خاص : كتبت – نشوى الحفني :
أخيرًا؛ وبعد ربع قرن من السداد، أغلق “العراق”، يوم الجمعة، ملف ديون “الكويت”، بعد تسديده آخر دفعة قدرها: 44 مليون دولار.
والخميس، أعلن “البنك المركزي” العراقي طي واحد من أكثر الملفات استنزافًا لاقتصاد “العراق”، بعد أن تم دفع كافة التعويضات المالية التي أقرّتها “الأمم المتحدة” لصالح “الكويت”؛ بسبب حرب الخليج، والبالغة: 52.4 مليار دولار، وسط تفاؤل بانتعاش اقتصادي وانفتاح على الاستثمار العالمي.
وقال البنك، في بيان؛ إنه: “تم تسديد الدفعة الأخيرة المتبقية من تعويضات دولة الكويت، وقيمتها: 44 مليون دولار، وبذلك يكون العراق، بعد أكثر من 31 عامًا من غزوه الكويت، قد أتمّ سداد كامل مبلغ التعويضات التي أقرّتها لجنة الأمم المتحدة للتعويضات التابعة لمجلس الأمن الدولي، بموجب القرار (687) لعام 1991”.
بادرة حسن نية لتطوير العلاقات..
واعتبرت “الكويت”، أن سداد “العراق”، للدفعة الأخيرة؛ قبل موعدها مع نهاية هذا العام، تأتي كبادرة حسن نية من “بغداد” لتطوير العلاقات “العراقية-الكويتية”.
ويعني سداد “العراق” لديونه، جراء عواقب غزو رئيس النظام السابق، “صدام حسين”، لـ”الكويت” عام 1990، أن “بغداد” ستوفر مبلغ: 02 مليار دولار سنويًا لخزينتها المالية.
وتسببت ديون “العراق” الخارجية، بتواجد “العراق” ضمن الفصل السابع من مواثيق “الأمم المتحدة”، والذي يخص الحرب والعدوان. وبعد سداد الديون، سيخرج من ذاك البند، ويدخل في البند السادس، والذي يخص السلام.
استثمار إنهاء الديون في تطوير القطاع الإنتاجي..
ودعا عضو تحالف (الفتح)، “فاضل الفتلاوي”، الحكومة العراقية؛ إلى استثمار إنهاء ملف الديون الكويتية في تطوير القطاع الإنتاجي.
وقال “الفتلاوي”، بحسب بيان لكتلة (صادقون): “يتوجب على الحكومة العراقية استثمار إنهاء ملف الديون الكويتية في دعم وتطوير القطاعات الإنتاجية؛ كالزراعة والصناعة وتأهيل المعامل المعطلة لتوفير فرص العمل للعاطلين”.
وأضاف: “إن العراق مقبل على كارثة بسبب اعتماد اقتصاده بشكل كامل على النفط، الذي تُدفع عائداته رواتب للموظفين”.
وأشار “الفتلاوي” إلى: “أن الفائض من المبالغ، بعد تسديد ديون الكويت، كبير جدًا ويمكن للحكومة أن تُحقق تقدمًا اقتصاديًا، في حال تم وضع رؤية مستقبلية صحيحة لاستثمار تلك الأموال”.
يُمكن العُملة العراقية من استعادة مكانتها..
وحول تأثير سداد الديون على الاقتصاد العراقي، قال الخبير الاقتصادي، “باسم أنطوان”، أن الواقع الاقتصادي سيكون نحو الأفضل بعد غلق ملف ديون “العراق”؛ لـ”الكويت”.
وأضاف “أنطوان”، أنه بمجرد إعلان غلق ملف الديون أمس، تراجع سعر الدولار في الأسواق العراقية بشكل طفيف. لكن التراجع بحد ذاته هو أول ثمرات إغلاق ملف الديون، بحسبه.
وأوضح أن الإنتهاء من الملف الذي أنهك “العراق” طوال 25 سنة، سيُمكن العُملة العراقية من استعادة مكانتها بين بقية عُملات المنطقة، وتضاهيها.
إنشاء “صندوق سيادي”..
وفيما يتعلق بالخروج من البند السابع، يُشير “أنطوان”، إلى أن ذلك سيجعل العالم منفتحًا على “العراق” اقتصاديًا؛ لأن سمعته المالية ستكون سليمة بشكلٍ تام.
ويُبيّن “أنطوان” أن المبلغ الذي سيتوفر لخزينة “بغداد” سنويً؛ا بعد أن كانت تدفعه لـ”الكويت”، من شأنه تحسين الوضع المعيشي للشباب.
ويوضح بأنه يُفترض تأسيس “صندوق سيادي”، يتم وضع المبلغ السنوي، والذي قدره: 02 مليار دولار في الصندوق؛ كي تستفيد منه الأجيال القادمة.
لافتًا إلى أن حكومة “العبادي” كانت تُفكر بخطوة “الصندوق السيادي”، بعد إكمال سداد ديون “العراق”؛ لـ”الكويت”، ويؤكد أنه يجب على حكومة، “مصطفى الكاظمي”، أن تسلك ذات الخطوة.
بالمُجمل، فإن كل الآثار بعد سداد ديون “الكويت” ستكون إيجابية على “العراق”، وفق “أنطوان”. لكن ذلك يتعلق بخطط الحكومة لتأكيد تلك الإيجابية، بحسبه.
قد تُعرقل الميليشيات الجهد الحكومي !
وينوه بأنه يُشكك بقدرة الحكومة على المُضي بخطط الاستفادة من إغلاق ملف “الكويت”؛ لأن الميليشيات قد تُعرقل الجهد الحكومي، وتُطالب بحصص لها من عوائد إغلاق الملف.
“النفط” مقابل الغذاء والدواء..
يُذكر أن “الأمم المتحدة” كانت قد فرضت على “العراق” دفع تعويضات مالية قدرها: 52.4 مليار دولار لـ”الكويت”؛ نتيجة غزو “صدام حسين” لها، وذلك بموجب قرار “مجلس الأمن الدولي”، رقم (687) لعام 1991.
وفي عام 1996، وقع “العراق” مذكرة تفاهم مع “الأمم المتحدة”، وفق: “برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء”. ومنذ ذلك بدأت “بغداد” تدفع التعويضات بنسبة: 30 بالمئة من صفقات “النفط” المُصدرة سنويًا.
وبعد سقوط نظام “صدام حسين”، في عام 2003، صُدر القرار (1483) من “مجلس الأمن”. حيث حدد آلية الاستقطاع من مبيعات “النفط العراقي”؛ بنسبة: 5 بالمئة تُسدد إلى “الكويت” سنويًا.
واستمرت تلك الآلية، حتى عام 2015. من ثم توقفت التعويضات إلى “الكويت”؛ بسبب الظروف التي مر بها “العراق”، وخاصة حربه مع (داعش)، ثم استؤنفت مجددًا؛ عام 2018.
وفي عام 2019؛ ارتفعت نسبة الاستقطاع إلى: 1.5%؛ لتُسدد لـ”صندوق الأمم المتحدة” كتعويضات حرب. وفي عام 2020؛ أصبحت نسبة الاستقطاع: 3%، شريطة أن ينتهي سداد التعويضات خلال 04 سنوات، بحسب ما نشرت شبكة الاقتصاديين العراقيين.
وبحسب الخبراء؛ فإن ملف التعويضات كان يُكلف “العراق” ما بين: 06 إلى 07 ملايين دولار يوميًا، ومع إنتهاء هذا الفصل القاسي في الاقتصاد العراقي؛ فإن قيمة هذه الأموال من صادرات “العراق” الحالية – التي تبلغ أكثر من ملياري دولار سنويًا – ستُضاف إلى موازنة البلاد وتسد بابًا من أبواب النفقات.
انتقادات ومطالب بالتعويض..
وبعد الإعلان عن تسديد الديون، طالب مغردون عراقيون بتعويض بلادهم على ما حاق بها من خراب وتدمير بسبب الغزو الأميركي؛ على أن تُشارك “الكويت” أيضًا في التعويض، والأمر نفسه طالب به كثير من المغردين؛ خاصة ما يتعلق بتعويضات عن الغزو الأميركي.
فيما انتقد آخرون حصول هيئات وشركات وأفراد كويتيين لم يتضرروا من الحرب؛ على تعويضات أرهقت الاقتصاد العراقي وأفقرت العراقيين، على حد قولهم.
فرصة للإندماج في الاقتصاد العالمي..
ويوضح مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، “مظهر محمد صالح”؛ إن: “ملف التعويضات؛ كلف العراق الكثير من الناتج المحلي الإجمالي ومن مجهودات اقتصاده”، لافتًا إلى أن: “هذا المبلغ ليس بالقليل، حيث إنه كافٍ لبناء منظومة شبكة كهرباء تُنعش العراق لسنوات طويلة”، مضيفًا أن: “هذه الحرب الطائشة تحمّلها شعب العراق، وإغلاق ملف تعويضات الكويت يُعتبر صفحة جديدة في تاريخ العراق الاقتصادي”.
ويأمل اقتصاديون عراقيون في أن تذهب هذه الأموال؛ التي كانت تُستقطع من الموازنة العراقية، إلى التنمية وخصوصًا المشروعات الاستثمارية التي تقوم بتشغيل القوى العاملة والمُنتجة.
ويتوقع مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية؛ أن يُصدر قرار من “مجلس الأمن الدولي”، مع بداية العام المقبل؛ لإخراج “العراق” من مشاكل الفصل السابع بـ”ميثاق الأمم المتحدة”؛ والتخلص شيئًا فشيئًا من أكثر من: 40 قرارًا من “مجلس الأمن” فُرضت عليه بسبب حرب الكويت، ما كبل اقتصاده تمامًا على مدى عقود حتى الوقت الحاضر.
وأشار “صالح” إلى أن: “العراق أمامه آفاق كبيرة للإندماج في الاقتصاد العالمي”، موضحًا أن العزلة التي يعيش فيها “العراق” كبيرة للغاية ولاتزال طائرات العالم لا تصل “مطار بغداد” إلا من بعض البلدان الإقليمية، وهذا جزء من الحصار الذي لايزال يعتبر “العراق” منطقة حرب بكل ما يُشكل ذلك من تكاليف للتأمين والشحن ويؤخر من نقل التكنولوجيا والتعاطي مع التقدم الاقتصادي”.
إلزام الحكومة المقبلة بتوجيه الفائض للاستثمار..
أما المحلل الاقتصادي، “طارق الأنصاري”؛ فقال إن: “المكاسب التي حققها العراق من إنهاء ملف تعويضات الكويت؛ هو تخفيف العبء على الموازنة العراقية، لأن القرار استند أساسًا من قِبل مجلس الأمن إلى الطرف المتضرر من دون الأخذ في الاعتبار الطرف المسبب، مع مغالاة كبيرة لا تتناسب وحجم الضرر الذي وقع على الكويت”.
فيما قال المحلل الاقتصادي، “أسامة التميمي” إن الحكومات المقبلة مُلزمة باستثمار الفائض المالي؛ الذي يُمثل المبالغ المُستقطعة من “العراق” لصالح “صندوق الأمم المتحدة للتعويضات”؛ وبشكل دوري وتوجيهها إلى عجلة التنمية الوطنية لإقامة مشاريع متنوعة تخدم الاقتصاد المتنامي وفق خطط اقتصادية واعدة.