17 نوفمبر، 2024 7:42 م
Search
Close this search box.

جسور بلا دعامات كينونة متصلة منعزلة كالجنين

جسور بلا دعامات كينونة متصلة منعزلة كالجنين

المثقف متعايش مع مجتمعه ويعيش في فكره وفكره ينمو فيه يتغذى من جسده ووقته وكينونته كاملة بمعاناتها التي تتحول عنده إلى خبرة مجردة لا تتجرد عن الإحساس والعاطفة ولكنها تمر بعملية مراجعة وتنقيح (أبستمولوجيا) لتخرج كأفكار عامة تدعو للإصلاح إن وجد الخلل أو إلى التشجيع كرافعة لعمل وإنجاز يتوافق ومهمة المنظومة العقلية عند آدم أو حواء، أنها من النعم التي رغم جلوسه لفترات لا تدخل الرتابة إلى نفسه ليحس بالملل وسعادته في عطائه واستقرار مجتمعه.
الكاتب والمفكر أو المثقف الفاعل كلهم بتركيبة خاصة وعقلية ونفسية تتغير أولوياتها عند البشر الآخرين، الحدث أو الألم حتى ولو كان شخصيا يدخل معملا بناه الزمن والخبرة واتحد مع الملَكة أو الموهبة لينتج مخرجات وخلاصات، فلا شيء شخصي بل هو عام حتى في معاناته، المفكر كينونة متصلة بمجتمعه لكنه مستقل بكيانه كالجنين.
نموذج من سوء الفهم
أحد إخوتنا من المفكرين قبل أن يظهر النقال وتعرف الأرقام كتب مقالا يتحدث به عن ظاهرة اجتماعية، قال إنها مسالة إنسانية وليست حتى وطنية لتكون شخصية من خلال الفوضى التي يعيشها العالم، ليتلقى اتصالا هاتفيا يعتب عليه بشدة انه ترك الدنيا وكتب عن المتصل، يقول بذلت جهدا لأعرف من المتصل وكيف اتفق أن لامسه مقالي فاكتشف انه أحد موظفي القطاع الخاص في شركة شملت بالخصخصة حينها…… يقول لم أركز على إقناعه باني لم اكتب عنه بل ركزت أن أجد علاقة موضوعية بين ما كتبت وبين هذا الشخص، حقيقة أن ما يربط بين المقال وقارئه جسر منهار…..
يكتب الكاتب قصة أو ينتقد ظاهرة يراها البعض في زاوية من تفكيره لكن هذا ليس إلا توافقا فالمفكر لا يركز على الأشخاص وسلوكهم وإنما على المجتمع وما يسود به من ثقافة وظواهر سلبية أو إيجابية
جسور مخفية
هذه المشكلة متفاقمة اليوم وبطرق عدة، فالمثقف يطلب منه موقفا واضحا تجاه قضية أو شخص أو أداء حكومي، لكن عند هذا الحد ينبغي التفريق بين الصحفي والمفكر والمستشار حتى لو كانت مجموعة في شخص واحد، فالمستشار أو المفكر يطرح الفكرة التي تناسب الإصلاح لتكون خارطة طريق كما يقال أو مسار للسياسي ليصل إلى الهدف ومنه إلى الغاية ولا يطرح ما يساير ما في عقل السياسي ليصل إلى أهداف يظنها صواب، المثقف والمفكر لا يتبع أحدا بطاعة وإنما يتبعه بالفكرة ليرفعه يحمل سلم الارتقاء ويضعه أمامه إما أن لم يفهم هذا أو ذاك ويتجاوز سلم المفكر فهذا ليس عيبا فرديا وإنما هو قصة تتكرر ومعاناة مستدامة بين منهجين عليهما أن يكونا متصالحين ليفهم احدهما الآخر، منهج القائد لمجموعة وينتظر أن يتبع ويطاع ومنهج المنطق والفكر وفق المعطيات العقلية لا الغريزية في حب السيادة، فان كان من علاقة وفائدة فهي بعلاقة تصالحية ودعم المفكر بوسائل ومعلوماتية ستدخل عنده حتما التمحيص لكن المعلومة قد تغير اتجاه التفكير ومسار التحليل عند المثقف فالمثقف تقوده المعلومة.
في الخلاصة
عندما نقول إن المثقف تقوده المعلومة فالمثقف أمام مسؤولية ما يضع في جعبة معرفته، لان امتلاء جعبته بالانطباعات والسطحية وليس الحقائق سيجعل عمقه في خطر والعمق في الرؤية ضمان سلامة المخرجات.
فاذا كثرت الترسبات في المنظومة العقلية ويصبح عمق المثقف ممتلئ بها (ضحلا)تظهر السطحية وكأنها مدعمة بأطر العلم فلا هوية …. وإنما يعمل المثقف ككريات الدم البيضاء عندما تفقد الشفرة تعود لمهاجمة الجسد بدل الدفاع عنه.
أزمة المثقف والسياسي متواصلة إلى أن يعرف هذا الجسر المخفي بين المياه التي تفصل الجزرتين سيبقى الواصل بينهما جسر بلا دعامات، وأزمة المفكر انه لا يميز عند العاملين في السياسة من المثقفين كالمحللين والخبراء الإعلاميين هي أزمة مستدامة مادامت النظرة عند الساسة والعامة من الناس تأتي خلال منهج غريزي بحب السيادة وليس بمنهج المنظومة العقلية المتجردة المتعاملة مع المنطق والمعطيات، ولابد من فهم المفكر انه ليس عدوانيا أو منتقدا وإنما كالطبيب يتعامل مع المرض واصفا للدواء.

أحدث المقالات