تظهر الإحصائيات التي نشرتها وزارة التخطيط العراقية عن معدلات الانفجار السكاني في البلاد التي وصلت مداها الأقصى, بعد ان بلغت مليون مولود جديد سنوياً, في ظل غياب إحصاء عام حقيقي وخطط معالجة رصينة لهذه المستجدات, التي تتزامن مع نشوء مخاطر جفاف نهري دجلة والفرات بسبب قطع دول الجوار المياه القادمة من أراضيها والتي تغذيهما وتوقف الانتاج الفلاحي وما يتصل به من صناعات غذائية و انتاج حيواني من لحوم والبان وبيض وجلود الخ.
ستهدد الأمن الغذائي في دولة نامية ذي اقتصاد ريعي قائم على ثروة ناضبة كالنفط, تفتقر الى مصادر اقتصادية اخرى للدخل الوطني, وادارة وطنية للموارد.
تستنزف ثرواتها على استيراد عشوائي بعيد عن السيطرة النوعية والضرائبية والأمنية. تضع الأمن الغذائي كما الأمن السكاني والتخطيط العائلي وتنظيم الزيادة السكانية خارج دائرة الاهتمام.
توصل مالثوس من خلال نظريته التي تقول : سينمو عدد السكان بسرعة كبيرة في متوالية هندسية (1 ، 2 ، 4 ، 8 ، 16 …) ، في حين أن إنتاج الغذاء ، سينمو ببطء وحسب متوالية عددية ( 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 …), لذا فان الحروب ستصبح المخرج العملي للسيطرة على تداعيات ونتائج الانفجار السكاني وتحقيق التوازن المنشود بين نسب النمو السكاني وزيادة انتاج الغذاء وتلافي حصول مجاعات.
لابد أن الاستنتاج الذي توصل اليه مالثوس سينال ترحيب وتأييد الدول التوسعية وقوى الارهاب بكل تلاوينها التي تمتهن صنع الحروب والاضطرابات, فهو يوفر لها تبريراً جهنمياً لتلفق كل يوم عدواً لتقاتله, بينما تدمر قوى الانتاج والابداع والبناء والخيارات الديمقراطية للشعوب والسلام العالمي, لترضية نزواتها واهوائها ولزيادة ارباح كارتيلات انتاج السلاح وبارونات الحرب وصانعي الكوارث والمجاعات.
قد يبدو بصيص الامل مفقوداًً, ولكن دراسة تجارب الصين والهند ودول شرق آسيا في معالجة مشكلة الانفجار السكاني والنمو الاقتصادي, بعد أن غيرت رؤاها الاقتصادية وجاءت بتشريعات وأنظمة وقوانين مهدت الطريق امام امكانية التخطيط المستقبلي للزيادة السكانية.
وحققت انجازها الحقيقي في إنهاء مشكلة الجوع, ولا زالت أمامها تحديات. الطفرات الاقتصادية وصلت شذراتها اسواقنا واقتحمت بيوتنا.
المعضلة عندنا, مقارنة بتجارب الصين والهند والنمور الآسيوية, تكمن في عدم وجود دولة وانما دولة عميقة مكونة من مجموعة من مراكز القوى والمافيات التي تعتمد المحاصصة كنهج سياسي واقتصادي… والتي تتصارع فيما بينها للأستحواذ على اكثر ما يمكن من غنائم ومكاسب وامتيازات على حساب القوانين النافذة… بعد ان أفرزت آليات عمل عشوائية لترتيب الامور فيما بينها, بما يتناسب مع حجومها وموازين قواها, في لحظة معينة, ومستجدات بورصة المصالح.
لذا فان البديل لابد ان يكون وجود جهاز حكومي حازم وارادة سياسية صارمة قادرة على مسك خيوط اللعبة بأيديها, تشرع باحصاء سكاني شامل وكامل للبناء على معطياته وتطبق القانون بدون تهاون.
ويهدف التعداد العام للسكان إلى :
جمع ونشر المعلومات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للسكان لأجل توفير متطلبات الدولة واحتياجات المخططين والباحثين من البيانات الأساسية عن السكان
والمساكن التي تتطلبها خطط التنمية.
المعرقل الاساسي هو تعارض مصالح المتربعين على سدة الحكم والمتحاصصين لمؤسساتها مع عملية التعداد, لأنها تكشف حجم فضائييهم (الافراد الذين ليس لهم وجود ولا انتاج حقيقي, يستلمون رواتب شهرية وامتيازات تذهب الى جيوب مسجليهم ) وعقارات الدولة والمواطنين التي استولوا عليها دون وجه حق, والاعداد الحقيقية لافراد ميليشياتهم وحجم تجنيس الاجانب خلافاً للقانون العراقي… ومجالات توزع نشاط اعوانهم الاقتصادي في تهريب العملة وتزوير الوثائق والشهادات والمتاجرة بالمخدرات والسلاح وادارة المواخير والبارات وتهريب الكحول والسكائر..
لو توفرت فرصة تطبيق حازمة للقانون وفرض عقوبات على المتجاوزين عليه, كان ابسط منافعها ضبط مدفوعات ضرائب الدخل لخزينة الدولة.
احزاب السلطة بعيدة عن هموم المواطنين, تبحث عما ينفعها, وليست معنية بدراسة ومتابعة تبعات الانفجار السكاني وتأثيراته, فهذه قضايا أبعد ما تكون عن اهتماماتها, لأن حالة الفوضى العارمة هي جنتها التي تنفذ فيها مشاريعها الشيطانية. وهي لن تتسامح مع اي توجه لارساء مقومات دولة قانون ونظام رصين قابل للحياة, يمكن ان يعوق مشاريعها ويقوض سطوتها, وهو الأمر الذي اندلعت انتفاضة تشرين الباسلة لتقويمه ووضع البلاد على سكة الاستقرار والتقدم !
* النظرية المالثوسية – هي نظرية ديموغرافية طورها الإنجليزي توماس روبرت مالثوس.