(العراق نموذجاً) … (الكهرباء تطبيقاً)
أبدعت ايران في اتباعها هذا النمط واستخدمته، بنحو واسع، في سياساتها الاقتصادية مع العراق لإفقاره اقتصادياً في ظل دولة المحاصصة (المكونات)، كما يعبر عنها والتي انشئت بعد الاحتلال سنة ٢٠٠٣ وما طبقته الحكومات المتعاقبة (تنفيذاً لخطط إيرانية) من سياسات معادية تجاه المنتج المحلي، حيث كان قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية في مقدمة من تم استهدافه، بصفة خاصة، وذلك لفسح المجال لتطبيق سياسات تجفيف السيولة النقدية بالعملة الأجنبية والعمل على تخفيض الاحتياطي من العملة الصعبة مثلما تم فسح المجال لخلق فرص كبيرة لربح التجار والوسطاء لترويج استيرادات من إيران حصرًا تفوق حاجة السوق المحلية وبنوعيات رديئة.
فمثلًا كانت المبالغ المالية المصروفة لاستيراد الكهرباء (سنويا) للعام ١٩٩٠ صفراً وبلغت سنة ٢٠١٠ بحدود ٧٦٧ مليون دولار وتصاعدت حتى بلغت ٤ مليارات دولار تقريبًا سنة ٢٠٢٠.
ان استيرادات العراق الخاصة من الغاز والكهرباء تخضع لعقود إذعان قاسية فرضت بنودها عليه وبقبول (منبطح) من الحكومة العراقية حيث تنفذ على وفق اتفاق (خذ ثم سدد) (take and pay) بهدف إحداث تراكم مالي كبير والذي يتيح للجانب الإيراني تحميل العراق ديوناً سائبة وقذرة عليه سدادها
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن المبالغ المسددة لايران جراء هذه العقود تتيح للعراق، حالياً، إنشاء محطة توليد للطاقة الكهربائية بقدرة ٤٠٠٠ ميكاواط سنويًا متكاملة ومن الطراز المتطور الموثوق، كما أن اتفاقيات التجهيز هذه أفقدت العراق عاملًا مهما في جانب أمن الطاقة يهدد المواطن دوما في حين يتيح للجانب الإيراني إيقاف التصدير في أي وقت يشاء بحجج مالية أو فنية مختلفة وكما حدث ذلك أكثر من مرة حيث لا يخضع هذا لأي شروط جزائية، بإلاضافة إلى هذا فان إيران قد جندت المليشيات العراقية المسلحة التي تعمل خارج نطاق السيطرة الحكومية وأوكلت إليها مهمة إفشال أي ربط كهربائي مع الدول المجاورة للعراق بوساطة تخريب أجزاء من شبكة الكهرباء العراقية لإبقاء الحاجة ملحة لتوريد الكهرباء من إيران حصرًا.
وعلى هذا المنوال شهد الاقتصاد العراقي ولادة نمط تجاري منفلت يهدف إلى امتصاص الفوائض المالية وتدوير الأموال العراقية خلال البنوك الإيرانية العاملة في العراق والتي تحول ما نسبته ٨٠ بالمائة من مبيعات مزاد العملة الصعبة من العراق إلى إيران مما ولد لها قيمة مضافة على حساب الخزينة الوطنية، من هنا، ظهر، بنحو واضح، تطبيق حي لمفاهيم جديدة في سياسة (إفقار الجار).
كل ما تم تناوله انفاً، وبنحو مختصر ودقيق يعد وصفا لما تم صياغته (إيرانياً) لضمان تحقيق شروط التبعية المطلقة على وفق مخططات ممهد لها ومعد لتطبيقها وبما يناسب ظروف الساحة الاقتصادية المستهدفة.
* المركنتيلية/ مصطلح من الأدب التجاري لمذهب سياسي اقتصادي ساد في أوربا، منذ قرون مضت، وهو يؤشر على الميول إلى المتاجرة والربح من دون أي اعتبارات أخرى.