المعارضة بشكل عام ، هي فن إدارة الصراع مع أهل الحكم والممسكين بدفة الأمور في هذه المؤسسة او تلك أي كانت طبيعة عملها، سياسية او اقتصادية او اجتماعية او نقابية او ثقافية او تربوية او صحية .. إلخ لتحقيق الاهداف المعلنة في اللحظة المعينة بافضل الوسائل والسبل، والعمل عل استقطاب قطاعات جديدة لجانب صفوفها، لدعم توجهاتها.والمعارضة حق طبيعي ومشروع لقطاعات المجتمع المختلفة. وتواجدها في هذه الساحة او تلك مرهون بطبيعة النظام السياسي القائم، ومحتوى العقد الاجتماعي (الدستور) الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم. لاسيما وان بعض الانظمة لا تسمح لاي شكل من أشكال المعارضة بالتواجد حتى لو في نطاق ضيق، او يقوم النظام بتشكيل معارضتة الوهمية، والتي تعمل وفق مصالح وحسابات اهل النظام.
دون إطالة في حق المعارضة باشكالها ومستوياتها المختلفة في التعبير عن رأيها ووجهة نظرها في ممارسات وسياسات النظام السياسي القائم، فإن الرسالة، التي اود إيصالها للمعارضة الفلسطينية، تتمثل في استخلاص عِبَّرْ ودروس ما حصل في مظاهرة يوم الاربعاء الماضي، التي خرجت للتنديد بالمفاوضات، وطالبت بوقف التنسيق الامني والمفاوضات مع الجانب الاسرائيلي، وأبرز ما يمكن تدوينه:
اولا حق التظاهر والاعتصام والتعبير عن الرأي ، حق مشروع كفله النظام الأساسي لكل فلسطيني بغض النظر عن خلفيته الفكرية والعقائدية والسياسية. ولا يجوز لاي قائد او جهاز امن الحؤول دون تعبير القوى السياسية عن مواقفها ووجهات نظرها بالطرق المشروعة، التي كفلها القانون والنظام.
ثانيا لكل فعل سياسي شعار ناظم ، بهدف إيصال رسالة محددة لصانع القرار السياسي في منظمة التحرير ودولة فلسطين. ولا يجوز خلط الامور ببعضها البعض دون تدقيق في محتوى الشعار، كما حصل في مظاهرة يوم الاربعاء لبعض قوى اليسار، حيث رفع بعضهم شعارا منقولا حرفيا وبطريقة مشوهة : “يسقط .. يسقط حكم العسكر!” والسؤال للمتظاهرين وللقائمين على المظاهرات، اين هو حكم العسكر؟ السنا جميعا تحت براثن الاحتلال الاسرائيلي؟ ولماذا النقل الحرفي المشوه للشعار من مظاهرات الشعوب العربية؟ اليس في هذا النقل التبسيطي فقر حال سياسي؟ واليس الشعار كما ورد عبارة عن شكل من أشكال الغوغائية ؟
ثالثا هناك ميادين وساحات معروفة في المدن الفلسطينية المختلفة، وفي رام الله يوجد ميدان المنارة. وفي حال شاءت اي مجموعة متظاهرة الاقتراب من مقرات الرئاسة او الحكومة، فعليها ان تنتبه أسوة بكل دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، ان هناك مسافة فاصلة بينها وبين مقر الجهة الحكومية المعنية، لان الهدف من المظاهرة إيصال رسالة ما ، وبغض النظر عن مكانها (المظاهرة) فإنها تصل وبسرعة البرق للجهات القيادية المعنية.
رابعا على القائمين على أي فعالية سياسية (مظاهرة ام إعتصام) الفصل بين المؤسسة العامة وبين السياسات ، التي تنتهجها وتنفذها القيادة وعدم الخلط بين السلطة كنواة للدولة الفلسطينية المستقلة، واحد أهداف الشعب الفلسطيني الاساسية وبين ممارسات الجهات الحكومية. وبالتالي الانتباه لرفع الشعار السياسي بحيث يتم التركيز على الممارسات والاخطاء الموجودة.
