19 ديسمبر، 2024 12:16 ص

حرب مياه وجفاف مدمرة مقبلة على بلاد ما بين النهرين!

حرب مياه وجفاف مدمرة مقبلة على بلاد ما بين النهرين!

اعتمدت شعوب بلاد مابين النهرين او بلاد الرافدين على نهري دجلة والفرات في الحصول على مياه الشرب وري المحاصيل الزراعية واعتبارهما وسيلة نقلٍ رئيسية، وكانت الفيضانات التي تصيب النهرين تخلف تربة غنية وخصبة في السهول الجنوبية للمنطقة ولهذا كان العراق يعتبر من الدول الغنية بالموارد المائية حتى سبعينيات القرن الماضي إلا أن بلاد الرافدين في وقتنا الحاضر يتعرض لحرب مياه من جيرانه مضافا لها تغير مناخي واحترار جوي وجفاف يقسو على أهل هذا البلد.
دول المنبع والمصب
ينبع نهر دجلة من تركيا شمالا معززا بروافد من إيران شرقا بينما ينبع نهر الفرات من تركيا شمالا أيضا ولكن مرورا بسوريا غربا ثم يشق النهرين مصبهما في العراق حتى يلتقيان في القرنة ليشكلا شط العرب في البصرة.
حرب المياه مع الجيران (عوامل خارجية)
بدأت حرب المياه غير معلنة اواخر سبعينيات القرن الماضي نتيجة قيام دول المنبع (تركيا وإيران) بإنشاء عدة سدود على حساب دولة المصب (العراق) وما رفع مؤشر الخطر المائي استمرار هذه الدول باستغلال ما مر ويمر به العراق من أزمات داخلية حيث بدأت أولى بوادر الحرب والحصار المائي بعد إنشاء تركيا مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP) حيث أنشئ لحد الآن (13) من أصل (22) سداً مخطط لها ضمن المشروع بواقع (6) سدود على نهر دجلة أضخمها (سد اليسو) الذي دخل الخدمة سنة 2018 و (7) سدود على نهر الفرات أكبرها عالميا (سد أتاتورك) الذي أنشئ سنة 1990 كذلك قيام إيران بقطع وتغيير مجرى روافد نهر دجلة (الوند والزاب الصغير) من مصبها في العراق إلى داخل الأراضي الإيرانية مما خفض الإطلاقات المائية لحصة العراق 40 % والذي ينذر وبحسب خبراء ومختصين بعطش العراق وجفاف أراضيه في المستقبل القريب وبدا ذلك واضحا في خطة العراق الزراعية التي خفضها إلى النصف دون اللجوء إلى حلول دبلوماسية دولية وتخطيط مائي داخلي سليم لتفادي هذا الخطر.
سوء تخطيط وإهمال (عوامل داخلية)
من ناحية التخطيط فلم يشهد العراق أي تطوير وتخطيط يضمن أمنا مائياً مستداماً منذ حرب الخليج الثانية ولحد الآن رغم أن الثروة المائية تعد مصدر من مصادر الدخل الاقتصادي للعراق فلم يشهد (عراق ما بعد 2003) بحكوماته تحركاً دبلوماسيا جدياً للتفاوض من أجل حقوقه مع بلدان المنبع فما يتبقى من مياه نهري دجلة والفرات يذهب إلى الخليج (هذه إحدى حجج دول المنبع) فلا مشاريع استراتيجية لإنشاء سدود خزن جديدة ولا تنويع في تحويل جريان المياه لأكبر مساحة زراعية ممكنة رغم وجود الإف الحلول من بحوث ودراسات بهذا الشأن إلا محاولة واحدة وهي تكملة لمشروع (سد بخمه) في أربيل المعطل منذ 1990 حيث بذلت جهود لإكمال بناء السد بكلفة 5 مليار دولار إلا أن رفض ساسة الإقليم بحجج واهية حالت دون إكماله. بالإضافة إلى التجاوزات الحاصلة بين المحافظات في الحصص المائية وغياب السيطرة المركزية والرقابة الحكومية على المياه كل هذا وغيره من العوامل كانت أحد أسباب تفاقم الأزمة المائية. تغيير مناخي (حرارة وجفاف) كان العراق من الدول التي تأثرت بعامل التغير المناخي العالمي وارتفاع الحرارة وهذا ما لمسناه وبدا جلياً في أزمة الجفاف التي حلت بالعراق عام 2018 فالعراق لم يكن مهيئاً لموجة الحر الجافة وقلة الأمطار وفي هذا السياق حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2019 من أن “التغير المناخي من المتوقع أن يقلل هطول الأمطار السنوي في العراق مما يؤدي إلى زيادة العواصف الترابية وانخفاض الإنتاجية الزراعية وندرة المياه”. ومع كل صيف تقترب البلاد من هذا الواقع المرير ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة “إنه في عام 2015 كان لدى كل عراقي 2100 متر مكعب من المياه المتاحة سَنَوِيًّا، مضيفا أنه بحلول عام 2025، ستنخفض تلك الكمية إلى أقل من 1750 مترًا مكعبًا، مما يهدد استقرار الزراعة والصناعة في البلاد على المدى القريب، فضلاً عن تهديد صحة سكانها البالغ عددهم 40 مليون نسمة” كما صنفت الأمم المتحدة العراق كخامس دولة مهددة بالجفاف عالميا!
الحلول (تخفيف الصدمة وبأقل الخسائر)
أن تجاوز الأزمة بحلول ترقيعية هنا وهناك لن يجدي نفعا فالخطر قادم لا محالة ولابد من حلول استراتيجية حقيقية رغم أن هذا ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى جهود كبيرة من قبل مختصين في الموارد المائية، سبق أن وضعت الكثير من البحوث والدراسات الناجعة لتجاوز هذه الأزمة من قبل عدد من الخبراء والمختصين تبدأ من إجراء مفاوضات ومباحثات مع دول المنبع وبوجود وسيط دولي يتم اختيار الوسيط عند توفر بعض الشروط المهمة به كعامل السلطة الدولية والسياسة والاقتصاد، التي يتمكن من خلالها من مساعدة العراق، مثل (الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وحتى الصين) ولابد للعراق من اختيار مفاوضين وخبراء أكفاء للضغط على دول المنبع من ناحية اقتصادية فكل متابع يعلم حجم التبادل التجاري الكبير بين العراق من جهة وتركيا وإيران من جهة أخرى بالإضافة إلى الناحية الأمنية فأمن هذه الدول مرتبط بأمن العراق واستقراره. أما على الصعيد الداخلي فلابد من وضع الخطط الاستراتيجية قريبة الأمد والبدء في تنفيذها (كخطط طوارئ) من خلال إكمال إنجاز (سد بخمةبخامةبتخمةبجمةبختمة) في أربيل وصيانة وإدامة السدود والنواظم الحالية والعمل على إنشاء أحواض خزن كبيرة لاستثمار مياه الأمطار إضافة إلى الجدية في إزالة التجاوزات على الأنهر بكافة أشكالها وتحديث وتطوير شبكات مياه الشرب لاستيعاب الانفجار السكاني ووضع خطط بديلة لاستثمار المياه الجوفية في مواجهة التغير المناخي والاحترار الجوي، كل هذا بحاجة إلى رجال دولة يكون همهم الأول هو تفادي أزمة المياه المحدقة بالبلد وإيقاف الحرب المائية مع دول المنبع.