عام 2004، وقد مضت حوالي مدة الحمل (9 أشهر) ولم تولد الدولة العراقية.. بل، تم الإعلان رسميا عن احتلال العراق، وكانت تلك، أشهر مليئة بالفوضى .. تتخللها قرارات (كروكية) من قبل الاحتلال..
مصطلح (كروكية) من مصطلحات صديقي مهندس سعد ، أيام شبابنا، بالتسعينات، كان يستعملها كثيرا، حينها، للاحتجاج على أدنى حالة فوضى قد تحصل في ورشتنا، وهي ورشة لتصنيع المستلزمات عالية الدقة.. كانت ورشتنا ثمرة جهود اكثر من دولة متطورة، وفيه نظام مؤسساتي رصين، الى حد بعيد، فضلا عن حصول اغلب موظفينا على تدريب مهني عالي، وكان التنفيذ للانتاج يخضع للدقة المايكرونية.. ولا مجال للكروكية..!!
ويعني سعد بمصطلح الكروكي.. العمل بالكرك (او بالمسحاة).. ولان العمل في نقل الرمل او التراب بالكرك، لا يحتاج الى مهارة، او دقة.. وهو ابسط انواع العمل، ويكفي لتنفيذه عامل بسيط، يؤدي عمله مع تصاعد الغبار، والضجيج..
وهذا النوع من العمل (الكروكي) لا يصلح غالبا.. لا في ورشتنا.. ولا في ادارة الدولة.. الا ان (الكروكية) صارت الحالة الشائعة في العراق بعد الاحتلال.. وبالرغم من محاولات الجيش الأمريكي (المتورط) على إدارة بعض الجوانب بطريقته العسكرية في الشارع.. الا ان جهات امريكية اخرى تعمدت نشر (الكروكية) او ما يصطلحون عليه (الفوضى الخلاقة)..!!
كان النقاش مستمرا بيننا، كان الاخ سعد متفائل بالأمريكان..ويظن انهم سيبنون العراق، مثل اليابان، والمانيا الغربية..!! وكنت ارى انهم ليس اكثر من (كروكية)..
من جانبي، اعتقد ان اليابان والمانيا، كانوا اكثر تطورا من امريكا، قبل حصول الحرب (العالمية2)..وان امريكا، استثمرت فرصتها الوحيدة، تاريخيا، حينها، لفرض سيطرتها على اليابان والمانيا، واستنزاف طاقاتهما العلمية.. لمصالحها..ولم تساهم في بناء اي بلد..
ولم تنجح في اية حرب بعدها، وخاصة في فيتنام.. ثم الصومال..وغيرها..
وأجد ان الأداء الامريكي ..كروكي.. ينطلق من الغرور .. واعتماد الظن..ليس الا.. وهذا ما اثبتته تصريحات ادارتها.. وخاصة اوباما لاحقا..
لقد دفع الشعب العراقي.. الثمن باهضا بسبب التدخلات الامريكية في العراق.. ابتداءا من 1963، وما بعدها، وحرب 1980..ثم مشاركتهم في ضرب الانتفاضة الشعبية.. ثم حرب البترول.. عام 2003..وما بعدها..
في هذه المرحلة، حرص السيد مقتدى الصدر على إرسال رسائل موضوعية الى الراي العام، مفادها إن سبب دخول الامريكان في العراق قد انتفى، وان شعبنا لا يمكن له السكوت طويلا..
وقد يتوهم الغافل، إن السيد مقتدى الصدر، قد بدأ المقاومة العسكرية، قبل أية مقاومة سلمية، الا إني، وبحكم قربي من الأحداث، والمشاركة فيها، اعرف جيدا إن الأوامر صدرت للاحتجاج سلميا بالبيانات والتظاهرات ..لا أكثر.. ولأكثر من عام..!!
إن الخطب الــ 45 والتي ألقاها السيد مقتدى الصدر في مسجد الكوفة، بدأت بالحمد والثناء لله على نهاية الحكم الديكتاتوري، راجيا أن يترك للشعب العراقي اختيار حكومته، بديمقراطية، والعمل على إعادة بناء العراق..
تضمنت المقاومة السلمية، إصدار بيانات باللغة الانكليزية، تحدث فيها السيد الصدر للجنود الأمريكيين عن رفضه لوجودهم في العراق.. وانه سيضطر إلى العمل العسكري.. وقام الشباب الصدري بتوزيعها الى الجنود، وبشكل حضاري.. .. فضلا عن التهديد بان الضرر الذي سيصيب أمريكا في العراق، سينتج عنه، ضرر لها في العالم، كله..
ثم بدأت مرحلة المطالبة بتسليم الملف العراقي إلى منظمة الأمم المتحدة، للإشراف على تنظيم انتخابات حرة نزيهة، لاختيار حكومة منتخبة، بديلا عن مجلس الحكم.. فضلا عن التحركات الصدرية لبناء علاقات طيبة مع المسيحيين والصابئة، فضلا عن المذاهب الإسلامية.. لتفويت الفرصة على الاحتلال، الذي راهن على الفوضى والكروكية والحرب الطائفية..
حاول الاحتلال احتواء الصدريين، وقد تم عرض منصب أول رئاسة للجمهورية عليهم ..فرفضوه.. لموقفهم الثابت والمعارض للاحتلال..
كان السيد الصدر ساعيا لإخراج العراق من الاحتلال والفوضى، بإمكانياته المتاحة، ومحاولا التثقيف نحو مشروع وطني يهدف الى تشكيل حكومة وطنية ، وبالتنسيق مع الجهات العراقية النافذة في الساحة، وخاصة هيئة العلماء (سابقا).. وبعيدا عن التدخل الأمريكي..
كذلك، العمل الجاد على بلورة قيادة شعبية، فضلا عن تأسيس تجمع علمائي وبالتنسيق مع الشيخ الكبيسي ..ثم حصل شيء مقارب له، أي التجمع العلمائي، وبالتنسيق بين مكتب السيد الصدر والهيئة وبرئاسة الشيخ الخالصي..
ويمكن القول: إن جهود السيد مقتدى الصدر، خلال 2004، وما بعدها، هي العلة الأساس والسبب الرئيس في الانجازات التالية:
أولا: تفعيل دور الأمم المتحدة في العراق، وباعتراف الأمم المتحدة، ورغم انف الاحتلال.. الذي خطط لتحجيم دور الأمم المتحدة.. والانفراد بإدارة العراق..
ثانيا: المطالبة بخروج القوات المحتلة..
ثالثا: المطالبة بالسيادة والاستقلال..
رابعا: المطالبة بإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة لاختيار حكومة عراقية.. وإنجاح ما يسمى بالعملية السياسية لإنهاء الاحتلال..
وبالرغم من شرعية هذه المطالبات الوطنية، الا ان اغلب الجهات السياسية وخاصة الأحزاب الإسلامية، وحزب السلطة، كانت تخضع للاحتلال وتتملق لبريمر.. ووقفت بصوت عال.. ضد المطالب الوطنية التي أعلنها السيد مقتدى الصدر.. !!
[email protected]