإعلاميين المستقلين, ومنظمات المجتمع المدني من أجل التشخيص, ووضع الحلول أحياناً.
تسنم السلطة أحزاباً تفردَ حُكاماً دكتاتوريون,قراراتهم وقوانينهم باتة لا تقبل النقاش, والمعارض أصبح عميلاً, والمثقف مشاغب ومخرب للفِكر الوطني, فتكونت أحزاباً بعضها بفِكرٍ ومنهج وطني واضح المعالم, وأخرى أخفت ما في طيات أفكارها, بانت بعد سقوط الدكتاتورية, وفي ظل النظام الديمقراطي, دخلت الانتخابات برلمانياً, فظهرت حقائق مدفونة, لتساهم بفوضى سياسية, أدت للفساد والفشل, وعملت على تعطيل العمل الدستور الدائم.
نقول أن الديمقراطية حديثة عهد على العراق, ونقول أن البقاء على الخطأ, لا يعطي النتيجة المرجوة, فبمرور الزمن وتكرار التجارب, يصبح النظام ناضجاً, كشابٍ مراهق وصل مرحلة النضوج, ولكن الذي جرى على أرض الواقع, معاملة الأحزاب المشاركة كَوَلدٍ مدلل, يأخذ ما يرغب به, دون رادعٍ ولو كان فاسداً, بغياب القوانين التي تحد, من فساد الساسة الذين أضحوا مفسدين.
قَلقٌ سياسي على العملية السياسية, نتج عنه امتعاض شعبي, دفع لنِقمة جماهيرية, ليعبر عن رفضه بتظاهرات, ظاهرها حقوق مغَيبَّة, وباطنها ما يشبه كلام هيلين كيلر الأديبة المحاضرة, والناشطة الأمريكية” نحن لسنا أحراراً و ديمقراطيتـنا ليست سوى اسم ! .. فما معنى أن ننتخب؟ كـل ما نفعل أننا نختار بين ناكر و نكير” من أجل إسقاط إسقاط النظام الديمقراطي, والخيار بين الفوضى أوعودة الدكتاتورية.
وسط التشويه الفكري الجمعي, الذي حذرت منه المرجعية العليا, بعدم نشر التفكير الجمعي, والصيرورة لانتخاب من يتصف بالكفاءة والنزاهة, مع وجود برنامج واضح المعالم, لبناء دولة وطنية, ضاعت كلمة الحق, فتغير قانون الانتخابات, وتم العمل على انتخابات مبكرة, ليخسر جميع من شارك فيها, فقد كانت النتيجة لا أغلبية حقيقية, بسبب عدم استطاعة الفائزين, تكوين حكومة الأغلبية الوطنية.
بناءً على النتائج, أصبح من العراق, على شفا حربٍ أهلية, لينأى تيار الحِكمة الوطني بعد نقاشات مستفيضة, ترك المشاركة بالحكومة المقبلة, ويسلك طرف المعارضة البرلمانية, وهو سلكٌ يرسخ العمل البرلماني, فانتخابُ البرلمان لا يعني الحُكم أساساً, فالحكم يتبناهُ الفائز الأكبر, واشتراك الكل يعني بقاء خيار التوافق, الذي أثبت فشله.
أسئلةٌ مطروحة على الساحة, تجعل المواطن في حالة عدم استقرار,/ كم ستكون فترة الحكومة القادمة؟ وهل ستصمد الأربع سنوات, أم أننا سنرى الفوضى بعد عام على الأغلب؟ أسئلةٌ نتركها أمام الساسة المتصدون, عسى أن نَجِدَ إجابة شافية.
نصيحة منسوبة لسقراط يقول فيها” إذا وُليتَ أمراً أو منصباً, فأبعد عنك الأشرار, فإن جميع عيوبهم منسوبة إليك” فهل يتفهم ساسة العراق تلك المقولة؟