للذين لم يسمعوا ولم يقرأوا قصة الكاتب الفرنسي لافونتين ( الشيخ وابنه والحمار ) : خرج شيخ مع ابنه وحمارهما للتسوق ولقضاء اشغال لهما في المدينة ، ركب الشيخ وابنه على الحمار وسارا لمقصودهما ،وما ان صادفتهما اول جماعة حتى صاحوا بهما : الا تخشون الله في هذا الحيوان المسكين، ولماذا لايسير الشاب ويترك الشيخ وحده راكبا على الحمار؟.
قال الشيخ لأبنه انزل يا بني .فما هي الاّ لحظة حتى تلقتهما مجموعة ثانية من الناس فصاحت بالشيخ الا تخاف الله تركب الحمار وتترك الصبي يمشي ؟!.
نزل الشيخ يمشي واركب الصبي على الحمار. وما هي الاّ مسافة بسيطة حتى اعترضتهما جماعة اخرى وما ان رأت المنظر حتى صاحوا بالصبي : يا قليل الحياء والاخلاق والادب كيف تركب الحمار وتترك الشيخ يمشي ؟.
نزل الصبي واخذ يسير الى جانب ابيه والحمار يسير امامهما،مرت بهما جماعة رابعة فقالوا لهما باستهزاء وتندر لقد خلق الله الحمار للركوب وحمل الاثقال وانتما تمشيان تاركين الحمار يسير امامكما وكأنه امير !.
قال الشيخ لأبنه لم يبق امامنا الاّ ان نكتف الحمار ونحمله ، وفعلا ربطا قوائم الحمار الاربعة وحملاه ! وما ان راى الناس ذلك المنظر حتى انفجروا ضاحكين صائحين : انظروا الى هذين المجنونين بدل ان يركبا الحمار قاما بحمله !!.
تذكرت قصة ( لافونتين ) هذه وانا ارى واسمع تعليقات بعض الفضائيات التي تتربص بالمسؤولين الدوائر وتتسقط العثرات وتتبع الكبوات .فمع ان ظاهرة الامطار هذا الموسم غير طبيعية، ومع ان بلدان مستقرة وغنية ومصدرة للارهاب مثل السعودية وقطر والامارات قد شهدت حالات فيضان اضعاف ما شهده العراق – مع اوضاعه المعروفة – وجرفت منازل ومات عدد من الاشخاص الا ان التركيز انحصر في العراق وتم تحميل الحكومة سبب الامطار والفيضانات وبدأ صياح الفضائيات : اين الحكومة ؟!. اين المسؤولين ؟!. الا يخرجون من قصورهم العاجية ويروا ما حل من فيضان ؟!.
وحين نزل المسؤولون والمحافظون الى الشوارع والمناطق المتضررة, صاحت الفضائيات: المسؤول يرتدي قاط ورباط والناس غركانه !
فلما لبس المسؤول بدلة عمل وجزمة ونزل وسط المياه واخذ يفتح المجاري بيده ، صاحت الفضائيات : لقد نفدت بدلات العمل والجزمات من السوق بسبب المسؤولين لأنهم اشتروها ونزلوا الى المناطق الغرقى لغرض الدعاية الانتخابية !!..
لتنتقل العدوى الى مواقع الفيس بوك التي وجد فيها بعض الفارغين فرصة للتندر والنيل من الآخرين .
ألم تغرق بغداد في الخمسينات و الستينات والسبعينات والثمانينات … هل نزل وزير او محافظ اوحتى رفيق الى الشوارع ببدلته ينزح المياه بيده ؟!.
هل تجرأ احد ان يطلب من رفيق يلبس الزيتوني ان يلبس بدلته وينزل الى الشارع فضلا عن ان يطلب ذلك من مدير او محافظ او وزير ؟!.
وهل جرأت الالسن والاقلام على مجرد نكته تطلق خلف الجدران المغلقة؟!.
هناه كرهناه…يبدو ان وجوه البعض ليست وجوه نعمة!!.