لابدّ من الإقرار أنّ العقوبات والتعويضات المالية التي جرى فرضها على العراق في اعقاب حرب عام 1991 , قد إتّخذها مجلس الأمن الدولي في ظلّ اجواء نفسية مشحونة ومضغوطة ” وبشكلٍ انتقاميٍ مهووس فعلياً ” بالضدّ من اجتياح العراق للكويت العراق , ودونما تفريقٍ او تمييز بين نظام الحكم السابق , وبين ما سيتكبّده ويكابده الشعب العراقي على مدى السنوات الطوال , ومع هَول تلك العقوبات التي لم تسبقها سابقة , فقد اضطّر نظام الحكم السابق ” ملزماً ” بالموافقة قسرا والتوقيع على تنفيذ تلك العقوبات , للتخلّص “على الأقلّ ” من احتمالات تجديد القصف الجوي والأرضي المجنون لقوات التحالف , والذي بلغ 100 000 طلعة جويّة – Sortie جرى فيها إسقاط 88500 طن من القنابل , بالإضافة الى ما تحمّله الشعب العراقي من اذىً ومشقّة جرّاء ذلك القصف , فيما لو رفض العراق الموافقة على دفع تلك التعويضات التي انتهت قبل يومين !
لكنّ بيت القصيد – على هذا الصعيد – إنّما يكمن في كيفية تحديد قيمة خسائر الكويت كدولة في تلك الحرب , والتي إدّعت وزعمتها حكومة الكويت وبتضخيمٍ مبالغٍ فيه بما يفوق اثمانها , كما وبكيفيةٍ اكثر في تحديد قيمة ممتلكات عموم المواطنين الكويتين وغير الكويتيين من دون ايّ إثباتٍ ولا ايّة دلائل .! , فقد جرى آنذاك أن قامت وجالت وحدات من المراقبين الدوليين المفترضين بتوجيه اسئلةٍ عموميةٍ الى معظم عموم الكويتيين عمّا فقدوه وتكبّدوه من خسائرٍ جراء اجتياح العراقي , وكانت الأرقام التي إدّعوها هؤلاء مقبولةً لدى المراقبين كيفما كانت , وحتى لو بمئات اضعافها , او حتى لو لم تكن اصلاً , وكان يجري تسجيلها رسمياً ورفعها الى مجلس الأمن .!
بهذا الصدد , كنّا قد علِمنا واستمعنا شخصياً من بعض الموظفين العاملين في بعضٍ من البعثات الدبلوماسية العربية , بالإضافة الى ما اكّدوه بتفاصيلٍ اكثر بعض موظفي البعثة الدبلوماسية العراقية في الأمم المتحدة ” في وقتٍ لاحق ” بأنّ الغلوّ والتمادي في تثبيت وتسجيل خسائر ايّ مواطنٍ كويتي بلغَ حدّا : < بالإدّعاء بأنّ اكثر من مزهريةٍ زجاجيةٍ تقليديةٍ في منزله قد تهشّمت جرّاء احتلال الكويت , لكنما جرى تسجيل قيمتها بأنها من ارقى درجات الكريستال العالمي .! > , وقطعاً لم نختار تلك المزهرية كمثالٍ , سوى لإختزالٍ مكثّف لأعدادٍ من صغائرٍ وكبائرٍ اكثر فأكثر , وبما يفوق قُدُرات التصوّر لغير المتابعين , بالرغم من أنّ هذه التفاصيل والمعلومات قد غدت منشورة وبأوسع الأنطقة , لكنّ معظم الجيل الجديد في العراق والوطن العربي قد امسى بعيداً عنها وفق زخم الأحداث .
ثُمَّ , ودونما ربط ما في الأسطر اعلاه بنظام الحكم السابق وبأيٍّ من الزوايا , حيث يتعلّق الأمر بتكبيل شعب العراق و قُدُرات العراق بقيودٍ مستقبليةٍ بعيدة المدى , وندفع اولى أثمانها الآن بمن جيء بهم من خلف ومن بين حدودٍ لدولٍ مختلفة , وسيما من بعض دول الجوار .! , فإنّ الأغلال السياسية – الأقتصادية والمالية التي جرى وضعها في معصم أذرع العراقيين طوال السنوات ما بين سنة 1991 والى عام 2003 فقد جرى التمويه السيكولوجي – السياسي عليها , بإشغال الفكر الجماهيري العراقي , وحتى قيادته العسكرية السابقة , بإدامة الغارات والطلعات الجوية الريطانية – الأمريكية طوال سنوات الحصار , بغية محاولاتٍ عابثة لتشظية الرأي العام العراقي وتغيير مساراته وإتّجاهاته .
مسألة ومعضلة توجّهات الكويت تجاه العراق , لا تتطلّب تدويناً في ملفّاتٍ ومجلداتٍ فحسب , فإنّها قائمة وبديمومة , والأقلّ منها تحطيم وتخريب إشاء ميناء الفاو الكبير , وبما يوازي الأحداث السابقة .!