26 فبراير، 2025 5:22 م

(النساء والكتابة 2- 44):  ليس هنالك أدب نسوي خالص، بل أدب إنساني تكتبه نساء، و النص العميق يضيف للتجربة الإنسانية والأدب أبعادا عن التباس الحياة

(النساء والكتابة 2- 44):  ليس هنالك أدب نسوي خالص، بل أدب إنساني تكتبه نساء، و النص العميق يضيف للتجربة الإنسانية والأدب أبعادا عن التباس الحياة

 

خاص: إعداد- سماح عادل

مازال الملف مستمرا، ومازالت آراء الكتاب تتوافد حول معاناة المرأة الكاتبة والصعوبات التي تواجهها.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

سلام ابراهيم – الناقد العراقي

النص العميق يضيف للتجربة الإنسانية..

يقول الروائي والكاتب العراقي “سلام إبراهيم”: “لا أميل إلى تسمية الأدب الذي تكتبه النساء بأدب نسوي. لأسباب عديدة أولها؛ لا وجود للحياة البشرية دون طرفي الوجود الرجل والمرأة؛ فقصص الكتب السماوية تشترك بقصة خلق الله للرجل والمرأة وما تبعها من حكاية الغواية والتفاحة والأفعى وأبليس، ولا ننسى أن الكتب جاء بعد تطور حضاري طويل قطعته البشرية عابرة مراحل مهمة حيث تكرس قبل الأديان السماوية بوقت طويل سيادة الرجل وحصر المرأة في البيت لتربية الأطفال، بينما الرجل نهض بمهمة جلب الطعام والدفاع عن العائلة في أول تقسيم للعمل، حيث تم سيطرة الرجل اقتصاديا. الكتب السماوية كرست هذه السيادة وجعلت من المرأة كائنا تخلق من ضلع آدم.

التاريخ صنعه الرجال. وظلت المرأة حبيسة البيت ومشغولة بشؤون العائلة ولم تظهر للحياة الاجتماعية كشخصية فاعلة إلا بعد عصر النهضة والثورة الصناعية، ولم تحقق تحررها الفعلي إلا في القرن العشرين وفي أوربا تحديدا، وامتدادها أمريكا وأستراليا”.

ويواصل: “في مجتمعاتنا العربية والإسلامية والشرقية عموما لم يزل الحاجز قائما بين المرأة والرجل والشارع رغم أنها نزلت للعمل وتعلمت. من سجن البيت، إلى سجن مكان العمل، الشارع ممنوع، السفر إلا بصحبة رجل، فعادت لغزا بالنسبة للرجل، والرجل أيضا بالنسبة لها. عالمان مختلفان تماما.

لذا يكتسب ظهور كاتبات عراقيات وعربيات أهمية بالغة، فكل ما كتبه الكتاب الأجانب والعرب حتى لدى أكثرهم قدرة إبداعية مكتوب من وجهة نظر هذه الثقافة التاريخية. ثقافة الفحل، رغم محاولة الكتاب العباقرة الغور في شخصيات نسائية والتمكن من التصوير الدقيق لعالم بعضهن الداخلي، لكن العصر الحديث والنهضة الكبيرة ما بين الحربين العالميتين في أوربا وظهور كاتبات جريئات أظهر طريقة مختلفة تماما في التفكير والنظر إلى الحياة بكل تفصيلاتها عن الرجل.

قبل هذا التاريخ حاولت كاتبة فرنسية التحرر من أسر عبودية العلاقة الزوجية، فهجرت زوجها والريف إلى باريس وكتبت أفكارا أعلنتها، ثم عشقت شاعرا وكتبت روايات لكنها واجهت مجتمعا أوربيا في القرن التاسع عشر منغلقا وتعرضت لضغوطات جعلتها في التالي تعود إلى الريف. وفي القرن العشرين ظهرت العديدات ومن أهمهن الروائية والناقدة، “أنانيس نين” التي كتبت رواية وقصص تذهب مباشرة إلى موضوعة الجسد والعلاقة بالرجل، مسلطة الضوء على الكيفية التي تنظر فيها للجسد وأهوائها الداخلية الدفينة التي تكشفت أنها لا تختلف عن أهواء الرجل لا بل أشد وأعنف في غرابتها ومخيالها، لكن الرواية لم تنشر إلا بعد أكثر من أربعين عاما في أوائل سبعينيات القرن العشرين، ثم يومياتها.

يضاف إلى إنها تعد من أهم منظري الرواية الحديثة  في كتابها “مستقبل الرواية” الذي كرس فكرة أن الرواية هي سيرة ذاتية لكاتبها بهذا الشكل أو ذاك، وبشكل مبكر جدا أي قبل أن يجتاح هذا النمط الرواية الأوربية في منتصف القرن العشرين ويصلنا متأخرا”.

ويؤكد: “أستطيع القول أن أغلب النصوص القصصية التي كتبتها عراقيات يعشن في العراق، متحفظة لم تلق ضوء على واقع المرأة العراقية النفسي والاجتماعي، بل انشغلت بتفاصيل عامة وأعزو سبب ذلك إلى ضغط القيم والعادات شديدة التحفظ والتي من المفترض أن تكشف لنا في نصوصها أثارها على جسد ونفس المرأة وأحلامها ورغباتها.

هناك استثناءات قليلة، وأبرز هذه الاستثناءات القاصة والروائية؛ “عالية ممدوح” التي كتبت بشكل مبكر عن عالم العراقية الداخلية في قصصها القصيرة أوائل سبعينيات القرن الماضي لتتكرس في نصوصها الروائية اللاحقة التي كتبتها في باريس وكل كتبها منشورة في بيروت ولندن يعني خارج بيئتها. وكذلك “بتول الخضيري” في روايتها الأولى، لكنها هي أصلا تعيش في لندن ونصف انكليزية، والثالثة “دنى طالب” في روايتها الأخيرة التي مست هذا الوتر على استحياء.

وفي الآونة الأخيرة قرأت قصائد مدهشة لشاعرة عراقية هي “لنا عبد الستار” التي بلورت حس الأنثى ومشاعرها الدفينة جدا إزاء نصفها الثاني بكل عري.

حتى نصوص الكاتبات العربيات والعراقيات غير الكاشفة والمكتوبة ضمن القوالب التي تسمح بها رقابة القيم السائدة مهمومة أيضا بالعلاقة مع الرجل.

كل النصوص التي كتبها رجال مهمومة بالمرأة والحياة، وكل النصوص التي كتبتها نساء مهمومة بالرجل والحياة.

الخلاصة ليس هنالك أدب نسوي خالص، بل أدب إنساني تكتبه نساء، وكلما كان النص عميقا كلما أضاف للتجربة الإنسانية والأدب أبعادا لم تكن معرفة عن التباس الحياة ووجهات النظر لدي طرفي المعادلة”.

هناك نقاد تناولوا كتابات المرأة بصورة استقرائية جادة وغنية..

ويقول الكاتب السوداني “منيب مختار”: ” في الحقيقة قد تُحجِم مسؤوليات الأمومة والأسرة من جانب، الفراغ الذي يمكن أن يولد فيه العمل الأدبي، إذا لم تستطيع إدارة الفراغ المتاح بصورة أمثل، وهناك جانب آخر يجب التطرق إليه، وهو اختلاف التحديات التي تواجه كلٍ من الرجال والنساء وطبيعة تنوعها بين المجتمعات. ولا يمكننا أن نُسلم بأن هذه أسباب كافية تحول دون تواجدها في الساحة الثقافية”.

وعن مقارنة النصوص يقول: “أعتقد أن مصطلح المقارنة نفسه غير دقيق، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون معيار للأفضلية على أسس نوعية ربما. ما أود قوله؛ أنه ليس ثمة كتابة للرجال وكتابة أخرى للنساء، الكتابة تبقى كتابة فقط ومن المُجحِف أن نبحث حثيثًا عن معايير تحكم ما نسميه جدلًا “اختلاف””.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “التابوهات أو الخطوط الحمراء باتت محظورة في منحى واحد وهو “السياسة” أو هكذا تم اختزالهُ، أعتقد أن الحديث عنها يظل محل جدل لكن الثابت في الأمر أنه مرهون بمبررات تحرض على كسرها.  أما الجرأة في الكتابة أو عدمها يتعلق بمدى جدية الطرح وتشذيبهِ وشموله.

ينظر البعض إلى الكتابة الأيروتيكية كأدب ترفيهي خاص بالليالي شديدة الحمرة، وينظر إليه البعض في الخطابات الشعبية على أنه معرفة محرمة ومدنسة لكنني أظنه تعرية لمظاهر التعفف المُتعالي وخطاب متجذر للتراث متصل به متأصلاً فيه، ولو اختلفنا في وجهات النظر ستظل الكتابة الأيروتيكية ضربًا من ضروب الأدب”.

وعن تواجد الكتابات النسائية على الساحة الثقافية يقول: “إن مفهوم التواجد في مجتمعاتنا عمومًا طابعه نسبي، لا يُحرِض على المضي قدمًا، لذا لا أرى أن كتابات المرأة في الساحة الثقافية شحيحة مقارنةً بالرجال، لكن تظل أزمة النقد قائمة بذات المفهوم، ولن يكون النقد مفيد ما لم يؤسس على أحكام تستمد من النصوص نفسها، كما أن النظرة النقدية التصنيفية على أساس النوع لا تتناغم مع طبيعة الأدب نفسه، لذا التحامل من قِبل النقاد على كتابات المرأة وعدم تناولها بجدية غير مبرر، مع الإشارة طبعًا وإحقاقا للحق إلى أن هناك نقاد تناولوا كتابات المرأة بصورة استقرائية جادة وغنية”.

وعن وجود اختلافات ما بين كتابات الرجال وكتابات النساء يقول: “كما قلت سابقًا، ليس هناك أدب للرجال وآخر للنساء، وهذا شرخ تم اختلاقه للايحاء أو لترسيخ مفهوم الأدب والأدب الثانوي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة