12 يوليو، 2025 10:52 م

“داعش” من الداخل .. دراسة أمنية أميركية تكشف “الدولة الإسلامية” الإدارية وجيش الموظفين المدنيين !

“داعش” من الداخل .. دراسة أمنية أميركية تكشف “الدولة الإسلامية” الإدارية وجيش الموظفين المدنيين !

وكالات – كتابات :

لم تكن “خلافة داعش” تعتمد على المقاتلين المسلحين فقط، الذين ساهموا في انتشار سيطرة التنظيم “الإرهابي” على أراضي “العراق” و”سوريا”، وقيل القليل عن دور “الموظفين المدنيين” في مشروع بناء “الخلافة”؛ والذين ينقسمون إلى فئتين رئيسيتين: “المبايعون” و”المناصرون”.

ونشر “مركز مكافحة الإرهاب” الأميركي دراسة مطولة؛ تحت عنوان: “لولانا لما كانت هناك دولة إسلامية: دور الموظفين المدنيين في الخلافة”، أشار فيها إلى أنه كان يتحتم على: “دويلة داعش” الاعتماد بشكل كبير على الموظفين المدنيين لتزويد مؤسساتها الحاكمة بالموظفين.

ولفت التقرير إلى أن القليل قد نُشر حول دور هؤلاء الموظفين في تسيير أمور “الخلافة”، ولهذا أجرى مقابلات مع: 43 موظفًا مدنيًا سابقًا في تنظيم (داعش)، أظهرت وجود فئتين متميزتين من هؤلاء الموظفين: أولئك الذين أصبحوا أعضاء كاملين في التنظيم، (المبايعون)، وأولئك الذين لم يفعلوا ذلك؛ (المناصرون).

وأضاف أن هناك اختلافات كبيرة في كيفية تعامل تنظيم (داعش) مع هاتين الفئتين، والوظائف التي تمكنوا من شغلها، والمخصصات المالية التي حصلوا عليها.

واعتبر التقرير أن فهم الفروقات الدقيقة بين هؤلاء يُشكل مسألة مهمة في تقييم مسؤولية الموظفين المدنيين التابعين لـ (داعش) والخطر الذي قد يُشكلونه في المستقبل.

محاكاة الدولة المعاصرة..

وأوضح التقرير أن تنظيم (داعش) قام، خلال الأعوام ما بين: 2014 – 2019، بتطبيق مشروع حكم طموح في “العراق” و”سوريا”؛ حاول من خلاله تكرار ومحاكاة الوظائف والمؤسسات وهياكل الدول المعاصرة، مذكرًا بأن: “دويلة داعش” في ذروتها، كانت تُشكل مساحة تُقارب: 90 ألف كيلومتر مربع، (مساحة تُعادل مساحة البرتغال)، وأن نحو ثمانية ملايين مدني كانوا يُقيمون على أراضيه، وتباينت بشكل كبير حياة هؤلاء الناس في ظل ما سُمي: “الدولة الإسلامية”.

وبينما فر مئات الآلاف من المدنيين من أراضي (داعش) بأسرع ما أمكنهم ذلك، فإن العديد من المدنيين ظلوا منخرطين في أشكال متنوعة من المقاومة اليومية ضد المحتلين الدواعش، فيما كان عدد غير محدد من المدنيين ضحايا القتل الجماعي الممنهج والاغتصاب وسياسات التعذيب التي مارسها التنظيم.

وتابع التقرير أن هناك مجموعة من الأشخاص لم يحظوا باهتمام كبير، لكنهم أدوا أدوارًا رئيسة في تطوير: “الدولة الإسلامية”، وهم من الموظفين المدنيين المحليين في التنظيم من “العراق” و”سوريا”، وجرى توظيفهم من قبل إحدى المؤسسات التابعة للتنظيم، من أجل القيام بدور محدد مقابل رواتب، بالإضافة إلى مكافآت مالية ومادية أخرى في أحيان كثيرة.

وأضاف أن موظفي: “الدولة الإسلامية” المدنيين، لم يقوموا بمبايعة التنظيم بالضرورة، ولم يُصبحوا بالضرورة أعضاء فيه. لكن بشكل عام، كان الموظفون المدنيون أساسيين في عمل: “الدولة”.

موظفون جاهزون لإحياء “الدولة” !

وأشار التقرير إلى وجود عدة آلاف من الموظفين المدنيين السابقين لدى تنظيم (داعش)، والذين ما زالوا أحياء، وهم يُشكلون تحديًا كبيرًا، وأن العديد من الموظفين المدنيين من الباقين في مجتمعاتهم ما زالوا يُمثلون قوة عاملة محتملة لأي تكرار في المستقبل: لـ”الدولة الإسلامية”.

وبرغم ذلك، فقد أشار التقرير إلى أنه تم احتجاز أعداد كبيرة أيضًا، في “العراق” و”سوريا”، مع وجود درجة محدودة من العدالة الانتقالية ومن عمليات إعادة الدمج.

ووفقًا لمنظمة “هيومان رايتش ووتش”، فإن موظفين مدنيين عراقيين مرتبطين بـ”الدولة الإسلامية”؛ تعرضوا للقمع بسبب أدوارهم في مساعدة أو توفير الدعم لمنظمة إرهابية.

وأوضح التقرير أن محاكم في شمال شرق “سوريا”، تعمل تحت سلطة “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية”، طبقت تمييزًا بين العضوية المدنية والعضوية المسلحة في تنظيم (داعش)، مشيرة إلى أن عقوبة الموظفين المدنيين هي السجن لمدة سنة إلى سنتين بدلاً من: 05 إلى 10 سنوات.

وبرغم ذلك؛ يُلفت التقرير إلى أنه حتى حلول العام 2021، جرت مقاضاة 08 آلاف سوري فقط في هذه المحاكم، فيما تُشير التقديرات إلى أن الأمر سيستغرق: 13 عامًا أخرى على الأقل لمحاكمة السوريين المحتجزين في هذه المعسكرات، دون احتساب العراقيين أو غيرهم من الأجانب المعتقلين حاليًا في شمال شرق “سوريا”.

19 محافظة في “دولة داعش”..

ويتناول تقرير المركز الأميركي؛ مقابلات أجراها مع: 43 موظفًا مدنيًا سابقًا في تنظيم (داعش)، في “العراق وتركيا ولبنان”، عملوا في: “الدولة الإسلامية” لفترة ثلاثة أشهر على الأقل بين عامي: 2014 و2019.

وبعدما لفت التقرير إلى أنه كان لدى: “الدولة الإسلامية رؤية واضحة لهيكل دولتها”، يوضح أنه على المستوى الفيدرالي، كان يتزعم “الخليفة” الدولة كرئيس تنفيذي، مكلف بضمان أن أشكال الحكم كافة متماشية مع مفهوم التنظيم للشريعة.

وكان “الخيلفة” مدعومًا من قبل “مجلس الشورى”، المكون من: 06 إلى 12 من رجال الدين، الذين يختارون الخليفة الجديد إذا اقتضى الأمر.

وأضاف التقرير أنه على مستوى المحافظات، جرى تقسيم “الدولة” بين كل من “العراق” و”سوريا”؛ إلى: 19 محافظة تتماشى تقريبًا مع حدود المحافظات السابقة للدولتين العراقية والسورية، وأنه في داخل كل محافظة، قام “الخليفة” بتعيين حاكم يكون مسؤولاً عن إدارة وأمن المقاطعة، ولكنه كان مسؤولاً في النهاية أمام لجنة.

كما أن (داعش) وضع تصورات تتمثل بوجود: 14 مكتبًا وزاريًا في كل محافظة تحت إشراف الحاكم، وأنه بالإضافة إلى هذه المؤسسات الإقليمية، كان لدى “الدولة” ستة مكاتب ولجان متخصصة أخرى تشتمل على مكتب محدد لنشاطاته الإعلامية وإدارة الوافدين من الأعضاء الأجانب.

وأوضح التقرير أنه برغم أن “الدولة” كانت تُسيطر على: 13 من مقاطعاتها: الـ 19؛ المخطط لها وتنوعت فعاليتها في تنفيذ سلطتها، إلا أن “الدولة” قد شكلت عددًا كبيرًا من هيئات حكم في بعض مقاطعاتها، بما في ذلك وزارات ومكاتب مخصصة للرعاية الصحية والتعليم والضرائب، والخدمات العامة، والزراعة والعقارات والقضاء والشرطة الإسلامية، والأمن إلى جانب هيئات أخرى كثيرة.

وقال التقرير أنه في مثل تلك المحافظات مثل: “نينوى” و”الرقة”؛ حيث واجه (داعش) مقاومة مسلحة أقل خلال المراحل الأولى من استيلائه عليهما، فرض سيطرته لفترة أطول، وتمكن من تأسيس هذه المجموعة الكاملة من المؤسسات الحاكمة.

وفي المقابل، فإنه في محافظات مثل: “حمص وكركوك وحلب”، حيث كانت “الدولة” تفرض سيطرتها بشكل متقطع وكانت محاولات الاستيلاء عليها خاضعة للتنازع بالقوة، لم يتمكن (داعش) من توسيع سلطة دولته على أكثر من جوانب الأمن الأساس والشرطة والقضاء.

60 ألف داعشي في العراق..

وبحسب وثائق كشوف رواتب (داعش)؛ والذي جرى نشره، في حزيران/يونيو 2021؛ من قبل الباحث في مركز مكافحة الإرهاب، “دانييل ميلتون”، فإنه كان لدى التنظيم ما لا يقل عن: 60 ألف شخص في أواخر العام 2016؛ وحده في جدول الرواتب في “العراق”، على الرغم من أن هذا العدد يشمل ما يقرب من: 13 ألف متوفى (مقتول).

وتضم هذه الوثائق أسماء المبايعين من المدنيين، لكن لا يمكن القول بشكل مؤكد أنها تتضمن أيضًا المناصرين، (مدنيون لم يبايعوا بعد).

لكن بحسب وثيقة من الإدارة المركزية للموارد البشرية في “الدولة الإسلامية”؛ فإنها تُشير إلى التالي: “في حالة استمرار مناصر جديد في العمل في صفوف الدولة الإسلامية داخل القطاع، فإنه أولاً ينضم لمدة: 30 يومًا، فيحق لهذا الأخ المناصر أن يُعطي البيعة ويُصدر له رقم إحصائي، ويدفع له راتبه الشهري”.

ويعني ذلك، أنه بعد فترة الاختبار: 30 يومًا، يتم تزويد المناصرين برقم تعداد، وراتب شهري، وخيار أداء قسم الولاء، وبالتالي الإنضمام إلى فئة “المبايعون”. لكن التقرير لم يجزم بدقة هذه المعلومات وحدها في تحديد فئة المناصر والمبايع.

وأيضًا بحسب الوثائق؛ فإن: 18.5% من الموظفين الموجودين على كشوف الرواتب، والذين يمكن تصنيفهم إلى وزارة محددة كانوا موظفين في مؤسسات الحكم غير العسكرية التابعة، لـ”الدولة الإسلامية”؛ مع وجود أكبر نسبة من الأشخاص الذين يعملون من أجل هيئة “الحكم والمظالم” والأمن العام ومكاتب التعليم، كما تم تكليف الباقين بالعمل في “وزارة التجنيد”.

وهناك أكثر من: 11 ألف شخص من موظفي “الدولة” كانوا يعملون في مرحلة ما في وظائف وأدوار مدنية في “العراق” وحده.

ولفت التقرير إلى أنه إذا تم الإفتراض أن الجانب السوري من عمل (داعش)، متشابه، فبالإمكان الإفتراض أن أكثر من: 22 ألف موظف عملوا في مرحلة ما في وظائف: “مدنية” في كلا البلدين، ولهذا، يعتبر التقرير أنه بالنظر إلى أن هؤلاء الأفراد لم يؤدوا أدوارًا قتالية، فإنه يمكن الإفتراض أن نسبة كبيرة قد تصل إلى عدة آلاف، نجت من الصراع.

تجنيد العلماء والدعاة والقضاة..

وذكر التقرير أن (داعش) لم يستطع الاعتماد بشكل كامل على موظفين من أعضائه الأجانب والمحليين فقط، وكان عليه بالتالي الاعتماد على الموظفين المدنيين لتأمين الخبرات والكفاءات التي لا يستطيع أعضاء التنظيم أنفسهم توفيرها.

ولهذا، ذكر التقرير أن زعيم (داعش)، “أبوبكر البغدادي”؛ دعا في أول خطاب له بالفيديو: كـ”خليفة”، في 04 تموز/يوليو العام 2014، إلى تجنيد: “العلماء، والفقهاء، والدعاة، والقضاة، وكذلك الأشخاص العسكريين والإداريين، والأطباء والمهندسين من جميع التخصصات والمجالات والممرضين”.

وتناول التقرير مرحلة حساسة من مراحل انتشار التنظيم، حيث أنه مع مرور الوقت تبدلت العلاقة مع هؤلاء الموظفين، حيث تراجع اعتماد “الدولة الإسلامية” على موظفيها المدنيين، مع تقلص سيطرتها على الأراضي، وأعاد التنظيم في كثير من الأحيان توجيه ما تبقى من موارده البشرية والمادية إلى المهمات الأمنية والعسكرية أو سحبها بالكامل إلى معاقله الأخيرة المتبقية، بدلاً من الاستمرار بمحاولة إدارة وتوظيف بنية تحتية حاكمة كاملة في المناطق التي كان لديه سيطرة ضعيفة عليها.

كما أشار إلى أن الموظفين الذين كانوا يشغلون مناصب قيادية ومسؤوليات داخل: “الدولة الإسلامية”، بما في ذلك: “أمراء” مكاتب الحكم المحلي وأعضاء الحسبة، (شرطة الأخلاق)، والشرطة الإسلامية، كان مطلوبًا منهم أن يكونوا من المبايعين للتنظيم، ولم يكن التنظيم يثق في المناصرين للقيام بهذه الأدوار الرئيسة، وبالتالي، فإن هذه المناصب تولاها العراقيون والسوريون وأعضاء التنظيم الأجانب وعينوا في هذه المناصب بسبب ولائهم لا بسبب كفاءاتهم.

ونقل التقرير عن أحد المحامين، الذي كان يعمل لدى “الدولة”، أمير ديوان الصحة المصري؛ قوله: “لقد كان أحمقًا، رغم أنه من المفروض أنه حامل لشهادة الطب من مصر، واضطررنا إلى طلب أدويتنا ومعداتنا من خلاله للمستشفى، ورفض العديد من الطلبات بلا سبب ولم يستمع إلينا، وأدخل معايير جديدة حول علاج المرضى أدت إلى العديد من الوفيات التي كان من الممكن تجنبها”.

تمييز طبقي..

وكان هناك تمييز واضح في الرواتب بين الفئتين، وأن تخفيضًا على الرواتب طبق بنسبة: 50% للمقاتلين تم الإعلان عنه، في تشرين ثان/نوفمبر وكانون أول/ديسمبر العام 2015.

وفي “الموصل” مثلاً، في العام 2016، كان المناصر يتقاضى: 95 دولارًا شهريًا، بينما يتقاضى المبايع ما لا يقل عن: 450 دولارًا شهريًا كمرتب أساس.

حصل طبيب، في العام 2015، في “محافظة البركة”؛ على: 150 دولارًا شهريًا، بينما أدعى أن الأطباء الذين بايعوا (داعش)، على: 1000 دولار شهريًا.

وتوسع هذا الفارق الكبير في الرواتب إلى المؤسسات العسكرية، وكان مقاتل سابق في “الجيش السوري الحر”، حارب في صفوف تنظيم (داعش) في كتيبة المناصرين في “دير الزور”، في العام 2015، يحصل على: 40 دولارًا فقط شهريًا، مقارنة بمسلحي (داعش) الذين حصلوا على ما بين: 70 إلى 100 دولار أميركي، بالإضافة إلى مكافآت.

التمييز بين الفئتين طال أيضًا طبيعة المهمات الموكلة إليهم. ففي أحيان كثيرة كانت العديد من المهمات الخطيرة توكل إلى أفراد أو مجموعات من المناصرين وليس إلى المبايعين. فقد اشتكى مناصر يعمل في مديرية الكهرباء، في مدينة “الميادين” السورية؛ من أنه تم إرساله وهو موظف مدني لإصلاح كابلات كهربائية معطلة خارج المدينة؛ بالقرب من الخطوط الأمامية، بينما كلف أحد المبايعين بأعمال ورقية أو عمليات تفتيش أكثر للكهرباء المنزلية.

