طالما تصارعت القوى العظمى والكبرى في العالم على نهب واستغلال اغلب، بل على وجه التقريب جميع مناطق العالم الثالث، والعالم الثالث عشر( الوطن العربي) كما وصفه الدكتور عبد الواحد لؤلؤة في مقال له نُشر مؤخرا؛ والذي هو اي هذا التوصيف، اكثر تمثلا للواقع المعيش، أو ما جرى ويجري حتى اللحظة في اغلب اوطان، الوطن العربي الذبيح. هذا الاستغلال المُعلوم والمشرعن، يجري بصورة او بأخرى، وتحت هذا العنوان أو ذاك العنوان، وجميعها تختفي خلفها؛ جميع اشكل النهب والاستغلال، وقهر الشعوب، ودق اسفين في جسدها الاقتصادي، وتكبيل إرادة الشعوب، بدعم مستبديها، التي من سوء حظها؛ تقع فريسة لهذه الصراعات، سواء بالحرب المباشرة او بالإنابة، أو تقع تحت نير وظلم الحاكم الطاغي. ان هذه الصراعات والتنافسات والحروب لم تكن وليدة اليوم، او انها تحدث وحدثت في الوقت الحاضر، بل انها تمتد على مدار القرن العشرين والى الآن. تتبدل القوى الدولية العظمى والكبرى بين مرحلة والاخرى التي تليها او تحتل موقعها، وتتغير العناوين والاهداف، لكن الاساس يظل هو من حيث الجوهر والهدف والغاية. ان هذا الاستغلال الذي تنتجه حروب وصراعات وتنافسات القوى العظمى؛ انتج لنا عالم غير عادل ويسود فيه الظلم في ابشع صورة. وان كان قد اختفى وحتى هذه اللحظة يختفي، وراء عناوين مغرية وبراقة؛ من قبيل حقوق الانسان وحقه في الحياة، اما الحقيقة كانت ولم تزل هي اضطهاد هذا الانسان سواء كان في الدول العظمى والكبرى، الذي يحتل الانسان فيها، مرتبة ادنى في تسلسل الهرم الاجتماعي والاقتصادي وبنتيجتيهما؛ يكون في المرتبة الدونية في التراتبيية الطبقية ، او في الدول المستهدفة، مع أن الأنسان في الأخيرة؛ الظلم الذي تعرض ويتعرض الى الآن له، هو اكثر وضوحا وبشاعة، وأكثر عمقا واتسعا. عالم اليوم كما هو عالم الامس، سواء ما كان منه قريبا او ما كان منه بعيدا الى حد ما؛ هو عالم ظالم ليس فيه عدل، في داخل القوى العالمية،( شعوبها) او في مناطق هيمنتها وسيطرتها.( شعوب العالم الثالث) وهذا يشمل جميع القوى العظمى والكبرى التي تحكمت ولم تزل تتحكم في العالم، بما فيها الاتحاد السوفيتي، كما امريكا والقوى الغربية الاخرى، ولو أن الأخيرين، بدرجة اكثر عمقا وظلما وجرحا للكرامة الانسانية. الاتحاد السوفيتي ايضا، سلب من الدول والشعوب المنضوية تحت معسكره، القرار المستقل والسيادة، كما حدث في بلغاريا وجيك وسلوفاكيا. وايضا في داخل الاتحاد السوفيتي؛ تحكمت وسيطرت طبقة اوليغارشية وبيروقراطية. السؤال الذي يطرحه منطق الاحداث والصراع؛ لماذا هذا الصراع؟ ولماذا لا يجري وضع الحلول لها؟ وهي حلول في متناول اليد، ان كان الهدف هو الأمن والسلام والاستقرار. الاجابة على هذين السؤالين؛ هو ان هناك اهداف استراتيجية هي اكبر بكثير جدا من الصراع على الحدود او نشر الديمقراطية وحقوق الانسان وفق لائحة الاعلان العالمي لحقوق الانسان، أو المحافظة على السلم والاستقرار العالمي، أو على اي شكل كان يُجتَرح من دهاقنة افتعال الحروب وصناعة الازمات من القوى الدولية العظمى. ان جميع الحروب والازمات في العالم، قابلة للحل حسب مقتضيات القانون الدولي، الذي، من كتبه واقره، هي القوى العظمى. لكن هذا القانون يجري على مدار ما يقارب القرن؛ التلاعب به، وبمخرجاته حسب ارادات هذه القوى الدولية، وبما يخدم مصالحها، بصرف النظر عن جميع ما به من حقوق واشتراطات؛ باستخدام منصة مجلس الامن الدولي، الذي تتحكم به خمسة دول عظمى وكبرى، بما يجعل منه، حكومة عالمية دكتاتورية، وظالمة. على سبيل المثال، وهو مثال صارخ على الظلم؛ القرارات الدولية التي تعني بالقضية الفلسطينية، هذه القرارات لم يطبق منها اي قرار، حتى ولا جزء يسير منها، جميعها تم دفنها في مخازن مجلس الامن الدولي، حتى صارت نسيا منسيا. جميع الصراعات يمكن حلها او وضع الحلول لها، ( مع انها صناعة من قوى عظمى بعينها؟.. أو ان هذه القوى العظمى هي من اوجد الارضية الواقعية لاندلاعها..) اذا كانت النية هي المحافظة على السلم والاستقرار في العالم، والمحافظة على ارواح البشر في اوطان تنعم بالأمن والسلام والاستقرار، واقامة عالم خال من هذه الحروب والصراعات والتنافسات. لكن الحقيقة تختلف كليا، فهي في الاجل الاعظم منها، لجهة المرامي البعيدة لها، هي؛ مصادرة حقوق الاخرين من الدول الاضعف، والدول الضعيفة، وحتى الدول التي تتمتع بقدر ما من القوة والقدرة، والإرادة السياسية، لمواجهة التغول الامبريالي الكوني؛ تعاني، نظام وشعب، الامرين من جراء هذه المواجهة. أما الجانب الثاني في الذي يخص تنافس القوى العظمى مع بعضها البعض؛ فأن القوى الاعظم، امريكا، او هكذا هي تخاطب دول وشعوب الكون، أو على هذه الصورة، تسوق نفسها في خطابها الذي توجهه الى العالم؛ تخطط لعمليات في الميدان؛ لقص اجنحة، وكسر اذرع واقدام الدول العظمى المنافسة لها، وان كان ساحات تحركاتها هذه، تقع على مقتربات خنادق خصومها، روسيا والصين، ولو ان تحركاتها هذه تحمل مخاطر كارثية، ان حدث خطأ ما غير مقصود.. هذه الساحات هي الآن، في تايوان واوكرانيا، والبحر الاسود، وجنوب شرق اسيا، واسيا الوسطى، والمحيط الهندي والهاديء. وايضا في الركن الأخر من الكرة الارضية، في المنطقة العربية، التي يدور فيها، بين هؤلاء الخصوم، صراع وان لم يظهر جليا وواضحا على سطح الاحداث، لكنه يمور بقوة في الانفاق غير المرئية، والقائمة ربما تطول.. ان اهداف هذه الحروب، او التهديد بها، أو حروب الخراب والدمار، أو الصراعات، أو الشراكات والشراكات المضادة؛ لا تمت بصلة الى المعلن منها، بل ان اهدافها هي للسيطرة والهيمنة على مقدرات الشعوب والدول في الكوكب، بعد انهاكها وكسر شوكتها، وخللت نسيجها الاجتماعي والسياسي، واضعاف بنيتها الاقتصادية، وجعل الناس في هذه الاوطان؛ تبحث عن مخارج ودروب للهروب من وطن ليس فيه حياة. يهربون الى اوروبا وامريكا، وبقية دول العالم المتقدم، بحثا عن الأمان والسلام والعيش بكرامة، في اوطان اخرى بديلة، مع ان حكومات اوطان الملاذ هذه، هي من دمرت الحياة في بلدان اللاجئين. امريكا واوروبا وغيرهما يرفضون استقبالهم، متناسين ان مأساة هؤلاء الناس، هم من صنعها واوجدها على ارض الواقع، الذي انتجته مخططاتهم، لتهيئة الاوضاع الملائمة للسيطرة والاستغلال للأمد البعيد. هذه الحروب والصراعات التي تهتز على ايقاعها المعمورة؛ ماهي الا في الاول والاخير؛ من اجل نهب خيرات الشعوب وفتح اسواقها، سواء في الاقتصاد والتجارة او اسواق السلاح؛ انه صراع يحاول كل طرف من هذه الاطراف الدولية الكبرى، طرد الاخر من الساحة؛ لتكون خالصة له. مادة ووقود هذا الصراع هي البشرية في الكرة الارضية، بالضد من مصلحة البشرية الانسانية، سواء شعوب هذه القوى العظمى، او شعوب دول العالم الثالث، مع ان هناك فرق كبير جدا، بين ضحايا البشرية من شعوب العالم الثالث، التي هي اكبر بكثير جدا، أو بما لا يمكن القياس عليه، عنها في شعوب القوى العظمى. في هذا السياق التحليلي، الذي ازعم صحته، على الأقل من وجهة نظري هذه المتواضعة؛ ان البشرية على ظهر كوكبنا الذي ابتلي بالحروب، سواء ما كان منها مباشرة، او ما كان منها بالوكلاء، وما اكثرهم على مدار سنوات القرن لعشرين، والى الآن، اكرر مرة اخرى لتركيز محور تحركاتها التي تدور حوله ولا محور اخر غيره؛ هي حروب للنهب والاستغلال وفتح الاسواق، ومنها اسواق السلاح. أن وقودها وادامة نيران اشتعالها؛ هم البشر في هذا الكوكب، وبالذات، أو بالتحديد الحصري؛ الناس في دول العالم الثالث. ان هذه الحروب والاضطرابات وتخليق المشاكل التي تبدوا وكأن لا حل لها، يلوح في الافق، بينما الحقيقة ان حلها في متناول اليد، ان كانت النية والغاية والهدف؛ هو وضع الحلول لها، وليس استثمار ديمومتها لغايات استعمارية، صارت واضحة لكل متابع يشتغل العدل والأنصاف، بقوة في تفكيره وضميره. في هذا الصدد ما ينطبق على الاوضاع في الركن الثاني من الكرة الارضية، ينطبق على حال الاوضاع في المنطقة العربية، والقضية الفلسطينية، وهي الاهم، بل هي في جانب كبير منها؛ اس هذه الحروب والاضطرابات في دول المنطقة العربية، ان لم اقل هي الاس الكامل، والمطلق في البداية، وما بعد هذه البداية؛ من شق الطرق الى النهايات. ان هَمً القوى العظمى والكبرى، والأخيرة في حدود اقل؛ هو جعل العالم اسواق مفتوحة لها، ولشركاتها حتى تستمر في التطور والنمو، وان لا يكون هناك، في مخازنها فائض من الانتاج، لا اسواق له، وان لا يكون في معاملها سواء في الحقل المدني او العسكري؛ اختناقات تقلص وتحد من سلاسل الانتاج، وبالتالي وبالنتيجة؛ تحجيم تطورها، أو الحد منه وتقليل نموه؛ وبالتالي يزيد من البطالة، والكساد والتضخم، والركود الاقتصادي، مما يهدد بالاضطراب والفوضى.. ان حكومات القوى العظمى، وبرلماناتها، ومؤسسات البحوث والدراسات الاستراتيجية فيها، باستثناء الصين حاليا وربما الى الأمد المتوسط؛ ماهي الا شركات عملاقة، عابرة للجنسيات والحدود؛ اهدافها هو الحصول على اكبر مساحة من الاسواق، وجني الارباح من تسويق منتجاتها المدنية والعسكرية، على حساب خراب الاوطان، ودم الشعوب. لذا، نلاحظ، حسب خبراء هذا الشأن؛ ان الثروة في العالم، يمتلكها اقل من 5% من سكان المعمورة، بما فيها شعوب هذه القوى الدولية العظمى، التي تتحكم بمصائر الكرة الارضية، والبشرية على سطحها.