وكالات – كتابات :
بين أنقاض مدينة “الموصل” القديمة، في شمال “العراق”، يُطلق الطالب الشاب الذي اكتشف للتو شغفه بالسينما؛ صرخة إنطلاق التصوير، فيما تخرج الممثلة بثوب زفاف من بين الحطام في مدينة عانت لسنوات من عنف “تنظيم الدولة الإسلامية”.. هكذا تستهل وكالة (فرانس برس) عن تجارب شباب السينمائيين العراقيين في تجسيد مشاريعهم الفنية الخاصة بتصوير الواقع العراقي المأزوم والممتد منذ سنوات إلى وقتنا الحاضر.
فقد افتُتح في المدينة، التي لا تزال تحمل ندوب انتهاكات الجهاديين، قسمٌ لتعليم السينما بالتعاون بين مسرح بلجيكي و”منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة”، الـ (يونسكو)؛ ومعهد الفنون الجميلة في “الموصل”.
مشروع لإنتاج 09 أفلام قصيرة..
ومن خلال دراسة منهج يستغرق أربعة أشهر، قام الطلاب: الـ 19؛ للمرة الأولى، بكتابة وإخراج تسعة أفلام قصيرة، بإشراف معلمين جاؤوا من “بلجيكا” و”ألمانيا”.
ويقول “ميلو رو”، المخرج في مسرح “أن. تي. غنت” البلجيكي؛ إن: “الفكرة كانت تعليمهم كيفية كتابة سيناريو والتمثيل في فيلم، وتنفيذ المونتاج”.
بكاميرات على أكتافهم ومعدات صوت في أيديهم، جال هؤلاء الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرين عامًا، شوارع مدينتهم ليرووا المآسي التي حلّت بها ويتحدّثوا عن المشاكل التي يُعاني منها مجتمعهم.
الفرحة “المُلغمة” !
تخرج “مريم” مرتديةً ثوب زفاف، من منزل مدمّر وسط أنقاض “حيّ القليعات”، ناظرةً إلى الأفق بحثًا عن زوجها، “مهند”. خرج الشاب من المنزل ليُشعل سيجارة، لكنّ لغمًا سيُنهي حياته.
يتجمع الأطفال حول فريق العمل، تتوقف نساء الحي لمشاهدة التصوير. ورغم الضوضاء التي يُسببها، يُشغّل أحد الجيران المولّد الكهربائي، رافضًا إطفاءه.
يصرخ أحد الأساتذة: “سنفقد الضوء”، حاثًّا الطلاب على إنهاء المشاهد قبل أن تغيب الشمس.
السرعة والغضب..
قبل أن يبدأ التصوير، يعمل “محمد فواز”؛ البالغ من العمر (20 عامًا)، على ترتيب زاوية كاميرته، فيما يُراجع الإعدادات مع أستاذه، “دانييل دوموستييه”.
يطمح الشاب؛ الذي يدرس المسرح، إلى أن يُصبح ممثلاً. وها هو يستكشف للمرة الأولى، كواليس “الفن السابع”.
ويقول: “أحب السينما منذ وقت طويل”، مضيفًا أن من أفلامه المفضّلة سلسلة أفلام (مارفل) عن الأبطال الخارقين، وكذلك سلسلة أفلام (السرعة والغضب)؛ “فاست آند فوريوس”.
حينما سيطر “تنظيم الدولة الإسلامية”، في العام 2014؛ على المدينة، قضى “محمد” أربع سنوات في منزله، من دون تلفزيون، أو مدرسة، وحتى إمكانية للخروج.
خلال ذلك الوقت، تعلم “محمد”؛ اللغة الإنكليزية من خلال الكتب والقواميس ودروس من أحد أقربائه الذي يُدرّس اللغة.
يروي الشاب أن دخوله إلى “معهد الفنون الجميلة”؛ بعد هزيمة التنظيم، في العام 2017، كان أشبه: “بالانتقال من زمن إلى آخر، من العصر الحجري إلى العصر الحديث”.
ويُضيف أنه مع بعض أصدقائه، ينوون تأسيس مجموعة سينمائية: “لنعدّ أعمالاً خاصة بنا، عن الموصل وعن الحرب”.
ويقول: “نحن نعيش في الموصل ونعرف الأحداث التي جرت والمأساة. نُريد أن ننقلها إلى العالم من خلال التصوير والسينما”.
بعد شهر من الدروس المكثفة، بدأ الطلاب بتصوير أفلامهم، متناوبين على الوظائف المختلفة التي يتطلبها إنجاز فيلم سينمائي، كما يشرح المصوّر والمخرج، “دانييل دوموستييه”.
ويُشير إلى أن المعدات التي أحضروها معهم لتدريب الطلاب، من الكاميرات والحواسيب والمعدات الصوتية، ستبقى في “الموصل”.
ويُضيف: “الفكرة هي أن يستخدمها الطلاب مجددًا ويصوّروا أفلامهم الخاصة بمفردهم. إذا ما نجح ثلاثة أو أربعة منهم بالقيام في ذلك، سيُعدّ ذلك نجاحًا كبيرًا”.
مهرجان للأفلام في “الموصل”..
تقول “تمارا جمال”؛ البالغة من العمر: (19 عامًا): “هذه تجربتي الأولى بالسينما. أخذت دروسًا في الكاميرا والتصوير والإخراج والكتابة والسيناريو. كل شيء كان جديدًا”.
تروي الشابة، في فيلمها القصير؛ قصة فتاة تُعاني من كوابيس يُعنّف والدها والدتها.
وتقول الممثلة والمخرجة العراقية الألمانية، “سوزانا عبدالمجيد”، التي تتحدر عائلتها من “الموصل”؛ إن: “غالبية الطلاب يروون قصصًا يكون فيها للأطفال الدور الرئيس”، معظمها تتناول العنف الأسري والزواج المبكر والتشرّد.
وتضيف: “توجد رغبة ما بالعودة إلى الطفولة، إلى زمن البراءة”.
في كانون ثان/يناير المقبل، سيبدأ الطلاب بتنفيذ مونتاج أفلامهم. وستُعرض بعد ذلك هذه الأعمال في “الموصل”، قبل عرضها بمهرجانات في “أوروبا”، كما يشرح المخرج، “ميلو رو”.
وكانت أول تجربة له في “العراق”؛ عبر مسرحية (أوريستيس في الموصل)، المقتبسة عن تراجيديا “أسخيلوس” الإغريقية، والتي عُرضت، في العام 2019؛ في المدينة بمشاركة طلاب مسرحيين محليين.
يكمن الهدف الآن بتأمين التمويل اللازم لضمان استمرارية قسم السينما. ويشرح “رو” بأن الخطوة التالية، في الأعوام المقبلة؛ هي: “التأسيس مع شركاء، لمهرجان سينما صغير في الموصل”.
AFP