26 فبراير، 2025 5:22 م

الأمر أشبه بأحجية .. آثاريون عراقيون وفرنسيون يكافحون في إحياء ما دمره “داعش” من “متحف الموصل” !

الأمر أشبه بأحجية .. آثاريون عراقيون وفرنسيون يكافحون في إحياء ما دمره “داعش” من “متحف الموصل” !

وكالات – كتابات :

يعمل خبراء عراقيون بمساعدة مرممين فرنسيين على تجميع المئات من القطع الحجرية الصغيرة، وهي أجزاء من آثار يفوق عمرها 2500 عام، في “متحف الموصل”؛ شمالي “العراق”، كانت قد حُطّمت على يد تنظيم (داعش) الإرهابي.

وتضمّ القطع: أسدًا مجنّحًا وزنه عدّة أطنان، وثورين مجنحين آشوريين وقاعدة عرش من عهد الملك “آشور ناصر بال الثاني”.

تعود إلى الألف الأولى قبل الميلاد..

وتعود هذه الآثار إلى الألف الأوّل قبل الميلاد، وهي تخضع للترميم بمساعدة خبراء من “متحف اللوفر” الفرنسي، كما أن تمويلات دولية قد قُدّمت للمتحف العراقي بهدف المساعدة في عمليات الترميم.

في الطابق الأرضي من المتحف، تبرز قضبان حديد من فجوة لا تزال بارزة في الأرضية، لتكشف عن الطابق السفلي. أحجار من كلّ الأحجام مبعثرة على منصات وطاولات وزّعت على قاعات المتحف الحضاري في “الموصل”.

وبدأ الخبراء في فصل وتوزيع الأجزاء الخاصة بكلّ قطعة أثرية، وتبرز على بعض الحجارة مثلاً أجزاء من مخالب، وأخرى تبدو وكأنّها بقايا أجنحة.

الأمر أشبه بأحجية !

ويذكر “دانييل إيبليد”، أحد خبراء الترميم الفرنسيين المبعوثين من “متحف اللوفر” الفرنسي لدعم الفريق العراقي، أنه يوجد: “خمس قطع مهمة في المتحف، وينبغي فصل جميع الأجزاء”. ويضيف: “الأمر أشبه بأحجية، عليك إيجاد كل القطع لتكتمل القصة، وشيئًا فشيئًا، تتمكن من إعادة جمع الكلّ”.

وبعد ثلاث مهمات، في حزيران/يونيو؛ وأيلول/سبتمبر؛ ومطلع كانون أول/ديسمبر)، ينوي الخبراء الفرنسيون التناوب على إجراء زيارات دورية إضافية إلى “الموصل”، وذلك للمساعدة ولتوجيه أعمال الترميم، بحسب ما ذكر “إيبليد”.

قطع متناثرة..

تحت الأضواء، تبرز قاعدة العرش، وعليها نقوش مسمارية، مجمّعةً بشكل جزئي، بحيث جُمّعت بعض الأجزاء بأربطة مطاط أو حلقات حديد.

يقول أحد الخبراء العراقيين؛ فيما يُشير بيده على فجوة في قاعدة العرش: “هنا مركز التفجير”.

بعدما سيطر (داعش) على “الموصل”؛ في عام 2014، قام عناصره بتحطيم وتفجير قطع أثرية تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، في المتحف الواقع في ثاني أكبر مدن “العراق”، كما أنهم نشروا مقطع فيديو، في شباط/فبراير 2015؛ يُظهر تدميرهم لها.

ويقول “شعيب فراس”، أحد العاملين في المتحف، إنّ: “قاعدة العرش دُمّرت إلى أكثر من: 850 قطعة. تم تجميع ثُلثيها”. ويعمل نحو عشرة من زملائه على إنهاء تجميع هذه التحفة الأثرية الهامة.

ويحمل “فراس” شهادة في الدراسات السومرية؛ وهي خبرات ضرورية جدًا في عمليات إعادة الترميم.

