عندما وصل المقبور خميني إلى طهران عام( 1979 )لم يحل الجيش الإيراني ولا مؤسسات الدولة ولم يشكل هيئة “اجتثاث أتباع الشاه “، لمتطلبات مشروعه الخارجي، استهداف العراق أولا ودول المنطقة من خلاله ثانيا . قامت الميلشيات التي تشكلت على يد الحرس الثوري في مقدمتها (منظمة بدر ،المجلس الإسلامي الأعلى ، حزب الدعوة) وأخرى سرعان ما تكاثرت مثل الفطر السام ، ونفذت تلك الميليشيات بعد ( 2003 ) سلسلة من الأعمال الإرهابية ضد العراق وشعبه من ( قتل الكفاءات العلمية ،ضباط الجيش العراقي الباسل ،منتسبي المؤسسات الأمنية الوطنية ، تدمير البنى التحتية ، حرق البساتين والمزارع ، قتل الأبرياء على أساس طائفي ،التغييب القسري، تهجير اكثر من (5) ملايين مواطن ، تهديم أركان الدولة ،انعدام القضاء ، نشر الرذيلة والفساد والمخدرات ، تكريس التخلف والصنمية ، خرق النسيج الاجتماعي العراقي ، توفير بيئة سقوط ثلث العراق بيد تنظيم داعش الإرهابي وما نتج عنه من نزوح ودمار كامل خدمة للمشروع الإيراني لتأمين طرق الحرير وصولاً إلى سوريا ، مقتل النشطاء والمتظاهرين الرافضين للنفوذ الإيراني ، مصادرة القرار الوطني للدولة)، وبمشورة إيرانية قامت تلك الفصائل الإرهابية بتأسيس أحزاب لدعم أعمالها القذرة سياسياً، وأسست هيئة مسلحة تنضوي تحتها لتنفيذ المشروع الإيراني الكوني انطلاقا من العراق ، وما زالت مستمرة في أعمالها الإرهابية دون محاسبة. وهي ذاتها التي دمرت ماضي وحاضر ومستقبل العراق تنفيذاً للأجندة الإيرانية بنسف تاريخ وتراث العراق وتجريده من معالمه التاريخية والحديثة.
أحزاب هذه الميليشيات التي تنضوي الأن تحت ما يسمى ” الإطار التنسيقي” اعتمدت على عمليات التزوير في كافة الانتخابات الماضية، وكان أبرزها انتخابات ( 2018) رغم ان نسبة المشاركة الشعبية فيها آنذاك لم تتجاوز 20% ، وبعد الثورة التشرينية البطلة ورفض الشعب العراقي لوجود هذه الأحزاب المعرقلة والطاردة للتقدم والنمو والاستقرار وتحسين الوضع المعاشي للمواطن العراقي واستمرارها في الكذب والنفاق ودعم كل ما هو باطل ، خسرت في انتخابات تشرين أول ( 2021 ) واعتمدت نفس ألية حزب الله اللبناني في الاعتصام عام ( 2006 ) عندما طالب بالثلث المعطل (الضامن) في الحكومة لتعطيل اي قرار لايتفق مع هواه ، وكذلك قوى حشد الأحزاب المعتصمين أمام أبواب المنطقة الخضراء الرافضة للنتائج الانتخابية تحت عنوان ( مزورة) ،دون أن تذهب هذه الأحزاب الفاقدة للشرعية لكونها مرفوضة شعبيا ان تدرس أسباب خسارتها .
الغاية من رفض ما يسمى ” الإطار التنسيقي” للنتائج الانتخابية ليس حرصا على العراق وشعبه، وهي متأكدة أن الشارع الشيعي رفضها لمواقفها الخيانية ضد العراق وأهله ، بل بحثا عن الكراسي ، وأخذت تطرح مبادرات طائفية في مقدمتها “إحياء البيت الشيعي” ليكون ممرا واحدا يسهل تنفيذ المشروع الإيراني ولإفشال مشروع التيار الصدري في تشكيل (حكومة أغلبية وطنية) .
رفض القوى الولائية للنتائج الانتخابية وصل إلى استهداف رمز الدولة في محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم( 7/11/2021) لجر البلاد للفوضى والقتال في الشوارع خدمة لمصالحهم ومصالح إيران، لمواصلة تدمير ما تبقى من العراق ، في حين اشاد مجلس الأمن الدولي وباقي المنظمات الأممية ومعظم دول العالم والإقليمية عدا إيران بالانتخابات الأخيرة باعتباره انتخابات نزيهة ونظيفة.
رغم الدعم الدولي في هذا الاتجاه ،ما زالت القوى الولائية تصعد من موقفها الرافض للنتائج الانتخابية للضغط على التيار الصدري نحو تشكيل (حكومة توافقية) ، لكي تعود بالعراق إلى المربع الأول ، من شرعنة الفساد ، وضعف السلطة التنفيذية، وجعل البرلمان ساحة لتمرير القوانين والتشريعات التي تخدم مصالحها وإيران ، عكس حكومة (الأغلبية) التي تكون فيها السلطة التنفيذية قوية رغم وضع عراقيل أمامها من قبل المعارضة( الولائية) في البرلمان.
أصبح إصرار الاحزاب وميليشياتها على المضي برفض الانتخابات والتشكيك فيها، وطلب إعادة العدّ والفرز اليدوي الشامل وإلغاء النتائج أمر شبه مستحيل، لأنها لاتنظر لمصلحة العراق، لذلك ليس أمام الإطار التنسيقي وميليشياته سوى الدخول في مفاوضات وتفاهمات مع التيار الصدري والقبول بحكومة (الأغلبية الوطنية) والابتعاد عن (الحكومة التوافقية) المرفوضة شعبيا ودوليا ، وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأي مسعى تجاه حكومة (توافقية) بمعنى النهاية الحتمية للعراق.
نأمل من التيار الصدري الصمود في وجه مبادرات (الحكيم ،العامري ،المالكي ،الخزعلي ،العبادي)، والإصرار على إنقاذ العراق من براثن فوهات البنادق والكواتم والتدمير، والسير باتجاه التقدم والاستقرار ، وتخليص العراق من ميليشيا الحشد الشعبي الذي اصبح وجوده كارثة حقيقية على مستقبل البلاد ، كما جاء في كلام الصدر بوقت سابق، وضبط السلاح بيد الدولة لايعني الذهاب الى سلاح المواطن البسيط للدفاع عن نفسه، بل حل الحشد الشعبي لأنه لا إصلاح حقيقي بوجوده، وتعزيز دور المؤسسة العسكرية والأمنية ،لنجعل العراق دولة قوية محترمة كما حضارته العظيمة .