23 نوفمبر، 2024 3:24 ص
Search
Close this search box.

الإشكاليات والمحددات والامكانيات لقيام الدولة العراقية (ج 2 )

الإشكاليات والمحددات والامكانيات لقيام الدولة العراقية (ج 2 )

إن الظروف التي شهدها العراق ما بعد التاسع من نيسان 2003 وترسبات الاستبداد السياسي للأنظمة السابقة جعلت المجتمع العراقي في مواجهة تحديات وإشكالات عديدة سياسية، اقتصادية، وأمنية، واجتماعية فرضت نفسها على الواقع العراقي وعلى مدى استقرار المجتمع، ومن ثم على إمكانية بناء الدولة العراقية على أسس جديدة، ولعل أهم تلك الإشكالات التي شكلت كابحاً أمام بناء الدولة بمؤسساتها كافة هي الإشكالات الاجتماعية، إنطلاقاً من أن تحقيق البناء الإنساني والاجتماعي للفرد يُعد حجر الزاوية في تأسيس أركان الدولة الحديثة إلى جانب الأبعاد الأخرى.

وإنطلاقاً من أن إخفاء المرض لا يشعر المرء بالطمأنينة على صحته ولا يعيد له العافية، كما أن التغلب على العدو يحتاج إلى تشخيص لنقاط ضعفنا والتخلص من بعض النزعات العنصرية إزاء الآخر في داخلنا، وقراءة واقعنا موضوعياً بروح النقد والنقد الذاتي، يمكن تشخيص أهم الإشكالات الاجتماعية التي تشكل عائقاً أمام بناء دولة عصرية في العراق وهي:

1- الإشكالية الطائفية والولاءات الفرعية:

إن النظر إلى المجتمع العراقي يؤشر لنا الطبيعة الفسيفسائية المتضمنة للتعدد العرقي والتنوع المذهبي والاختلاف الديني، هذا التنوع الذي غالباً ما يجعل الدولة أمام فكرة الصراع والانقسامات الدائمة لا سيما إذا ما توفرت بيئة حاضنة أو شرارة للنزاع، مما يجعلنا أمام حالة اللاستقرار في الدولة. ولعل هذا التعدد في بعده الطائفي دفع إلى تحويل الطائفية الموجودة في المجتمع إلى خطر حقيقي يهدد التجانس الاجتماعي وكيان الدولة ككل، والسبب يعود في تعميق تلك الظاهرة إلى التنشئة السياسية الخاطئة التي مارستها السلطة السياسية ما بعد عام 2003، والتي بنيت على أسس طائفية ودينية وعرقية متناسية وحدة العراق الوطنية، إذ وجدت الأطراف المكونة للعملية السياسية في ترسيخ الانقسامات المجتمعية والطائفية مصلحة جوهرية لها وذلك من خلال علاقة الطائفية السياسية بالسلطة والثروة والنفوذ، على حساب مصلحة الوطن والمواطن.

2- غياب الشعور بالمواطنة:

إن تقسيمات البيئة الاجتماعية والتعدد الذي يتسم به المجتمع العراقي نقلت الولاء من الدولة إلى الولاءات الفرعية بحسب الإنتماء العرقي أو الطائفي أو المناطقي، ومن ثم تجاهلت المفهوم الوطني العراقي، الأمر الذي أضعف الشعور بالهوية العراقية وبالمواطنة العراقية، ولعل ما عمق من هذه الحالة هو فشل الخطاب السياسي العراقي بعد عام 2003 في إيجاد روابط مشتركة تعيد اللحمة الوطنية وتدفع بالمواطنة إلى الأمام، بل على العكس نراه عمق من الأزمة لأنه لم يستند إلى خطاب جامع واحد يصهر كل خصوصيات المجتمع العراقي وانتماءاتهم تحت الهوية الوطنية العراقية.

فالواقع يؤشر على أن هناك من روج للهوية الإسلامية كما هو حال الأحزاب الدينية، وهناك من روج لمفهوم الأمة العراقية، وهناك من روج للعلمانية، وهناك من روج للهوية العربية وآخرون يتمسكون بالهوية الكُردية، ومن ثم أسهم هذا الارتباك والتخبط في الخطاب السياسي لمعظم القوى والتيارات السياسية بجعل المواطن العراقي لا يشعر بهويته الوطنية ومواطنته لأنه يراها أما عينيه ضعيفة بفعل سيادة الولاء الحزبي الفئوي على الولاء الوطني.

ولا شك فإن هذا الواقع الاجتماعي العراقي قد سُيس في بعض جوانبه ولم يعد يأخذ بعداً خالصاً متعلقاً بكون الاختلاف مدعاة لقوة الدولة بقدر ما أصبح الاختلاف أحد عوامل عدم الاستقرار المجتمعي، وأن هذه الأسباب تلاقت مع العوامل السياسية والاقتصادية وكونت سلسلة من القهر والحرمان جعلت المواطن العراقي يلتف حول تقسيماته الطائفية والعشائرية والقومية، الأمر الذي خلق حالة من عدم الاستقرار وإضعاف مرتكزات بناء الدولة العراقية.

3- التكوينات القبلية والعشائرية:

إن أحد أهم الإشكالات الاجتماعية المؤثرة في بناء الدولة في العراق هو تنامي دور العشائر، مما يؤثر في عملية التطور السياسي والديمقراطي إذا لم يوظف بشكله الصحيح، فضلاً عن تأثيره في البناء الحقيقي للمجتمع المتحضر إذ أنها تستقطب الولاءات الأعلى لقطاعات من المواطنين مما يؤثر سلباً على الولاء للدولة ذاتها سيما بعد التشويه الذي أصاب مفهوم الدولة من ناحية التفكك البنيوي لأجهزتها ومؤسساتها، كما أن تمدد نفوذها في داخل الأحزاب السياسية نفسها سوف يضعف قدرتها على استقطاب المواطنين استناداً إلى أطر فكرية وبرامج سياسية وطنية عابرة للحدود العرقية والطائفية والدينية، كما أنه يلغي بتأثيراته على العملية الانتخابية فتصبح في جانب منها محكومة بالتوازنات القبلية والعشائرية.

4- غياب الترابط الاجتماعي:

نظراً للشرخ الكبير الذي تعرض له المجتمع العراقي بسبب تغليب العلاقات الطائفية والقومية والقبلية والفئوية في مختلف المجالات، ومن ثم توصل المواطن العراقي إلى قناعة أن الدولة منسلخة تماماً عن المجتمع ولا تعبر إلا عن مصالح فئوية ضيقة، فضلاً عن إضطراب القيم الأسرية في التنشئة من خلال التأثير السلبي للعولمة والفضائيات، مما يؤدي إلى إضعاف البناء الأخلاقي للأسرة العراقية وهو ما يدفع نحو إنتشار ممارسات سلبية وخاطئة كالفساد والسرقة والرشوة وغيرها، لها تداعياتها السلبية على استقرار المجتمع والدولة بمؤسساتها المختلفة.

5- فقدان ثقة الأفراد بالدولة ومؤسساتها الإدارية والوظيفية:

مما يعني أساساً زعزعة ثقة الفرد العراقي بمجتمعه ككل وتغيير نظرته له، ومن ثم التشكيك بمدى قدرة الدولة على تحقيق تطلعاته وأهدافه في الحياة، ولعل ما عمق من أزمة عدم الثقة تلك هو طبيعة الأزمات المجتمعية التي يعيشها المواطن العراقي والتي انعكست بشكل جذري على حياته اليومية وأصبغتها بسماتها السلبية، وقد ساهمت تلك الأزمات في إعاقة تطور الفرد العراقي وحددت الفرص أمامه نحو تقدمه ونموه وحولته في بعض الأحيان إلى شخص غريب في وطنه وفاقداً لأبسط أساسيات العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة والحقوق.

فالسياسات الاقتصادية الفاشلة وعدم القدرة على التوظيف والتشغيل وعدم القابلية على الاستجابة لمطالب المواطنين، بالتأكيد سيدفع نحو المزيد من عدم الثقة والخروج والتظاهر أو اللجوء إلى أعمال العنف أو الشغب ضد النظام السياسي، وقد يصيبه بالإحباط ويؤدي ذلك إلى كراهية المجتمع، ومن ثم الانحراف في سلوكه والانضمام للجماعات الإرهابية، ومن ثم يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي اللذان يدفعان بدورهما إلى عدم الاستقرار الاجتماعي ومن ثم الحيلولة دون بناء أسس ومرتكزات الدولة العراقية وتهديد كيانها ككل.

6- غياب الاستقرار الاجتماعي:

أحد أهم ركائز بناء الدولة، إذ يشير إلى حالة الهدوء والسكينة التي تنتاب المجتمع وتجعله قادراً على تحقيق طموحاته وأهدافه نتيجة للحالة السلمية التي يمر بها بفضل التوازن الاجتماعي بين القوى والأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية والدينية في المجتمع، ولا شك فأن الاستقرار الاجتماعي في المجتمع لا يمكن أن يتحقق بصورته الكاملة من غير سيادة روح التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وعادة ما يعبر عن درجة التماسك الاجتماعي من خلال درجة الترابط بين فئات المجتمع، إذ أن قوة الجذب والترابط تجعل من أعضاء المجتمع في حالة من التفاعل الذي يؤدي إلى سلسلة من العلاقات الاجتماعية التي تدعم المجتمع وتحافظ على تماسكه ومن ثم تساهم في بناء ركن مهم من أركان الدولة وهو التلاحم والاندماج الاجتماعي. وهناك عدد من الأزمات والمعوقات التي أسهمت في تكريس حالة عدم الاستقرار الاجتماعي في المجتمع العراقي، لعل أهمها:

أ‌- أزمة الهوية:

تعد أزمة الهوية عاملاً حاسماً في عملية بناء الدولة واستقرارها لا سيما في المجتمعات التي تتكون من جماعات عرقية أو دينية أو ثقافية، والعراق كأحد هذه الدول لم يصل إلى مستوى دمج هذه الانتماءات الفرعية من أجل الوصول إلى هوية مشتركة وعامة تأخذ مصالح هذه الجماعات بانتماءاتها الثقافية والعرقية والدينية، علماً أن هذا الدمج لا يعني إزالة أو تهميش الانتماءات الفرعية بقدر ما يعني عدم التعارض بين الهويات الفرعية والهوية الوطنية الشاملة للجميع.

ب‌- أزمة التغلغل:

وتتمثل في ضعف الدولة العراقية في إرساء دور مؤسساتها الإدارية والوظيفية لتقديم خدماتها إلى أفراد المجتمع، وعدم القيام بإصلاحات وإنجازات عبر تلك المؤسسات في سبيل تحقيق واقع اجتماعي أفضل عبر تقديم الخدمات العامة والاهتمام بشؤون المواطن وتأمين الرعاية الكاملة له، وتوفير متطلباته الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع. إذ أن من شأن تحقيق ذلك أن يؤدي إلى إيجاد نوع من التضامن والتماسك بين أفراد المجتمع، ويشعر المواطنين بأن الدولة تعمل لصالحهم وتشعر بحاجاتهم الأساسية مما يولد علاقة إيجابية بين الفرد والدولة، ومن ثم بناء أهم أركان الدولة وهو الإنسان كونه العامل المؤثر في تحديد طبيعة أو مسار الإمكانيات التي يمثلها صانع القرار السياسي، والتي تعطيه مصدر قوة أكبر سواء كان ذلك في تطبيق سياسته الداخلية أو الخارجية.

ولا شك فأن الواقع العراقي يؤشر حالة من التراجع في العلاقة بين الفرد والدولة، ولا يمتلك مؤسسات ذات طبيعة تركيبية ووظيفية مرنة ومنسجمة قادرة على تقديم خدمات تلبي حاجات اجتماعية وإنسانية عامة، بل نجد أغلب المدن تأخذ أبعاد طبقية خصوصية في عملية تأهيلها، إذ تتمتع بعضها بخدمات عالية الجودة من حيث التصميم والإنارة وخدمات الطرق والأسواق، فيما نجد هناك العديد من المناطق تشكو البؤس والإهمال ولا تتوفر فيها أبسط أنواع الخدمات من طرق ومياه الصرف الصحي وغيرها، إلى جانب إنتشار العشوائيات والبيوت القديمة مما ينعكس سلباً على حياة المواطنين الذين يعبرون عن ذلك بتحدي الدولة بالقيام بالتظاهرات والعصيان وتحدي النظام العام، وهو ما ينعكس سلباً على الاستقرار الاجتماعي وتعريض كيان الدولة إلى الخطر، فضلاً عن أن هذه الهشاشة في الجوانب الاجتماعية ساهمت في ظهور مجتمع مهزوز اجتماعياً غير آمن وغير مستقر نفسياً واجتماعياً، مما يجعله أمام حالة أشبه بالفوضى وتأثر قيمه وبنيته الاجتماعية بمختلف أشكالها إلى الضعف والتفكك.

ج- أزمة التوزيع:

وتتمثل في عدم قدرة السلطة السياسية على خلق قناعة لدى الفرد العراقي بأن الثروات الوطنية بجميع أشكالها لا تعود لفئة أو جزء من المجتمع وإنما تعود لجميع أفراد المجتمع، وهو ما يتجسد في عدم تحقيق الاستقرار بالقدرة التوزيعية أي القدرة على توزيع الموارد (السلع والخدمات والوظائف) على الأفراد والجماعات بشكل يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية بصورة متساوية، وهنا نجد أن علاقة الأزمة التوزيعية بالاستقرار الاجتماعي تأتي من خلال قيام الدولة في القضاء على التفاوت الطبقي وتحقيق العدالة التوزيعية للثروات بين أفراد المجتمع، إذ أن عدم تحقيق ذلك من شأنه أن يترتب عليه آثار نفسية واجتماعية وتبرز من خلالها صراعات طبقية من شأنها أن تهدد عملية الاستقرار في المجتمع، ومن ثم تضعف إمكانات الدولة في بناء ذاتها، وهذا يتجسد من خلال عدد من المظاهر منها:

– ضعف الاندماج ما بين الفئات الاجتماعية التي يضمها المجتمع من خلال هيمنة بعض الفئات التي تستأثر بالقوة الاقتصادية أو النفوذ السياسي مما يؤدي إلى سطوتها على فئات اجتماعية أخرى، مما يؤدي إلى نوع من أنواع الصراع الطبقي الذي ينعكس على استقرار الدولة.

– إنهيار النظم والقيم والقوانين الاجتماعية واضطراب الترتيب الاجتماعي وحدوث التغيير غير المستقر والذي يحدد المكانة الاجتماعية التي يحتلها الفرد على أسس اقتصادية أو قرابية أو طائفية لا علاقة لها بشرط الكفاءة أو الجهد المبذول مما يبرز حالة من التمايز بين أفراد المجتمع تؤدي إلى الصراعات وتهدد عملية التماسك الاجتماعي والولاء الوطني وتعرض الاستقرار بصورة عامة إلى التصدع والتمزق.

– ضعف عملية الإبداع الذاتي والحافز للعمل والمسؤولية بين أفراد المجتمع من خلال مساواة الإنسان المبدع مع غيره الذي لا يمتلك الموهبة والإبداع سواء في المكانة الاجتماعية أو الأجور أو الدخل، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى عدم اندفاع الفرد الذاتي للعمل والتضحية في سبيل وطنه، فضلاً عن هجرة الكفاءات العلمية إلى خارج الوطن مما يضيع على المجتمع جهود علمية ووطنية.

إن طبيعة الظروف والتحديات التي تواجه الدولة العراقية تتطلب من المؤسسة السياسية ضرورة إجراء دراسة علمية واقعية وموضوعية للظروف والإشكالات الاجتماعية التي ساهمت في تفشي تلك الظواهر السلبية والطارئة على مجتمعنا والتعرف على أسبابها وسبل مواجهتها والآليات الناجعة للقضاء عليها في المجتمع، بهدف إعادة بناء النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية وإشاعة مبدأ التعايش السلمي بين الأفراد، من خلال التأكيد على سيادة قيم الاعتدال والوسطية كونها لغة العصر التي يجب أن تسود، وتغليب مفهوم الحوار والتسامح والتقارب في العلاقات واحترام الرأي والرأي الآخر، والإبتعاد عن الخطابات الطائفية المجزئة للنسيج الاجتماعي، فضلاً عن تشكيل هوية وطنية موحدة تضم كافة أفراد المجتمع العراقي، والعمل على محاربة التشتت في الولاءات أو الولاء للهويات الفرعية تحقيقاً لوحدة المجتمع والعمل على صيانة استقراره، وهو الأساس في بناء الدولة في العراق على أسس حضارية وإنسانية.

وللإبحار أكثر في تفاصيل هذا الموضوع كان لابد من مناقشة السؤالين التاليين:

السؤال الأول/ ما أهم الإشكالات أو الممارسات الاجتماعية التي تقف بالضد من بناء دولة حقيقية في العراق؟

التغيير السياسي لم يصاحبه تغيير اجتماعي

– الدكتور حسين السرحان رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية قال: “إن غياب الشعور بالمواطنة ليس ذنب المواطن، بل هو مسؤولية النظام السياسي ومسؤولية أولئك القائمين على بناء هذا النظام، بعد (2003)، التغيير السياسي الذي حصل في العراق لم يصاحبه تغيير اجتماعي، يكون موازي لعملية بناء الدولة وبناء النظام السياسي، لذلك التغيير الاجتماعي كانت تتجاذبه الكثير من التيارات والهويات والانتماءات، وأصبحت هناك أمواج عاتية من السلوكيات الاجتماعية التي لا تصب في مصلحة بناء الدولة، بالإضافة إلى ذلك ما عمق هذا المشروع هو غياب المشروع السياسي وغياب المشروع الوطني لبناء الدولة، هذا مما عمق من هوة التغيير الاجتماعي وجعله منحاز بشكل كبير للجانب السلبي، خصوصا وأن المجتمع العراقي كان ينظر للمشروع السياسي على أنه نمط مغاير لحالة النظام السياسي ما قبل (2003)، فعلى هذا الأساس كان يصبو للتغيير على أنه أمر واقع وفي كافة الاتجاهات، لكن فوجئ بغياب المشروع السياسي الذي انعكس بشكل كبير على حياته الخاصة، بفعل القوى السياسية التي جاءت للعراق ما بعد هذا التاريخ، وهي دائما ما تلعب على وتر الانقسامات الاجتماعية داخل المجتمع، بالتالي عززت من إنعدام الثقة بين المكونات العراقية، التي كانت موجودة أصلا في داخل المجتمع العراقي، لذلك نحن أمام إشكالية كبيرة وهذه الإشكالية مركبة اجتماعية سياسية.

السياسيات جعلت من الفرد العراقي سلبيا

– الدكتور علاء الحسيني التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء والباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات قال: هناك تحفظ شديد حول الهويات الفرعية التي هي ليست عائق، بل ربما هي مصدر قوة لكل الشعوب، وأقرب مثال على ذلك الهند التي تتحدث بقرابة (600) لغة، لكن ذلك لم يكون عائقا بل الهند تمتلك اقتصاد جيد وتعيش حالة من السلم والوئام، الصين كذلك والولايات المتحدة الامريكية وغيرها، لكن يبقى العائق الأهم والأكبر هو ثقافة الفرد العراقي، تلك الثقافة متأصلة بحالة الجور التي مارستها الأنظمة المتعاقبة على العراق.

نتيجة هذا السياسيات جعلت من الفرد العراقي سلبي في تفكيره وسلبي في نظرته للمستقبل متشائم، لذلك أداة التغيير الرئيسية في العراق هي الديمقراطية والانتخابات وهي مرتبطة بالمواطن بشكل أساس، أما ما يخص القوانين فليس له دور كبير في تعميق بناء الدولة أو عدم تعميقها، بقدر ما ننظر للقابض على السلطة الذي كان عبارة عن نظام دكتاتوري ونعني هنا ما قبل (2003)، كانت هناك مؤسسات أمنية كامل لأنها تمثل الأداة الأبرز للبقاء في السلطة، وما عدا ذلك بقت مؤسسات متخلفة خصوصا وأن مجلس النواب هو مجلس صوري، والقضاء العراقي مرتبط بوزارة العدل ومسير من قبل الحكومة، فالقوانين الموجودة في النظام السابق هي ذاتها التي تؤسس لمؤسساتنا الآن، لذلك نحن نعاني من أزمة متجذرة فالإنسان العراقي هو إنسان سلبي، فنحتاج لتغيير هذه الثقافة التي دائما ما تنتج لنا أناس سلبيين.

العنف والاستبداد مسيطران على جوهر القيم الاجتماعية

– -إن معضلة التغيير السياسي لامست المظهر ولم تلامس الجوهر، بالتالي تم استيراد كل القيم السلبية التي كانت معتمدة في السابق ووضعها في إطار جديد يحمل عنوان الديمقراطية، والدليل على ذلك، إن بعض القوى السياسية حاولت تكريس تلك القيم من أجل تعزيز حالة الإنقسام الداخلي.

