18 ديسمبر، 2024 11:11 م

من مجموعتي القصصية الاولى

من مجموعتي القصصية الاولى

قصة من الواقع
الفقراء يُقتلون مرتين
الجزء الاول
تعلمنا منذ ولادتنا في تلك القرية ان البيت هو الوطن الصغير الذي نعيش فيه وان القرية الوطن الاكبر وهكذا يكون التسلسل للوحدات الإدارية كلا حسب تعداد الدور فيها وحجمها من ناحية الكثافة السكانية..
لم نتعلم ثقافه وحضارة غريبة علينا يوماً لأننا نعيش في عالم المسموح والممنوع.. كانت الطفولة هي اشد المراحل خوفاً من المجهول رغم اننا لانعرف ونفهم بالسياسة شيئاً في حينها… كل ما نعرفه هو بعض تفاصيل امور قريتنا وربما نجهل الكثير من شؤون القرية وكان مختار القرية هو الوحيد الذي تصله اخبار الحكومة وعن المطلوبين للضرائب او الشكاوي المقدمة ضد احد ابناء القرية عن طريق احد افراد الشرطة التابعين لمركز الناحية والتي تبعد اكثر من سبعة كيلومترات عن قريتنا. وكان غالبا ما يأتي على ظهر حصان مختصرا الوقت بالطريق الترابي الذي يربط قريتنا ببعض القرى ومركز الناحية.. وبعد دخول عالم السيارات الى دوائر الشرطة تطور الامر واصبح المبلغ يأتي بسيارة نوع بيكب شوفروليت خضراء اللون تسمى(( مسلحة)) كونها تحمل سلاح من نوع برن يوضع على جهة قمارة السيارة في الوسط وقد كتب على السيارة ((الشرطة في خدمة الشعب)) وكنا عندما نرى هكذا حالات وتحضر دورية الشرطة تجد ان اغلب شباب القرية يختفون نهائيا مختبئين بالوديان القريبة من القرية.. لم نعرف من هي الحكومة في حينها وكل ما نعرفه ان هؤلاء الشرطة هم من يمثل الدولة وان قوتهم القانون وباستطاعتهم سجن كل انسان يعترض عملهم او مطلوب بأمر قضائيّ…
واتذكر جيدا ذلك الشرطي مفتون الشوارب الذي يأتي الى القرية وهو يركب فوق حصان ابيض ويمر بقربنا ونحن نرعى اغنامنا في حقولنا الزراعية وكنا من شدة الخوف نرفع ايدينا له وبأعلى اصواتنا نخاطبه بكلمة السلام عليكم وعندما يصلنا تكون توجيهاته وبشكل أمر بكلمات مخيفة اياكم ان تأكلوا بأغنامكم هذه محاصيل الغير في الحقول الزراعية الأخرى… وبدون تردد ومن باب الخوف الشديد السنتنا تطلق كلمة نعم أمرك عمو…. ثم يبدأ سؤاله
اين بيت المختار
فيجيبه صديقي حسن…
عمو عمو انه في اطراف القرية على سفح ذلك الوادي
وما ان يذهب تبدأ امنياتنا واحلام الطفولة البسيطة فهذا صديقي حسن يريد ان يصبح مفوض شرطة وابن عمه صالح يريد ان يكون معاون في مركز الشرطة وكلمة معاون كانت تطلق على الضابط في مسلك الشرطة…. اما انا فكانت امنياتي حسب المزاج وحالة الموقف فكلما اشاهد طائرة تمر من فوقنا اتمنى ان اكون طيار وفي المدرسة امنيتي ان اكون معلم وامنيات كثيرة لم نستطيع انا واصدقائي تحقيقها بسبب ظروفنا المعاشية الصعبة…
كانت احلامنا لا تدوم لأكثر من ساعة لان اليقظة في الواقع الصعب يقضي على تلك الاحلام…
كانت هناك سطوة الاب والاخ الاكبر فأحيانا حتى احلامك هم من يقررونا واياك ان تحلم حلم مخالف لواقعك واتذكر صديقي عبدالله ونحن في مرحلة الدراسة الابتدائية واحلامه الوردية والتي كنا نعتبرها مستحيلة وصعبة التحقيق بانه سوف يكبر ويتخرج ويتزوج معلمة ويسكنون المدينة…
كنت اتمازح معه في الكلام ان والدك من المحافظين والمتمسكين بأصول الشريعة فكيف يقبل في بيته إمرأة لا تلبس مثل ملابس بناته..
فيجيب عبدالله
سوف اسكن المدينة وهذه رغبتي..
عندها تبدأ كهكهتنا بالضحك ونقول له سوف نبلغ والدك بذلك وكان خوفه من والده الذي كان شديد وقاسي في تربيته يضعه في موقع الرجاء منا حتى لا ننقل تلك الاحلام الى والده…
كان نظام القرية ان يكون زواج ابناء القرى من طبقاتهم الاجتماعية ولكوننا ابناء طبقات فلاحية فلابد ان نحترم التقاليد ونخطب من نفس وسطنا الاجتماعي….
كانت مدرستنا مشيدة من الطين ويعود تاريخ انشاءها الى خمسينات القرن الماضي وتضم في صفوفها العديد من طلاب القرى المجاورة واتذكر الاخوة الثلاثة حسين ومنصور، وسلمان الذين يسكنون قرية مجاورة لقريتنا تسمى ((كطبة)) التي تبعد عن قريتنا حوالي كيلومتران اوثلاثة كيلومترات عندما جاءوا ومعهم كتاب نقلهم من مدرسة اخرى وفرحتنا بهم لا توصف لأننا نعتبرهم ضيوف اعزاء علينا..
وكالعادة كنا نحب ان نبني علاقات وصداقات مباشرة معهم وكان بيت احد اقاربهم في القرية وابناءه صالح وعلي معنا في نفس الصف وهذا ما عرفته من المحادثة التي جرت بينهم وبين صديقي علي..
عندما سأله منصور
مرحبا علي.. كيف حالك… كيف حال خالي احمد ويقصد والد علي
يجيبه علي الحمد لله بخير.. اليوم سوف نذهب بعد الدوام الى منزلنا لنتناول وجبة الغداء..
منصور لا شكرا لأننا سوف نتأخر بعودتنا الى المنزل
يصمم علي على الدعوة ويتفقون بالذهاب نهاية الدوام الى منزل خالهم الحاج احمد الابراهيم للسلام على خالهم وتناول وجبة الغداء والتي تكون عادة اما من البرغل او التمن مع المرق او طاوة الطماطم بالدهن.. والحاج احمد الابراهيم يعتبر من فصاحة القوم ويحفظ ابيات الشعر اضافة الى انه يعتبر طبيب اسنان القرية فلقد كان يلجأ اليه كل شخص يحتاج الى قلع ضرسه…
وايضا كان معنا الاخوة حسن محمود وعيد محمود من قرية هراره وهما اخوة ولكن مختلفين البشرة والطبع فالأخ عيد احمر الوجه هادئ الطبع اما الاخ حسن فلقد كان اسمر الوجه يحب المشاكل دوما مع زملائه الطلاب ولقد سمعت انه انتقلوا الى رحمة الله قبل كتابة هذه الرواية بسنوات وكان معنا ايضاً بعض ابناء القرى الاخرى لا اتذكر اسمائهم الآن….
وكان كل كادرنا التعليمي من اهالي مركز المحافظة ويسكنون مدينة الموصل وكانوا يأتون على الدوام بسيارة مدير المدرسة الاستاذ فؤاد ابو حيدر وهي باص صغير من نوع مار سيدس تحمل اكثر من عشرة ركاب..
انتقلت مدرستنا الابتدائية الى بنائها الجديد والذي كان في اطراف القرية وكان طراز بنائها حديث مشيد بطريقة عصرية وما ان استقرينا بها… وكل معلم له اختصاص معين وكنا ننظر الى اساتذتنا نظرة الابن لأبيه واحيانا نخاف من معلمنا في المدرسة اكثر من الاهل في البيت..