19 ديسمبر، 2024 2:12 ص

السودان. ، من جنرال إلى جنرال

السودان. ، من جنرال إلى جنرال

السودان بلد عربي يقع في الشمال الشرقي لقارة أفريقيا تبلغ مساحته ١,٨٨٦ مليون كم مربع ( بعد انفصال الجنوب) ، يقطنه أكثر من ٤٣ مليون نسمة ، يسمى سلة العرب الغذائية لأن أغلب أراضيه خصبة صالحة جدا للزراعة ويسير فيه فرعين لنهر النيل ، وفيه ثروة معدنية مهمة منها خامات الذهب ، غير أن هذا البلد ومنذ الخمسينات مبتلى. بحكم جنرالات الثكنة العسكرية ، فقد قام الجنرال ابراهيم عبود بالانقلاب على حكومة عبد الله خليل عام ١٩٥٨ ، واستلم الحكم جراء التنازل الطوعي للاخير بسبب الاختلافات المزمنة بين الأحزاب السياسية ، وحكم هذا الجنرال السودان بقبضة من حديد ، بعد أن عطل الدستور حتى عام ١٩٦٤ ، في هذا العام بدأت الاحتجاجات الشعبية وتوجت بمظاهرات ثورة ٢١ اكتوبر حيث تم قتل الشاب احمد القرشي على يد قوى الجنرال الأمنية وأثناء التشييع رفع المتظاهرون شعار ( إلى القصر حتى النصر ) وتم فعلا الاعتصام والتظاهر أمام القصر وسقط من المتظاهرين عددا من الضحايا مما دفع بالجنرال ابراهيم عبود للتخلي عن الحكم لصالح السياسي سر الختم خليفة عام ١٩٦٤ الذي ألف وزارة ثورة اكتوبر ، غير أنه وبعد عقد مؤتمر المائدة المستديرة ولكثرة الخلافات بين الأحزاب السياسية حول حالة القبائل والجنوب خرجت المظاهرات ضد وزارته وهتف المتظاهرون بشعار (ياخرطوم ثوري ثوري خلي خليفة يلحق نوري ) واجبر على الاستقالة وتم تعيين السياسي المخضرم احمد محمد محجوب رئيسا للوزراء عام ١٩٦٥, واعيد اختياره لرئاسة الوزراء عام ١٩٦٧ ولغاية عام ١٩٦٩ ، حيث أطاح الجنرال جعفر محمد نميري بالرئيس اسماعيل الازهري فايبر غييب االحكم المدني مجددا ، وفي ضؤ اختلافه مع الجميع شن الجنرال نميري حربا شعواء ضد اليسار السوداني وفي المقدمة حربه الدائمة على الحزب الشيوعي السوداني وأعدام العديد من قادته ، ومثل سابقاتها فقد اندلعت التظاهرات الشعبية ضد ميول النميري اليمينية وأهماله لأمور الناس المعاشية وتردي قطاع العمل وازدياد حركات التمرد ضد حكومته ، وقد استجاب لتلك التظاهرات وزير دفاع حكومة جعفر نميري الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب الذي أطاح بالنميري وعزل الموالين له في الجيش ، وهو يعد الجنرال الاول من جنرالات السودان الذي وعد الشعب بالتخلي عن السلطة بعد عام من الانقلاب ، وقد نفذ فعلا وعده بعد ذلك العام وسلم السلطة لحكومة منتخبة يرأسها الصادق المهدي زعيم حزب الأمة مؤتلفا مع الحزب الوطني الاتحادي ، بزعامة محمد عثمان الميرغني تارة ومع الجبهة الإسلامية تارة أخرى بزعامة حسن الترابي ،
لم تتمكن هذه الحكومة من الصمود بوجه الجنرالات الانقلابين وبسبب اختلاف أحزابها وتأمر الجبهة الإسلامية ، فقد تم خلع الصادق المهدي المنتخب بانقلاب عسكري قاده الجنرال عمر احمد حسن البشير في حزيران عام ١٩٨٩ ، وظل هذا الجنرال المتقارب مع الإسلاميين يحكم السودان بروح الثكنة ، لمدة ثلاثين عاما تم خلالها إيقاف ساعة الزمن وعاد بالبلد الزراعي إلى بلد تشح فيه مستلزمات المعيشة ، وكان سببا في قيام جمهورية جنوب السودان بانفصال الجنوب بنفطه عن شماله المقسم بفعل الحركات الثورية ، مما حدى بالشعب إلى إعلان الثورة على النظام في عام ٢٠١٩, وظلت عصاة الجنرال عمر البشير تضرب بالبشر ذات اليمين وذات الشمال ، وكانت نتيجة انتفاضة ٢٠١٨ المستمرة ، أن قام الجيش في عشية العاشر من نيسان بحركة انقلابية عسكرية يقودها وزير الدفاع احمد بن عوض بن عوف أطاحت بالجنرال عمر احمد البشير ، وتم تشكيل المجلس العسكري برئاسة الجنرال بن عوض واعلنت حالة الطوارئ ، وتم إيداع البشير السجن أو كما يقال إقامة جبرية في منزله ، ولكن للخلاف الذي نشأ بين الجنرال العوض والمجلس العسكري دفع به للاستقالة وتعيين الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيسا للمجلس العسكري ولكن رغم الإطاحة بالجنرال البشير ظل المتظاهرون يتظاهرون ويعتصمون ، على مدة بقاء المجلس لعامين ، وتم الدفع بالتحول إلى مرحلة انتقالية وتم اختيار الدكتور عبد الله حمدوك لتشكيل وزارة مدنية وتشكيل مجلسا للسيادة ، غير أن قوى الحرية والتغيير ظلت معتصمة ومتظاهرة اعتقادا منها بعدم جدية الجنرالات بالتخلي عن الحكم واستمرت المطالبة بالحكم المدني ، وعاد البرهان إلى الجيش ليقوم بعمل عزل فيه رئيس الوراء حمدوك ووضعه تحت الإقامة الجبرية ، مما اضطرت معه الهيئات الشعبية من تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير بالمطالبة بأطلاق سراح حمدوك ، والوزراء المهنيين ، وعاد البرهان عن قرار عزل حمدوك تحت الضغوط الدولية والتنديد بعزل السودان وفرض الحصار عليه .
إن واقع السودان اليوم هو واقع مؤلم يقع بين طموحات جنرالات الثكنة العسكرية ، ومطالب شعب مل حكم العسكر منذ العام ١٩٥٨ ويطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية ، وبدولة مدنية يتداول السلطة ميها تداولا سلميا بين مدني وآخر لا بين جنرال وجنرال….

أحدث المقالات

أحدث المقالات