أأيهم اوكل العراقيين بوري وأيهم خنع للامريكان وكرم قتلاهم وأيهم نفخ الفقاعة وانفجرت عليه وأيهم سيس السياسة وجعلها لعبة لل—اللكو وأيهم لعب المحيبس ولوحده واضاعه وأيهم باع ثلثي العراق ويقول مؤامرة وأطراف خارجية وداعش كانوا بالنعل ينهزمون وينصادون وعفى عن جهابذه جيشه المتخاذلين وأهدى الاقليم كل تجهيزات الجيش وأثبت عراقيته ورد فضلهم حين لملموه وقت النظام المغبور وأيهم قتل اهله وابناء جلدته واستثمر العراق كخردة وأقرضه لايران الجارة المسلمة وحسب رأي مسيلمة وأيهم لاينطيها حيث لايوجد احد يقدر يأخذها وووووو….ويكفي ان يتهاتر مع الفنان رمضان وهم استقدموه وباسلوب التوافقية والتشاركية !!!
هل يُشرف العراق على تيه جديد؟ ما اشبه اليوم بالبارحة، فالمتابع لسياق الاحداث في المشهد العراقي هذه الايام لابد ان تعود به الذاكرة الى الماضي، في تسلسل زمني لا يكاد يخلو من تشابه مفرط في ما كان وما هو قائم الان. لدرجة يكاد ان يكون القدر متهما بالتجني، في ما يصنعه من تكرار بائس لهذا البلد، الذي ما يلبث ان يخرج من شرنقة حتى تتكالب عليه الظروف ليدخل عنوة في شرنقة اخرى، كأن المجهول كتب على اجياله الدوران مدى الدهر في حلقة مفرغه.فاذا عدنا الى مطلع القرن الماضي، نشهد تطابقا غريبا مع ما هو قائم اليوم، في معظم اوجه التطابق المنشود تتبعها، ابتداءً من كون المرحلتين تأسيسيتين ولم ترس الدولة ركائزها المؤسساتية بشكل كامل ورصين، الى جانب وجود قوات اجنبية محتلة على الارض، واخيرا وليس آخرا، غياب واضح للعدالة الاجتماعية، يخلف احباطا متناميا لدى مختلف شرائح المجتمع العراقي. ومن سخرية القدر ايضا أن يتطابق اسما رئيس الوزراء لتلك الحقبة مع الحالي، ليجتمع النوريان في الصفة والاسم ويختلفا بالألقاب فقط، السعيد والمالكي، وتدور الشبهات والاتهامات حولهما بحسب زعم الاخرين.فنوري السعيد كان قد احكم قبضته على مفاصل الدولة في العهد الملكي، على الرغم من سلامة نواياه (حسب ادعاء من كان على تماس بمحيطة القريب)، الهادفة الى تحسين الواقع المعاشي والاجتماعي، والنهوض بواقع هذا البلد على الصعيدين المحلي والدولي، الا انه تسبب بأسوأ كارثة في ذلك العهد بحق نفسه وبلده، كما ينقل التاريخ.وافضى تفرده بالحكم الى انهيار كبير لمؤسسات الدولة والديمقراطية الناشئة، بعد تفشي الفساد السياسي والمالي بشكل افقي وعامودي. وهو ذات السيناريو القائم حاليا مع المالكي وحكومته التي تتهم من قبل الكثيرين بالفساد في عصرنا الحالي.حيث دفع الواقع المتردي في عهد رئيس وزراء الملك بالعراقيين الى ولوج سبل متعرجة غير محسوبة املا في الخلاص، بعد ان تمادت سلطة السعيد في الاستخفاف بتطلعات الشعب، واجهضت احلامه بدولة كريمة، ليساق العراق الى خيارات مؤلمة، ودهاليز مظلمة رُهن اثناءها مصير الشعب بأمزجة الدكتاتوريين والانقلابيين، كما هو معروف.وما يختلف حاليا عما مضى هو العامل الزمني ذاته، لاسيما ان الكرة لا تزال في ملعب المالكي والبرلمان العراقي، لتجنيب البلاد الوقوع في المحذور، وتفادي مصير شبيه بمصير نظام نوري السعيد، وما سوف يعقبه من انهيار كارثي لمرتكزات التجربة الديمقراطية، ولمؤسسات الدولة.فرئيس الوزراء العراقي كما يرى البعض قد يكون غير قادر على التغيير في ظل اسقاطات ما احاط به نفسه من قيود سياسية، وبيروقراطية، اطاحت ببرنامجه الحكومي مسبقا، فهل سيتحلى بشجاعة اكبر للتنحي، خصوصا انه قادر على العودة مجددا الى دفه الحكم في المستقبل القريب. وعود على بدء، صحيح ان مسؤولية ما حل بالعراق طيلة تلك الفترة يتحمل وزرها نوري السعيد لانفراده بالسلطة وممارساته القمعية والبوليسية، التي اخذت طابعا استبداديا منذ توليه وزارته الثانية، عندما بات يترقب خيفة كل نقد ويسعى الى تكميم الافواه بكل ما أوتي من قوة، الا ان النظام السياسي الذي كان قائما آنذاك، يتشارك المسؤولية مع السعيد بشكل متساو في ما حل بالعراق، خصوصا ان النواب وموظفي الدولة الكبار في تلك الفترة، ارتضوا لأنفسهم الخنوع لسلطانه، وعدم الاكتراث بما يختلج في نفوس الشعب من نقمة على التردي الحاصل في مفاصل الدولة، بعد ان احجمت الاحزاب بمختلف اطيافها عن التصدي لسياسات الحكومة الخاطئة، وانشغلت بمصالحها الفئوية والجهوية.وهو واقع بات ينسحب في وقتنا الحالي على اعضاء مجلس النواب الحالي، الذين جعلوا من انفسهم رجع صدى لا اكثر، بعد ان انفرط من ايديهم زمام المبادرة، وباتوا يعولون على بعض الجهات املا في التغيير، غير مدركين انهم مفاتيح تلك الحلول وليس غيرهم، وان الحكومة او الامريكان او حتى الدول الاقليمية المجاورة، ليس لها الحق او القدرة في تقويم او تعديل مسار العملية السياسية في العراق الا من خلالهم، فهل يكونون قادرين بدورهم على الانعتاق من الحالة السلبية التي وضعوا انفسهم فيها، والخروج من ثوب المتفرج الى ثوب المبادر، قبل ان ينزع الشعب عنهم كل ما يرتدونه، لا سمح الله. ونسترجع على مضض حقبة ما بعد الملكية الغابرة.فمظاهرات الغضب التي تجتاح مدننا الان نابعة من النقمة على ما هو قائم، وارادة شعبية تهدف الى التغيير، وهو امل قادم لم يعد تطبيقه محصورا بمزاج السياسيين، فسلطة الشعب وان خفت بصيصها الا ان عودتها كالبركان، لا يسلم من لظاه احد.صحيح ان الخيارات الانفعالية غالبا ما تكون ذات مردودات سلبية تفضي الى اضرار اكثر مما هو قائم، الا ان فكرة الخلاص التي تهيمن على الفكر الجماعي تحجب التبصر وتسقط من اذهان المنتفضين نسب الخسارة والنفع.فهل سيكون ساسة العراق قادرين على تجنيبنا وأنفسهم تيهاً جديداَ
ما نراه يحدث بالعراق في وقتنا الراهن يجعلنا نعقد مقارنة سريعة بين النوريين، نوري السعيد ونوري المالكي.. فنوري السعيد رأى مستقبل العراق مشرقا من خلال نظارته البيضاء،أما المالكي فأدخل بلاده في ظلام من خلال نظارته السوداء والتي يرى بها كل ما في العراق قاتما.
فنوري السعيد الذي نتحدث عنه هو أبرز السياسيين العراقيين أثناء العهد الملكي والذي تولى منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة بدءا من وزارة مارس 1930 إلى وزارة الأول من مايو 1958.. كان جل هم السعيد هو الحفاظ على أمن المواطن العراقي ووحدة بلاده التي كان حالها أفضل بكثير من العراق اليوم.
أعتقد أن الشعب العراقي لما له من رصيد عظيم من الوطنية يملك مقومات تغيير حاضره إلى الأفضل، والشعب العراقي صاحب قراره حقيقة، وأعتقد أنه من كثرة ما تعرض له من محن وآلام، فليس أمامه سوى الأمل وأن يرفع صوته ضد كل ما يلاحقه يوميا حتى يشعر العالم بمعاناته على يد حكامه. وأحسب أن الشعب العراقي على بينة بما يحيق به من شرور، وأن بعض سياسييه لا يحبون التغيير من أجل مصالحهم. ولكن المؤكد أن بالعراق الآن الكثير من نوري السعيد بنظارته البيضاء التي يرى بلاده عبرها مشرقة ومستقبلها مزدهرا.. رجال مخلصون ووطنيون لا يهمهم أي شيء سوى مصلحة العراق والشعب العراقي.
والعراق أيضا مليء بنوري المالكي بنظارته السوداء المتشائمة التي لا ترى سوى أسود، وهؤلاء لن يقدموا لبلدهم سوى المحن والظلم والتخلف والارتماء في حضن الأجنبي وتأجيج الطائفية والمذهبية ونبذ الديمقراطية وإشعال الفتن وإقحام العراق في المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية بهدف الحفاظ على الكرسي فقط وليس غيره.
وللأسف.. لا يعترف المالكيون بأخطائهم رغم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة ومن حكم العقلاء، وهؤلاء يستغلون الديمقراطية لتنفيذ مآربهم السياسية فقط ثم ينقلبون عليها طالما استفادوا من عباءتها ثم يظلمون المواطن والشعب والبلد كلها، غير عابئين بالمواطن الذي أحضرهم إلى الحكم، ولكن على كل هؤلاء أن يعلموا أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.
وأعتقد أن الشعب العراقي هو الأكثر دراية بمتطلباته في الوقت الراهن، وعليه الحفاظ على مكتسباته وأهمها الديمقراطية التي انقض عليها المالكيون، وتطويرها لينعم بها كل الشعب.. ولا داعي لترديد ما يزعمه أعوان المالكي بأن بعض الدول المجاورة ونقصد الخليجية منها، تستهدف تدمير الديمقراطية العراقية.. أي ديمقراطية يتحدثون عنها؟! ومن المؤسف أن نسمع أن بعض العراقيين ينسون أفضال الخليج الذي أسهم بعوائده في دعم جيش صدام ضد الجحافل الإيرانية ونجا العراق بلدا وشعبا من الزحف الفارسي.. وبأي حق يتحدث هؤلاء أو ما هي مصادرهم في الحديث عن مؤامرة خليجية للانقضاض على الديمقراطية العراقية؟ وعلى أي أساس يرصدون تلك المؤامرة المزعومة تكلفة تصل لنحو (250) مليار دولار لتدمير الديمقراطية العراقية!!. أعتقد أنه لو كان نوري السعيد بين ظهرانينا الآن لرد بنفسه على مثل هذه الخزعبلات التي تصدر من قلة داخل العراق للأسف الشديد، فنوري السعيد كان مثالا لرجل الدولة الذي يعرف قدر بلاده وجيرانها وكان يحترم الجميع واحترمه الآخرون، بعكس آخرين يعبثون بالسلطة والبلد من أجل بلاد أخرى.
ونقل عن نوري السعيد ذات يوم قوله : “العراق عبارة عن بالوعة وأنا أجلس على غطاء فوهتها، فإذا تنحيت عنها انتشرت رائحتها الكريهة”.. ومع غرابة التشبه والحالة، فإن الوضع قد يكون صحيحا في وقتنا الراهن، فالعراق يقترب من تشبيه السعيد ولكن القائمين على الحكم هناك لا يستطيعون إحكام غطاء الفوهة وبذلك تنتشر المشكلات السياسية والاقتصادية وآخرها أزمة منطقة الأنبار التي تنبئ بربيع عربي جديد في العراق. وإذا كان أهل الحكم يريدون حقا مستقبلا أفضل لبلدهم، فأمامهم الديمقراطية التي تحل كافة المشكلات، فهي السبيل للقضاء على الطائفية سواء الدينية أو السياسية بشرط عدم حشر الدين في الشؤون السياسية.
ويعلم القاصي والداني أن العراق في عهد نوري المالكي دخل في متاهات سياسية عديدة بسبب عدم وجود البوصلة الحقيقية التي تقود البلاد إلى بر الأمان، فالمالكي أدخل بلاده في أتون أزمات متعددة ومتلاحقة، ويرفض الحوار مع الآخر وصولا إلى حل للأزمات، وهو لا يأبه أصلا بمسألة تقسيم العراق. وأصبحت المراوحة هي سيدة الموقف في العراق، ونقصد هنا المراوحة التي تعني التخلف.
الوضع السياسي في العراق اليوم يدعو للسخرية، فكل رجال المالكي يتحدثون عن الإنجازات في معرض تعليقاتهم عن الأوضاع الحالية، وهم يعتقدون بالخطأ أن التجربة الديمقراطية في العراق هي تجربة فريدة من نوعها وعلى العالم استنساخها. وهم للأسف لا يرون أصل المشكلة وهي أن شيعة العراق يتمسكون بالسلطة على حساب بناء دولة العراق القوية الديمقراطية حتى لو كان الثمن هو تدمير البلاد وتحويلها إلى أرض قاحلة.
أما لو كان نوري السعيد هو الذي على رأس السلطة الآن، لوضع مصلحة العراق وشعبه في المقدمة وليس في نهاية المطاف. فالمالكي يريد فض المظاهرات الرافضة لسياساته الظالمة بالقوة لإشعال الحرب الأهلية في العراق، فهو يهدد بتدخل الجيش لقمع المظاهرات، وهذا يؤكد تعطشه للدم خاصة دماء السنة.. فهو لا ينسى تاريخه عندما كان موظفا في دائرة التشييع السياسي والأيديولوجي قبل غزو العراق، ودخل قصر الرئاسة على ظهر دبابة أمريكية، فهو صنيعة الأمريكيين الذين أعدوه للسلطة وفقا لعملية سياسية – عسكرية مشتركة. والخوف كل الخوف أن يستمر المالكي في الحكم، فكل يوم يقضيه في السلطة يعني مئات القتلى من شعبه.
ثم يدعي نوري المالكي بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي أن التوترات الطائفية في المنطقة ألقت بظلالها على بلاده، داعيا القوى السياسية إلى رفض التدخل الخارجي وحل المشاكل الداخلية. ثم يدعي أن التنافس الإقليمي والاستقطاب الموجود في المنطقة وما يحيط بالعراق من توتر طائفي أخذ يلقي بظلاله الثقيلة على العراق. وتناسى المالكي أن حكمه هو الذي كرس الاستقطاب وأصبح تركة ثقيلة بالعراق. ومع ذلك نراه يطالب بعزل العراق عما سماها بالتيارات التكفيرية التي تعصف بالمنطقة!! والداهي، أن المالكي يجرم الاستقواء بأي طرف إقليمي لتقوية طرف عراقي داخلي، لأن هذا يعد عملا خطيرا، يفتح أبواب الشر على العراقيين، في حين أن المالكي نفسه كرس سياسة الاستقواء بإيران والخارج لدعم حكمه وتقوية أواصره مقابل إضعاف بقية مكونات الشعب العراقي.
ولا يسعنا هنا سوى السخرية من قول المالكي :” الدول لا تبحث عن مصالحنا ولا تبحث عن مصالح تلك القومية أو المذهب بقدر ما تبحث عن مصالحها وهي مستعدة لدعم أي جماعة تضع نفسها في هذا السياق”.. ثم يعود ويدعو دول الجوار والأصدقاء للتعامل مع العراق وفق سياقين : الأول احترام الشأن الداخلي وعدم دس الأنف فيه، والثاني الابتعاد عن إشاعة جو الإرهاب لأنه عمل ارتدادي سيصيب بلدانهم. قد يتناسى المالكي أن سياساته هي التي إشاعة الفوضى والفساد والضغينة والكراهية بين العراقيين، وبالتالي، لا لوم على الآخرين أو الجيران اللهم إذا كان هؤلاء الجيران من أهل فارس الذين يدسون أنوفهم في شؤون كل الدول المجاورة.
ولهذا، ليس من حق المالكي أن يصف الوضع الحالي في بلاده بأنه يمر بمنعطف خطير لأنه هو نفسه مسؤول عن هذه الأجواء، وليس من حقه اتهام أي طرف سوى إيران بإشاعة الفوضى في بلاده. الغريب أن المالكي ما إن رأى حجم المظاهرات بأم عينيه، إلا وحاول الانبطاح قليلا ليؤكد على أن جميع المشاكل يمكن حلها بالحوار الأخوي والانفتاح.. فهو الذي قال :” لا مطلب يصعب تحقيقه ولا خلاف يتعذر حله”.. ولكنه للأسف، يعود لسياسة اللف والدوران ليرمي على غيره بالتهمة :” لكن إذا بقينا نتطلع إلى خارج الحدود ونراهن على هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، لن نجلب لبلدنا سوى الدمار والمآسي، وليكن عبرة ما يحدث حولنا”.
نعم.. فالمالكي يتفنن في سياسة الاستفزاز، عبر شخصيته الإقصائية، فهو محنك في هذا، واستطاع إقصاء كل المعارضين له حتى ممن كانوا أقرب الناس إليه في الماضي لمجرد أن نصحوه بالتحاور مع الآخر وخصومه السياسيين.. وأخيرا وليس آخرا، فالعراقيون اليوم بحاجة لمراجعة تاريخهم وقراءة أيام بلادهم إبان عهد نوري السعيد لمعرفة الفارق.
تختزل مأساة العراق الطريقة التي قتل بها نوري السعيد في العام 1958 خلال الانقلاب العسكري على العائلة المالكة، ووصول نوري المالكي إلى السلطة وقيام “داعش”. بين نوري السعيد من جهة ونوري المالكي و”داعش” من جهة أخرى، مسافة تقلّ عن ستين عاما. المسافة كافية لفهم سقوط العراق وتحوّله من دولة واعدة، تحكمها أسرة هاشمية كان رئيس الوزراء فيها رجل انفتاح ينتمي إلى العالم، إلى دولة فاشلة ليس معروفا فيها من أكثر تزمتا من الآخر. هل المالكي الشيعي أكثر تزمتا من “داعش” السنّية، أم العكس صحيح؟
عندما اجتاح الأميركيون العراق في العام 2003 بدعم إيراني، لم يكن هناك أي استيعاب في واشنطن لما عليه حال البلد والمجموعات التي قرّرت واشنطن التعاطي معها من أجل بناء نموذج لدولة ديمقراطية عصرية في الشرق الأوسط.
إلى الآن، لم يستطع الأميركيون فهم العراق. ربّما لم يفهموه في يوم من الأيّام، أو فهموه أكثر من اللزوم، خصوصا في مرحلة الإعداد لإسقاط نظام صدّام حسين العائلي- البعثي.
هل كان الهدف الأميركي، في الأصل، تغيير نظام الحكم في العراق وجعله نظاما صالحا لدولة ديمقراطية يمكن الاعتماد عليها في المنطقة، أي في “الشرق الأوسط الجديد”، أم أن المطلوب كان في كلّ وقت تدمير العراق وتفتيته كي يتفتّت معه الشرق الأوسط؟
انتهى العراق الذي عرفناه في يوم أسود هو يوم الرابع عشر من يوليو 1958، أي يوم حصول الانقلاب العسكري الدموي الذي أطاح العائلة المالكة الهاشمية. كانت تلك العائلة، بحسناتها الكثيرة وسيئاتها القليلة، رمزا للعراق الموحّد القادر على تجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية والقومية.
بعد الانقلاب العسكري ووصول الضبّاط إلى الحكم، تمهيدا لاحتكار صدّام حسين السلطة كلّها، لم يعد من مجال لتوحيد البلد بأي شكل. فـ”داعش” هي نتيجة طبيعية لحكم نوري المالكي، مثلما أنّ حكم نوري المالكي نتيجة طبيعية لحرب شنّها الأميركيون على العراق، بمشاركة مباشرة من إيران التي راهنت دائما على أنّها ستكون قادرة في يوم من الأيّام على حكم العراق، أو جزء منه، من منطلق مذهبي صرف.
منذ 1958، تراكمت المصائب على العراق. كان عبد الكريم قاسم مصيبة على الرغم من كلّ ما يقال عن زهده وسعيه إلى تحديث البلد، واهتمامه بحقوق الفقراء والمرأة. فالرجل لم يكن يمتلك شيئا من القدرة على فهم ما يدور في المنطقة والعالم. كانت ثقافته السياسية بدائية إلى حد كبير. لم تكن ثقافة الذين خلفوه أفضل، وصولا إلى صدّام حسين ثمّ نوري المالكي.
في المراحل التي مرّ بها العراق منذ 1958، كان كلّ ما بقي من مؤسسات الدولة وإنجازات في حقول معيّنة، خصوصا في المجال التربوي، من مخلّفات العهد الملكي، الذي كان نوري السعيد من رموزه، والذي لم يحسن العراقيون المحافظة عليه والسعي إلى تطويره.
هل اللوم، كلّ اللوم، على العراقيين الذي فرحوا بالانتصار على العهد الملكي الذي لم يروا يوما أبيض بعده؟ أم اللوم على جمال عبدالناصر الذي اعتقد أنّه صار زعيما عربيا قادرا على تعميم الفشل المصري المدوّي في المنطقة؟
كان الفشل المصري على الصعيد الإقليمي فشلا مدوّيا بالفعل. كانت هزيمة 1967، التي لا يزال العالم العربي يعاني منها، تتويجا لهذا الفشل الذي حطّ رحاله في العراق في العام 1958 وقبل ذلك في سوريا ولبنان. لم يوجد في العراق، للأسف الشديد من يقف في وجه المدّ الناصري، مثلما لم يوجد في سوريا من يسأل ما الذي يمكن أن تأتي به الوحدة مع مصر من حلول، باستثناء التأسيس لنظام أمني قضى عمليا على سوريا، خصوصا مع تحوّله إلى نظام طائفي في مرحلة لاحقة.
بعيدا عن المزايدات التي راج سوقها مع صعود “داعش” وطرح الزعيم الكردي مسعود البارزاني فكرة الدولة المستقلّة، لا مفرّ في نهاية المطاف من العودة إلى الواقع. يقول الواقع إن العراق الذي عرفناه انتهى. يقول أيضا إنّه لابدّ من الانتظار قليلا قبل إعطاء حكم نهائي في شأن “داعش” وما تمثّله. أكثر من ذلك، يشير الواقع إلى أن ما حصل في المناطق السنّية، ليس سوى دليل على أن الكيان العراقي تفجّر من الداخل.
منذ غاب الهاشميون ورجال مثل نوري السعيد في ذلك اليوم الأسود، انتهى العراق عمليا. هل من مبالغة في ذلك؟ ثمة من سيقول ذلك. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ غياب العائلة الهاشمية كان بمثابة غياب للمظلّة التي تجمع بين العرب والأكراد والتركمان والسنّة والشيعة والمسيحيين واليهود الذين عانوا من ظلم ليس بعده ظلم في العراق، حتى قبل انقلاب العام 1958.
لم يعد في الإمكان إنقاذ العراق. كلّ ما يمكن عمله هو إيجاد صيغة جديدة للبلد، ذات طابع فيدرالي أو كونفيدرالي، بعيدا عن مذهبية نوري المالكي الذي عجّل بتفجير الكيان وأوصل رجلا مثل مسعود البارزاني إلى مرحلة اليأس من بلد موحّد اسمه العراق… كما جعل أهل السنّة يعجبون بتنظيم إرهابي لا حدود لمدى تخلّفه مثل “داعش”.
كل ما يمكن قوله في هذه الأيّام أن المالكي لم يترك خيارا آخر للسنّة كما لم يترك خيارا للأكراد. الأكراد اختاروا التمرّد على سياسي عراقي، لا يريد التعلّم من تجارب الماضي القريب. فالمالكي يعتقد أنّ في استطاعته أن يكون صدّام حسين آخر بمجرد توفر الدعم الإيراني له، ووجود الخزينة العراقية في تصرّفه.
يبقى السؤال ما الذي سيفعله السنّة العرب وما الذي سيفعله الشيعة أنفسهم؟ الأكيد أن السنّة سيتجاوزون مرحلة “داعش”. أمّا الشيعة، فليس أمامهم سوى البحث عن زعامات جديدة تجعلهم قادرين على الحوار مع المكوّنات الأخرى للمجتمع العراقي.
كلّ ما عليهم أن يتذكّروه، بداية، أنّ في الإمكان إيجاد صيغة ما للبلد في حال تجاوز عقدة “الأكثرية الشيعية في العراق” التي أصرّ عليها الإيرانيون من أجل تسهيل انعقاد مؤتمر المعارضة الذي سبق العملية العسكرية الأميركية في 2003.
للتذكير فقط انعقد مؤتمر المعارضة في لندن في ديسمبر 2002، قبل أربعة أشهر، تقريبا، من بدء الحملة العسكرية الأميركية.
كانت تلك العبارة فخّا للشيعة الذين قبلوا تهميش السنّة العرب الذين لا مفرّ من التفاهم معهم من منطلق أن العراق بصيغته التي عرفناها صار جزءا من التاريخ لا أكثر ولا أقلّ.
لماذا مزيد من الدماء في الوقت الذي يمكن تقاسم الأرض والسلطة والثروة في آن… إلا إذا كانت إيران في وارد قبض ثمن الدولة الكردية المستقلّة بالطريقة التي ترتئيها، والتي قد لا تكون بعيدة عن ضمان وضع يدها على جزء من الثروة النفطية للعراق!