النقطة الأخرى هي عدم وجود التحول القيمي، فغاندي على سبيل المثال: عندما جاء للهند، كان لا يهدف فقط إلى تحرير الهند وإسقاط النظام البريطاني، بل سعى إلى تحرير المواطن الهندي من براثن العبودية والقابلية على الاستعمار، لذلك أول خطوة أقدم عليها غاندي هي التجول في كل أنحاء الهند والركوب في قطار الدرجة الثالثة ولمدة ستة أشهر، وعمل على تعزيز فكرة اللاعنف، لذلك البعض يصنف الهند على أنها القوة الاقتصادية الأولى في المستقبل، بسبب إرساء أسس اللاعنف.

في العراق اليوم نعيش البدائية الغرائزية، وهذه البدائية تكرس الفئوية المتصارعة، لذلك نجد المجتمع معبئ ببعض الأمور السلبية من مثل: (العنف، الاستبداد، التصادم)، وهذا خلاف سلوك المجتمعات الواعية والناضجة التي تقوم على التفاوض وعلى الحلول الدبلوماسية، فالعنف والاستبداد مسيطر على جوهر القيم الاجتماعية وهذا مانع أساسي من قيام الدولة، فعلى هذا الأساس الشباب اليوم دائما ما ينحازون نحو الدكتاتورية ويرفضون الديمقراطية، لأن المجتمع متشبع بالاستبداد وبالعنف.

كذلك لا يمكن أن نتجاهل فشل الطبقة الوسطى والانغماس في الذات والمادية، وفشل النخب الثقافية وعلى كافة المستويات، حيث عجزت عن تصدير قيم العقد الاجتماعي والتوافق والإنسجام الاجتماعي، بل على العكس هي كرست منظومة القيم السلبية من خلال اليأس والسلبية وجلد الذات وعدم الإيمان بالمستقبل وعدم الإيمان والعمل لبناء الدولة، بل تلك النخب ومن خلال ما تحمله من خطاب سلبي كرست الفئوية والتنازع والصدام، وابتعدت عن بناء الخلاف الممدوح.

الديمقراطية جزء من نفايات المحتل

– -إن أصل النجاح هو وجود الدولة الحديثة الديمقراطية، وهنا لابد أن نؤكد أيضا على أن ركيزة هذه الدولة هو المواطن الفعال والإيجابي والمبادر، فالمواطن الصالح لا قيمة له في بناء الدولة، بل القيمة الحقيقية هي للمواطن الفعال والإيجابي، هذا المواطن كي يكون موجود يحتاج لرابطة المواطنة، وهنا المواطنة لها أكثر من فهم، فالبعض يتصور المواطنة هي اشتقاق من الوطنية، وهذا الفهم خاطئ، لذلك يطالب المواطن دائما في ظل رابطة الوطنية أن يقدم الولاء والانتماء لدولته، بصرف النظر عن الظروف التي يعيش فيها هذا المواطن، لكن الفهم الآخر وهو الفهم الصحيح، كون الدولة ظهرت نتيجة لتطور عالم الغرب فالمواطنة هي رابطة قانونية تربط المواطن بالدولة التي يعيش فيها، فمن يحمل جنسية الدولة تصبح له حقوق وعليه واجبات، فالدولة تستطيع أن تبنى بشكل صحيح، بالتالي يستجد لدينا سؤال لماذا فشلت الدولة؟، ولماذا فشلت رابطة المواطنة لدينا؟، ايضا لماذا فشلنا في إدارة التنوع بشكل صحيح؟.

هنا ثلاثة عوامل رئيسية ترتبط بهذا الموضوع وهي ذات بعد اجتماعي، العامل الأول: غياب التقاليد الديمقراطية، فنحن حتى في طريقة تولي الخلافة لم تكون ديمقراطية، وكانت طريقة استبدادية، وأن طريقة اختيار الدولة وبناء الدولة تاريخيا لم يكون وفق أجواء ديمقراطية، واستمر على ما هو عليه حتى جاء زمن الاحتلالات وإلى هذه اللحظة، حيث نجد التقاليد الديمقراطية غائبة حتى في الاسرة، لذلك يحتاج منا العمل بشكل جدي في علم الاجتماع.

العامل الثاني: غياب الالتزام الأخلاقي لدى النخب وبكافة اشكالها سواء كانت (ثقافية، اقتصادية، أكاديمية، دينية)، طبعا لكل قاعدة استثناء ولكن غالبية تلك النخب تفتقد للالتزام الأخلاقي، ولذلك كان خطابها دائما خطاب معادي للدولة ولا يريد بناء الدولة، خصوصا وأن هذه النخب جعلت من مصالحها أسلوب للتخادم فيما بينها، وهي لا تريد أن تتخلى عن هذا التخادم، فنلاحظ على سبيل المثال بعض النخب

الثقافية دخلت في الأحزاب السياسية من أجل أن تحصل على السلطة. أما العامل الثالث هو أن الكل ينظر للديمقراطية هي خيار اجنبي وهي جزء من نفايات المحتل.

غالبية من حكم العراق هم ليسوا عراقيين

– -إن مشكلة العراق الأساسية أنه واقع ضمن جغرافيا الصراع الدولي، والشيء الآخر الحكومات بأجمعها منذ ألف عام لم تزرع حب الوطن في نفس المواطن العراقي، لكن المواطن العراقي أثبت بفترات زمنية متباعدة أنه يحب هذه الأرض ويضحي من أجلها، والدليل على ذلك: وقوف مناطق وسط وجنوب العراق بوجه الدولة العثمانية قبل ثورة العشرين بسنتين، بالإضافة إلى ذلك أن غالبية من حكم العراق هم ليسوا عراقيين، وزيادة على ذلك لقد تم زرع فكرة خاطئة جدا بأن المواطن العراقي لابد أن يكون شمعة تحترق من أجل الوطن، وهذه إشكالية بحد ذاتها فهل غاية الأوطان صيانة الرقعة الجغرافية أم كرامة الإنسان، فالأصل على ما أتصور هو الشعب وليس الدولة، لذا لابد على الدولة أن تكون في خدمة المواطن وفي خدمة الشعب وليس العكس، عندها سيكون الشعب المدافع الحقيقي عن حياض الدولة، ولن يفكر ببدائل أخرى يحتمي بها كالعشيرة والطائفية والقومية، وهذا ما سعى إليه أبناء الوسط والجنوب أثناء تلبيتهم لنداء المرجعية، أما بالنسبة لأسباب تدهور الدولة ما بعد (2003) هو وجود ذات الأنظمة القانونية التي كانت تحكم العراق في السابق، وأن غالبية الذي حكموا العراق لديهم بدائل عن هذه الأرض، وإلا كيف تفسر بقاء عوائل المسؤولين في بلاد المهجر.

قانون العشيرة أقوى من قانون الدولة

– – إننا بعد (2003) فككنا الدولة وحاولنا تجميع دولة مصلحية، بالتالي أجتمع كلا من السنة والشيعة والأكراد لتكوين دويلة الطوائف والهويات والمصالح قبل مصلحة الوطن، فعلى هذا الأساس تم رسم الخطوط العريضة للدستور العراقي، وبالتالي تم نسف جميع مؤسسات الدولة، لذلك نحن اليوم لا نملك رؤية كاملة لبناء الدولة، هذا مما جعل قانون العشيرة أقوى من قانون الدولة، لذا المهمة الأساسية التي لابد أن نسعى إلى تحقيقها هي كيفية تفعيل القانون.

ثقة المواطن بالدولة مهتزة

– – إن ثقة المواطن بالدولة مهتزة فلابد أن نعيد أواصر تلك العلاقة إلى نهجها السليم.

الإعلام له دور سلبي في تعزيز الإشكاليات الاجتماعية

– – ان أساس نجاح المجتمع يعتمد على تطبيق القيم الاجتماعية، الجانب الإعلامي كان له دور سلبي في تعزيز الاشكاليات الاجتماعية، وهذه الاشكاليات متوارثة ما قبل تغيير النظام السياسي وإلى الآن، فالإعلام كان إعلام حزبيا وغير مستقل فأنتج لنا صور نمطية سلبية في داخل المجتمع العراقي، ومن جانب آخر عمل الإعلام على التسميم السياسي، فجعل المواطن مغترب في وطنه من خلال فقدان الثقة في بناء الوطن.

إشكالية داعش هي الأخرى أوضحت مدى الإشكاليات الاجتماعية التي تعترض طريق المجتمع العراقي، لذلك فأن حل الإشكالات الاجتماعية هي العمود الفقري في بناء الدولة.

الطبقية تشكل عائقا اجتماعيا

– – إن الإشكالات الاجتماعية تتركز في ثلاثة محاور وهي: (الاقتصاد، الحرية، فاعلية القانون)، أما بالنسبة للاقتصاد فيقول أمير المؤمنين عليه السلام (إِنَّ النَّفْسَ إِذَا أَحْرَزَتْ قُوتَهَا اطْمَأَنَّتْ)، خصوصا وأن غالبية طبقات المجتمع العراقي قلقة على مستقبلها وحاضرها، وهذا يعود لعدم وضوح الرؤية الاقتصادية في البلد، وقضية الطبقية تشكل عائق اجتماعي خصوصا على مستوى الطبقة السياسية وبقية شرائح المجتمع العراقي، كذلك فإن الإنسان العراقي لا يشعر بأنه حر في كل مفاصل الحياة خصوصا على المستوى المالي والاقتصادي، وموضوعة الفاعلية القانونية هي نسبية من شخص لآخر، بالتالي هذه الإشكاليات الاجتماعية تحفز لدينا الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية.

بناء الدولة يأتي من خلال الإيمان بها

– – إن بناء الدولة لا يأتي إلا من خلال الإيمان بها أولا، ومن ثم تكريس هذا الإيمان على تشريع الأنظمة والقوانين بعقلية المؤمن ببناء الدولة، وهذا البناء يتشكل من خلال بناء المجتمع وبناء الأسرة وأخيرا بناء الذات الفردية، فمن لا يستطيع بناء ذاته وأسرته، لن يستطيع بناء المجتمع وبناء الدولة، لذلك نحن فعلا نعيش أزمة أخلاقية، وهذا ينعكس على جميع مفاصل الواقع الاجتماعي والأسري والوطني.

العقبة الرئيسية في بناء الدولة ثقافة العبودية

– – أن العقبة الرئيسية في بناء الدولة هي ثقافة العبودية سياسيا والاتكالية اقتصاديا، وهذا يأتي من خلال استمرار النظام الدكتاتوري والاشتراكي أديا إلى توليد هاتين الثقافتين وترسيخهما فأصبحا عقبة أمام بناء الدولة، خصوصا في ظل نظام ديمقراطي قائم على مصدر السلطة وهو الشعب.

من جانب آخر، خطأ عملية التحول آليا والتي حصلت في العام (2003)، حيث كان هناك تحول اقتصادي وسياسي دفعة واحدة، أما التناغم فهو التحول الاجتماعي الذي لم يرافق هذين التحولين السياسي والاقتصادي، أما على الجانب الثالث يأتي غياب دور المؤسسات ما بعد (2003)، بالتالي وجود هذه العوامل هي التي أدت إلى نشوء العبودية والاتكالية.

من أخطر المشاكل هي مشكلة البطالة

– – إن أخطر ما يهدد بناء الدولة الهشة في العراق أو يعيق بناء الدولة هو مشاكل اقتصادية ثلاثة: المشكلة الأولى/ هي مشكلة البطالة، والمشكلة الثانية/ هي مشكلة الفقر، والمشكلة الثالثة/ هي مشكلة التفاوت الطبقي الحاد، فلا يوجد إدراك ومتابعة ورصد للعلاقة بين التزايد بين حجم السكان وقدرة الدولة على توفير فرص عمل.

هذا الأمر مغمور ولا يتم التركيز عليه، وذلك على اعتبار أن الدولة منشغلة بأمور أخرى كالمناصب وغيرها، ولا يوجد هنالك رؤية لبناء الدولة بشكل متكامل على الاقل من حيث معالجة المشاكل التي تهدد بناء الدولة والتي أبرزها البطالة، فإذا كانت نسبة النمو السكاني (3%) فهذا يعني أن الدولة مطالبة بتوفير (مليون أو مليونين) فرصة عمل، وهذا لا يعني بأننا نطالب الدولة باستيعاب الأيدي العاملة في مؤسساتها، لكن وللأسف الشديد جهود الحكومة كانت خجولة وسطحية جدا، في معالجة محركات توليد فرص العمل وهي القطاع الخاص.

والمشكلة الأبرز أن كل حكومة عندما تأتي تبدأ بمؤتمرات وندوات ومبادرات، لكن ما أن ينتهي عمر الحكومة وتأتي حكومة أخرى فسوف تنسف كل البرامج والخطط السابقة، وهذه مشكلة كبيرة تهدد الدولة العراقية، وهذا يأتي على خلفية أسباب عديدة، منها على سبيل المثال: عدم وجود تكامل وبناء حتى داخل الحزب الواحد، والسبب الآخر أن هذه الآلية تولد الكثير من المكاسب لهذه الأحزاب فلذلك هم مستمرين بها، والسبب الثالث جميع المسؤولين منشغلين في المكاسب التي سوف يحصلون عليها خلال الأربع سنوات.

لذلك من أخطر المشاكل الحالية التي ليس لها حل هي مشكلة البطالة، ناهيك عن الانفصام الموجود ما بين قطاع التعليم وما يخرجه من مخرجات وبين فرص العمل المتاحة، حاليا العراق قائم على الانفاق الحكومي ورواتب الموظفين، بالتالي هذا الأمر إذا لم يتم علاجه في أقرب وقت ممكن فهذه الدولة ستكون نهاياتها على يد هذه الطاقات التي لا تجد قوت يومها.

مشروع وطني يحول العشائر إلى نقطة دعم

– رغم توفر الإمكانات الاقتصادية والموارد البشرية ووجود الخطط والتشريعات اللازمة لبناء الدولة، إلا أن العراق ما زال يعاني من معوقات استكمال بناء الدولة، ولعل من أهم المعوقات هو ما يتمثل في الجانب الاجتماعي، لاسيما في تطبيق القانون والحفاظ على الهوية الوطنية، التي ذابت مع الأسف في الإنتماءات الفئوية وأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا للسلم الأهلي، من خلال الصدامات المسلحة بين بعض العشائر هذا أولا، وثانيا هي تمتلك الأسلحة بكافة صنوفها حتى الثقيلة منها، ناهيك عن تحديها المستمر لهيبة الدولة من خلال التهديدات العلنية التي تصدر من هنا وهناك لمصالح شخصية، فإذا كانت الدولة تحاول أن تفرض هيبتها وتفرض سلطة القانون من خلال قرارات قضائية، وذلك للحد من قوة العشيرة وتأثيرها السلبي على الواقع الاجتماعي، وذلك بإعتبار بعض الممارسات من قبيل ما يسمى (الدكة العشائرية) و (النهوة العشائرية)، هي تقع ضمن قانون الارهاب وقرارات مماثلة غير شرعية.

إن ذلك غير مجدي ما لم يتبعه مشروع وطني يحتوي العشائر العراقية كافة، ضمن إطار مؤسسي لكي يحول العشيرة من نقطة ضعف في كيان الدولة إلى قوة جذب وتقدم، من خلال القدرة على تدعيم الأمن في مناطقها والتعاون المثمر في كافة الوزارات.

الاهتمام بثقافة الحقوق والواجبات

– إن أبعاد سلطة الدين والعشيرة لا يعني بذلك النظام العلماني أو الإلحادي، وإنما نظام مدني يخضع في آداء المهام وبناء المؤسسات وتشريع القوانين، ثانيا تفعيل إطار الإحساس بالمصلحة العامة من قبل المواطنين، ثالثا الإهتمام بثقافة الحقوق والواجبات أي بمعنى أن المواطن لا يسأل عن حقه فقط، بل لابد أن يلتزم بواجباته وهذه مشكلة، رابعا تحديد خصيصة ثقافة المساءلة العامة التي تعتمد على مدى إطلاع المواطنين على المعلومات، وكفالة وصولهم إليها ومسائلتهم للقادة بغض النظر عن مكانتهم الشعبية.

السؤال الثاني/ كيف يمكن استيعاب واحتواء تلك الإشكالات وجعلها ضمن قوة بناء الدولة؟

– *** إننا بحاجة لإعادة نظر في التشريعات العراقية التي تقادمت معها مؤسسات الدولة العراقية، وأصبحت معرقل لقيام هذه المؤسسات بدورها الدستوري في بناء الدولة، كذلك إعادة النظر بالكثير من القوانين الأخرى والتي تعتبر مساعدة على تشكيل كيانات الدولة، من مثل إعادة النظر بقانون الأحزاب (36) لسنة (2015)، ونمنع إقامة الأحزاب على أسس دينية أو طائفية أو فئوية أو حزبية، وإنما تكون هذه الأحزاب وطنية صرفه همها العراق، وأن تكون تلك الأحزاب عابرة لكل تلك العناوين، لأن هذه العناوين هي للفرد وليس للمؤسسات، ومن جانب آخر، نحتاج لتفعيل دور المواطن العراقي وزيادة الوعي لديه ورفع مكانته وتأثيره وتكوين المؤسسات، من خلال انتخابات حره ونزيهة قادرة على إفراز خيارات حقيقية للمواطن العراقي.

– ***كل تلك النزاعات الاجتماعية هو في واقع الأمر هو عنف اجتماعي تصفيري، وهو لا يقوم على ثقافة التفاهم والدبلوماسية والحوار الاجتماعي، لذلك نحتاج إلى تحويل العنف الاجتماعي إلى اللاعنف الاجتماعي لخلق حالة الوئام والانسجام والتعايش واحترام التعددية، ايضا هناك نقطة جوهرية مهمة وهي بناء الثقة، الثقة هي أساس التماسك الاجتماعي الجيد والقوي، أي مجتمع تغيب عنه الثقة يسيطر عليه الخوف والانتهازية والنفاق والرشوة والفساد الأخلاقي، لذلك لابد من تقديم المبادئ على المصالح، بالتالي المجتمعات المتقدمة قدمت المبادئ على المصالح.

– ***إن العلاج في ثلاثة أشياء: الشيء الأول هو قيادة حازمة رشيدة لديها رؤية استراتيجية لبناء الدولة، وايضا لديها القدرة على تطبيق هذه الرؤية، الجانب الثاني هو سلطة إنفاذ القانون فيجب أن تكون لهذه القيادة القدرة على سلطة انفاذ القانون، بالتالي بدون وجود سلطة إنفاذ القانون لا وجود لأي دولة حديثة، الجانب الثالث هو وجود مؤسسات قوية لاسيما تلك المؤسسات التي تقوم بالمحاسبة والإشراف والمراقبة، فبدون هذه الاشياء الثلاثة لا يمكن أن تبنى الدولة، وسوف يستمر وجود الخلل داخل البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدولة.

– ***إن عملية الإصلاح لابد أن تبدأ من الفرد، كذلك يجب على الدولة أن تغير الفكر القديم القائم على فكرة أن الجميع لابد أن يذوب في هذا الكيان أي كيان الدولة، لذا علينا أن نقدس الشعوب وأن نجعل من تلك الشعوب سعيدة حتى نعيد الثقة ما بين الشعب والدولة، ايضا نحن دائما ما نكون أسرى لفكرة الاستنساخ الثقافي القادم من الشرق أو الغرب، ايضا على الإنسان العراقي أن يؤمن بقدراته وإمكانيته الذاتية حتى نصل للنتيجة المرجوة.

– ***إن الإشكال الحقيقي يقف على عتبة عدم تنفيذ القانون، بالتالي نحن مطالبين اليوم إلى مغادرة نصف التراث والموروث العشائري غير المشذب حتى نرتقي بالأمة العراقية إلى مصاف الأمم المحترمة.

– ***يحمل الجميع مسؤولية الشعور بالمسؤولية وأن يكون الضمير حي والمبدئية عالية جدا، عندها قطعا سنصل إلى النتائج المرجوة في بناء الأمة.

– *** ضرورة وضع دراسة اجتماعية من قبل متخصصين بالجانب الاجتماعي، حتى تنضج الآليات التحليلية والميدانية للمشكلة، ايضا لابد من توظيف الإعلام في حل الإشكاليات الاجتماعية، خصوصا في مجال التوعية الاجتماعية وتحويل السلوكيات الإيجابية كالكرم وغيرها إلى سلوكيات راسخة، ايضا المجتمع العراقي لا يستطيع مواجهة الحرب الدعائية والنفسية، وهذا من واجب الإعلام.

– أن الحل يكمن في نقطتين وهما: الصدق والأمانة سواء كانت من المجتمع أم من القادة.

– الدعوة إلى العمل بجد وجدية من أجل انتشال المجتمع العراقي من حالة السبات التي يعاني منها، وذلك من خلال ترسيخ الثقافة والمعرفة في المجتمع، كذلك لابد من زرع الأمل في نفوس المواطنين والخروج من دائرة الاتكال على الأمور الغيبية.

– الدعوة لمغادرة الاقتصاد الاشتراكي وسيطرة الدولة، ايضا لابد من بناء المناخ الاستثماري كي يأخذ القطاع الخاص دوره، بالنتيجة نجرد المسؤول من الامتيازات التي يغدقها على المواطن، بالتالي سيكون صوت المواطن مدويا بالانتخابات وبعيدا عن التأثيرات الجانبية.

منطقة المرفقات

تم فتح المحادثة. رسالة واحدة مقروءة.

تخطى إلى المحتوى
استخدام بريد Kitabat مع قارئات الشاشة
8 من 41,876
الإشكاليات والمحددات والامكانيات لقيام الدولة العراقية (ج 2 )
خارجيون
البريد الوارد

samir naji <[email protected]‏>
1:42 م ‎(قبل 7 ساعات)‎
نسخة مخفية الوجهة: أنا

د.سمير ناجي الياسري
د.سمير ناجي الجنابي.jpg

إن الظروف التي شهدها العراق ما بعد التاسع من نيسان 2003 وترسبات الاستبداد السياسي للأنظمة السابقة جعلت المجتمع العراقي في مواجهة تحديات وإشكالات عديدة سياسية، اقتصادية، وأمنية، واجتماعية فرضت نفسها على الواقع العراقي وعلى مدى استقرار المجتمع، ومن ثم على إمكانية بناء الدولة العراقية على أسس جديدة، ولعل أهم تلك الإشكالات التي شكلت كابحاً أمام بناء الدولة بمؤسساتها كافة هي الإشكالات الاجتماعية، إنطلاقاً من أن تحقيق البناء الإنساني والاجتماعي للفرد يُعد حجر الزاوية في تأسيس أركان الدولة الحديثة إلى جانب الأبعاد الأخرى.

وإنطلاقاً من أن إخفاء المرض لا يشعر المرء بالطمأنينة على صحته ولا يعيد له العافية، كما أن التغلب على العدو يحتاج إلى تشخيص لنقاط ضعفنا والتخلص من بعض النزعات العنصرية إزاء الآخر في داخلنا، وقراءة واقعنا موضوعياً بروح النقد والنقد الذاتي، يمكن تشخيص أهم الإشكالات الاجتماعية التي تشكل عائقاً أمام بناء دولة عصرية في العراق وهي:

1- الإشكالية الطائفية والولاءات الفرعية:

إن النظر إلى المجتمع العراقي يؤشر لنا الطبيعة الفسيفسائية المتضمنة للتعدد العرقي والتنوع المذهبي والاختلاف الديني، هذا التنوع الذي غالباً ما يجعل الدولة أمام فكرة الصراع والانقسامات الدائمة لا سيما إذا ما توفرت بيئة حاضنة أو شرارة للنزاع، مما يجعلنا أمام حالة اللاستقرار في الدولة. ولعل هذا التعدد في بعده الطائفي دفع إلى تحويل الطائفية الموجودة في المجتمع إلى خطر حقيقي يهدد التجانس الاجتماعي وكيان الدولة ككل، والسبب يعود في تعميق تلك الظاهرة إلى التنشئة السياسية الخاطئة التي مارستها السلطة السياسية ما بعد عام 2003، والتي بنيت على أسس طائفية ودينية وعرقية متناسية وحدة العراق الوطنية، إذ وجدت الأطراف المكونة للعملية السياسية في ترسيخ الانقسامات المجتمعية والطائفية مصلحة جوهرية لها وذلك من خلال علاقة الطائفية السياسية بالسلطة والثروة والنفوذ، على حساب مصلحة الوطن والمواطن.

2- غياب الشعور بالمواطنة:

إن تقسيمات البيئة الاجتماعية والتعدد الذي يتسم به المجتمع العراقي نقلت الولاء من الدولة إلى الولاءات الفرعية بحسب الإنتماء العرقي أو الطائفي أو المناطقي، ومن ثم تجاهلت المفهوم الوطني العراقي، الأمر الذي أضعف الشعور بالهوية العراقية وبالمواطنة العراقية، ولعل ما عمق من هذه الحالة هو فشل الخطاب السياسي العراقي بعد عام 2003 في إيجاد روابط مشتركة تعيد اللحمة الوطنية وتدفع بالمواطنة إلى الأمام، بل على العكس نراه عمق من الأزمة لأنه لم يستند إلى خطاب جامع واحد يصهر كل خصوصيات المجتمع العراقي وانتماءاتهم تحت الهوية الوطنية العراقية.

فالواقع يؤشر على أن هناك من روج للهوية الإسلامية كما هو حال الأحزاب الدينية، وهناك من روج لمفهوم الأمة العراقية، وهناك من روج للعلمانية، وهناك من روج للهوية العربية وآخرون يتمسكون بالهوية الكُردية، ومن ثم أسهم هذا الارتباك والتخبط في الخطاب السياسي لمعظم القوى والتيارات السياسية بجعل المواطن العراقي لا يشعر بهويته الوطنية ومواطنته لأنه يراها أما عينيه ضعيفة بفعل سيادة الولاء الحزبي الفئوي على الولاء الوطني.

ولا شك فإن هذا الواقع الاجتماعي العراقي قد سُيس في بعض جوانبه ولم يعد يأخذ بعداً خالصاً متعلقاً بكون الاختلاف مدعاة لقوة الدولة بقدر ما أصبح الاختلاف أحد عوامل عدم الاستقرار المجتمعي، وأن هذه الأسباب تلاقت مع العوامل السياسية والاقتصادية وكونت سلسلة من القهر والحرمان جعلت المواطن العراقي يلتف حول تقسيماته الطائفية والعشائرية والقومية، الأمر الذي خلق حالة من عدم الاستقرار وإضعاف مرتكزات بناء الدولة العراقية.

3- التكوينات القبلية والعشائرية:

إن أحد أهم الإشكالات الاجتماعية المؤثرة في بناء الدولة في العراق هو تنامي دور العشائر، مما يؤثر في عملية التطور السياسي والديمقراطي إذا لم يوظف بشكله الصحيح، فضلاً عن تأثيره في البناء الحقيقي للمجتمع المتحضر إذ أنها تستقطب الولاءات الأعلى لقطاعات من المواطنين مما يؤثر سلباً على الولاء للدولة ذاتها سيما بعد التشويه الذي أصاب مفهوم الدولة من ناحية التفكك البنيوي لأجهزتها ومؤسساتها، كما أن تمدد نفوذها في داخل الأحزاب السياسية نفسها سوف يضعف قدرتها على استقطاب المواطنين استناداً إلى أطر فكرية وبرامج سياسية وطنية عابرة للحدود العرقية والطائفية والدينية، كما أنه يلغي بتأثيراته على العملية الانتخابية فتصبح في جانب منها محكومة بالتوازنات القبلية والعشائرية.

4- غياب الترابط الاجتماعي:

نظراً للشرخ الكبير الذي تعرض له المجتمع العراقي بسبب تغليب العلاقات الطائفية والقومية والقبلية والفئوية في مختلف المجالات، ومن ثم توصل المواطن العراقي إلى قناعة أن الدولة منسلخة تماماً عن المجتمع ولا تعبر إلا عن مصالح فئوية ضيقة، فضلاً عن إضطراب القيم الأسرية في التنشئة من خلال التأثير السلبي للعولمة والفضائيات، مما يؤدي إلى إضعاف البناء الأخلاقي للأسرة العراقية وهو ما يدفع نحو إنتشار ممارسات سلبية وخاطئة كالفساد والسرقة والرشوة وغيرها، لها تداعياتها السلبية على استقرار المجتمع والدولة بمؤسساتها المختلفة.

5- فقدان ثقة الأفراد بالدولة ومؤسساتها الإدارية والوظيفية:

مما يعني أساساً زعزعة ثقة الفرد العراقي بمجتمعه ككل وتغيير نظرته له، ومن ثم التشكيك بمدى قدرة الدولة على تحقيق تطلعاته وأهدافه في الحياة، ولعل ما عمق من أزمة عدم الثقة تلك هو طبيعة الأزمات المجتمعية التي يعيشها المواطن العراقي والتي انعكست بشكل جذري على حياته اليومية وأصبغتها بسماتها السلبية، وقد ساهمت تلك الأزمات في إعاقة تطور الفرد العراقي وحددت الفرص أمامه نحو تقدمه ونموه وحولته في بعض الأحيان إلى شخص غريب في وطنه وفاقداً لأبسط أساسيات العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة والحقوق.

فالسياسات الاقتصادية الفاشلة وعدم القدرة على التوظيف والتشغيل وعدم القابلية على الاستجابة لمطالب المواطنين، بالتأكيد سيدفع نحو المزيد من عدم الثقة والخروج والتظاهر أو اللجوء إلى أعمال العنف أو الشغب ضد النظام السياسي، وقد يصيبه بالإحباط ويؤدي ذلك إلى كراهية المجتمع، ومن ثم الانحراف في سلوكه والانضمام للجماعات الإرهابية، ومن ثم يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي اللذان يدفعان بدورهما إلى عدم الاستقرار الاجتماعي ومن ثم الحيلولة دون بناء أسس ومرتكزات الدولة العراقية وتهديد كيانها ككل.

6- غياب الاستقرار الاجتماعي:

أحد أهم ركائز بناء الدولة، إذ يشير إلى حالة الهدوء والسكينة التي تنتاب المجتمع وتجعله قادراً على تحقيق طموحاته وأهدافه نتيجة للحالة السلمية التي يمر بها بفضل التوازن الاجتماعي بين القوى والأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية والدينية في المجتمع، ولا شك فأن الاستقرار الاجتماعي في المجتمع لا يمكن أن يتحقق بصورته الكاملة من غير سيادة روح التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وعادة ما يعبر عن درجة التماسك الاجتماعي من خلال درجة الترابط بين فئات المجتمع، إذ أن قوة الجذب والترابط تجعل من أعضاء المجتمع في حالة من التفاعل الذي يؤدي إلى سلسلة من العلاقات الاجتماعية التي تدعم المجتمع وتحافظ على تماسكه ومن ثم تساهم في بناء ركن مهم من أركان الدولة وهو التلاحم والاندماج الاجتماعي. وهناك عدد من الأزمات والمعوقات التي أسهمت في تكريس حالة عدم الاستقرار الاجتماعي في المجتمع العراقي، لعل أهمها:

أ‌- أزمة الهوية:

تعد أزمة الهوية عاملاً حاسماً في عملية بناء الدولة واستقرارها لا سيما في المجتمعات التي تتكون من جماعات عرقية أو دينية أو ثقافية، والعراق كأحد هذه الدول لم يصل إلى مستوى دمج هذه الانتماءات الفرعية من أجل الوصول إلى هوية مشتركة وعامة تأخذ مصالح هذه الجماعات بانتماءاتها الثقافية والعرقية والدينية، علماً أن هذا الدمج لا يعني إزالة أو تهميش الانتماءات الفرعية بقدر ما يعني عدم التعارض بين الهويات الفرعية والهوية الوطنية الشاملة للجميع.

ب‌- أزمة التغلغل:

وتتمثل في ضعف الدولة العراقية في إرساء دور مؤسساتها الإدارية والوظيفية لتقديم خدماتها إلى أفراد المجتمع، وعدم القيام بإصلاحات وإنجازات عبر تلك المؤسسات في سبيل تحقيق واقع اجتماعي أفضل عبر تقديم الخدمات العامة والاهتمام بشؤون المواطن وتأمين الرعاية الكاملة له، وتوفير متطلباته الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع. إذ أن من شأن تحقيق ذلك أن يؤدي إلى إيجاد نوع من التضامن والتماسك بين أفراد المجتمع، ويشعر المواطنين بأن الدولة تعمل لصالحهم وتشعر بحاجاتهم الأساسية مما يولد علاقة إيجابية بين الفرد والدولة، ومن ثم بناء أهم أركان الدولة وهو الإنسان كونه العامل المؤثر في تحديد طبيعة أو مسار الإمكانيات التي يمثلها صانع القرار السياسي، والتي تعطيه مصدر قوة أكبر سواء كان ذلك في تطبيق سياسته الداخلية أو الخارجية.

ولا شك فأن الواقع العراقي يؤشر حالة من التراجع في العلاقة بين الفرد والدولة، ولا يمتلك مؤسسات ذات طبيعة تركيبية ووظيفية مرنة ومنسجمة قادرة على تقديم خدمات تلبي حاجات اجتماعية وإنسانية عامة، بل نجد أغلب المدن تأخذ أبعاد طبقية خصوصية في عملية تأهيلها، إذ تتمتع بعضها بخدمات عالية الجودة من حيث التصميم والإنارة وخدمات الطرق والأسواق، فيما نجد هناك العديد من المناطق تشكو البؤس والإهمال ولا تتوفر فيها أبسط أنواع الخدمات من طرق ومياه الصرف الصحي وغيرها، إلى جانب إنتشار العشوائيات والبيوت القديمة مما ينعكس سلباً على حياة المواطنين الذين يعبرون عن ذلك بتحدي الدولة بالقيام بالتظاهرات والعصيان وتحدي النظام العام، وهو ما ينعكس سلباً على الاستقرار الاجتماعي وتعريض كيان الدولة إلى الخطر، فضلاً عن أن هذه الهشاشة في الجوانب الاجتماعية ساهمت في ظهور مجتمع مهزوز اجتماعياً غير آمن وغير مستقر نفسياً واجتماعياً، مما يجعله أمام حالة أشبه بالفوضى وتأثر قيمه وبنيته الاجتماعية بمختلف أشكالها إلى الضعف والتفكك.

ج- أزمة التوزيع:

وتتمثل في عدم قدرة السلطة السياسية على خلق قناعة لدى الفرد العراقي بأن الثروات الوطنية بجميع أشكالها لا تعود لفئة أو جزء من المجتمع وإنما تعود لجميع أفراد المجتمع، وهو ما يتجسد في عدم تحقيق الاستقرار بالقدرة التوزيعية أي القدرة على توزيع الموارد (السلع والخدمات والوظائف) على الأفراد والجماعات بشكل يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية بصورة متساوية، وهنا نجد أن علاقة الأزمة التوزيعية بالاستقرار الاجتماعي تأتي من خلال قيام الدولة في القضاء على التفاوت الطبقي وتحقيق العدالة التوزيعية للثروات بين أفراد المجتمع، إذ أن عدم تحقيق ذلك من شأنه أن يترتب عليه آثار نفسية واجتماعية وتبرز من خلالها صراعات طبقية من شأنها أن تهدد عملية الاستقرار في المجتمع، ومن ثم تضعف إمكانات الدولة في بناء ذاتها، وهذا يتجسد من خلال عدد من المظاهر منها:

– ضعف الاندماج ما بين الفئات الاجتماعية التي يضمها المجتمع من خلال هيمنة بعض الفئات التي تستأثر بالقوة الاقتصادية أو النفوذ السياسي مما يؤدي إلى سطوتها على فئات اجتماعية أخرى، مما يؤدي إلى نوع من أنواع الصراع الطبقي الذي ينعكس على استقرار الدولة.

– إنهيار النظم والقيم والقوانين الاجتماعية واضطراب الترتيب الاجتماعي وحدوث التغيير غير المستقر والذي يحدد المكانة الاجتماعية التي يحتلها الفرد على أسس اقتصادية أو قرابية أو طائفية لا علاقة لها بشرط الكفاءة أو الجهد المبذول مما يبرز حالة من التمايز بين أفراد المجتمع تؤدي إلى الصراعات وتهدد عملية التماسك الاجتماعي والولاء الوطني وتعرض الاستقرار بصورة عامة إلى التصدع والتمزق.

– ضعف عملية الإبداع الذاتي والحافز للعمل والمسؤولية بين أفراد المجتمع من خلال مساواة الإنسان المبدع مع غيره الذي لا يمتلك الموهبة والإبداع سواء في المكانة الاجتماعية أو الأجور أو الدخل، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى عدم اندفاع الفرد الذاتي للعمل والتضحية في سبيل وطنه، فضلاً عن هجرة الكفاءات العلمية إلى خارج الوطن مما يضيع على المجتمع جهود علمية ووطنية.

إن طبيعة الظروف والتحديات التي تواجه الدولة العراقية تتطلب من المؤسسة السياسية ضرورة إجراء دراسة علمية واقعية وموضوعية للظروف والإشكالات الاجتماعية التي ساهمت في تفشي تلك الظواهر السلبية والطارئة على مجتمعنا والتعرف على أسبابها وسبل مواجهتها والآليات الناجعة للقضاء عليها في المجتمع، بهدف إعادة بناء النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية وإشاعة مبدأ التعايش السلمي بين الأفراد، من خلال التأكيد على سيادة قيم الاعتدال والوسطية كونها لغة العصر التي يجب أن تسود، وتغليب مفهوم الحوار والتسامح والتقارب في العلاقات واحترام الرأي والرأي الآخر، والإبتعاد عن الخطابات الطائفية المجزئة للنسيج الاجتماعي، فضلاً عن تشكيل هوية وطنية موحدة تضم كافة أفراد المجتمع العراقي، والعمل على محاربة التشتت في الولاءات أو الولاء للهويات الفرعية تحقيقاً لوحدة المجتمع والعمل على صيانة استقراره، وهو الأساس في بناء الدولة في العراق على أسس حضارية وإنسانية.

وللإبحار أكثر في تفاصيل هذا الموضوع كان لابد من مناقشة السؤالين التاليين:

السؤال الأول/ ما أهم الإشكالات أو الممارسات الاجتماعية التي تقف بالضد من بناء دولة حقيقية في العراق؟

التغيير السياسي لم يصاحبه تغيير اجتماعي

– الدكتور حسين السرحان رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية قال: “إن غياب الشعور بالمواطنة ليس ذنب المواطن، بل هو مسؤولية النظام السياسي ومسؤولية أولئك القائمين على بناء هذا النظام، بعد (2003)، التغيير السياسي الذي حصل في العراق لم يصاحبه تغيير اجتماعي، يكون موازي لعملية بناء الدولة وبناء النظام السياسي، لذلك التغيير الاجتماعي كانت تتجاذبه الكثير من التيارات والهويات والانتماءات، وأصبحت هناك أمواج عاتية من السلوكيات الاجتماعية التي لا تصب في مصلحة بناء الدولة، بالإضافة إلى ذلك ما عمق هذا المشروع هو غياب المشروع السياسي وغياب المشروع الوطني لبناء الدولة، هذا مما عمق من هوة التغيير الاجتماعي وجعله منحاز بشكل كبير للجانب السلبي، خصوصا وأن المجتمع العراقي كان ينظر للمشروع السياسي على أنه نمط مغاير لحالة النظام السياسي ما قبل (2003)، فعلى هذا الأساس كان يصبو للتغيير على أنه أمر واقع وفي كافة الاتجاهات، لكن فوجئ بغياب المشروع السياسي الذي انعكس بشكل كبير على حياته الخاصة، بفعل القوى السياسية التي جاءت للعراق ما بعد هذا التاريخ، وهي دائما ما تلعب على وتر الانقسامات الاجتماعية داخل المجتمع، بالتالي عززت من إنعدام الثقة بين المكونات العراقية، التي كانت موجودة أصلا في داخل المجتمع العراقي، لذلك نحن أمام إشكالية كبيرة وهذه الإشكالية مركبة اجتماعية سياسية.

السياسيات جعلت من الفرد العراقي سلبيا

– الدكتور علاء الحسيني التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء والباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات قال: هناك تحفظ شديد حول الهويات الفرعية التي هي ليست عائق، بل ربما هي مصدر قوة لكل الشعوب، وأقرب مثال على ذلك الهند التي تتحدث بقرابة (600) لغة، لكن ذلك لم يكون عائقا بل الهند تمتلك اقتصاد جيد وتعيش حالة من السلم والوئام، الصين كذلك والولايات المتحدة الامريكية وغيرها، لكن يبقى العائق الأهم والأكبر هو ثقافة الفرد العراقي، تلك الثقافة متأصلة بحالة الجور التي مارستها الأنظمة المتعاقبة على العراق.

نتيجة هذا السياسيات جعلت من الفرد العراقي سلبي في تفكيره وسلبي في نظرته للمستقبل متشائم، لذلك أداة التغيير الرئيسية في العراق هي الديمقراطية والانتخابات وهي مرتبطة بالمواطن بشكل أساس، أما ما يخص القوانين فليس له دور كبير في تعميق بناء الدولة أو عدم تعميقها، بقدر ما ننظر للقابض على السلطة الذي كان عبارة عن نظام دكتاتوري ونعني هنا ما قبل (2003)، كانت هناك مؤسسات أمنية كامل لأنها تمثل الأداة الأبرز للبقاء في السلطة، وما عدا ذلك بقت مؤسسات متخلفة خصوصا وأن مجلس النواب هو مجلس صوري، والقضاء العراقي مرتبط بوزارة العدل ومسير من قبل الحكومة، فالقوانين الموجودة في النظام السابق هي ذاتها التي تؤسس لمؤسساتنا الآن، لذلك نحن نعاني من أزمة متجذرة فالإنسان العراقي هو إنسان سلبي، فنحتاج لتغيير هذه الثقافة التي دائما ما تنتج لنا أناس سلبيين.

العنف والاستبداد مسيطران على جوهر القيم الاجتماعية

– -إن معضلة التغيير السياسي لامست المظهر ولم تلامس الجوهر، بالتالي تم استيراد كل القيم السلبية التي كانت معتمدة في السابق ووضعها في إطار جديد يحمل عنوان الديمقراطية، والدليل على ذلك، إن بعض القوى السياسية حاولت تكريس تلك القيم من أجل تعزيز حالة الإنقسام الداخلي.

النقطة الأخرى هي عدم وجود التحول القيمي، فغاندي على سبيل المثال: عندما جاء للهند، كان لا يهدف فقط إلى تحرير الهند وإسقاط النظام البريطاني، بل سعى إلى تحرير المواطن الهندي من براثن العبودية والقابلية على الاستعمار، لذلك أول خطوة أقدم عليها غاندي هي التجول في كل أنحاء الهند والركوب في قطار الدرجة الثالثة ولمدة ستة أشهر، وعمل على تعزيز فكرة اللاعنف، لذلك البعض يصنف الهند على أنها القوة الاقتصادية الأولى في المستقبل، بسبب إرساء أسس اللاعنف.

في العراق اليوم نعيش البدائية الغرائزية، وهذه البدائية تكرس الفئوية المتصارعة، لذلك نجد المجتمع معبئ ببعض الأمور السلبية من مثل: (العنف، الاستبداد، التصادم)، وهذا خلاف سلوك المجتمعات الواعية والناضجة التي تقوم على التفاوض وعلى الحلول الدبلوماسية، فالعنف والاستبداد مسيطر على جوهر القيم الاجتماعية وهذا مانع أساسي من قيام الدولة، فعلى هذا الأساس الشباب اليوم دائما ما ينحازون نحو الدكتاتورية ويرفضون الديمقراطية، لأن المجتمع متشبع بالاستبداد وبالعنف.

كذلك لا يمكن أن نتجاهل فشل الطبقة الوسطى والانغماس في الذات والمادية، وفشل النخب الثقافية وعلى كافة المستويات، حيث عجزت عن تصدير قيم العقد الاجتماعي والتوافق والإنسجام الاجتماعي، بل على العكس هي كرست منظومة القيم السلبية من خلال اليأس والسلبية وجلد الذات وعدم الإيمان بالمستقبل وعدم الإيمان والعمل لبناء الدولة، بل تلك النخب ومن خلال ما تحمله من خطاب سلبي كرست الفئوية والتنازع والصدام، وابتعدت عن بناء الخلاف الممدوح.

الديمقراطية جزء من نفايات المحتل

– -إن أصل النجاح هو وجود الدولة الحديثة الديمقراطية، وهنا لابد أن نؤكد أيضا على أن ركيزة هذه الدولة هو المواطن الفعال والإيجابي والمبادر، فالمواطن الصالح لا قيمة له في بناء الدولة، بل القيمة الحقيقية هي للمواطن الفعال والإيجابي، هذا المواطن كي يكون موجود يحتاج لرابطة المواطنة، وهنا المواطنة لها أكثر من فهم، فالبعض يتصور المواطنة هي اشتقاق من الوطنية، وهذا الفهم خاطئ، لذلك يطالب المواطن دائما في ظل رابطة الوطنية أن يقدم الولاء والانتماء لدولته، بصرف النظر عن الظروف التي يعيش فيها هذا المواطن، لكن الفهم الآخر وهو الفهم الصحيح، كون الدولة ظهرت نتيجة لتطور عالم الغرب فالمواطنة هي رابطة قانونية تربط المواطن بالدولة التي يعيش فيها، فمن يحمل جنسية الدولة تصبح له حقوق وعليه واجبات، فالدولة تستطيع أن تبنى بشكل صحيح، بالتالي يستجد لدينا سؤال لماذا فشلت الدولة؟، ولماذا فشلت رابطة المواطنة لدينا؟، ايضا لماذا فشلنا في إدارة التنوع بشكل صحيح؟.

هنا ثلاثة عوامل رئيسية ترتبط بهذا الموضوع وهي ذات بعد اجتماعي، العامل الأول: غياب التقاليد الديمقراطية، فنحن حتى في طريقة تولي الخلافة لم تكون ديمقراطية، وكانت طريقة استبدادية، وأن طريقة اختيار الدولة وبناء الدولة تاريخيا لم يكون وفق أجواء ديمقراطية، واستمر على ما هو عليه حتى جاء زمن الاحتلالات وإلى هذه اللحظة، حيث نجد التقاليد الديمقراطية غائبة حتى في الاسرة، لذلك يحتاج منا العمل بشكل جدي في علم الاجتماع.

العامل الثاني: غياب الالتزام الأخلاقي لدى النخب وبكافة اشكالها سواء كانت (ثقافية، اقتصادية، أكاديمية، دينية)، طبعا لكل قاعدة استثناء ولكن غالبية تلك النخب تفتقد للالتزام الأخلاقي، ولذلك كان خطابها دائما خطاب معادي للدولة ولا يريد بناء الدولة، خصوصا وأن هذه النخب جعلت من مصالحها أسلوب للتخادم فيما بينها، وهي لا تريد أن تتخلى عن هذا التخادم، فنلاحظ على سبيل المثال بعض النخب

الثقافية دخلت في الأحزاب السياسية من أجل أن تحصل على السلطة. أما العامل الثالث هو أن الكل ينظر للديمقراطية هي خيار اجنبي وهي جزء من نفايات المحتل.

غالبية من حكم العراق هم ليسوا عراقيين

– -إن مشكلة العراق الأساسية أنه واقع ضمن جغرافيا الصراع الدولي، والشيء الآخر الحكومات بأجمعها منذ ألف عام لم تزرع حب الوطن في نفس المواطن العراقي، لكن المواطن العراقي أثبت بفترات زمنية متباعدة أنه يحب هذه الأرض ويضحي من أجلها، والدليل على ذلك: وقوف مناطق وسط وجنوب العراق بوجه الدولة العثمانية قبل ثورة العشرين بسنتين، بالإضافة إلى ذلك أن غالبية من حكم العراق هم ليسوا عراقيين، وزيادة على ذلك لقد تم زرع فكرة خاطئة جدا بأن المواطن العراقي لابد أن يكون شمعة تحترق من أجل الوطن، وهذه إشكالية بحد ذاتها فهل غاية الأوطان صيانة الرقعة الجغرافية أم كرامة الإنسان، فالأصل على ما أتصور هو الشعب وليس الدولة، لذا لابد على الدولة أن تكون في خدمة المواطن وفي خدمة الشعب وليس العكس، عندها سيكون الشعب المدافع الحقيقي عن حياض الدولة، ولن يفكر ببدائل أخرى يحتمي بها كالعشيرة والطائفية والقومية، وهذا ما سعى إليه أبناء الوسط والجنوب أثناء تلبيتهم لنداء المرجعية، أما بالنسبة لأسباب تدهور الدولة ما بعد (2003) هو وجود ذات الأنظمة القانونية التي كانت تحكم العراق في السابق، وأن غالبية الذي حكموا العراق لديهم بدائل عن هذه الأرض، وإلا كيف تفسر بقاء عوائل المسؤولين في بلاد المهجر.

قانون العشيرة أقوى من قانون الدولة

– – إننا بعد (2003) فككنا الدولة وحاولنا تجميع دولة مصلحية، بالتالي أجتمع كلا من السنة والشيعة والأكراد لتكوين دويلة الطوائف والهويات والمصالح قبل مصلحة الوطن، فعلى هذا الأساس تم رسم الخطوط العريضة للدستور العراقي، وبالتالي تم نسف جميع مؤسسات الدولة، لذلك نحن اليوم لا نملك رؤية كاملة لبناء الدولة، هذا مما جعل قانون العشيرة أقوى من قانون الدولة، لذا المهمة الأساسية التي لابد أن نسعى إلى تحقيقها هي كيفية تفعيل القانون.

ثقة المواطن بالدولة مهتزة

– – إن ثقة المواطن بالدولة مهتزة فلابد أن نعيد أواصر تلك العلاقة إلى نهجها السليم.

الإعلام له دور سلبي في تعزيز الإشكاليات الاجتماعية

– – ان أساس نجاح المجتمع يعتمد على تطبيق القيم الاجتماعية، الجانب الإعلامي كان له دور سلبي في تعزيز الاشكاليات الاجتماعية، وهذه الاشكاليات متوارثة ما قبل تغيير النظام السياسي وإلى الآن، فالإعلام كان إعلام حزبيا وغير مستقل فأنتج لنا صور نمطية سلبية في داخل المجتمع العراقي، ومن جانب آخر عمل الإعلام على التسميم السياسي، فجعل المواطن مغترب في وطنه من خلال فقدان الثقة في بناء الوطن.

إشكالية داعش هي الأخرى أوضحت مدى الإشكاليات الاجتماعية التي تعترض طريق المجتمع العراقي، لذلك فأن حل الإشكالات الاجتماعية هي العمود الفقري في بناء الدولة.

الطبقية تشكل عائقا اجتماعيا

– – إن الإشكالات الاجتماعية تتركز في ثلاثة محاور وهي: (الاقتصاد، الحرية، فاعلية القانون)، أما بالنسبة للاقتصاد فيقول أمير المؤمنين عليه السلام (إِنَّ النَّفْسَ إِذَا أَحْرَزَتْ قُوتَهَا اطْمَأَنَّتْ)، خصوصا وأن غالبية طبقات المجتمع العراقي قلقة على مستقبلها وحاضرها، وهذا يعود لعدم وضوح الرؤية الاقتصادية في البلد، وقضية الطبقية تشكل عائق اجتماعي خصوصا على مستوى الطبقة السياسية وبقية شرائح المجتمع العراقي، كذلك فإن الإنسان العراقي لا يشعر بأنه حر في كل مفاصل الحياة خصوصا على المستوى المالي والاقتصادي، وموضوعة الفاعلية القانونية هي نسبية من شخص لآخر، بالتالي هذه الإشكاليات الاجتماعية تحفز لدينا الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية.

بناء الدولة يأتي من خلال الإيمان بها

– – إن بناء الدولة لا يأتي إلا من خلال الإيمان بها أولا، ومن ثم تكريس هذا الإيمان على تشريع الأنظمة والقوانين بعقلية المؤمن ببناء الدولة، وهذا البناء يتشكل من خلال بناء المجتمع وبناء الأسرة وأخيرا بناء الذات الفردية، فمن لا يستطيع بناء ذاته وأسرته، لن يستطيع بناء المجتمع وبناء الدولة، لذلك نحن فعلا نعيش أزمة أخلاقية، وهذا ينعكس على جميع مفاصل الواقع الاجتماعي والأسري والوطني.

العقبة الرئيسية في بناء الدولة ثقافة العبودية

– – أن العقبة الرئيسية في بناء الدولة هي ثقافة العبودية سياسيا والاتكالية اقتصاديا، وهذا يأتي من خلال استمرار النظام الدكتاتوري والاشتراكي أديا إلى توليد هاتين الثقافتين وترسيخهما فأصبحا عقبة أمام بناء الدولة، خصوصا في ظل نظام ديمقراطي قائم على مصدر السلطة وهو الشعب.

من جانب آخر، خطأ عملية التحول آليا والتي حصلت في العام (2003)، حيث كان هناك تحول اقتصادي وسياسي دفعة واحدة، أما التناغم فهو التحول الاجتماعي الذي لم يرافق هذين التحولين السياسي والاقتصادي، أما على الجانب الثالث يأتي غياب دور المؤسسات ما بعد (2003)، بالتالي وجود هذه العوامل هي التي أدت إلى نشوء العبودية والاتكالية.

من أخطر المشاكل هي مشكلة البطالة

– – إن أخطر ما يهدد بناء الدولة الهشة في العراق أو يعيق بناء الدولة هو مشاكل اقتصادية ثلاثة: المشكلة الأولى/ هي مشكلة البطالة، والمشكلة الثانية/ هي مشكلة الفقر، والمشكلة الثالثة/ هي مشكلة التفاوت الطبقي الحاد، فلا يوجد إدراك ومتابعة ورصد للعلاقة بين التزايد بين حجم السكان وقدرة الدولة على توفير فرص عمل.

هذا الأمر مغمور ولا يتم التركيز عليه، وذلك على اعتبار أن الدولة منشغلة بأمور أخرى كالمناصب وغيرها، ولا يوجد هنالك رؤية لبناء الدولة بشكل متكامل على الاقل من حيث معالجة المشاكل التي تهدد بناء الدولة والتي أبرزها البطالة، فإذا كانت نسبة النمو السكاني (3%) فهذا يعني أن الدولة مطالبة بتوفير (مليون أو مليونين) فرصة عمل، وهذا لا يعني بأننا نطالب الدولة باستيعاب الأيدي العاملة في مؤسساتها، لكن وللأسف الشديد جهود الحكومة كانت خجولة وسطحية جدا، في معالجة محركات توليد فرص العمل وهي القطاع الخاص.

والمشكلة الأبرز أن كل حكومة عندما تأتي تبدأ بمؤتمرات وندوات ومبادرات، لكن ما أن ينتهي عمر الحكومة وتأتي حكومة أخرى فسوف تنسف كل البرامج والخطط السابقة، وهذه مشكلة كبيرة تهدد الدولة العراقية، وهذا يأتي على خلفية أسباب عديدة، منها على سبيل المثال: عدم وجود تكامل وبناء حتى داخل الحزب الواحد، والسبب الآخر أن هذه الآلية تولد الكثير من المكاسب لهذه الأحزاب فلذلك هم مستمرين بها، والسبب الثالث جميع المسؤولين منشغلين في المكاسب التي سوف يحصلون عليها خلال الأربع سنوات.

لذلك من أخطر المشاكل الحالية التي ليس لها حل هي مشكلة البطالة، ناهيك عن الانفصام الموجود ما بين قطاع التعليم وما يخرجه من مخرجات وبين فرص العمل المتاحة، حاليا العراق قائم على الانفاق الحكومي ورواتب الموظفين، بالتالي هذا الأمر إذا لم يتم علاجه في أقرب وقت ممكن فهذه الدولة ستكون نهاياتها على يد هذه الطاقات التي لا تجد قوت يومها.

مشروع وطني يحول العشائر إلى نقطة دعم

– رغم توفر الإمكانات الاقتصادية والموارد البشرية ووجود الخطط والتشريعات اللازمة لبناء الدولة، إلا أن العراق ما زال يعاني من معوقات استكمال بناء الدولة، ولعل من أهم المعوقات هو ما يتمثل في الجانب الاجتماعي، لاسيما في تطبيق القانون والحفاظ على الهوية الوطنية، التي ذابت مع الأسف في الإنتماءات الفئوية وأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا للسلم الأهلي، من خلال الصدامات المسلحة بين بعض العشائر هذا أولا، وثانيا هي تمتلك الأسلحة بكافة صنوفها حتى الثقيلة منها، ناهيك عن تحديها المستمر لهيبة الدولة من خلال التهديدات العلنية التي تصدر من هنا وهناك لمصالح شخصية، فإذا كانت الدولة تحاول أن تفرض هيبتها وتفرض سلطة القانون من خلال قرارات قضائية، وذلك للحد من قوة العشيرة وتأثيرها السلبي على الواقع الاجتماعي، وذلك بإعتبار بعض الممارسات من قبيل ما يسمى (الدكة العشائرية) و (النهوة العشائرية)، هي تقع ضمن قانون الارهاب وقرارات مماثلة غير شرعية.

إن ذلك غير مجدي ما لم يتبعه مشروع وطني يحتوي العشائر العراقية كافة، ضمن إطار مؤسسي لكي يحول العشيرة من نقطة ضعف في كيان الدولة إلى قوة جذب وتقدم، من خلال القدرة على تدعيم الأمن في مناطقها والتعاون المثمر في كافة الوزارات.

الاهتمام بثقافة الحقوق والواجبات

– إن أبعاد سلطة الدين والعشيرة لا يعني بذلك النظام العلماني أو الإلحادي، وإنما نظام مدني يخضع في آداء المهام وبناء المؤسسات وتشريع القوانين، ثانيا تفعيل إطار الإحساس بالمصلحة العامة من قبل المواطنين، ثالثا الإهتمام بثقافة الحقوق والواجبات أي بمعنى أن المواطن لا يسأل عن حقه فقط، بل لابد أن يلتزم بواجباته وهذه مشكلة، رابعا تحديد خصيصة ثقافة المساءلة العامة التي تعتمد على مدى إطلاع المواطنين على المعلومات، وكفالة وصولهم إليها ومسائلتهم للقادة بغض النظر عن مكانتهم الشعبية.

السؤال الثاني/ كيف يمكن استيعاب واحتواء تلك الإشكالات وجعلها ضمن قوة بناء الدولة؟

– *** إننا بحاجة لإعادة نظر في التشريعات العراقية التي تقادمت معها مؤسسات الدولة العراقية، وأصبحت معرقل لقيام هذه المؤسسات بدورها الدستوري في بناء الدولة، كذلك إعادة النظر بالكثير من القوانين الأخرى والتي تعتبر مساعدة على تشكيل كيانات الدولة، من مثل إعادة النظر بقانون الأحزاب (36) لسنة (2015)، ونمنع إقامة الأحزاب على أسس دينية أو طائفية أو فئوية أو حزبية، وإنما تكون هذه الأحزاب وطنية صرفه همها العراق، وأن تكون تلك الأحزاب عابرة لكل تلك العناوين، لأن هذه العناوين هي للفرد وليس للمؤسسات، ومن جانب آخر، نحتاج لتفعيل دور المواطن العراقي وزيادة الوعي لديه ورفع مكانته وتأثيره وتكوين المؤسسات، من خلال انتخابات حره ونزيهة قادرة على إفراز خيارات حقيقية للمواطن العراقي.

– ***كل تلك النزاعات الاجتماعية هو في واقع الأمر هو عنف اجتماعي تصفيري، وهو لا يقوم على ثقافة التفاهم والدبلوماسية والحوار الاجتماعي، لذلك نحتاج إلى تحويل العنف الاجتماعي إلى اللاعنف الاجتماعي لخلق حالة الوئام والانسجام والتعايش واحترام التعددية، ايضا هناك نقطة جوهرية مهمة وهي بناء الثقة، الثقة هي أساس التماسك الاجتماعي الجيد والقوي، أي مجتمع تغيب عنه الثقة يسيطر عليه الخوف والانتهازية والنفاق والرشوة والفساد الأخلاقي، لذلك لابد من تقديم المبادئ على المصالح، بالتالي المجتمعات المتقدمة قدمت المبادئ على المصالح.

– ***إن العلاج في ثلاثة أشياء: الشيء الأول هو قيادة حازمة رشيدة لديها رؤية استراتيجية لبناء الدولة، وايضا لديها القدرة على تطبيق هذه الرؤية، الجانب الثاني هو سلطة إنفاذ القانون فيجب أن تكون لهذه القيادة القدرة على سلطة انفاذ القانون، بالتالي بدون وجود سلطة إنفاذ القانون لا وجود لأي دولة حديثة، الجانب الثالث هو وجود مؤسسات قوية لاسيما تلك المؤسسات التي تقوم بالمحاسبة والإشراف والمراقبة، فبدون هذه الاشياء الثلاثة لا يمكن أن تبنى الدولة، وسوف يستمر وجود الخلل داخل البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدولة.

– ***إن عملية الإصلاح لابد أن تبدأ من الفرد، كذلك يجب على الدولة أن تغير الفكر القديم القائم على فكرة أن الجميع لابد أن يذوب في هذا الكيان أي كيان الدولة، لذا علينا أن نقدس الشعوب وأن نجعل من تلك الشعوب سعيدة حتى نعيد الثقة ما بين الشعب والدولة، ايضا نحن دائما ما نكون أسرى لفكرة الاستنساخ الثقافي القادم من الشرق أو الغرب، ايضا على الإنسان العراقي أن يؤمن بقدراته وإمكانيته الذاتية حتى نصل للنتيجة المرجوة.

– ***إن الإشكال الحقيقي يقف على عتبة عدم تنفيذ القانون، بالتالي نحن مطالبين اليوم إلى مغادرة نصف التراث والموروث العشائري غير المشذب حتى نرتقي بالأمة العراقية إلى مصاف الأمم المحترمة.

– ***يحمل الجميع مسؤولية الشعور بالمسؤولية وأن يكون الضمير حي والمبدئية عالية جدا، عندها قطعا سنصل إلى النتائج المرجوة في بناء الأمة.

– *** ضرورة وضع دراسة اجتماعية من قبل متخصصين بالجانب الاجتماعي، حتى تنضج الآليات التحليلية والميدانية للمشكلة، ايضا لابد من توظيف الإعلام في حل الإشكاليات الاجتماعية، خصوصا في مجال التوعية الاجتماعية وتحويل السلوكيات الإيجابية كالكرم وغيرها إلى سلوكيات راسخة، ايضا المجتمع العراقي لا يستطيع مواجهة الحرب الدعائية والنفسية، وهذا من واجب الإعلام.

– أن الحل يكمن في نقطتين وهما: الصدق والأمانة سواء كانت من المجتمع أم من القادة.

– الدعوة إلى العمل بجد وجدية من أجل انتشال المجتمع العراقي من حالة السبات التي يعاني منها، وذلك من خلال ترسيخ الثقافة والمعرفة في المجتمع، كذلك لابد من زرع الأمل في نفوس المواطنين والخروج من دائرة الاتكال على الأمور الغيبية.

– الدعوة لمغادرة الاقتصاد الاشتراكي وسيطرة الدولة، ايضا لابد من بناء المناخ الاستثماري كي يأخذ القطاع الخاص دوره، بالنتيجة نجرد المسؤول من الامتيازات التي يغدقها على المواطن، بالتالي سيكون صوت المواطن مدويا بالانتخابات وبعيدا عن التأثيرات الجانبية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات