مازلت أتذكرها وأتذكر ابتسامتها اللطيفة لي في مكتب (ويسترن يونين) للحوالات المالية وضرائب السيارة في أمريكا، حينها لم أكن أعرفها جيدا وكان ينتابني الشك في معرفة تفاصيل هذا الوجه البريء وكأني أعرفه منذ زمن لكنه غاب عني وعاد إلي مختلفا وأكثر إشراقا وحماسا وهي واقفة أمام نافذة الموظفة لتدفع ضريبة السيارة .
بادلتها الإبتسامة والتحية والشكّ مازال يطارد مخيلتي في معرفة صاحبة الشعر الأحمر القصير حسب آخر موضات قصات الشعر. النسيان مرض العصر كما يقولون أو كما يقول الدكتور أحمد بسبب نقص استلام اجسادنا لضوء الشمس الكافي في ولايتنا الباردة (إلينوي) ومدينتها المشهورة باسم شيكاغو.
إختفى طيفها عني وكأنها تعرفني حق المعرفة يا للخجل من هذه الشابة الأنيقة الجميلة ؟.
أمريكا بلد الحرية المطلقة، وبلد القوانين الصارمة التي تقف بجوار حقوق المرأة في المطالبة بحقوقها في حال التعدي عليها فإنها تجد قانون الدولة الأمريكية بصفها. لذا وجدت المرأة العربية المقيمة في أمريكا ملاذها الآمن في الحصول على حريتها، والانتقام من زوجها الذي يعنفها ليلا ونهارا، فهي في أمريكا ليست بحاجة الى حمايته والخوف منه طالما القانون الأمريكي بصفها. وأغلب النسوة العربيات تسارعن بطلب تقديم اوراق الطلاق فور وصولهن إلى أمريكا وكأنها تستدعي النجدة لإنقاذها من زوج شرير.
لكن مع الأسف بعض الناس لا تقيدهم قوانين الدولة والمجتمع والدين حتى في أمريكا صاحبة القوانين الصارمة. ولا يتمتع الجميع بحريته الكاملة، الحرية وهي ليست مطلقة لكل الناس لأن ظروفهم تختلف.
إن معاملات الطلاق تتم بسرعة لا تستغرق أشهر معدودة ويحسم الموضوع بشروط المحكمة بعدم اقتراب الزوج من زوجته في حالة انه يشكل تهديدا لسلامتها وسلامة الأولاد مع دفع تكاليف الحضانة والطلاق، وتحديد مواعيد زيارة الأب لأطفاله فأغلب حالات الطلاق تكون الحضانة للأم المظلومة .
بالتأكيد الزوج العربي صاحب الكبرياء والشموخ لن يرضخ لزوجته المتمردة حتى إذا كان القانون الأمريكي في صفها ولن يردعه أي شيء في الثأر لرجولته وكرامته حتى لو جنى على نفسه وعلى أولاده.
من هنا تبدأ المعركة الجبارة بين كبرياء وانتقام الأب وعناد الأم المتمردة، والكل ينادي بالمظلومية بينما يراقب الأبناء المعركة وإلى أين تأخذهم .
في يوم ما هبت عاصفة كلامية بين أبناء الجالية العراقية في أمريكا وتحديدا في شيكاغو وبدأت مواقع الجالية تتسابق في نقل خبر الفاجعة والكل يقرأ الخبر مصدوما ومشدوها لما يسمع ويقرأ وماذا تتناقله الألسن عن قتل زوج عراقي زوجته بعد رفعها قضية طلاق ضده واستلامها حضانة ولديه، لقد هجم عليها كالأسد المفترس ورماها بعدة طلقات نارية على رأسها ثم أطلق النار على نفسه مرددا جملته (إما أنا أو أنت) ..عندها تنتهي المعركة بخسارة الأبوين ويدفنان جنبا الى جنب في مقبرة المسلمين، وتستلم دورالرعاية الاجتماعية الأيتام لتربيتهم.
حينها تذكرت أن صاحبة الابتسامة اللطيفة ذات الشعر الأحمر في مكتب الحوالات كانت صديقتنا العراقية التي دفعت حياتها ثمنا لحريتها.