خاص: إعداد- سماح عادل
وتستمر حلقات التحقيق الثري عن النساء والكتابة في التدفق والتتابع، وبمشاركة عدد كبير من الكاتبات والكتاب.
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
- في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
- ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
- هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
- هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟
هناك نقد قاس على الأعمال النسائية..
يقول الكاتب الجزائري “سعيد فاتحين”: “إنَّ أزمة النّظرة للمرأة في المجتمع العربي هي إشكالية متجذرة في عقود من الزّمن، و إنَّ رحلة البحث عن مكانة المرأة في المجتمع يقودنا دائماً إلى معرفة يوميات المرأة، فيختلف التّفكير من عائلة إلى أخرى حسب أصول العائلة ومفهوما للأنثى داخل مجتمع رجالي.
أما بالنسبة للكاتبة ومسألة يومياتها الشّاقة، فهي غالب الأحيان تجد زمنًا معينًا داخل يومها المتعب من أجل أن تكتب أو تقرأ، لربما كما كانت تفعل “آجاثا كريستي” في التفكير في الحبكة وهي تغسل الصحون، يعني أن مسؤولية الكِتابة هي هم عصيب لكن المرأة ستجد لها وقتًا وهي داخل أزمة الحياة اليومية.
ويواصل: “أما فرصة التواجد في الساحة الثّقافية تتوقف على حسب الأسرة، و نجد مثلاً “بثينة العيسى” حاضرةً كنموذج عن امرأة تركض خلف حلمها واستطاعت تحقيقه من خلال مكتبة “تكوين”، وتسافر وتشارك في المعارض الدولية بحكم عملها وإيمانها والسعي وراء طموحها، وهذا يعود إلى ضرورة التّوافق الأسري الذي يجعل للمرأة الحرية الكاملة حينما يتعلق بالكِتابة والتّواجد في المحافل.
وكما ذكرت هذا يعود إلى أصل التكوين والتوافق داخل الأسرة التي تتبنى على أعمدة ثقافية منذ بداية الزواج، و يكون هناك تفاهم من الشريك حول رغبة المرأة في ممارسة حريتها الثقافية في مكان محترم طبعاً، ولكن لحد اليوم من المؤسف حقًا أن نشاهد العديد من الكاتبات العربيات تموت نصوصهن بمجرد الزواج والانشغال والعراقيل الأسرية التي تؤدي إلى موت الكاتب والفن داخله وهذا يكون حتى بالنسبة للرجل”.
ويضيف: “ربما مسألة المكوث في البيت وقدرة المرأة البيولوجية على ممارسة أشياء كثيرة في آن واحد يتيح لها وقتًا للكِتابة، أم اليوم الكِتابة النسائية والمؤلفات باتت تعرف وتيرة متصاعدة بل وباتت المرأة تنافس على الجائزة العالمية للرواية العربية على غرار “هدى بركات وجوخة الحارثي” أنموذجًا، والعديد من الكاتبات اللواتي صنعن الحدث في الساعة العربية، لقد انقضى زمن عدم تكافئ الفرص خصوصاً في ظل تواجد مواقع السوشيل ميديا، والحركات التي تدافع عن حقوق المرأة.
أما مسألة الوقت فلا أعتقد أنها تعد فارقًا كبيراً، فاليوم أصبح الكل يكتب ويعبر في الجداريات والمجلات والجرائد ومنصات التواصل الاجتماعي ومدونات الجزيرة، يعني اليوم نحن في تحدي كبير للمرأة من أجل سماع صوتها الساكت منذ زمن، وفي ظل الثقافة السائلة بات للمرأة رأي ثقافي أيضاً ونصوص رائعة على غرار ما قرأت مؤخراً رواية “الخائفون” للكاتبة السورية “ديما ونوس”، فهي أصبحت اليوم لها صوت كالرجل ونص أحيانا أفضل خصوصا من الناحية الشعورية وإيقاظ الحواس لدى المتلقي، و حتىّ “شهد الراوي” في العراق صنعت الحدث”.
وعن تحطيم التابوهات في الكتابات النسائية يقول: “إن مسألة الكِتابة عن التابوهات والثالوث المقدس هي مسألة واقع تهرب منه المرأة وتبني حياة جديدة في رواية أيروتيكية، بل هي مسألة تشّكل وحَتَّى تعد في غالب الأحيان اعترافات أنثوية لما تعانيه في مجتمع رجالي، وأيضا هي ترسبات من حروب عقائدية وعرقية راهنة لربما كانت المرأة في حاجة للتعبير عنها لكن وفق شكل إبداعي للكِتابة.
وهذه المسألة بالذات هي نتيجة الاضطرابات الدينية والأزمات السياسية التي تمر بها المرأة الراغبة في التحرر داخل مجتمع محافظ، فوجدنا العديد من الروايات التي أحدثت الجدل على غرار “تاء الخجل” للروائية “فضيلة فاروق” التي تتناول فيها مسألة متداولة في المجتمع العربي ألا وهي الاغتصاب والأمراض النفسية التي تصاحب المرأة التي تعيش بين سندان العفة ومطرقة الشرف.
وإنَّ القارئ لهذه الروايات يكتشف العديد من الظواهر الاجتماعية داخل البيوت التي تبدو للوهلة الأولى أنها ظواهر لا يجب أن نتحدث عنها، لكن بالنسبة للكِتابة والنقد فهي حرية غير مقيدة، ولكن ما نشاهده أن هناك نقد قاس على الأعمال النسائية وهذا يعود إلى النظرة العامة للمجتمع العربي إلى المرأة طبعاً والتي في غالب الأحيان تحاول التعبير عن مكنوناتها الإنسانية في الأعمال الأدبية، وهناك أمور تراها قضايا إنسانية يجب أن تكتب عنها، بل وتكون شغلها الشّاغل في ترجمة أحوال المرأة عن طريق الأدب و الآداب، سواء كان رواية شعر أو رواية أو أي شكل من الأجناس الأدبية الأخرى”.
وعن تواجد الكتابات النسائية على الساحة الثقافية يقول: “منذ زمن “مي زيادة” والعديد من الكاتبات على غرار “رضوى عاشور” والعديد من الأصوات الثقافية المؤنثة التي ذاع صيتها في العالم العربي، استطاعت المرأة رغم أزمة الحرية في المجتمعات العربية أن تفرض وجودها أدبيًا وفي العديد من محافل والجوائز العربية وحتى العالمية.
واليوم على غرار “هيلانة الشيخ وليلى عبد الله، شهد الراوي وإنعام كجه جي” في العراق، و”الشيخة حلوى”، أسماء ثقيلة في الساحة الأدبية العربية برزت ووجدت مكانا في التعبير عن العديد من الجوانب النفسية والفلسفية و التراثية حَتَّى في النصوص العربية، بتأثيث معرفي باذخ يلعب عليه فن الشعور وفوضى الحواس داخل الكِتابة النسوية.
إننا اليوم أمام أدب نسوي راقٍ يجابه نصوص الرجال بل ويصنع مجتمعا أدبيا بكل المعايير، وبين الأمس واليوم مكانة المرأة في المجتمع الأدبي تزداد شيئًا فشيئا وهذا ما نلاحظه من خلال المبيعات والمعارض والجلسات الثقافية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي برز فيها صوت المرأة بشكل لا يمكن السكوت عنه.
أما بخصوص مسألة النقد العربي المُتخبط في النقد الذاتي غير الموضوعي، ففي ظاهرة غربية رأينا نقدًا غير موضوعيا هذا يعتمد حسب نسبة جمال الكاتبة أحيانا وحسب توجهاتها، وبين هذا وذاك يتخبط نقد النصوص ولكن الأهم من ذلك أن المرأة صنعت مكانةً أدبية بامتياز لا غبار عليها لدى المتلقي الذي أصبح يتابع أخبار ونصوص الكُتّاب ك”أحلام مستغانمي” أنموذجًا”.
وعن وجود اختلاف بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “إنَّ مسألة الاختلاف في الكِتابة هو شيء متعارف عليه خصوصاً بين المرأة والرجل، فالمرأة أحياناً ترى أن بعض القضايا والمواقف هي هامشية بالنسبة للرجل ولكنها مصيرية بالنسبة لها، وتخلق جوا من العواطف والأحاسيس لربما لا يمكن أن يصل إليها رجال على لسان الشخوص التي تكتب عنها، وأيضا إن مسألة الاختلاف تكمن في حاجيات المرأة المختلفة عن الرجل، قد يريد الرجل السيطرة وتريد المرأة للاحتواء، وقد يميل الرجل إلى معالجة الأحداث بلغة قاسية وهي تعالجها بلغة شاعرية، وكل هذا هو تشكل للأدب سواءً كانت نصوص كُتب من طرف كاتبة أو كاتب، وفي غالب الأحيان تتميز النصوص الأدبية النسائية بالجرأة للوصول إلى طبيعة العلاقات السائدة بين المجتمع وعن الأشياء المسكوت عنها التي هي مهمة بالنسبة لها وتعتبر أن الرجل لا يفهم في تلك الأمور شيئاً”.
ينظر لهوايات النساء ومواهبهن على أنها بطر..
ويقول الكاتب العراقي “مظفر لامي”: “مهام الحياة اليومية إن كانت عمل خارج المنزل أو تفرغ لرعاية الأسرة لا تمنع المرأة من ممارسة الكتابة أو أي صنعة فنية، وفي العالم أمثلة عديدة لمبدعات في فنون مختلفة. الأمر المؤسف أن الغالبية من الرجال والنساء في مجتمعاتنا العربية ينظر لهوايات النساء ومواهبهن على أنها بطر وهي في الحقيقة ضرورة فكرية ونفسية واجتماعية للمرأة تستعيد بها توازنها وقابليتها للتكيف مع ظروفها أيا كانت”.
وعن مقارنة النصوص يقول: “في العمل الفني والأدبي لا تصح المقارنة حتى لو توفرت مبررات للتصنيف كالجنس أو الفئات العمرية. فالمعيار الوحيد لجودة العمل الفني كامنة في رحلة ابتداعه من الفكرة الأولى وحتى لحظة الفراغ منه. وإذا كانت ثمة علامات تماثل في نتاجات الكتاب والكاتبات في عالمنا فهو يعود لقصور في المؤسسات التعليمية وفي نمط التعاطي المعرفي والثقافي وارتباطهما بمحددات في بنية الشخصية عموما. وظهور روائع أدبية لمؤلفات في الأمم الأخرى خير دليل على بطلان تصنيف العمل الفني بحسب الجنس”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض الكتابات النسائية يقول: “بخصوص الكتابات التي تتناول تابوات جنسية كانت أو دينية أو سياسية، أجد أن تبرير استحضار الموضوعة هو العامل الحاسم في أي عمل. والجريرة الأولى التي يرتكبها صاحب الصنعة بحق نفسه وبحق نتاجه هو إدعاء هذا التبرير أو اصطناعه بسبب ضغط الرغبة في الكتابة أو التأثر بنمط سائد. أما المواضيع التي تندرج تحت مسمى المسكوت عنه فأرى أن كل تمظهراتها إنما هي نتائج ثانوية لخلل فكري وحضاري في بنية إعداد الفرد ومن ثم المجتمع وهو الأولى بالفهم و الاستقراء من غيره”.
وعن تواجد كتابات النساء على الساحة الثقافية يقول: “نعم توجد أعمال أدبية لكاتبات أثبتت حضورها وتخطت أعمال كثير من الكتاب العرب وخير مثال رواية :سيدات القمر” للعمانية “جوخة الحارثي” وغيرها من الأعمال. وكما ذكرت حين يحضر العمل المتميز لن يكون هنالك مكان لتصنيف كاتبه تبعا للجنس وهو الرأي الذي صرح به “ميلان كونديرا” قائلا أنه حين يقرأ رواية لا يسأل إن كان كاتبها رجل أو امرأة”.