كما اشتكى مقاتل من تنظيم (داعش)، من “دير الزور”؛ من إرسال كتائبهم المكونة بالكامل من المناصرين إلى الخطوط الأمامية، والمرابطة هناك لخمسة شهور، وفق أوامر من قيادي داعشي: “ولم يكن يهمهم إن كنا عشنا أو متنا”.

ولفت التقرير إلى أن (داعش) حاول في كثير من الأحيان تحويل موظفيه المدنيين إلى مبايعين من خلال دفعهم إلى مبايعة “البغدادي”، واستخدم مزيجًا من الأساليب القسرية والحوافز المالية والمادية، بما في ذلك زيادة الرواتب الشهرية، الترقيات، وفوائد الإسكان والسيارات والدراجات النارية والكهرباء.

وطال ذلك الإغراء التحفيزي أيضًا الموظفين والمهندسين في “قطاع النفط”. وقال عامل في “حقل العامر” النفطي، في “سوريا”؛ أن “الأمير” عرض على الموظفين أن يُصبحوا مبايعين، بمضاعفة الراتب المكون من: 450 دولارًا والترقية لتولي الإشراف على المصفاة. وقال: “كان المال مثيرًا للإغراء بالنسبة لي”.

وإزداد ضغط (داعش) على موظفيه المدنيين ليُصبحوا مبايعين؛ خاصة بعد تراجع العدد الإجمالي لموظفي “الدولة”، أما بسبب مغادرة الموظفين أو بسبب قتلهم على يد قوات التحالف المناهض للإرهاب.

وأشار العديد من الأشخاص إلى أنهم تخلوا عن وظائفهم بشكل استباقي بسبب الضغط الذي مورس معهم للإنضمام إلى التنظيم والخوف من أن يتم تجنيدهم بالقوة في نهاية المطاف وإجبارهم على التحول إلى مبايعين بالرغم عن إرادتهم.

وأشار التقرير إلى أن تداخل عناصر العمل والتوظيف والولاء والمبايعة له آثاره على كل من مكافحة الإرهاب وجهود الملاحقة القضائية المستمرة ضد (داعش).

وأضاف أن هناك ميلاً للإفتراض أن موظفي (داعش) كانوا على دراية تامة بالجهة التي يعملون لصالحها، وبالتالي فهم هدف مشروع للملاحقات القضائية. لكن هناك نقاش آخر يتعلق بالإطار القانوني لذلك، وما إذا كان يجب مثلاً معاقبة الطبيب الذي استمر في علاج المدنيين في قريته أو بلدته، ولكنه فعل ذلك وهو مُدرج على جدول رواتب (داعش) ؟.

وقال العديد من الذين تمت مقابلتهم أنهم تركوا مناصبهم وفروا من أراضي (داعش) ردًا على تصرفات التنظيم والهجمات المتزايدة من قبل القوات المحلية والتحالف العالمي المناهض لـ (داعش). كما أنه في بداية حكم (داعش)، فإن الموظفين المدنيين الذين غادروا البلاد جازفوا بتعرضهم لأعمال انتقامية مميتة ضد عائلاتهم ومصادرة ممتلكاتهم وخطر الانتقام من أنصار (داعش).

وتظُهر المقابلات الاستقالة من العمل كموظف في “الدولة”؛ أصبحت أكثر سهولة مع تراجع مشروع (داعش) وضعف السيطرة على موظفيه وأراضيه.

كما استقال العديد من الموظفين المدنيين عندما خفض (داعش) رواتب ومزايا الموظفين أو أوقف دفع رواتبهم تمامًا. وحاول آخرون الاستقالة والمغادرة؛ لكنهم أحيانًا كانوا يتلقون تهديدات بالقتل أو اتهامهم بالردة.

فرار ومقاومة..

وتابع التقرير الأميركي؛ بالقول أن: “درجة المسؤولية الأخلاقية التي يتحملها الموظفون المدنيون في الدولة الإسلامية، معقدة، ومن المتوقع أن المدنيين العاملين في جماعة إرهابية مسلحة لن تكون لديهم قدرة على التصدي للتنظيم بسبب قوته، وأن الواقع يقول أنه لم يكن لدى العديد من الموظفين المدنيين في ظل الدولة الإسلامية خيار سوى إتباع تعليمات التنظيم بسبب الخوف من العواقب على أنفسهم وعائلاتهم”.

ومع ذلك، يقول التقرير أنه: “سيكون من الخطأ استنتاج أن الموظفين ليس لديهم وكالة أخلاقية، وأن بعض الموظفين المدنيين في الدولة الإسلامية اكتشفوا وسائل للرد والمقاومة ضد التنظيم”.

وقال رجل أعمال من “تدمر”، فر في البداية إلى “تركيا” ثم عاد وعمل مع: “الدولة الإسلامية” لمدة عام ونصف، أن تخصصه العالي سمح له بتحديد مطالبه الخاصة، موضحًا: “يُمكنني وضع حدود خاصة بي مع (داعش). لقد أحتاجوا إلى شبكتي وعاملوني ودفعوا لي جيدًا. لقد حاولوا أخذ هاتفي بعيدًا عني وإغلاق عملي على الإنترنت. رفضت وشرحت أنني بحاجة إليه للعمل وسمحوا لي بالإحتفاظ به”.

نظرة مستقبلية وخاتمة..

وختم التقرير بالقول: “إن فهم الدور الفريد الذي لعبه موظفو الدولة الإسلامية المدنيون، ضروري لتحليل التطور الحالي والتكرارات المستقبلية المحتملة لـ (داعش) في العراق وسوريا”.

وأضاف أنه من المفترض أن العديد من الموظفين المدنيين في: “الدولة الإسلامية”؛ كانوا قادرين على الاستمرار في العيش في منطقتهم المحلية، ومع ذلك، فقد جرى إحتجاز العديد من الموظفين المدنيين في مخيمات عراقية أو سورية للاشتباه بأنهم ينتمون لتنظيم (داعش) وتم إيواؤهم إلى جانب مقاتلي (داعش)؛ في ظل احتمالات محدودة لمواجهة الملاحقة القضائية في المدى القريب أو العدالة الانتقالية أو مبادرات إعادة التأهيل.

وتابع أنه بالنظر إلى حجم القوة العاملة المدنية التابعة لتنظيم (داعش)، فهناك إفتراض أن عددًا كبيرًا من المحتجزين الذين يُشتبه في صلتهم بالتنظيم والذين تم احتجازهم في “العراق” و”سوريا”، كانوا موظفين مدنيين ويفترض أنهم بأعداد كبيرة ولا يزالون على قيد الحياة.

وأضاف أن العراقيين والسوريين يختلفون حول معاقبة موظفي (داعش) المدنيين اعتمادًا على تصرفات الموظف المدني والدور الذي كان يؤديه.

وتابع التقرير: “من المؤكد أن العديد من المبايعين أجبروا على الإنضمام إلى الدولة الإسلامية، وبرغم ذلك فإن بيانات المقابلات تُشير إلى أن هناك العديد من الموظفين المدنيين الذين تجاهلوا مطالب (داعش) واختاروا البقاء كمناصرين بدلاً من أن يُصبحوا أعضاء برغم تلقيهم تهديدات بالعنف المباشر والحوافز المادية والمالية”.

وأشار إلى أنه: “بشكل عام، فإن الاتجاه داخل سلطات الإدعاء، وفي أوساط مجتمع مكافحة الإرهاب الأوسع عامة، كان لعدم التمييز بين هاتين الفئتين من الموظفين ومعاملة المنتسبين لتنظيم (داعش) على أنهم فئة واحدة متجانسة”.

لكن هذا التقرير أظهر أن: “هناك اختلافات جوهرية بين الفئتين”، وأنه: “يجب أن ينصب تركيز سلطات الإدعاء ومجتمع مكافحة الإرهاب، على محاكمة المبايعين الذين أنضموا بإرادتهم إلى التنظيم”.

وخلص التقرير إلى التحذير من أن تنظيم (داعش) ما يزال يحتفظ بطموحه في بناء “الدولة” برغبة إيديولوجية واستعادة: “الخلافة المنهارة”، وأن أي محاولة لـ (داعش)؛ لإعادة بناء دولته مرة أخرى ستتطلب استخدامًا مكثفًا للموظفين المدنيين، ولهذا، يُمثل الآلاف من الموظفين المدنيين السابقين الباقين على قيد الحياة مجموعة تجنيد محتملة لقوى عاملة مستقبلية لمشروع خلافة آخر تابع لتنظيم (داعش).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة