مخدر الكريستال يعد الأخطر والأكثر انتشارا في العراق، وصار يُصنع سرا داخل البلاد بعد أن كان يهرب سابقا من إيران.
ما أسباب انتشار ظاهرة المخدرات بالعراق؟
في بلد يواجه فيه الشباب ويلات العنف والبطالة والفقر والتهميش، انتشرت عصابات تجارة المخدرات في العراق من بغداد إلى البصرة، وتزايدت أعداد المدمنين بشكل مفزع وسط عجز حكومي للتصدي لهذه الآفة.
أوضح تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية (INDEPENDENT) أن مخدر “الكريستال ميث” أو “الكريستال الأبيض” أصبح آفة حقيقية تهدد الشباب العراقي، في ظل أرقام مفزعة عن أعداد المدمنين، وعجز في معالجتهم بمراكز متخصصة للدولة.
المخدرات في العراق تعاطي المخدرات وبحسب القيسي فإن أكثر المواد رواجاً هي “الكريستال، الحشيش، الأفيون، والهيرويين”. … وهناك عوامل كثيرة تساهم بشكل كبير في انتشار جريمة تجارة وتعاطي المخدرات في العراق، وعلى رأسها الفقر، والبطالة، وسوء الأوضاع المعيشية، ويلاحظ ازدياد انتشار الافة الاجتماعية في البلد مقارنة مع الوضع في الخمسة أشهر الماضية.١٨/١١/٢٠٢١
الهروب من الواقع
لم يدرك الشاب العراقي علي أن المخدّرات سيطرت عليه تماما إلا بعد أن بدأ يسرق بعض الأغراض من منزل والديه للحصول على المال.
حاول علي (27 عاما) بيع عبوة غاز الطهي، وقد باع قبلها هاتفه المحمول وبعض الكراسي وسريرا ومرتبة لشراء بعض غرامات من مخدر الكريستال.
تمّ القبض على علي عند نقطة تفتيش في أحد أحياء بغداد وأودع السجن، يقول الشاب للإندبندنت من مركز شرطة القناة شرقي بغداد، حيث يقضي عقوبة مدتها 4 أشهر بتهمة حيازة المخدّرات “لقد كنت في عالم آخر، كنا
جميعا على هذا الحال، وأردنا الهروب من حياتنا البائسة. يعاني كثير ممن أعرفهم بسبب الإدمان، وبعضهم مات بسببه، لكن حياتنا أكثر قسوة”. واحد بين آلاف مدمني الكريستال في العراق، وهي آفة انتشرت في العراق في السنوات الأخيرة، رغم انتشار الأفيون والهيروين في دول مجاورة مثل إيران وأفغانستان منذ مدة طويلة.
ويرى عدد من مسؤولي الصحة في العراق أن النسق التصاعدي لانتشار تعاطي الكريستال أصبح ينبئ بكارثة صحية لا تقل خطورة عن جائحة كورونا. وفي هذا الشأن، يقول قاسم ورش، كبير الممرضين في مستشفى ابن رشد، وهو مركز التأهيل الرئيسي بالعراق، إن “الميثامفيتامين (وهي مادة مخدر الكريستال الأساسية) يدمر مناعة الجسم ويتسبب في فقدان الوزن ويجعل المدمنين عرضة لجميع الأمراض، بما في ذلك كوفيد-19”.
ومخدر الكريستال هو في الأساس منشط ابتكره اليابانيون واستخدموه خلال الحرب العالمية الثانية لإبقاء الجنود في حالة يقظة لساعات طويلة، ويؤدي الإدمان عليه إلى تدمير جهاز المناعة، وقد يؤدي إلى الوفاة بسبب فشل القلب أو الفشل الكلوي أو الهبوط الحاد في الوزن، إضافة إلى المخاطر الحالية في ظل انتشار فيروس كورونا.
أرقام مفزعة
يؤكد التقرير على أن أعداد مدمني الكريستال في العراق تتزايد باستمرار رغبة من الشباب في الهروب من الواقع الصعب، في ظلّ ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفساد الذي ينخر مفاصل الاقتصاد وتردي الأوضاع المعيشية في بلد تتوالى فيه الصراعات منذ الغزو الأميركي عام 2003.
وفقا لتقرير نشره المجلس الأطلسي في فبراير/شباط الماضي، فإن نسبة البطالة بين الشباب العراقي تبلغ 36%، في بلد يشكل من هم دون سن 25 عاما نحو 60% من سكانه.
ويقول مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إن مخدر الكريستال يعتبر الآن المخدر الأخطر والأكثر انتشارا في العراق، محذرا في تقرير صدر في فبراير/شباط الماضي من أنه أصبح يُصنع سرا داخل العراق بعد أن كان يهرب سابقا من إيران.
وحسب التقرير، فإن البؤر الرئيسية لانتشار الكريستال هي المحافظات الحدودية الجنوبية، مثل البصرة وميسان.
ويقول أحد سكان البصرة -رافضا الكشف عن هويته- إن هناك عصابات قوية دأبت منذ فترة طويلة على تهريب هذا المخدر إلى العراق، مضيفا أن هذه العصابات تعتمد كثيرا على النساء في عمليات التهريب لأنهن أقل عرضة للتفتيش، وبعد ذلك يتمّ بيع الغرام الواحد بـ4 أو 5 أضعاف السعر الأصلي، مما يمنح تجار المخدرات أرباحا كبيرة.
وتعد البصرة هدفا سهلا لهذه العصابات، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي، لكن أيضا بسبب الأزمات التي تعانيها والتي من أبرزها ارتفاع كبير في البطالة، والافتقار إلى البنية التحتية والمياه النظيفة.
وقالت فرق مكافحة المخدرات في مركز شرطة القناة، حيث يسجن علي، إن السجن يضم حاليا 217 مدمنا وتاجرا لمخدر الكريستال. وأكد الضباط للصحيفة أن أعداد المدمنين ارتفعت بشكل كبير منذ 2017 في ظل تردي الوضع المعيشي وانخفاض سعر الكريستال.
وأفاد الرائد يابار حيدر في هذا الشأن “في هذه المديرية، سجلنا زيادة بنسبة 40% في أعداد المدمنين منذ عام 2017، وزيادة بنسبة 30% في أعداد تجار المخدرات. وبسبب توافر مخدر الكريستال، انخفضت الأسعار”.
وأضاف حيدر أن سعر الغرام الواحد في 2017 كان يبلغ نحو 100 دولار، لكنه يباع الآن في بعض المناطق مقابل أقل من 20 ألف دينار عراقي (13 دولارا ).
وأكد الضابط العراقي أنه تم اعتقال أكثر من 6 آلاف شخص في جميع أنحاء البلاد العام الماضي بتهم تتعلق بالمخدرات، كما صادرت السلطات أكثر من 120 كيلوغراما من مخدر الكريستال.
مكافحة المخدرات
وتنشر صفحة فيسبوك الرسمية للمديرية العامة لمكافحة المخدرات في العراق باستمرار تقارير عن عمليات ضبط المخدرات، كما أطلقت عددا من حملات التوعية لتشجيع السكان على مشاركة أي معلومات حول ترويج الكريستال.
في غضون ذلك، قالت وزارة الصحة العراقية إن مخدر الكريستال هو أكثر المخدرات تعاطيا في العراق بعد المشروبات الكحوليّة. وأظهرت أحدث البيانات أن 813 مدمنا يتعافون في مراكز إعادة التأهيل التي تديرها الحكومة، وهذا العدد يفوق بكثير أي مادة أخرى.
من بين المدمنين الذين يتلقون العلاج، أحمد البالغ من العمر 32 عاما، وهو عاطل عن العمل، وقد دخل إلى مستشفى ابن رشد بعد أن طردته عائلته من المنزل. وهذا المستشفى هو بالأساس مركز للأمراض النفسية، وقد أقامت فيه الحكومة مركزا لإعادة تأهيل مدمني المخدرات.
يقول أحمد إن متعاطي الكريستال من الجنسين، لكن النساء والفتيات يفضلن كتمان الأمر أكثر من الشباب، ويضيف أن تجار المخدرات يستخدمون طرقا مبتكرة لجذب المزيد من المستهلكين، فبدلا من المخاطرة ببيع بضاعتهم في الشارع، يقوم التجار بتسليم كميات صغيرة من الكريستال مجانا للشباب، ثمّ ينتظرون قدوم موجة جديدة من المدمنين الذين يتوسلون للحصول على المزيد من هذا المخدر.
باع أحمد كل ما يملكه وكرّس كل ما يجنيه من مال للحصول على مخدر الكريستال، وسرعان ما ساءت علاقته بعائلته، فقاموا بمنعه من العودة إلى المنزل حتى يخضع للعلاج ويؤكد أحمد أنه كان يعاني من الهلوسة ويسمع أصواتا غريبة، وقد تضرّر جهازه الهضمي وضعفت ذاكرته. ويعتبر أحمد من المحظوظين لأنه وجد مكانا في مركز إعادة التأهيل ببغداد، في حين أن مدمني المخدرات في مناطق أخرى من العراق يُودعون في السجون بسبب عدم توفر مرافق للعلاج.
وقد أقرّ العراق سابقا عقوبة الإعدام للمستهلكين والتجار، لكنه أصدر تشريعا في 2017 يستطيع القضاة بموجبه أن يأمروا بإعادة تأهيل المدمنين أو الحكم عليهم بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات.
ويؤكد عدد من الأطباء والممرضين في مستشفى ابن رشد أن هناك حاجة إلى توفير المزيد من الوحدات وبناء مستشفيات خاصة في جميع أنحاء البلاد، لأن عدد المدمنين يتزايد والسجن ليس حلا لهذه المعضلة.
ويقول الطبيب أرجان طوقاتلي في هذا السياق “نحن بحاجة إلى آلاف الأسرة في جميع أنحاء البلاد لكنّنا لا نملكها. على سبيل المثال لا يوجد في مسقط رأسي كركوك سوى 8 أسرة فقط”.