خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “خلف الصورة حائط أبيض” للكاتبة اليمنية “جميلة ذياب” تحكي عن امرأتين وصراعاتهما في الحياة ومع المجتمع وقيمه وتقاليده وعاداته، إحداهما تركية والأخرى سعودية، لكنها تركز بشكل أكبر على البطلة السعودية وتصوير حياتها ومعاناتها وأحلامها.
الشخصيات..
أليف: البطلة التركية، كاتبة، خارجة من زواج فاشل وتحاول الهرب من طليقها الذي يعاملها بعنف وترصد، وتحاول الهجرة.
سحاب: البطلة السعودية، لها أحلام وطموحات لتحقيق ذاتها، لكن يقف تعنت عائلتها عائقا أمام طريقها، وخاصة شقيقها وأبواها اللذان ينصاعان له، ونتيجة لهذا التعنت تتخبط في حياتها وفق الشروط المتاحة لها، لتنتهي حياتها بمأساة.
فهد: شقيق “سحاب”، رباه أبوه ليصبح عسكريا مثله، ونتيجة لإصابة والده في ساقيه يشعر “فهد” بمسؤوليته عن أسرته ويحاول أن يكون هو رجل البيت، فيفرض أوامره وشروطه ويحيل حياة “سحاب” إلى جحيم، ثم ينضم إلى ما يسمى بالجهاد ويختفي تماما من حياة أسرته.
جوزة: شقيقة “سحاب”، تتعامل بأنانية وقد أثر ذلك على حياة “سحاب” بشكل بالغ.
الأم: سيدة حنون ترعى زوجها المصاب، وتحاول أن توفق بين أبناءها، مستسلمة وطيبة مثل معظم الأمهات في المجتمعات الشرقية.
الأب: إصابته جعلته يربي ابنه ليكون خلفا له، وهو مثل أي أب ينحاز للذكور، ويلتزم بقواعد المجتمع في تقييد المرأة سواء زوجة أو ابنة، وسلبيته تجاه سلطة الابن ساهمت في تخريب حياة ابنته “سحاب”.
فيصل: جار “سحاب”، كان صديق الطفولة، تزوجته لتحقق طموحها في الترقي في عملها لكنها وقعت في حبه، وأصبحت علاقتهما علاقة شائكة تؤرق حياتها وانتهى الأمر بمأساة.
بدر: تزوجته “سحاب” فيما بعد وتعامل معها بجفاء وفي النهاية قادها إلى مصيرها البائس.
وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية لكنها شخصيات ثانوية.
الراوي..
الراوي هو روا عليم، يبدأ الرواية بحكي موجز عن “أليف” و”سحاب”، ثم يبدأ حكي بصوت “أليف” عن نفسها وعن كيف التقت ب”سحاب”، وتعاطفها معها، حيث التقيتا في السجن، وحاولت “أليف” مساعدة “سحاب”، ثم نقرأ حكاية “سحاب” بصوتها، من خلال أوراق تتركها في مكتبة السجن داخل الكتب التي تقرأها، وتعطيها ل “أليف” التي تقرر أن تجمعها في رواية.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 500 صفحة من القطع المتوسط، تركز بشكل أساسي على حكاية “سحاب”، وتبقى “أليف” هي الشاهدة على القصة والأحداث، ويتخلل ذلك حكيها عن حياتها وإصرارها على التخلص من محنة زواجها السيء. تنتهي الرواية نهاية مفتوحة بعد أن رصدت حكاية “سحاب” من النهاية، مما خلق نوعا من التشويق للقارئ، حيث بدأت الرواية بإيداع “سحاب” إلى سجن تركي كانت قد دخلت إليه “أليف” ليوم واحد نتيجة لمكيدة من زوجها. ومن وقتها تنشغل “أليف” ب”سحاب” وحكايتها، حيث أنها عربية ولا تعرف أية كلمة تركية. ثم نتعرف على قصة “سحاب” من بدايتها في أوراقها ونتتبع تفاصيل قصة الحب بينها وبين “فيصل” لتنتهي بموته وسجنها ثم براءتها واستئنافها لحياة صعبة ومحاطة بالعوائق.
معاناة فتاة سعودية..
الرواية ترصد معاناة فتاة سعودية، فكرت أن تحقق ذاتها على مستوى العمل، لكنها قوبلت برفض وتقييد من قبل أهلها كما هو متوقع في مجتمع مغلق، حيث رفضوا سفرها إلى لندن لكي تترقي في عملها بعد أن تأخذ منحة دراسية لمدة شهر، فاضطرت أن تفكر في أن تتزوج واختارت رجل تعرفه لأنه كان صديق الطفولة لتجد نفسها عالقة في قصة حب شائكة.
وتكتشف أن “فيصل” مهووس بحبها لكن لديه طفل من أخرى كما أن شقيقتها تلاحقه، وتجد نفسها أمام صراعات بين أهلها وبين “فيصل” من ناحية لأن شقيقتها بأنانيتها قررت أن تنهي ذلك الزواج، وتجد نفسها في صراع نفسي بعد اكتشافها أنه كان على علاقة بامرأة أخرى إلى حد إنجابه منها كما أن تلك المرأة مازالت تلاحقه أيضا.
وتدخل “سحاب” في سلسلة من الأحزان نتيجة حبها الشديد ل”فيصل” وهوسها به الذي يوازي هوسه بها، لكن يمنعها عناد “فهد” وأهلها وإجبارهم لها على تركه وملاحقته لها. وتتخبط وتجد نفسها ضعيفة نتيجة للضغوط الشديدة، وتحاول إرضاء عائلتها وتهجر “فيصل” الذي يلاحقها. وتعمل في مكان بعيد عن أهلها بصحبة قريبة لها، لكنها تتورط في علاقة مع أمريكي وتتزوج منه، مما يعكس مدى تخبطها لأنها ليست مقتنعة بذلك الزواج وأخفته عن أهلها، ثم تنهيه نتيجة تدهور حال أسرتها وموت أمها.
وتظل حياتها تتعرض لتقلبات بعد موت أمها ويظل “فيصل” يلاحقها ويحاول استعادتها لكن يبقى تنعت الذكور من أب وأخ داخل أسرتها، وأنانية شقيقتها، وبدلا من مواجهة كل ذلك بقوة تقرر الزواج برجل آخر يفرضه والدها عليها.
مأساة..
وحين تتزوج منه “سحاب” وتكتشف جفاءه وبعده عنها تتردد في إنهاء ذلك الزواج، ربما تكون “سحاب” شخصية مترددة لكن من المؤكد أن التضييق الذي تعانيه من المجتمع والأسرة ساهم في إضعاف قوتها وإرادتها وزاد من تخبطها. وتنجب “سحاب” من “بدر”، وتحاول إصلاح العلاقة كما ينصحها والدها ووالدة “بدر” وتسافر معه في رحله لتفاجئ ب”فيصل” الذي يلاحقها وتحدث المأساة، حيث يثور “بدر” لرجولته ويستدرج “فيصل” إلى غرفة الفندق التي يقطنان فيها “بدر” و”سحاب” ويتطور الأمر إلى مصادفة سيئة، حيث يقع “فيصل” من الشرفة ويموت.
وتبدأ معاناة من نوع آخر ل”سحاب” التي تسجن بتهمة قتله نتيجة لمحاولة “بدر” الانتقام منها. وتقضى في السجن شهور طويلة تنجب خلالها طفلها الثاني من “بدر”، وبعد انهيار واستسلام تستفيق بمساعدة “أليف” وإصرارها، وتقرر بدء حياتها من جديد بعيدا عن الأهل وتدخلهم وزحمة الصراعات. لكن للأسف النهاية المفتوحة لم تبين أهي اختارت بداية جديدة تكون فيها قوية أم اختارت أن تستمر في سيرها رغما عنها.
قيود تكبل النساء..
ترصد الرواية كيف أن المرأة تعاني في مجتمع شرقي مغلق مثل السعودية، ورغم توافر بعض الرفاهية لأبناء الطبقات الوسطى والأعلى إلا أن القيود تظل كما هي والعادات والتقاليد التي تكبل النساء، حتى في ظل الطبقة الراقية الغنية في السعودية، حيث انتقلت “سحاب” إلى العيش وسطها حين تزوجت من “بدر”.
كما ترصد معاناة المرأة التركية أيضا من خلال “أليف”، التي تعاني مع زوج مجرم يريد الانتقام منها وأخذ أطفالها، بعد أن خدعت فيه. وكيف انه بأمواله ونفوذه يستطيع أن يحيل حياتها إلى جحيم.
قصة حب..
وتحكي الرواية عن قصة حب آسرة، بين “فيصل” الذي يعاني من هوسه ب”سحاب” لسنوات، ويظل يلاحقها، مؤكدا أن حبه لها حب كبير، وهي أيضا تبادله نفس الحب لكن المجتمع يقف حائلا دون هذه العلاقة. وتخبطات الطرفين أيضا الذين يضعفان أمام الضغوط وأمام الشخصيات الأخرى التي تتدخل في هذا الحب. بما يشي بأن الحب لا يستقيم ولا يستطيع النمو والعيش وسط مجتمعات متناقضة، وسط مجتمعات لا تعيش فيها المرأة بحرية، ولا يترك لها حق إقرار مصيرها، وكذلك تقيد الذكر بالعادات والتقاليد والمسؤوليات.
كما نقلت الرواية جانبا من تفاصيل الحياة في السعودية بالنسبة لأسرة متوسطة، عائلها ينتمي إلى العسكرية، وكيف أن هذه العائلة تعيش بشكل لا يخلو من رفاهية، لكنها لا تصل إلى درجة رفاهية الأغنياء، ورصدت الاختلافات ما بين مكان وآخر داخل السعودية واختلاف الحرية في العلاقات الاجتماعية، حيث أن المكان التي تعمل فيه قريبة “سحاب” “مها” أكثر تحررا في العلاقات الاجتماعية نتيجة لتواجد عدد كبير من الأجانب فيه وشركات يعمل بها أجانب.
الرواية اعتمدت على لغة عذبة، وتصور عميق للشخصيات حيث رصدت انفعالاتهم وأحاسيسهم ومشاعرهم وهذا فيما يتعلق ب”سحاب” و”فيصل” و”أليف”، ورصدت دور المجتمع في تحديد مصائر الشخصيات، والمساهمة في تحطيم إرادتهم.