كتب مصطفى حبيب : أصبح إصرار رئيس الحكومة نوري المالكي على البقاء في منصبه لولاية ثالثة أحد أسباب تفتت الأحزاب الشيعية التي طالما حافظت على تحالفها منذ 2003، حيث قررت هذه الأحزاب مؤخراً الدخول بشكل منفرد في الانتخابات بدلاً عن البقاء ضمن تحالف شيعي واسع.
ويؤكد سياسيون شيعة بارزون لموقع “نقاش” الإلكتروني أن أحد أسباب تفكك الأحزاب الشيعية في الانتخابات المقبلة يعود إلى سياسات “ائتلاف دولة القانون” الذي يترأس الحكومة من خلال المالكي.
وكشفوا أن إئتلاف “دولة القانون” اشترط على باقي الأحزاب الشيعية الراغبة بالتحالف معه بالتعهد على أن يكون منصب رئيس الوزراء المقبل من حصة “الدعوة” وأن يكون المالكي المرشح الوحيد لرئاسة الحكومة، وهو ما أدى إلى ابتعاد “المجلس الأعلى” و”التيار الصدري” عن التحالف مع المالكي.
ويعد “حزب الدعوة” بزعامة رئيس الحكومة نوري المالكي، و”المجلس الأعلى الإسلامي” بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، ابرز القوى السياسية الشيعية في البلاد اليوم فضلاً عن قوى ثانوية من حيث الشعبية مثل “تيار الإصلاح الوطني” بزعامة إبراهيم الجعفري، وحزب “الفضيلة” الذي يديره محمد اليعقوبي وهو مرجع ديني مثير للجدل بين رجال الدين الشيعة.
جواد الشهيلي النائب عن التيار الصدري (40 نائب) أكد أن صعوبة تحالف التيار مع “دولة القانون” في الانتخابات المقبلة ناتجة عن مطالبة الأخيرتجديد ولاية ثالثة للمالكي.
ويقول الشهيلي نحن “سندخل الانتخابات لوحدنا ولن نتحالف مع أي حزب شيعي لأننا متأكدون من إن شعبيتنا كبيرة وسنحصل على مقاعد جيدة دون الحاجة للتحالف مع إطراف أخرى”.
وأضاف الشهيلي إن “الأحزاب الشيعية اليوم تحمل أفكار خاصة بها، من الصعب إعادة تشكيل تحالف واحد يضمها جميعا”.
وقرر التيار الصدري خوض الانتخابات المقبلة بأربع قوائم انتخابية، مكرراً سيناريو مشاركته في الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت في نيسان/أبريل الماضي وحصل خلالها على نتائج جيدة.
أما “المجلس الأعلى الإسلامي” فخسر انتخابات 2010 وحصل على تسعة مقاعد فقط، لكنه نجح في استعادة عافيته في الانتخابات المحلية الأخيرة، ويتوقع تكرارها في الانتخابات المقبلة، فهو الآخر سيدخل الانتخابات المقبلة منفرداً.
ويقول النائب عن “المجلس الأعلى” فرات الشرع إن “فكرة تشكيل تحالف شيعي كبير غير واردة، فجميعنا سندخل الانتخابات منفردين ولا تحالفات مشتركة كما ان حزبنا سيدخل الانتخابات بقائمة واحد في كل محافظة”.
حتى إن “تيار الإصلاح الوطني” بزعامة إبراهيم الجعفري، الذي يعتبر حليفاً مهما للمالكي في انتخابات المحافظات الأخيرة غير متحمس للبقاء مع المالكي، وقرر قبل أيام خوض الانتخابات المقبلة بقائمة منفردة.
في حين ان “ائتلاف دولة القانون” الذي يرتكز على حزب “الدعوة” قرر دخول الانتخابات منفردا أيضا، وقال عضو حزب “الدعوة” محمد الصيهود إن “شعبيتنا كبيرة وسندخل الانتخابات لوحدنا وبنفس الأسم، وسنجري تحالفاتنا بعد الانتخابات على ضوء النتائج”.
وتتحفظ جميع الكتل السياسية باستثناء “دولة القانون” على أن يتم الاتفاق على رئيس الوزراء المقبل قبل إجراء الانتخابات التي غالباً ما تأتي بنتائج مفاجئة.
ويقول النائب السابق عن “الائتلاف الوطني الموحد” وائل عبد اللطيف إن “فكرة الإصرار على مرشح لرئاسة الوزراء دون انتظار نتائج الانتخابات أمر غير منطقي، فالانتخابات ستحسم القضية، والأغلبية هي التي ستشكل الحكومة المقبلة، وربما تتحالف جميع الأحزاب لانتزاع الحكومة من دولة القانون”.
الأحزاب الشيعية دخلت أول انتخابات نيابية عام 2005 بقائمة واحدة حملت تسمية “الأئتلاف العراقي الموحد وانشقت بعدها في انتخابات 2010 إلى كتلتين، أما في انتخابات 2014 فستشهد انشقاقاً كاملاً لأن كل حزب شيعي سيدخل الانتخابات منفرداً.
لكن رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي تمكن خلال مدة رئاسته الأولى للحكومة عام 2006 من زيادة شعبيته وتعزيز نفوذه الإقليمي، ما دفعه إلى الانشقاق عن الأحزاب الشيعية وتشكيل كتلة “ائتلاف دولة القانون” التي تملك (89 مقعداً) لخوض انتخابات 2010، بينما دخلت باقي الأحزاب الشيعية في كتلة واحد أطلق عليها “الائتلاف الوطني العراقي” ولديها (70 مقعداً).
وهاتين الكتلتين تحالفتا فيما بعد الانتخابات في كتلة أُطلق عليها اسم “التحالف الوطني” (169 نائب) لضمان رئاستهم الحكومة بعدما تمكن زعيم “القائمة العراقية” إياد علاوي الحصول على (91 مقعداً) ومنافسة المالكي.
وعلى الرغم من خروج بيان من مكونات “التحالف الوطني” في 18 من الشهر الماضي بعد اجتماع مطوّل بينها وتأكيد البيان على حرص الأحزاب الشيعية “على خوض الانتخابات المقبلة بجميع مكوناته” إلا إن الواقع يشير إلى عكس ذلك.
بعض المراقبين يقولون إن هناك فرصة أمام السياسيين العراقيين لتجاوز التحالفات الطائفية بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وان دخول الأحزاب الشيعية في قوائم منفردة يعني أنها تنوي عقد تحالفاتها في مرحلة ما بعد الانتخابات ليس على أسس طائفية.
ومثلاً فإن الأحزاب الشيعية قد تعقد تحالفات مع أحزاب سنية أو كردية لجمع الغالبية التي تستطيع تسمية رئيس الحكومة المقبل، وليس بالضرورة ان تعقد تحالفات فيما بينها للحصول على هذه الغالبية البرلمانية.
وتشكيل حكومة بغداد المحلية الصيف الماضي يعد مثالاً مهماً لاحتمال عقد تحالفات غير طائفية، إذ انه على الرغم من حصول “ائتلاف دولة القانون” على المرتبة الأولى في عدد المقاعد برصيد 20 مقعداً، لكن التيار الصدري الذي حصل على 5 مقاعد، و”المجلس الأعلى” 6 مقاعد، تحالفا مع كتلتين سنية وهي “متحدون” التي حصلت على 7 مقاعد، وائتلاف “العراقية” 3 مقاعد، وشكلوا غالبية الأصوات واستطاعوا الحصول على منصبي المحافظ ورئيس مجلسها.