خلال ثلاث سنوات تنتهي عند عام 1999 يقدم لنا الشاعر حسن النصّار من منفاه مجموعته الشعرية ” قيامة الأرامل ” في فضاءات مشحونة بجحيم الحرب مفرغاً التياع احاسيسه بقصائد مسكونة بالفراق والحنين ، يقول الناقد حاتم الصكر عن مجموعة ” قيامة الأرامل ” :تأخذ القصيدة نيابة عن الشاعر ثاراً مستحقاً من الحرب ومن مشعليها بالضرورة ، حرب تنعدم في اجوائها الحريات ويعلو صوت العداء الاسود للجمال ،عنف يتسرب في افواه الاطفال وهم ينشدون كل صباح : قيام جلوس لاعنين (العدو ) وهم يرضعون حليب الكراهية وتقديس الدكتاتور “..
فازت مجموعة ” قيامة الارامل ” في نفس عام صدورها 1999 بجائزة عبد الوهاب البياتي والتي جاء في حيثيات منح الجائزة ” شعر متألق في حرارته وتشكيلاته يتولّد من الفجيعة ، من قوة الألم وينبثق من موهبة واضحة ….ويتطلع بشجاعة أسيانية ونفس اسطوري وبنية سردية شاعرة على اثبات الصورة أو الفكرة “..
من بين فجائعية الحروب ومرارة الغربة يبحث النصّار عن وطن يختلف عن بحث الآخرين فينص في قصيدته ” الارض تكشف عن ساقيها “:
“أعي الامور باللمس/ من صغري / ولا ارى وطني المنظور باللمس /غرست بالدمع قلباً/ طي تربته ،فوسوّست بالأسى/ولم يبق من غرس/ كل له وطن في ذاته ابداً يسعى لتشييده في / الموطن القدسي / ولي انا وطن في رأسي الثمل / أصحو بسكرته/ دوما بلا رأس”
وعلى ايقاعات تدف دم الوطن يذهب بنا النصّار الى عالم الغربة التي اختارها له الوطن ، فتبدو له الغربة ظلام مادام لانور في الوطن ، يقول في قصيدة “عائشة وبغداد وانا ” :
لئلاّ اختنق تنفست بغداد/ ولطالما الغربة تجر خطاي / وتدحرج على اصابعي القلق
منحت قامتي للريح/ وشفتي لحبيبتي / وقلبي لمن تنفسّت /علامتي الفارقة في دوريات الشرطة/ أو الموزعة على حدود المنفى / وربما عند حدود السواحل أيضاً/ هي ازهار تناثرت على سواحل الحب / حددت لون عيوني بفرشاة القلب / وكتبت عليها ” متبغدد “..
في نص ” قيامة الارامل ” يختلط لدى النصار الظلام ببغداد بعيون الارامل في مشهد شعري فجائعي والذي فضّل فيه الشاعر ديوانه المعنون باسم القصيدة نفسها فيحيلنا الى جوّه الداخلي المشحون بالتوتر والحزن والبكائية الطافحة على سطوح النص والتي لاتمنح نفسها بسهولة نعيد اكتشافها فيقول :
حينما يفشل الليل / بقف الظلام يقظاً على اقدام الارامل / هذا ماحدث ببغداد / وفي عيونهم / عيون الارامل الحديثات / تنكسر عيني ..
ويواصل نحيبه لأرامل الحروب :
ايتها الأرامل / اعني ارامل الحروب فقط / اكثر النيران قذارة / تلك التي تمتزج بالرغبة / واكثر الشوارع عرياً / تلك التي خلعت الاسفلت / ولبست الرصاص / هذه البصرة تعانف النخيل / فيسقط الرجال رطباً مراً / في فم الأرامل ” !!
يتنقل النصار في مشاهده ومفرداته ، بل ينقلنا ، من الفجائعية الى الامال الى زخات الحب للوطن الذي يريد يجلده بسوطه حال انحنائه / لكن الوطن لاينجني حتى في الكلمات .