لا ندري كم هي اعمار اعشاش الطيور ، ولكننا ندري انها اثمن الاشياء لتلك الطيور .. فيها تولد وفيها تلد.. وفيها تتربى وتربي وتأكل وتنام وتأمن وتؤمن . . والبشر لديهم بيوت ينطبق عليها ما ينطبق على اعشاش الطيور الا ان الكاريزما هنا تتضاعف وتنحو منحى انسانيا ووجدانيا، وكلنا نعلم الحاجات الانسانية والتي هي في جزء منها تتطابق مع الحاجات الحيوانية كالجنس (غريزة البقاء) والاكل والشرب والأمن اما الحاجات الانسانية البحتة التي لا يشترك الانسان فيها مع الحيوان فمنها الشرف والعرض والسمعة والفن والادب والدين والمذهب والقومية واللغة والدم والانتماء والفكر بشكل عام
بلدنا الحبيب كان الدولة رقم واحد في العالم حيث فيه رست سفينة نوح لتتبعها دولة النمرود وسومر وأكد وغيرها الكثير ، قبل ان يكون دولة بالمفهوم الحديث ، وكلنا يعلم ان ظاهرة الدولة هي ظاهرة حديثة ، وقبلها كان حمورابي في هذه الارض ودعونا لا نسميها العراق .. وهذا الرجل يهمني ان يكون عراقيا كونه وضع اول قانون في العالم وقال في مقدمته (( وضعت هذا القانون لأحمي به الضعفاء من الاقوياء)) وعلى هذه الارض كتبت اول كلمة وتأسست اول مدرسة
صدقوا ان هذا لا يعني لي الكثير .. ليس لعدم اهميته ، بل لكونه حقيقة مطلقة راسخة في ضمير وكيان العراقيين .. بل ان الامر هو انه لا يعني لي ان كان العراق عمره 100 عام ام 7000 عام شيئا ، بل لا يهمني ان كان العراق نفوسه مليون او مليار ومساحته مليون ام مليار كم لأنه لا يرتب اي اثر على حبي له وانتمائي اليه ولن يؤثر على فخري به ان كان عمره سنة او الف ، لأني اصلا لا افخر كثيرا بالحضارات التي قامت على هذه الارض وزالت ، فالذي يريد ان يفاخر عليه ان يفخر بشيء اقامه وحافظ عليه او طوره وليس بشيء قام به وفقده او اعطاه للغرباء كما اعطينا العراق بل اني اخجل من التطرق اليها لأن حاضر الوطن بائس ومستقبله بيد شيوخ العشائر وأمراء الحروب .. فأن تفاخرت بحضارة سومر سيقال لي أين انتم اليوم من تلك الحضارة ؟؟ وأن تفاخرت بقيام اول مدرسة على ارضي سيقال لي .. لماذا اليوم انتم ترفلون بالشهادات المزورة والمدارس الآيلة للسقوط ، ولماذا نسبة الامية مرتفعة ؟؟ وهكذا
الفخر اليوم هو بما حققه شعبي اليوم وما حقق ويحقق وسيحقق بعد قرون سبع من الاستعمار .. الفخر ان نقول ان عراقنا تمكن من ان يكون اول دولة في الشرق الاوسط تحصل على العضوية الدائمة في عصبة الامم رغم ما يقال عنه بأنه دولة هجينة ، او ان بريطانيا هي من شكلته وكأنه مؤسسة وليس وطن والعراق طرز تأريخه المعاصر بأنبل ثورتين شعبيتين هما العشرين وتشرين ، وهو من تمكن من بناء دولة بفضل بناته الأولين حين تمكن هؤلاء ومنهم نوري السعيد ان يوقع على الاتفاقية مع بريطانيا يوم قال لممثلي الشعب الرافضين (( أتريدون ان اناطح بريطانيا العظمى بقرنين الاول من طين والثاني من عجين )) ويوم قال لهم (( اذا وقعنا الاتفاقية فالشعب سيلغيها يوما وأن لم نوقعها فستذهب الموصل (شمال العراق برمته) والموصل ان ذهبت فلن تعود الى الابد )) وذهبت بريطانيا وتم طرد البريطانيين بلواء واحد وتأسيس الجمهورية ليرحل مؤسس تلك الجمهورية برصيد دينار واحد في المصرف ، رحل دون ان نعرف انه كان شيعيا ام سنيا رموز رائعة انتجها هذا الشعب ، منها العراقي اليهودي قبل المسيحي والمسيحي قبل المسلم والكردي قبل العربي ، ولعلنا لا ننسى الشيخ محمود الحفيد يوم ذهب الى الجنوب ليقاتل المحتل طاو زند وبمعيته 2500 مقاتل عراقي كردي . . محطات فخر كثيرة لا يمكن حصرها ، ومنها بناء جيش صارت له قوة جوية بعد عقد ونيف من تأسيسه ، وشارك في حروب اربع مع العدو الصهيوني ، وانتصر على ايران التي تعادل ثلاثة اضعافه في كل شيء ، واحتل دولة بيوم واحد بغض النظر عن الخلفيات السياسية فالنصر العسكري فخر لجيشه المنفذ ومحطة مشرفة مشرقة
انه عشنا الجميل جميعا مهما كان تأريخه ، ومهما كان حاضره ، ولا نمتلك غيره ، وكل ما فيه من سوء فأن بناء مستقبل واعد له هو مسؤولية اهله جميعا ، وثقوا ان ثورة تشرين عبدت الطريق الى المستقبل المشرق ، وسيأتي اليوم الذي سينسف شعب العراق فيه كل (البيوتات) الطفيلية التي تعتاش على جسد البيت العراقي تحت اي مسمى كان .. اطارا تنسيقيا كان ..ام بيتا شيعيا .. كتلة سنية كانت ام بيتا سنيا ، وهكذا البيوت الاخرى
لا يعوز وطننا اليوم الا الهوية الوطنية ، فهو من منحنا هوياتنا جميعا ، ولم يمنحنا اياها الدين او المذهب او العشيرة ، ومتى ما امتلكها كسب المستقبل ، ولا تدمره الا الولاءات للأجانب أي كانوا حتى ولو كانت مكة المكرمة على ارضهم او قم مثوى الإمام الرضى (ع) ، فمكة المكرمة كانت مهدا للإسلام ، والعراق (بلاد الرافدين) احتضنت الاسلام ونمى الفكر فيه وتطور وترعرع ورفعه السيف العربي العراقي الى خراسان وغيرها ونمى فيه التشيع العربي في مدارس البصرة والكوفة وصار تصدير الثورة الاسلامية بالسيف العربي وبهدى كتاب نزل (( بلسان عربي مبين)) الى الروم والفرس والترك ليصل الى ليون في فرنسا
بعد كل ذلك يأتي دستورنا ليعلمنا هوية العراق (( بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب)) اين الهوية؟؟؟ وهل هناك بلد بقومية واحدة ام مذهب واحد ؟؟؟ (( وهو جزء من العالم الاسلامي )) واكيد ان سألتهم لماذا هو جزء من العالم الاسلامي ؟؟ سيجيبونك لأن اغلبيته مسلمة )) فاسألهم : هل هناك دولة قالت في دستورها ( انها جزء من العالم المسيحي ؟؟.. مع العرض ان العالم المسيحي هو (الكتلة الاكثر عددا) والاقوى والاكثر تطورا ؟؟ طيب.. اليس العرب اغلبية في العراق . فلماذا لا نقول انه جزء من الامة العربية والعالم الاسلامي ؟؟
المواطن الذي يوالي وطنا غير وطنه ، ويستقوي به على مواطنيه ووطنه هو يشبه الطير الذي يرفع قشة من عشه ليذهب بها الى عش طير آخر ، او هو مثل من يهدم بيته ليبني بمخلفاته بيوت الغرباء .. وهذا لا يمكن توصيفه بأقل من (الخيانة العظمى)
تحت هذا الفهم الاصيل ينبغي بناء عراق المستقبل ، وليس تحت اي فهم آخر فالعراقي مواطن من الدرجة الاولى ولا يجوز ان نفرق بين عراقي نسبة مكونه 1% وبين عراقي نسبة مكونه 99% فالعراق ليس شركة مساهمة فيها حصص .. انها المواطنة .. القيمة العليا فقد جربنا المحاصصة والتوافق (التغانم) ، وشراكة الاذعان وانحدرنا وكنا سننحدر اكثر لولا ثوار تشرين النجباء .. فمبارك للعراق الاعوام المائة بعد الآلاف السبع ، ومبارك له وعي شعبه ذلك الوعي الكفيل بتوحده مرة اخرى ضد الفساد والمفسدين والطائفية والطائفيين ويعود لصناعة التأريخ من جديد كعادته .
12/12/2021