(النساء والكتابة 2-39):  النص الإبداعي لا يضيره أي نقد متجن، وهو لابد وأن يحقق حضوره، أياً كان صانعه أو صانعته

(النساء والكتابة 2-39):  النص الإبداعي لا يضيره أي نقد متجن، وهو لابد وأن يحقق حضوره، أياً كان صانعه أو صانعته

 

خاص: إعداد- سماح عادل

ومازال تدفق آراء الكتاب مستمرا حول معاناة المرأة حين تختار طريق الكتابة الأدبية، مؤكدين على مساندتهم للكاتبة وتفهمهم لما تعانيه.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

كثيرات تنطفئ مواهبهن الكتابية بعد الزواج..

يقول الكاتب الكردي السوري “إبراهيم يوسف”: “مؤكد أن الضغوطات اليومية، سواء أكانت عملاً وظيفياً أم منزلياً تؤثر إلى حد كبير على إنتاج أي كاتب أو كاتبة، من جهتي القراءة والكتابة في آن واحد. من المعلوم أن تفرغ أي منا، خلال فترة ما يهيئ له فضاء الإبداع، كما إن هناك كثيرين استطاعوا التغلب على ظروف العمل، من خلال مواظبة الاشتغال على مشاريعهم الإبداعية. أعرف كاتباً هو “إبراهيم محمود” استطاع كتابة حوالي سبعين كتابا خلال ربع قرن من عمله كمدرس، بينما استطاع في بضع سنوات من التفرغ  رفع العدد إلى ما يقارب الثلاثمائة كتاب- وهي ليست مجرد كتب عابرة- بل بحثية وفكرية تتناول قضايا جد دقيقة وإشكالية. ربما يقول قائل هنا:

نحن أمام معجزة. أقول: نعم، إلا إنه مثال أعلى يمكن التوقف عندها لأبين أن امتلاك روح الإبداع وشغف الكتابة قد يمكن أحدنا لتحقيق إنجازات فردية فريدة، ولعل آخر يعلق: قد يكون إنتاج أدبي واحد عبقرياً فريداً، وأقول: نحن في مثل هذه الحالة أمام أعمال استثنائية غير عابرة البتة، وفي مظنتي لقد مضى زمن- بيضة الديك- الذهبية، إذ إن الإبداع ليس طفرة واحدة لا تتكرر بل هو عطاء متواصل.

وبالعودة إلى متن السؤال: إذ إنه خصص لتناول إبداع المرأة- تحديداً- فإنني  لا أرى حرجاً في الحديث عن ظروف الرجل أو المرأة في آن: الرجل يعمل خارج المنزل- في الحالات العادية- والمرأة تعمل داخل المنزل- وثمة تعاون مشترك بينهما بيتياً أو خارج البيت. هذا في الحالات العادية، مع اعترافي أن جهد المرأة جد مضاعف أضعاف المرات مقابل جهود الرجل، إلا إن هناك نساء نراهن حولنا خير مربيات. خير ربات بيوت. سيدات مجتمع، ومبدعات في الوقت ذاته، من دون أن أعترف، من خلال اهتمامي بالمواهب أن كثيرات تنطفيء مواهبهن الكتابية، بعد الزواج، إما بسبب الالتزام الاجتماعي، أو طوعاً، أو لربما بسبب عدم التنسيق المنزلي في تقاسم العمل!”.

وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ يقول: “لا أرى المقارنة صحيحة، انطلاقاً من تاريخية الكتابة لدى كل منهما، ونظراً لوجود تابوهات  تشخص في مواجهة المرأة، أكثر، ناهيك عن شيوع إحساس لدى بعضهن بمباركة ذكورية لكل كتابة نسائية، ولا أقول نسوية، وهذا خطأ كبير. ثمة نصوص إبداعية أنتجتها نساء لا تقل إبداعاً عن نتاجات المبدع/ الذكر/ بل قد تبزه، كما وجدت ذلك في حقول الرواية- القص- وحتى الشعر، ناهيك عن ضروب الإبداع الفني، التشكيل. الموسيقا. الغناء. التمثيل. إلخ!”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، يقول: “عفوية الأرتكة جد عادية، ضمن حدودها التي لا تستفز المتلقي على نحو مفتعل، وكأننا أمام لقطات فيديو إباحي، يخدش الحياء، ولربما تكون لقطات ومشاهد منه جد ضرورية، وإن تم مثل ذلك الخدش”التقليدي” الذي نتهكم منه، أو ندينه علناً، ونتابعه حين نكون في معزل عن المحيط الرقابي، المتصنع. الجرأة قد تكون ضرورة مستوحاة من صميم العمل وقد تكون في المقابل مصطنعة مفتعلة تسويقية منفرة، وأكاد أقول: مقززة!، وقد يكون أكثرنا أو بعضنا قد وقع في مصائدها…!؟”.

وعن استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “أجل. كتابات المرأة محتفى بها، في وسائل الإعلام، وقد يسيء إليها، أو حتى يجهضها تكاثف الأضواء عليها، ومن ذلك تهافت بعضنا لاحتضان هكذا مواهب والتحدث عن تمايزها، من دون أن تكون قد نضجت بعد. شخصياً غاليت في تشجيع المواهب، ولكن من الطرفين، وعلى حد سواء، وواجهت بعضهن، أو بعضهم، وإن ضمن نطاق ضيق بواقع ما كتبوه، بعيداً عن المدائح الذكورية التي تكال بحق هذه النصوص، لاسيما في ظل استسهال الكتابة والنشر، في زمن الفضاء الأزرق، أو الإلكتروني، أو الفضائي.

النص الإبداعي لا يضيره أي نقد متجن، وهو لابد وأن يحقق حضوره، أياً كان صانعه أو صانعته!”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “الإبداع واحد، إلا إن للمرأة  طبيعتها، وخصوصيتها الحياتية اللتين يمكن أن تعبر عنهما أكثر، وهكذا بالنسبة إلى الرجل. أعتقد أننا هنا أمام إجابة كاملة عن شطري السؤال”.

الذكورية المتسلطة والمقننة من قبل القوانين مشكلة الكاتبة..

ويقول الكاتب والقاص العراقي”رياض داخل”: “المرأة الكاتبة وخصوصاً في المجتمع الشرقي اعتبرها قوة كبرى بسبب الضغط الاجتماعي القبلي الذي يمارسه عليها رجال ونساء البيئة نفسها .

ليس التفرغ المشكلة الوحيدة بل الذكورية المتسلطة والمقننة من قبل القوانين والأعراف، ففي مجتمعاتنا تشن الحروب وتوجه الاتهامات لكل نص تكتبه امرأة، لكن الملاحظ أن المرأة الكاتبة تقاوم وتقاوم وأراهن على تفوقها.

وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ يقول: “التفرغ تجاوزته المرأة بل كيفت نفسها على وضعها الصعب، لكن المشكلة الأهم هي تأويل نصوصها بحسب غريزة بعض النقاد المتحجرين”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، يقول: “(الأيروتيكية) لا تخدم الأدب بشيء في الوقت الحاضر لأنه استعملت استعمال خاطئ، ولا يمكن المقارنة بين مجتمعات لديها تقاليد وأسس وبين مجتمعات أخرى.

أتمنى من الكاتبة أن تكون جريئة في طرح هموم أوسع وقضايا أكبر، فكرة تحطيم التابوهات إذا كانت على حساب الفطرة والتقاليد فهي مرفوضة”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “مشكلة المرأة الأديبة كبيرة فهي في حيرة من أمرها، هل ما يكتب عنها، كتب من أجل النص أم لأنها امرأة؟. عليها أن تلتفت لأهل الاختصاص الذين يملكون تاريخ مشرف ومحايد في النقد”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “لا يمكن كمثقفين أن نطرح كلمة اختلاف، والدليل أن المرأة قدمت الكثير من الأعمال الأدبية المتكاملة كما الرجل، فالأدب للجميع، الاختلافات خلقها بعض المتحجرين فكريا. فقط اختلاف واحد هو معاناة المرأة من الضغط الاجتماعي والسلطة الذكورية وخصوصا في مجتمعاتنا. لهذا يعتبر أن القاصة إذا قدمت عمل أدبي فهو يفوق عمل الرجل وإن تساوى من ناحية الشروط الكاملة للنص والسبب كما ذكرنا هو الضغط الاجتماعي الذي يمارس على الكاتبة”.

العمل وليد مخيلة وحياة وتجارب صاحبه..

ويقول الروائي والكاتب الصحفي المصري “أحمد صوان”: “بالتأكيد تثقل الكاتبة باعتبارها أمورًا نادرًا ما تجد أحد يحمل بعضها عنها. تحمل مسؤولية آخرين بالإضافة لأعبائها الشخصية، وتقضي ساعات طويلة للانتهاء منها.

لكن هناك أسماء عدة حققت المعادلة الصعبة، تواجدن بأعمال لا تُنسى حتى وإن كانت الآباء السبب في قلة ظهورهن. فالكتابة، سواء للرجل أو المرأة، هي لحظة خاطفة لا تُقاوم. قد تلتقط الكاتبة لحظات على ورقة أمامها بينما تقوم بالطهي أو إرضاع الصغير؛ لكنها تفضل البقاء بجواره لتشاهد من يتسلم جائزة بالنيابة عنها لأنه يُعاني من ارتفاع الحرارة”.

وعن مقارنة النصوص يقول: “كيف يُمكن مقارنة حكاية بأخرى؟! بوجه عام فالعمل وليد مخيلة وحياة وتجارب صاحبه، سواء كان صاحبه رجل أو امرأة. قد تروق لك التجربة أو لا، لكن لا يجب أن أرمي حكاية بالضعف لأن صاحبتها امرأة وقتها ضيق وقد عاركت لتمسك أفكارها مطبوعة”.

وعن تحطيم التابوهات لدى كتابات النساء يقول: “التابوهات فكرة وكسرها أيضًا. إذا ما تناولت اللحم البقري أمام هندوسي فأنت تسحق أحد تابوهاته، وبالمثل لو مارس اثنين الجنس أمام راهب بوذي. لذلك فإن ما يجب أن يُنظر إليه في البداية هو الحكاية نفسها، بالطبع المجتمعات تخاف أن تكون الكاتبة امرأة بدعوى أنها تدعو لقلة الحياء. لكن هل يظل الحياء إذا ما كان الكاتب رجلًا؟

بشكل شخصي لا تروق لي الكتابة الأيروتيكية إلا لو أعجبتني الحكاية نفسها. أذكر أنني قبل أعوام كنت أقرأ رواية “كادرات بصرية” لصديقي “محمود الغيطاني”، وهو روائي وناقد بارع، لكن لم يرق لي الإفراط الأيروتيكي الذي ملأ ثلاثة أرباعها. في الربع الأخير أدركت الخدعة وفهمت توظيف كل ما سبق، عندها أعدت قراءتها ثانية باستمتاع”.

وعن تواجد كتابات المرأة على الساحة الثقافية يقول: “كتابات المرأة متواجدة بالفعل وجمهورها كبير بالمناسبة. أقيس ذلك بما يُباع على الأرصفة قبل المكتبات، دعك من كم الاقتباسات النسائية التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي. هو مقياس ضخم للنجاح يفوق أحاديث النقاد الذين تملؤهم التصنيفات والقواعد والمعايير.

من النقاد من يتعامل مع النص نفسه دون النظر لجنس مؤلفه، بعدها يُضيف الإشارات الواضحة من ذكورية أو أنثوية. لكن الأغلب ستجدين مقالاتهم تتضمن عبارة إكليشيهية هي “وبالرغم من كون الكاتبة امرأة إلا أن….. ومع نظرتها الأنثوية للإفراغ فهي…..”. إلى آخر هذا الهراء. القارئ تعنيه الكتابة الحلوة قبل صاحبها.

وعن وجود اختلافات ما بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “الاختلاف يمكن في الرؤية ووجهة النظر التي يتم تعاطي الأمور بها لا أكثر. وهذا طبيعي للغاية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة