في الايام الأخيرة اشتدت وتيرة التهديدات الاسرائيلية لإيران في حالة فشل المفاوضات في فيينا؛ بضرب البرنامج النووي الايراني، حتى لو استدعت الظروف ان تتصرف بمفردها اي من دون دعم امريكي، او حتى من غير ضوء اخضر امريكي اي موافقة امريكية. ان هذه التهديدات ما هي الا رسائل للتأثير النفسي على صانع القرار في طهران، وهي ايضا تبادل ادوار بين الكيان الاسرائيلي وامريكا. اؤكد مع ان في السياسة لا يوجد امرا مؤكدا، ومع هذا اقول؛ لا الكيان الاسرائيلي ولا حتى امريكا سوف تقوم او تقومان بضرب ايران، فهذا الامر ليس بعيد الاحتمال، وانما هو مستحيل؛ لأسباب لا ضرورة لذكرها، لأنها معروفة، لكل متابع حصيف. ان هذا لا يعني عدم وجود خطط امريكية واسرائيلية في التعامل مع ايران، وهي اي هذه الخطط موجوده في الميدان سواء بالعقوبات او بالحرب السيبرانية او بغيرهما، ولكن ليس من بينهما؛ توجيه ضربات مباشرة على المنشآت الايرانية. اما في الذي يخص المفاوضات الجارية في الوقت الحاضر في فيينا؛ فأنها سوف تفضي في نهاية المطاف الى اعادة العمل بالصفقة النووية، ربما مع بعض التعديلات. وزير خارجية روسيا في مؤتمره الصحفي الاخير؛ قال ان المفاوضات بين ايران والقوى العظمى تجري بصورة جيدة وانها تشير الى جدية الجانب الايراني، وحرفيته، ومهنيته. لكن الغرب يُحرِف الحقائق، او يضخمها، بينما الواقع ان شركاءنا الغربيين متفاعلون مع الورقتين اللتان طرحهما الوفد الايراني المفاوض، والكلام هنا لوزير خارجية روسيا، الذي اضاف؛ ان شركاءنا الغربيين بينوا ان الورقتين تستحقان الدراسة والبناء عليهما. عليه فان التهديدات الاسرائيلية وحتى الامريكية ماهي الا لإرضاء انظمة دول الخليج العربي، اضافة الى انها رسائل للضغط على الجانب الايراني. في النهاية؛ ايران سوف تكون، قبلت (اسرائيل).
او لم تقبل، وقبلت امريكا او لم تقبل، او قَبلَ العرب او لم يقبلوا؛ دولة الحافة النووية. امريكا والكيان الاسرائيلي يعرفون هذه الحقيقة وهي لا تشكل اي خطر استراتيجي على الكيان الاسرائيلي على الامد المنظور او الامد المتوسط وحتى الامد البعيد؛ لأسباب تتعلق بمستقبل النظام في ايران، وهذا من وجهة نظرهم وقراءتهم لمستقبل النظام في ايران، وليس وجهة نظر كاتب هذه السطور المتواضعة. لكنها تشكل خطرا استراتيجيا على دول المنطقة العربية، وبالذات دول الخليج العربي. في هذا السياق؛ تحاولان امريكا والكيان الاسرائيلي معا، ان ترسلا رسائل وهما قد ارسالها منذ زمن بعيد، بل بعيد جدا؛ مفادها، ان امنهم( امن دول الخليج العربي وايضا امن المنطقة العربية) يرتبط ببناء علاقات وثيقة مع الكيان الاسرائيلي، ومن هنا جاءت عمليات التطبيع، والتي سوف تستمر ولو بعد زمن؛ كونها( اسرائيل) تمتلك قدرة عسكرية ومخابراتية قادرة على الوقوف بوجه ايران عند الحاجة، والضرورة حين تستلزمهما الظروف. ان قراءة متأنية لهذه الطروحات؛ تثبت انها على العكس مما يروج لها من قبل امريكا والكيان الاسرائيلي؛ طبقا لقراءتهما لمستقبل النظام في ايران، والانسحاب الجزئي الامريكي من المنطقة، مع بقاء قواعدها في المنطقة لحماية الكيان الاسرائيلي، والذي بدوره يدعم ويساند منظومة الدفاع العربي لدول المنطقة العربية، وبالذات دول الخليج العربي. هنا تكمن المفارقة لكيان يحتاج للحماية الامريكية، كيف يكون في موقع توفير الحماية لدول اخرى. الكيان الاسرائيلي محدود الموارد البشرية والاقتصادية والمساحة الجغرافية، وهي دولة صغيرة جدا، وامكانياتها محدودة جدا، فهي ومهما كانت قوتها العسكرية الضاربة؛ لا يمكن ان تكون قوة كبيرة قادرة على ان تكون قوة دعم واسناد في اي منظومة دفاعية في المنطقة العربية، ودول الخليج تحديدا. انما الامر برمته اكبر من هذه الطروحات، بل هي طروحات لتغيير وجه المنطقة واولوياتها؛ بجعل الكيان الاسرائيلي دولة طبيعية، على خلاف حقيقتها كونها دولة دور امبريالي في المنطقة وجوارها. (اسرائيل) في علاقة استراتيجية مع امريكا، اضافة الى هذا فهي تربطها علاقات او شراكات متينة وقوية وحاسمة مع كل من روسيا والصين. مما يجعل منها في القادم من الزمن بوابة لهذه الدول في توفير البيئة، لتنمية مصالحيهما في المنطقة العربية، وفي جوارها على حساب القضية الفلسطينية، اي اسدال الستار عليها او بدقة اكثر اسدال الستار على حل الدولتين، والاكتفاء بالحكم الذاتي المحدود. ان ما يجري في الكواليس لهو اكبر خطر على الامة العربية برمتها، وليس على دول الخليج العربي فقط، والمقصود هنا الشعوب العربية وليس انظمتها التي عملت وتعمل بالضد من إرادة هذه الشعوب. اسرائيل بقدراتها المحدودة جدا، وهنا لانقصد القدرات العسكرية، فهي قدرات كبيرة، حتى في هذا الجانب وفي القسم الاكبر والاكثر والاعمق تأثيرا، يعتمد اعتمادا يكاد يكون كليا، على الدعم والعون والامداد المستدام الامريكي، نقصد هنا الموارد البشرية والاقتصاد والاسواق. اسرائيل تعتمد في تنمية قدراتها على القوى العظمى، وعلى علاقاتها القوية مع تلك القوى( امريكا والغرب بصورة خاصة والصين وروسيا بدرجة ومستوى اقل حاليا بالقياس الى علاقتها مع امريكا والغرب)؛ غير قادرة، ان تكون عمود اساسي ومركزي في اعمدة الدفاع العربية، عن مصالح العرب في مواجهة ايران، او اي قوة اقليمية اخرى في الجوار العربي. بل ان الحقيقة هي ان اسرائيل سوف تكون مستقبلا في حالة نجاح عمليات التطبيع وادماج اسرائيل في منظومة الدفاع العربي او القوة العربية، وفي الاقتصاد والاسواق والصناعة والطاقة، حسب خطط الرؤية الامريكية الاسرائيلية في هذا المجال، بل هي سوف تكون عامل قوي لسلب الارادة والاستقلال والسيادة. لأن (اسرائيل) كما اسلفنا القول فيه قبل سطور؛ تعتمد على القوى العظمى، كما انها بوابة لتنمية مصالح هذه القوى العظمى في المنطقة العربية، وفي مقدمتها دول الخليج العربي على حساب مصالح الشعوب العربية وفي اولها؛ مصالح الشعب العربي الفلسطيني وحقه في دولة ذات سيادة كاملة. ايران سوف تكون دولة العتبة النووية، وسوف يتم الاتفاق على اعادة العمل بالصفقة النووية عاجلا او اجلا. الاسرائيليون والامريكيون يتحدثون باستمرار بان هذا التطور سوق يقود الى سباق نووي في المنطقة. ربما هذا صحيح لجهة الاعلام وصناعة رأي عام ظرفي لتأجيج التأثيرات النفسية، وغير صحيح لناحية الحقيقة المخفية وراء هذا التهويل الممنهج. ان الامريكيين والاسرائيليين واخريين؛ يدركون ان الاوضاع في المنطقة العربية وجوارها، لن تظل على ما هي عليه مستقبلا. في هذا السياق نقول هل تتمكن دول المنطقة العربية وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي؛ من تفكيك عُقَد خيوط هذه اللعبة الخطيرة؟ والى اي مدى سوف تتمكن دول المنطقة العربية في هذا المجال، نشك في هذا كثيرا، وخصوصا عند تغيير اللاعب السياسي وصانع القرار في دول الجوار العربي. كما ان ايران حافة نووية، وليس دولة تمتلك السلاح النووي. ولأن صانع القرار فيها من الذكاء؛ لن تعمل على امتلاكه حاليا وفي الامد المنظور، والى ان يكون هناك فيها حال غير حال ماهي عليه حاليا، حسب القراءة الامريكية والاسرائيلية لتطورات الداخل الايراني، الذي يصب في مصلحيتيهما الاستراتيجية. كما، من الجانب الثاني؛ ان اذرع القرار في دول الخليج العربي، ودول المنطقة العربية في هذا التوجه ان حصل، اذرع مكسورة وهي اي هذه الاذرع بحاجة الى اسناد كي تتحرك بلا ألم نتيجة ضغط الشريك القوي الذي يمسك بخيوط اللعبة على صعيد الطاقة والسياسة والاقتصاد والمال في الدول العربية ذات الشأن الأمني وما له علاقة به، في هذا المجال، او بحرية مرنة، بتغير اتجاه بوصلة الشراكة في اتجاه الشرق( روسيا والصين)؛ وهذا الامر غير متوفر في الوقت الحاضر وفي الامدين المنظور والمتوسط؛ بفعل تشابك العلاقات الدولية والاقليمية في هذا المنطقة، ومصالحها التكتيكية والاستراتيجية مع الكيان الاسرائيلي، ولاحقا مع دول الجوار العربي بعد زمن ما. هناك امثلة كثيرة في هذا الجانب؛ اليابان لا تمتلك السلاح النووي في حين الصين دولة نووية منذ ستينيات القرن المنصرم، اضافة الى المانيا وكوريا الجنوبية مع ان الدولتين محاطة بدول نووية؛ لأنها اي هذه الدول تعتمد على الحماية الامريكية.. انما للشعوب العربية وللامة العربية بمنضاليها؛ قول وموقف يختلفان عن انظمة الانبطاح العربي ولو بعد زمن ما. المرجو ان لا يطول كثيرا هذا المرجو. ولا نقصد انه غير موجود بل هو موجود فعلا، انما المقصود ان يكون له حضورا قويا ومؤثرا في صناعة الاحداث والمواقف، بالطريقة التي يجبر الخصم سواء كان امريكا او الكيان الاسرائيلي، او انظمة الخنوع العربي، او غيرهم؛ على النزول من على قمة تلة الوهم القاضية بإعادة صياغة الاوضاع في المنطقة العربية وفي جوارها؛ بالتسليم بحق العرب في المنطقة العربية، ودول الخليج العربي، بامتلاك جميع عوامل وعناصر القوة والقدرة في الدفاع المشروع عن مصالح الامة العربية، من غير الاعتماد على اي قوة اخرى مهما كانت عليه او ما تمتلك من قوة وقدرة، والتي هي وفي كل الحوال، لها مصالحها والتي هي بالضد من مصالح الشعوب العربية، بل هي وبفعل تلك المقتضيات والحاجات؛ سوف تسلب القرار المستقل والسيادة بطريقة او بأخرى وان كانت بصورة خفية غير ظاهرة على سطح الاحداث..