تسنى لي أن أشاهد فيلم سيدة الجنة في أمريكا، حيث يعرض على شاشات السينما التابعة الى شركة AMC . كدت أغادر القاعة في منتصف الفيلم بعد أن شعرت بالقرف وأنا أشاهد التشويه المتعمد لصورة الأسلام، تعرض على المشاهدين في الغرب وفي بقاع العالم الأخرى ربما. الفيلم يظهر فكر ياسر الحبيب بوضوح، وبما أنه مؤلف وكاتب السيناريو والممول الرئيسي للفيلم، فأن قوالب أفكاره مفروضة بوضوح على قصة الفيلم وشخصياته. وكشيعي، كنت آمل أن يقدم الفيلم صورة راقية عن مظلومية الزهراء وعن الأسلام بشكل عام.بدلاً من ذلك…خرجت من الفيلم ممتعضاً غاضباً لما فيه من تزوير للتاريخ والحقائق، وتشويه للأسلام والمسلمين. كان الأجدر بياسر الحبيب أن يستعمل ملايين الدولات هذه التي أنفقت على أنتاج الفيلم، أن يستخدمها في أظهار الأسلام بصورته الحقيقية الناصعة. نعم، لابأس بأبراز مظلومية الزهراء عليها السلام، ولكن بدلاً من التركيز على أظهار أبو بكر وعمر وعائشة بتلك الصورة القبيحة المقرفة، كان من الممكن أظهارها كما هي في التاريخ…بل كما هي في التاريخ الشيعي أذا أردت. فأبو بكر وعمر لم يكونا رجلين أسودين، وعمر لم يكن رجلاً أسودأً أعور. وعائشة كانت أمرأة بيضاء، ولم تكن أمرأة سوداء أنفها معقوف بشكل مشوه، وأسنانها كأسنان مصاصي الدماء كما تظهر في الفيلم… مما يجعل المشاهد الغربي يتساءل ( ماذا دهى النبي محمد حتى يتزوج أمرأة كهذه؟). كما يظهر الصحابة في الفيلم عبارة عن مجموعة من الحمقى الرعاديد الذين لايملكون الشجاعة لمواجهة أبو بكر وعمر وهم يسلبون الخلافة بكل وحشية… وأقول بكل وحشية، لأن هذا ماأظهره الفيلم، حيث أن أبو بكر يأمر عمر بالعبارة التالية (Use whatever brutality it takes to bring him over – أستعمل مايتطلبه الأمر من الوحشية لجلبه الى هنا) ويقصد هنا جلب الأمام علي مرغماً للمبايعة. فيذهب عمر(الأسود الأعور) مع أتباعه ويطلب من علي الخروج…علي مشغول بقراءة القرآن والأمة تحترق عند بابه، وهو لايسمع لأنه مشغول بالقرآن والصلاة! فتذهب أليهم فاطمة وتحدثهم من وراء الباب خائفة، ثم يقتحم عمر الباب ويعصر واحد من أتباعة فاطمة خلف الباب ليدخل (المسمار الكبير جداً) جسد فاطمة ويخرج يقطر دماً ( وعلي لازال مشغول بقراءة القرآن)، ثم يقوم عمر وأحد أتباعه (أسود ضخم جداً) بركل الزهراء في بطنها وفي حملها بالذات وهي تستغيث ( وعلي لايزال لايسمع مشغول بقراءة القرآن)… يمعن عمر ورفيقه في ركل فاطمة بأبشع صورة ممكنة… وهي تستغيث… ثم بعد لأيٍ، يقرر علي وضع القرآن جانباً ليأتي لنجدة الزهراء. يمسك بعمر ويرفعه ثم يلقي به على الأرض ويخنقه بقدمه، يشارف عمر على الموت، ثم يتذكر علي وصية الرسول(ص) بأن يصبر على ماأصابه، فيترك عمر لحال سبيله!… أي مهزلة هذه؟!، وماذا سيفكر المشاهد الغربي وهو يرى هكذا مهزلة ويظن أن هذا ماحدث فعلاً في تاريخ الأسلام؟. من غير شك أن الزهراء ظلمت بمسألة فدك وغيرها، وأنها حسب رأيي التحقت بأبيها عاجلاً من الألم والكمد على ضياع تراثه. وثابت تأريخياً أن أبو بكر ندم على عدم أعطاءها حقها، بل على الأمر برمته بشأن الخلافة وغيرها، ومعلوم أنه ذهب بصحبة عمر الى بيتها ليستميح العذر منها، ألاّ أنها أبت أن تستقبلهما، فطلبا من علي أن يتوسط عندها لتسمح لهما بلقاءها…فدخلا، لكنها كانت تشيح بوجهها عنهما، ثم أخبرتهما( سأدعوالله عليكما في صلاتي ماحييت)…فخرجا من الدار فوجدا جمع من الناس في الباب، فقال لهم أبو بكر( لاحاجة لي ببيعتكم هذه)… قال ذلك نادماً وقد كان يعلم حديث رسول الله بشأن أبنته ( فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني). أقول، لو أن الفيلم أظهر هذه المواقف المؤثرة والتي تظهر مكانة فاطمة (ع) ومكانة المرأة في الأسلام، بدل التركيز على أظهار أبو بكر وعمر وعائشة بأبشع صورة، لكان خير للفيلم، ولياسر الحبيب، وللمسلمين.
