22 نوفمبر، 2024 6:33 م
Search
Close this search box.

خذلان الصداقة

احببته كثيرا ، حيث وجدتُ فيه شبابي الذي أفل منذ سنين .. لمستُ عنده نبلاً وحنكة في عمل هو خارج تخصصه العلمي ، لكنه نجح فيه ، فسار فيّ مسرى الهواء العليل في هجير الايام .. ما زاد من حجم محبتي ، اهتمامه بالأدب والقصة وقراءة التاريخ المعاصر للعراق , وقد وعدني قبل سنوات انه بصدد الشروع بكتابة قصة فحواها يتمركز في العهد الملكي ، وروى لي جانبا منها عند زيارته لمكتبي قبل نحو ثلاث سنوات ، شجعته على المضي في انجازها كون فكرتها جديدة ، غير ان السنين مرت ، دون ان اسمع ما يشير الى اكمالها ، مثلما لاحظتُ غيابه عني ، وعدم تتبع اخباري ، بالعكس مني حيث افرح حين اراه متحدثاً في لقاء تلفزيوني ، او في محفل يماثل طبيعة عمله .. وبقى بعيدا عني ، وهو القريب عليّ حتى اتصل به صديق مشترك بشأن موضوع يخصني ..فالتقينا.
كان اللقاء حميميا ، توّجه فنجان قهوة محبة ، وأكتمل بحديث عن الصحافة والمجلات المصرية التي يتابع اخبارها ، وقد اسعدني حبه للصحافة ومتابعته لأسماء الصحفيين العرب ، ثم دعاني في ختام ذلك اللقاء الجميل الذي تم في مكتبه بجولة في اروقة مشروع حضاري ، يشرف عليه ، فزدت اعجابا برؤاه .. افترقنا على امل التواصل ، محملاً بوعود اخوية ملأت وجداني حبورا وأملاً .
ومع افتراقنا ، اضمحلت ملامح ذلك اللقاء سريعا من قبله ، وغابت مثل قطعة ثلج في ماء دافئ ، وحلت محلها مسجات هاتفية تحمل سرابا من كلمات لم تتحقق جميعها !
الذي آلمني ، انني كنتُ كتابا مفتوحا امام الانسان الذي اكن له ، ولازلتُ محبة نابعة من قلب صادق ، فهل انا نادم ؟ اقول بثقة عالية ، لم اندم ، فالحياة محطات ، وهي يوم لك ويوم عليك .
علمتنا التجارب ، انه ليس كل الأصدقاء أصدقاء، فهناك من تركناهم على حافة الانتظار، وهناك من تركونا نواجه إعصار الحياة ، لكن عندما تغلبنا الأوجاع نرتمي في أحضان الصديق الأقرب لأرواحنا ، وعندما يتحوّل هذا الصديق الذي اصطفيناه من بين الجميع إلى مبعث حزننا من خلال غض طرفه عن ادراك ما بنا ، حينها لمن نشكو ؟ لاسيما نحن نعرف ان مفتاح الحلول بيده ، ثم ، من سينصت إلى فهم الظروف التي خلقها زمن لئيم ؟ إذا ، في هذه اللحظة علينا أن نلملم وجعنا وحدنا ، ذلك ان الصداقة هي بصدق المواقف، وقديما قيل ان الصديق ” الصدوق” يلمع معدنه وقت الضيق ، فالصداقة الحقة هي الوردة الوحيدة التي لا أشواك فيها ، وهي أحلى بكثير من عذوبة مياه الينابيع .
صديقي الهارب من ذاكرة السنين .. تبقى في القلب رغم كل شيء.

أحدث المقالات