خامسا حرية التعبير والرأي ، لا تعني الوقوع في شرك اللغة الشوارعية، والسقوط في دائرة الذم والقدح للقيادة ورجال الامن والاجهزة الامنية، كما حصل في مسيرة يوم الاربعاء الماضي، عندما تعرض البعض من الفتيات والشباب المشارك بالمظاهرة لشخص الرئيس ابو مازن، رمز الشرعية الوطنية. لان من حق هذا القائد او تلك الاجهزة ومنتسبيها، الذين تعرضوا مباشرة للاساءة والقدح والذم رفع دعوى قضائية امام المحكم للاقتصاصمنهم. لان هذا ليس من حق اي متظاهر، والعكس صحيح ايضا، ليس من حق منتسبي الاجهزة الامنية السقوط في تلك الدائرة، لان من حق المتظاهرين الدفاع عن حقهم الشخصي.
سادسا منتسبوا الاجهزة الامنية، هم ابناء الشعب الفلسطيني، وهم مناضلون، وليسوا اداة هدم وقمع للمواطنين، رغم الاقرار المبدئي بوجود اخطاء لبعضهم هنا وهناك. ولكن على المتظاهرين او المعتصمين التمييز بين المبدأ الناظم لطبيعة وهوية هذا المناضل او ذاك، وبين الاخطاء ، التي يرتكبها بعضهم ضد ابناء الشعب. فضلا عن ان مهمتهم الامنية تتركز على حماية امن الوطن والمواطن، وحماية المتظاهرين اغولا وثانيا وثالثا، وعندما يقدم احدهم الماء لاحدى الفتيات ، من حقها ان ترفضها وان لا تأخذها من يده، ولكن طالما تعامل الشرطي بادب ومهنية ، على الفتاة المحترمة التعامل بذات السوية، وعدم اللجوء للشتم والسباب غير المبرر.
سابعا المرأة الفلسطينية ، كانت ومازالت حارسة نيران الثورة الفلسطينية واهدافها. ولم يحد احد عن التمييز بين المرأة كشريك اساسي في النضال الوطني، وإيلاءها المكانة التي تستحق في صفوف المواقع والمراكز القيادية، وبين بعض النساء اللواتي يقعن في اخطاء تسيء لنضالهن ومواقعهن في احزابهن والمجتمع عموما. ما وقعت به بعض الفتيات في مسيرة الاربعاء، معيب، وفيه سقوط في مستنقع اللغة الشوارعية، لا يجوز لفتيات فلسطين بغض النظر عن درجة الاستفزاز في حال وجدت من اي جهة الانحدار نحو اللغة المذكورة آنفا، والمرفوضة من الجميع ، من الرجال والنساء على حد سواء.
لا يملك المرء بالمحصلة، سوى ان يدعو للمعارضة الفلسطينية الارتاقاء بدورها ومكانتها في الساحة الوطنية من خلال إتقان فن إدارتها الجيدة لصراعها مع صانع القرار، والدفاع عن مصالح الشعب العليا بعيدا عن المهاترات والردح المعيب بحق الشعب كله، وليس بحقها لوحدها.
أعلن تيار الحكمة ، الثلاثاء 14 كانون الاول 2021، عن توجهه نحو تشكيل كتلة معارضة، تضم 100 نائب.
وقال القيادي في التيار، فادي الشمري، في تغريدة على تويتر، إن تيار الحكمة وقرابة 100 نائب من ساحات متعددة لن تشارك في الحكومة، ويمكن أن يشكلوا معارضة دستورية، قوية ومنضبطة، قبال مشاركة جل قوى الإطار مع التيار الصدري، مع الحزبين الكرديين، وتحالفي تقدم والعزم، ليقتربوا من 240 نائبا.
وأضاف، أن ثلثي مجلس النواب أغلبية حاكمة مريحة، وثلث المجلس معارضة قوية.
وفتحت النتائج الرسمية للانتخابات، الباب أمام سيناريوهات عديدة بشأن تركيبة الحكومة المقبلة، خاصة أنها وضعت الكتل الفائزة امام خيارات كثيرة، ربما يكون أرجحها الحكومة التوافقية.
لكن الاختلاف الوحيد الذي قد يسجل في تشكيل الحكومة المقبلة يقتصر على حجم التنازلات التي يقدمها الطرف الذي يرشح رئيس الوزراء للأطراف الاخرى للحصول على الاغلبية البرلمانية المطلوبة.
وفي عراق ما بعد 2003، لا تعرف القوى والأحزاب التي شاركت في تأسيس العملية السياسية بمفهوم المعارضة البرلمانية، الأمر الذي يدفع مراقبين للمشهد لطرح التساؤلات حول السبب في إصرار مختلف الأطراف السياسية العراقية، على التمثل في الحكومة القادمة، والتشبث بالمشاركة فيها.
وترى تحليلات أن أصل الخلاف بين القوى السياسية لا يتعلق بالنتائج، بل المخاوف من تشكيل حكومة أغلبية سياسية لا تشمل تقسيم الغنائم جميع القوى.
بل ان قوى سياسية لا تريد دور المعارضة لانها لن تتحصل من خلاله على امتياز او منصب او مصادر تمويل.
ويدفع الظرف الداخلي والإقليمي وتقاسم الغنائم نحو التوافق السياسي، والابتعاد عن خيار الاغلبية .
لكن مراقبين يؤكدون حاجة العراق إلى المعارضة، بوصفها الخيار الوحيد لتقويم عمل الحكومة والحث على بناء منظومة سياسية جديدة وفاعلة بعد ثلاث دورات برلمانية لم يفكر أحد خلالها في التوجه إلى المعارضة والعمل بكل قوة من أجل الحصول على حصة من كعكة السلطة.
وامتاز النظام السياسي في العراق، بالخلط بين السلطة والمعارضة، اذ تشارك كل القوى النافذة في السلطة، وتعارض أيضا الحكومة في نفس الوقت، في نفاق سياسي لم تشهده الأنظمة الديمقراطية في العالم.
ثقافة المعارضة:::ان اختلاف الطبيعة البشرية في التفكير كان وما زال متغيرا مهما في حدوث الازمات والصراعات ولاسيما على المستوى السياسي وموضوعة (السلطة) وعند تصنيف النظم السياسية سنجد ان لكل نظام سياسي مجموعة من القيم والتقاليد السياسية فالنظام الشمولي يتميز بعدم حضور المعارضة وثقافة المعارضة في الحياة السياسية لهيمنة ايديولوجية الحزب الواحد الذي يحاول فرض قيمه عبر التنشئة السياسية والاجتماعية بدءا من مرحلة الطفولة حتى المستوى الدراسي الجامعي وفي المؤسسات الاخرى لغرض السيطرة على دوافع الانسان من اجل ضمان استقرار هذا النظام ودوامه بوساطة تنمية وتطوير هذه الاتجاهات التي تنسجم واتجاهات النظام السياسي.
تتميز النظم السياسية الديمقراطية عن الشمولية بحضور ووجود المعارضة السياسية من خلال وجود الاحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والرأي العام وجماعات الضغط والمصالح فالديمقراطية السياسية تفترض نموذجا معيناً من الثقافة السياسية وهي ثقافة المساهمة يكون فيها المواطن على مستوى عال من الوعي بالامور السياسية ويقوم بدور فعال فيها ومن ثم يؤثر في النظام السياسي بطرق مختلفة كالمساهمة في الانتخابات او المظاهرات او تقديم الاحتجاجات فضلا عن ممارسة نشاط سياسي من خلال عضوية في حزب سياسي او جماعة ضغط، ولاجل تبيان وتحليل المعارضة وثقافتها وممارستها في النظام السياسي الديمقراطي كواحدة من القيم السياسية سنوزع البحث على ما يلي :
1. ما هي المعارضة وكيف تنشأ؟
ترتبط المعارضة بنشوء حالة من الاستفزاز والقلق الاجتماعي والسياسي الذي ينطوي على شعور الانسان بالتذمر في درجاته الدنيا وفي التمرد في درجاته العليا بسبب حدوث التناقض بين السلطة والشعب مما يولد حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي يلقي آثاره الى مختلف نواحي الحياة الاخرى.
ان هذا القلق يؤدي الى اتخاذ موقف مناهض تجاه قرارات السلطة الامر الذي يفضي الى تأسيس تجمعات تتفق فيما بينها على مجموعة من المبادئ او تعمل على طرح مشروع اصلاحي لترميم بعض الهدم السياسي والاجتماعي ويكون ذلك في صورة غير منظمة في بادئ الامر ويتطور الى عمل منظم بشكل صورة احزاب سياسية او مؤسسات مجتمع مدني فالتجمعات السياسية التي تتميز بدرجة عالية من التنظيم تعمل على الوصول الى السلطة اما مؤسسات المجتمع المدني فتعمل بدور ( الناقد ) و( الضاغط ) على الحكومة ولا تسعى للوصول الى السلطة ان تلك التجمعات تدفع للقيام بشكل جماعي وبصورة تلقائية لمواجهة هذا التناقض وفي الحقيقة ان الوصول الى هذا التنظيم الجماعي المنظم مرده تمتع تلك الجهات بنوع من (الوعي الذاتي) الذي يميزها عن باقي حالات القيم السائدة في المجتمع، ويشير عالم الاجتماع الاميركي (هربرت) الى اهمية وجود القلق وعده المدخل الاول لتحطيم الحالات ونماذج السلوك الاجتماعي والسياسي السائدة مما مهد الطريق لظهور فعل جماعي جديد يتبلور في صورة اشكال من الحركات السياسية والاجتماعية لكونها وليدة للتغييرات التي يمر بها المجتمع وتتراكم عبر مدة من الزمن اذن فالمعارضة هي سلوك جماعي معين ازاء ظاهرة ما تتقاطع مع رأي هذه الجماعة ام تلك.
2. دور المعارضة في العملية السياسية الديمقراطية
ان العملية السياسية الديمقراطية ما دامت تؤمن وتقر وتعترف بالاختلاف فهي تطرح موضوعة ( التعددية السياسية ) لانها شرط اساسي من شروط تطبيق الممارسة الديمقراطية حيث تعمل في ظل المنافسة السياسية المشروعة دستوريا فطبيعة الدستور تحدد نوع المعارضة لان العوامل الدستورية تنعكس على حالات المعارضة السياسية وتلعب دورا مهما في توجيه الموارد السياسية، ان المنافسة السياسية تمر من خلال عملية الانتخابات وبخلاف ذلك تكون الممارسة مجرد سلوكيات هي اقرب الى الشكلية منها الى الديمقراطية وهذا ما شهدته تجربة النظام السياسي السابق حيث غيب دور المعارضة تماما.
ان الحزب او الكتلة السياسية التي تحصل على اصوات الاغلبية التي تؤهلها الى تشكيل الوزارة التي تسعى الى تحويل برامجها السياسية الى قوانين لخدمة المجتمع وقبالة ذلك يقف الحزب الذي لم يحصل على اصوات تؤهله للوصول الى السلطة موقف المعارضة داخل ( المجلس النيابي ) فمن حقها ان تنتقد وتعترض وتراقب عمل الوزارة وتستجوب رئيس الوزراء والوزراء في اي شأن من شؤون المجتمع والدولة وفق آليات دستورية وقانونية وتقديم المقترحات والبدائل لتصحيح الخطأ والخلل هذا من جهة ومن جهة اخرى فان المعارضة تحترم وتعترف بسلطة الحكومة المنتخبة كما تحترم الاغلبية الاقلية السياسية وتتعاون مع الحكومة لاجل الصالح العام فهي لا تقوم بالمعارضة لاجل المعارضة بل ان المعارضة تشكل جزءا متمما للنظام السياسي فالمعارضة قد تكون غدا في الحكومة وبالعكس، ان دور المعارضة طبيعي يرتبط بطبيعة الانسان بالاختلاف فمن غير الممكن ان يتشابه الناس في افكارهم جميعا او نحصل على ارادة اجماع في قضية ما لان الاجماع هو (فشل) في الحقيقة ولنا في تجارب انظمة التصويت بالاجماع التي تبنتها المنظمات الدولية والهيئات الدولية والرئاسية دليل على فشلها ومثال ذلك لا للحصر (عصبة الامم المتحدة) ولمعالجة ذلك ولتأمين الحصول على الموافقة على قرار ما استوجب تشريع نظام للتصويت مثل ( الثلثين، او النصف + 1) او ثلاثة ارباع المصوتين الموجودين) لاجل حل الاختلافات بشفافية وبعقلانية لتلافي تعطيل اي قرار يخدم المجتمع لذلك يفترض بالاحزاب السياسية ان تعترف بأن المواقف والاراء السياسية هي في الحقيقة (غير ثابتة) دائما فهي قابلة للتغيير وان الموافقة والوصول الى رأي في قضية ما لا يتمان في كثير من الاحيان الا من خلال ( التعارض ) في الافكار ووجهات النظر الذي يجري من خلال النقاش الحر والعام سلميا.
3. ثقافة المعارضة
تستند قاعدة المعارضة على ركيزة رئيسة هي الاختلاف فما دام الاختلاف واردا وحاضرا فمعنى ذلك وجود (معارضة) غير انه ليس من الممكن ان أختلف مع الاخر على الدوام ولا اتفق معه كذلك على الدوام بل أختلف وأتفق والنتيجة الوصول الى منتصف الطريق متقابلين معا بدلا من أن يذهب كل واحد منا باتجاه معاكس لذلك فان المعارضة ينبغي توافرها في اي عملية سياسية ديمقراطية لان الديمقراطية هي عملية (تسويات) بمعنى ان الاحزاب والحركات السياسية مهما كانت متبنياتها الفكرية وايا كان عمق الاختلاف بينها فمن الضروري ان تتعايش في فضاء سلمي عبر الانتخابات والحوار الهادئ وتداول السلطة والنقد وان تتقاسم معا قيم الحرية في التعبير والمعتقد والحماية المتساوية امام القانون فالاحزاب التي لم تصل للسلطة من الطبيعي ان تنتقل الى دور المعارضة تقوم بدور المراقب والراصد والمتابع لاي خلل يصيب اداء عمل الحكومة لتصحيح مسارها ـ كما اسلفنا ـ فهي تقوم بدور العون ما دامت جميع القوى السياسية تعمل لمشروع الصالح العام ومن ثم فان المعارضة تعمل للوصول للسلطة بالوسائل نفسها والاليات السلمية لانها تعلم جيدا ان الحكومة لا تكبح عملها ولا تكم افواهها بل تعمل الحكومة على حماية المعارضة في التنظيم والتعبير والنقد وعند وصول المعارضة للسلطة يتم تسليم السلطة سلميا لها من قبل الحكومة السابقة بقناعة وبهدوء ومن دون اثارة ما يعكر جو النظام السياسي وتتحول الحكومة السابقة الى معارضة.. وهكذا.. ان الممارسة السياسية والحكومية توفر افضل الادوات للعمل السياسي والحكومي فخير تدريب للمعارضة الفعالة ان تمارس الحكم وان تكون لها امكانات معقولة للعودة الى ممارسته على ان بقاء حزب واحد او ائتلاف في الحكم فترات طويلة غير منقطعة ضار للطرفين ذلك بأن الحكومة عندما لا يوجه اليها النقد القويم قد تصبح راضية عن نفسها او حتى فاسدة اما المعارضة دون امل معقول في الحكم فانها تميل الى التفكك والتفسخ او الى ان تصبح غير واقعية فيزداد عجزها عن توفير النقد المؤثر وكثيرا ما اقترح المعلقون البريطانيون في سنة 1964 اي بعد بقاء حكومة (المحافظين) في الحكم ثلاث عشرة سنة ان المحافظين في حاجة الى فترة معارضة وان حزب (العمال) في حاجة الى فترة حكم كي يستعيدوا الحيوية والتماسك.
ان الشرط الاساسي للمعارضة الفعالة ان يكون لها من التماسك ما يكفي لاسقاط (اي حكومة) سلميا والحلول محلها وهو شرط لا تستطيع جميع الانظمة الديمقراطية ان تضمنه فالقانون الاساسي في (المانيا) يجعل من هذا الشرط مطلبا دستوريا بأن تضطر الحكومة للاستقالة اذا ما منحت الثقة من البرلمان ولكن من غير الممكن خلق معارضة فعالة اذا كانت تضم احزابا في اليمين المتطرف او اليسار المتطرف فهي لا تعارض الحكومة فقط بل النظام ايضا فماذا تستطيع المعارضة ان تفعل اذا لم تستطع تهزم (الحكومة) الا بمساعدة عناصر لا تستطيع ان تتحد معها لتأليف حكومة وهذا في الحقيقة مؤشر خطير لتهديد الديمقراطية ولمواجهة تلك المشكلة لا يمكن ان ينتظر من اي نظام ديمقراطي ان يخطئ بمساعدة الذين يريدون تحطيمه او توفير الفرص للعنف غير ان قمع بعض الحركات الثورية الصغيرة (يمينية ام يسارية) ما دامت لا تلجأ الى العنف قد يسيء الى الديمقراطية فالواجب عموما ان لا يفرض على حرية العمل سوى الحد الادنى من القيود وذلك لمنع خطر كبير على طريقة الحياة الديمقراطية والاعتراف بحقوق جميع انواع الحركات في التعبير عن ارائها على ان تحترم الالتزامات التي يفرضها القانون.
وحيث ان العراق المعاصر وهو يدخل في العملية السياسية الديمقراطية يفترض على الاحزاب والحركات السياسية ان تعي جيدا ماهية المعارضة ودور المعارضة لا لاجل المعارضة بحد ذاتها بل لتنشيط دورة الحياة السياسية للوصول الى عمل حكومي وسياسي يخدم الانسان اولا واخيرا فالواقع السياسي العراقي يشير الى ضعف في فهم ودور المعارضة فاغلب الاحزاب السياسية تركض نحو الجلوس على مقاعد الوزارة وهذا مهم جدا ولكن من يقوم بدور المعارضة؟ نحن نحتاج الى معارضة فاعلة وسلمية وواقعية لا سيما ان العراق يبدأ عهدا جديدا في التحول الديمقراطي فاذا كان الجميع يبحث عن الوزارة فمن يسائل ويراقب من؟؟
ان وجود المعارضة ضرورة كقيمة سياسية ديمقراطية لاجل تقويم واداء عمل الحكومة فيما اذا اخفقت لان القائمين على الحكومة هم من البشر يتعرضون للاخطاء والهفوات ومن هنا يبرز دور واهمية المعارضة في المراقبة والمساءلة ومن ثم التقويم العام فالمعارضة اخيرا هي ليست لاجل الصراع من اجل البقاء بل هي تنافس لخدمة الصالح العام.
قبل أن نشرع فى تشكيل ائتلاف حزبى يكون الظهير السياسى للحكومة ودمج الأحزاب المعارضة ليكون وجودها حقيقيا وليس ورقيا أو هامشيا، علينا بإعادة تشكيل الوعى السياسى ومعالجة الخلل الذى صاحب ولادة الأحزاب السياسية، حتى نتجنب الأعراض السلبية التى تزخر بها حياتنا السياسية من جانب الأحزاب المؤيدة والمعارضة، وأهمها، الاعتقاد السائد لدى كثير من المعارضين أن دورهم هو الاعتراض على كل ما يصدر عن الحكومة، سواء كان جيدًا أو سيئًا، وسواء كان مليئا بالإيجابيات أو به بعض السلبيات، وأن على المثقف المعارض أن يتصيد الأخطاء أو حتى يفتعلها، وأن دوره هو تسويد وجه الحكومة ونعتها بأسوأ الألفاظ وإلا نظر إليه المعارضون على أنه محدود الكفاءة، لا يستحق أن يكون قياديا، فكلما تشنجت أكثر وشككت أكثر وأكثر، تستحق أن تحتل صدارة المعارضين، وإذا سنحت الفرصة للتظاهر السلمى فعليه أن يرفع الصوت عاليا، بإسقاط النظام، وليس التعبير عن موقف مغاير، أو لفت الانتباه إلى قضية ما، مثلما هو الحال فى الدول الديمقراطية العريقة، أو حتى معظم دول العالم الثالث، التى تسعى لانتهاج الديمقراطية.
مثل هذا الأسلوب المراهق لهذا النوع من المعارضة يكون من شأنه تراجع، أو ربما انتكاسة لأى تطور ديمقراطى حقيقى، وتضطر الدولة إلى تفريق المظاهرة التى تخرج عن حدود هدفها، وتضر بالصالح العام، وتتحول إلى اضطراب قد يلحق ضررا كبيرا بالجميع.
وهنا يظهر من بين المؤيدين من يدعو إلى وصم كل المعارضين بالخيانة والتخريب، والدعوة إلى اقتلاعهم، وهذا المنحى الاستئصالى ضار أيضا ويضع الدولة على قوائم انتهاك حقوق الإنسان، وللأسف هذه الظاهرة متفشية فى ثقافتنا السياسية المختلة، والتى تحتاج إلى علاج، فدور الأحزاب التى لا تشارك فى الحكم، ليس التنديد والتصيد والمكايدة السياسية، وإنما تقديم وجهات نظر بديلة لما تراه من سلبيات هنا أو هناك، ويمكن للحكومة أن تتبناها، أو تجرى تعديلات تأخذ ملاحظات المعارضة فى الحسبان أو تنتظر نتائج قراراتها، وتعتبر أن ما قررته صواب يحتمل الخطأ.
إن تعديل مثل هذه الثقافة السائدة فى الحياة السياسية يستحق التوقف والعلاج أولا، وبعدها نرى كيف يمكن أن نعيد إنتاج الأحزاب السياسية بولادة طبيعية وناجحة، وليس كميلادها السابق بقرارات فردية، وتتصدره الشخصيات الطموحة للمناصب والنفوذ، وليس الخدمة الوطنية العامة. وأن تدرك هذه الأحزاب أن هناك مشتركات وطنية يجب أن تكون جامعة، وأن أى حكومة مهما كان ظهيرها السياسى يجب أن تراعى تلك المشتركات الوطنية، وأهمها سيادة الدولة على أراضيها ومواجهة أى عدو لها، والعمل على تحقيق تنمية شاملة، تدفع الناتج الوطنى لننتج أكثر مما نستهلك، فلا نرتهن للقروض أو المساعدات أو الضغوط.