وثابت تاريخيا أيضاً، أن عمر ذهب الى منزل فاطمة مع بعض من أتباعه وأراد حرق المنزل، حتى أن شاعر مصر حافظ أبراهيم قال في هذه الحادثة:
وقولة لعلي قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها أمام فارس عدنان وحاميها
ومعظم رواة الشيعة يتوقفون عند ذلك، ويقولون أن عمر رجع بعد أن قالت لهم الزهراء أنها ستدعو الله عليهم أن لم يتراجعوا، فتراجع الناس وتراجع عمر. لكن يحلوا للغلاة من الشيعة أن يضيفوا مشاهد درامية أخرى للقصة، فيقولون أنه عصرها خلف الباب ودخل المسمار في جسدها الشريف، وأنها أسقطت (محسن)!… وعلي قاعد في البيت يتفرج؟!! ومعه صناديد الصحابة (كما يروي التاريخ) كالزبير وعمار والمقداد وطلحة وغيرهم؟!! وكل هؤلاء يرون مايفعل بالزهراء وهم قاعدون متفرجون؟!… ثكلتكم أمهاتكم…
كما يدعي الفيلم أن الرسول (ص) مات بفعل السم الذي دسته له عائشة وحفصة، ويظهر عائشة بشكل واضح وهي تدس السم في الأكل، ولابد أن يتساءل المشاهد الغربي هنا ثانية (لماذا يتزوج النبي محمد أمرأة قبيحة بشعة حاقدة تتآمر عليه وتريد قتله؟)… الجواب: بل هي العقلية الضحلة الفاسدة لياسر الحبيب وأمثاله من المجرمين بحق الأسلام…نعم الفيلم هو جريمة كبرى بحق الأسلام والمسلمين.
يظهر الفيلم شخصية رسول الله بكاملها، وجهاً وهيئة ومنطقاً… وعلي كذلك، عدا السيدة فاطمة…لايظهر وجهها، فقط هيئتها وصوتها… ويقول الفيلم في البداية، أنه نظراً لقدسية الشخصيات، فأنها لن تظهر!…ماذا عن قدسية الرسول (ص)، وقدسية علي (ع)؟. كما أن الممثلين الذين قاموا بأداء هذه الشخصيات العظيمة، لم يتمكنوا من أظهار الهيبة التي كان عليها الرسول وعلي عليهما السلام. كنت أفضل كمشاهد أن أحافظ على الصورة الذهنية الخيالية لتلك الشخصيات العظيمة، لكن الفيلم أفسد علي ذلك. وأنا مقتنع من خلال الشخصيات المشوهة لأبي بكر وعمر وعائشة، أن ياسر الحبيب هو الذي قرر أختيار الممثلين، وهو الذي أمر أن يكونوا بهيئاتهم تلك.
والفيلم ملئ بالهفوات والسقطات والمشاهد الغير مفهومة للمشاهد الغربي، ففي معركة أحد مثلاً، تظهر أمرأة في جيش المشركين (لعلها هند بنت عتبة)، ويظهر رجل أسود (لعله وحشي) ليرمي بسهم يقتل فيه رجلاً (لعله الحمزة)، ثم تأتي هند لتأكل كبده. أنا كمسلم عربي، أعرف من هؤلاء وماذا حدث. لكن هذا الحدث وهذه الشخصيات ستظل مبهمة للمشاهد الغربي، لأن الفيلم لم يصرح من هي تلك المرأة، ولماذا أكلت كبد ذلك القتيل؟ ومن هو ذلك القتيل الذي لم يصرح بأسمه ولم يظهر ألا في اللقطة التي يتلقى بها السهم!.
كل هذا التخبط واللامبالاة، هو بفعل العقلية الضحلة التي فرضت على الفيلم هذه الهفوات والركاكة المسيئة الى التاريخ والى الأسلام جملة وتفصيلا.
وكما أسلفت، يظهر الفيلم الصحابة كالرعاديد الجبناء الحمقى. ففي مشهد، وبعد أن يبايع أبا بكر بالخلافة في السقيفة، يأتي يمشي بغطرسة وتبجح في سوق المسلمين محاط بأتباعة… والمسلمون رجالاً ونساءً وأطفالاً يهربون في جميع الأتجاهات، وكأن وحشاً قد اقتحم المدينة!؟
مشهد آخر يظهر أبو بكر وعمر وآخر (ربما المغيرة بن شعبة) وهم يتلذذون بأكل لحوم المسلمين من قدر نصبت على جماجم المسلمين من الذين رفضوا دفع الضرائب لأبي بكر!!… من أين جاء ياسر الحبيب بهذا الحدث؟. ألا لعنة الله على الظالمين.
أن ياسر الحبيب يعلم أنه محمي بالديمقراطية الغربية في بريطانيا ولن يمسه شيء، مهما قال ومهما أنتج من مهازل. ولقد سمعته يتبجح بكون الفيلم فيلم عالمي كبير. ألم يكن الأجدر أيها المجرم الغبي العتي…أن تستخدم تلك الملايين التي حصلت عليها وأنفقتها على الفيلم، في أنتاج فيلم يبيض وجه الأسلام، ويقدم وجهه الناصع الى الأجانب، بدل تلك المهزلة المقرفة؟.
أتمنى من الغيارى من المسلمين في دول الغرب، وفي الدول العربية من أصحاب النفوذ وغيرهم (أن كانت عندهم غيرة على الأسلام) أن يقوموا بأيقاف عرض الفيلم بأي صورة. وعلى الشيعة منهم أن يتبرؤا من هذا الرجل المريض الذي لن يجلب الى الأسلام ألا السوء والكراهية والحقد.