ويقول “طه ياسين”، أحد الخبراء العاملين في الترميم، إنّه يعمل: “في تجميع القطع المتناثرة وقراءة الكتابات الموجودة عليها، وبناءًا على الكتابات نُعيد القطع إلى مكانها”.

ويُشير “ياسين” إلى أن التحدي الآن يكمن في إكمال الجزء الداخلي من العرش، ويضيف قائلاً: “نواجه صعوبة في الحشوات الداخلية التي ليس بها سطح مستوٍ أو كتابات تُدل على مكانها. أن نجد مكانها هو من أكثر المهمات صعوبة”.

ويأمل مدير المتحف، “زيد غازي سعدالله”؛ الإنتهاء من أعمال الترميم خلال خمس سنوات. وكان مشروع الترميم قد بدأ، في العام 2018؛ كإجراء عاجل، لكن تأخيرات حصلت بسبب جائحة (كوفيد-19).

ويشرح “سعدالله”: “كانت البدايات عبارة عن إجراءات عاجلة قمنا بها في داخل المتحف من أجل الحفاظ على ما تبقى من آثار محطمة”.

ويضمّ المتحف المئات من القطع. ويقول “سعدالله”، آسفًا: “تعرضت تلك القطع للتدمير أو السرقة”.

ويوضح “سعدالله”؛ أن: “عدد القطع الأثرية التي كانت موجودة سابقًا، حسب الإحصائيات إجتازت المئة قطعة. ومعظم هذه القطع الموجودة تعرضت للتدمير أو السرقة؛ وهذا ما أدخلنا في أرباك تحديد ماهو موجود وليس موجودًا”.

يُضيف مدير المتحف أنه: “من خلال أعمال التوثيق السابقة بحوزتنا؛ ومن خلال ما نقوم به من ترميم للقطع الاثرية؛ سنتمكن من تحديد العدد الحقيقي للقطع المسروقة، والقطع الموجودة المدمرة، والقطع المدمرة التي تم فقدانها بعد التحطيم أيضًا، وهي تعود إلى أزمان مختلفة”.

إحياء التحف..

في بعض قاعات المتحف، عُلّق على الجدران أوراق بيضاء مكتوب عليها أسماء القطع المفقودة من الآثار التي يجري ترميمها. على أحد هذه الأوراق كُتبت عبارة: “محراب مسجد الرحماني حجر المرمر مفقود”.

وتتعرض آثار “العراق” للنهب، منذ عقود؛ لاسيما بعد الغزو الأميركي في العام 2003، وفي مرحلة سيطرة التنظيمات التكفيرية. وتُشكّل استعادة هذه القطع المنهوبة، واحدةً من التحديات الأساسية للحكومة الحالية.

وتموّل منظمة “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع”، أو (ألِف)؛ مشروع ترميم “المتحف الحضاري”؛ في “الموصل”.

وتُشير مديرة قسم التحف المشرقية في متحف “اللوفر”، “أريان توما”؛ إلى أن: “مشروع متحف الموصل؛ هو المشروع الرئيس لمنظمّة (ألِف)”.

وتُضيف “توما” أنه بالمجمل، يُشارك من: 20 إلى 25 شخصًا من “متحف اللوفر” في العملية: “معظمهم بدون مقابل”، لا سيما من: “خبراء في الخشب والمعادن”.

وكذلك تُشارك منظمة (سميثونيان) الأميركية بالمشروع، عبر تدريب فرق المتحف، فيما يقوم “الصندوق العالمي للآثار والتراث”؛ بترميم مبنى المتحف الذي دُمّر جراء النزاع.

وتُشير “توما” إلى أنه يجري التحضير لمعرض عبر الإنترنت؛ بالتعاون مع الخبراء العراقيين؛ للكشف عن التحف حال الإنتهاء من ترميمها، وتضيف قائلة: “أثبتنا أن بالوقت والمال والخبرات اللازمة نستطيع إحياء التحف الأكثر تضررًا، وها هي القطع التي كانت محطّمةً تمامًا، تعود لتكتسب شكلها السابق من جديد”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة