خاص : كتبت – نشوى الحفني :
وسط تحذيرات “منظمة الصحة العالمية”، من احتمال تسجيل: 700 ألف وفاة جديدة بـ (كوفيد-19)، في “أوروبا”؛ بحلول الربيع، دعا “الاتحاد الأوروبي”، اليوم الإثنين؛ إلى تطبيق إستراتيجية اللقاح للتعامل مع موجة ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس في “أوروبا”.
وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للصحة العامة، “ستيفان دي كيرسميكر”؛ في مؤتمر صحافي: “في الحرب لمواجهة الفيروس؛ ندعو إلى التنفيذ المكثف للإستراتيجية في دول الاتحاد”، مؤكدًا: “أن التطعيم هو الذي سيساعدنا على مواجهة الفيروس”.
واندلعت، منذ الجمعة الماضي؛ مواجهات وصدامات عنيفة في العديد من الدول الأوروبية؛ بدأت من: “النمسا وهولندا وبلجيكا”، إلى “فرنسا والدنمارك وكرواتيا”، وهو ما أدى إلى إشتعال ساحاتهم العامة بسبب أعمال الشغب وحرق الإطارات والدراجات النارية، من قبل محتجين، حيث تحولت شوارعها لميادين مواجهة مفتوحة بينهم والقوى الأمنية.
الاحتجاجات جاءت نتيجة لإعادة فرض القيود على الحياة العامة، على خلفية ارتفاع وتيرة الإصابات والوفيات بشكل قياسي من جراء فيروس (كورونا).
إغلاق عام في النمسا..
وكان المستشار النمساوي، “ألكسندر شالنبرغ”؛ أعلن الخميس الماضي؛ أن حكومة بلاده ستفرض إغلاقًا يشمل السكان جميعهم، بعد أيام من قرار حجر استهدف غير الملقحين، لتكون بذلك أول بلد في “الاتحاد الأوروبي” يتخذ إجراءات من هذا القبيل في ظل ارتفاع عدد إصابات (كوفيد-19)، لافتًا إلى أن الإغلاق يبدأ اعتبارًا من يوم الإثنين وسيجري تقييمه بعد عشرة أيام، كاشفًا أن حكومته ستُلزم سكانها بتلقي اللقاحات المضادة لـ (كوفيد-19)؛ اعتبارًا من الأول من شباط/فبراير المقبل، وقال: “رغم العمل على ذلك على مدى شهور، لم ننجح في إقناع ما يكفي من الناس بتلقي اللقاحات”، متهمًا الأشخاص الذين يرفضون التطعيم بأنهم يشنون: “هجومًا على النظام الصحي”.
ولاقت الخطوات الحكومية النمساوية اعتراضًا شعبيًا واسعًا، حيث تجمع آلاف المتظاهرين في “فيينا”، السبت؛ للاحتجاج على الحجر والتطعيم الإجباري الذي أعلنته الحكومة، ورفع الحشد في قلب العاصمة النمساوية؛ بالقرب من المستشارية، لافتات تُندد: بـ”ديكتاتورية كورونا”، وأخرى كتب عليها: “لا لتقسيم المجتمع”.
عنف تحت ستار الاحتجاج..
وانتقد رئيس الوزراء الهولندي، “مارك روته”، الاحتجاجات بسبب إجراءات مكافحة (كوفيد-19)؛ ووصفها بأنها عنف خالص من قبل حمقى؛ وتعهد بمحاكمة المسؤولين.
وبيّن “روته” أن أعمال الشغب التي اندلعت في عدة مدن في أنحاء البلاد، منذ يوم الجمعة، ما هي إلا عنف محض تحت ستار الاحتجاج، مضيفًا إنه سيدافع دائمًا عن الحق في الاحتجاج، لكنه لن يقبل أبدًا أن يستخدم الحمقى العنف الخالص.
وسقط عشرات الجرحى من المتظاهرين وقوات الأمن الهولندية، خلال صدامات مع المحتجين الرافضين للقيود الوبائية التي أعلنتها “أمستردام”؛ الأسبوع الماضي.
من جانبه؛ قال رئيس بلدية “نوتردام”، إن رجال الشرطة أجبروا حتى على سحب بنادقهم وإطلاق النار، ووصف الاحتجاجات بأنها أعمال شغب وعنف.
إغلاق محلي لغير الملقحين..
تزامنًا مع ذلك، قررت الحكومة السلوفاكية تشديد القيود المحلية لغير الملقحين اعتبارًا من يوم الإثنين، وذكرت صحيفة (سلوفاكيا توداي) المحلية، أن رئيس الوزراء، “إدوارد هيجر”؛ وصف القيود الجديدة بأنها: “إغلاق محلي لغير الملقحين”، ولكن حتى الأشخاص الذين تم تطعيمهم سيتأثرون في المناطق التي تُعاني من أخطر حالات الوباء، حيث تم تصنيفهم بالألوان على حسب شدة الإصابة.
من جهتها؛ ستبدأ “ألمانيا”، ابتداءً من الأسبوع المقبل، في تشديد الإجراءات على غير الملقحين، وستمنع دخولهم إلى المطاعم والأماكن المغلقة حتى ولو أظهروا فحص (كورونا) سلبيًا، كما ستُشدد الإجراءات في النقل العام وتفرض على جميع مستخدميه، إما إبراز شهادة تلقيح أو شفاء أو فحص سلبي.
فرض حظر التجوال في فرنسا..
يأتي ذلك في وقت فرضت فيه السلطات الفرنسية حظرًا للتجول بين الساعة السادسة مساءً والخامسة صباحًا؛ في مقاطعة “غوادلوب”؛ بعد احتجاجات واسعة وعنيفة شملت إغلاقًا للطرقات وإحراق مبانٍ ومركبات وإغلاق مدارس؛ رفضًا لفرض الشهادة الصحية حول التطعيم ضد وباء (كورونا).
ونقلت وكالة (أ. ف. ب)؛ عن محافظ “غوادلوب”، وهي إحدى جزر “ليوارد”؛ الواقعة في جزر “الأنتيل” الصغرى بين “المحيط الأطلسي” و”البحر الكاريبي”، “ألكسندر روشات”؛ قوله: “إن حظر التجول سيبقى نافذًا، حتى 23 الشهر الجاري؛ في ظل التحركات المستمرة وأعمال التخريب في المقاطعة”.
تظاهرات في إيطاليا وأستراليا..
في الوقت ذاته؛ ذكرت (يورو نيوز)، أنه تم تنظيم تظاهرات في العاصمة الإيطالية، “روما”، ضد القيود التي فرضتها الحكومة لمواجهة تفشي الفيروس.
وأوضحت أنه تجمع مئات المتظاهرين في “سيركو ماسيمو”، بـ”روما”، يوم السبت؛ للتظاهر ضد لقاحات (كوفيد-19).
وفي “أستراليا”، احتشد الآلاف في “ملبورن” ومدن أسترالية أخرى، يوم السبت، للاحتجاج على القيود المفروضة على تفشي الوباء وتفويضات اللقاحات.
وفي “ملبورن”، عاصمة ولاية “فيكتوريا”، تجمع المتظاهرون خارج برلمان الولاية – وفقًا لـ (نيويورك تايمز) – وساروا في المنطقة التجارية المركزية، ملوحين بالأعلام الأسترالية وهم يهتفون: “لا مزيد من التفويضات”.
وأوضحت الصحيفة الأميركية، أن هذه كانت أحدث مظاهرة بعد أسبوع من الاحتجاجات المتصاعدة على قانون مُثير للجدل للسلطات الصحية تسعى حكومة الولاية إلى تمريره، خلال الشهر المقبل.
تقييد بعض الحقوق في ظل حالات الطواريء..
من جهتها؛ قالت نائب المتحدث الرسمي باسم المفوضية الأوروبية، “دانا سبينانت”؛ في تعليق لها على المظاهرات الواسعة التي تشهدها “أوروبا” ضد إجراءات مواجهة (كورونا): “لقد كنا دائمًا واضحين في أن التظاهرات السلمية هي حق أساس في جميع البلدان الديمقراطية”.
وأضافت “سبينانت”: “أن المفوضية أكدت باستمرار أنه لا يوجد مكان للعنف؛ وأن السلطات الوطنية مختصة بإجراءات إنفاذ القانون في المظاهرات المتعلقة بالاتحاد الأوروبي”، مشيرة إلى أنه: “في ظل حالات الطواريء المتعلقة بالصحة العامة بالإمكان أيضًا تقييد بعض الحقوق”.
مقدمة لما سيحدث في عموم أوروبا..
تعليقًا على الاحتجاجات والرفض للقيود، يقول الخبير في الشؤون الأوروبية، “ماهر الحمداني”، المقيم في “ألمانيا”، في حديث مع (سكاي نيوز عربية): “ما يحدث في بلجيكا وهولندا وعدد آخر من الدول الأوروبية، هو مقدمة لما سيحدث في عموم أوروبا، فهولندا أعادت فرض قيود بالغة الصرامة، تصل لمنع السكان من الخروج إلا بعذر بعد أن وصلت معدلات التلقيح فيها لمديات عالية جدًا، وسط تأكيدات حكومية سابقة بأنه لا عودة إلى الإغلاق الشامل، خاصة مع التوصل لقناعة شبه عامة، رسميًا وشعبيًا؛ في مختلف البلدان الأوروبية، بأن تجربة الحجر الأولى مع بداية انتشار الفيروس، العام الماضي، لم تكن مجدية ولا ضرورية، بل تضررت قطاعات الاقتصاد والتعليم، والانعكاسات كانت كارثية على الصحة النفسية للناس”.
موضحًا أنه: “الآن مع عودة الحكومات الأوروبية لخيار اعتماد سياسات الإغلاق والحجر المنزلي مجددًا، من الصعب للغاية على المواطنين الأوروبيين قبول ذلك، وهم الذين كانوا طيلة العامين الماضيين محجورين بشكل عام في منازلهم وسط إجراءات مشددة، ومع تلقيهم التطعيم بأعداد كبيرة هم لا يرون مبررًا منطقيًا للعودة لفرض الإغلاق العام، وهؤلاء هم غالبية المحتجين حاليًا”.
لكن ثمة جزء من الساخطين والرافضين هم من المؤمنين بنظرية المؤامرة، ومن المشككين أصلاً في صحة وجود فيروس (كورونا) المستجد، بل ويرفضون نظرية الوباء، كما يوضح “الحمداني”.
مقدمة للسيطرة على الشعوب واستلاب إرادتها..
وأضاف: “الذين يرون أن الموضوع برمته مفبرك من قبل أجهزة استخبارات دول بعينها، وأنه يندرج في سياق حروب وتصفية حسابات بين القوى الكبرى العالمية، يعتبرون أن إجراءات الحكومات هذه هي مقدمة للسيطرة على الشعوب واستلاب إرادتها، ومحاولة فرض إرادات المؤسسات والاحتكارات الكبرى على عموم المجتمعات البشرية”.
ويشرح “الحمداني” أن الفئة الأخرى ضمن المتظاهرين ضد إجراءات الحد من التفشي الوبائي في أوروبا: “هي مجموعات من الناشطين الحقوقيين والمدافعين عن حرية الناس في قبول أخذ اللقاحات أو رفضها، والمعترضين على التوجه لدى بعض الحكومات بأوروبا؛ كما في النمسا لفرض اللقاحات على المواطنين، باعتبارها تعديًا على حرية الناس المطلقة، وبالتالي فهي ترى أن الإجبار على التلقيح هو انتهاك للحقوق الأساسية للإنسان، ولو تم فرض هذه الإجراءات المشددة، كما في هولندا، في الدول الأخرى: كفرنسا مثلاً؛ المعروفة بسرعة تكون وإشتعال الاحتجاجات العامة في شوارعها، وحتى في: ألمانيا وإيطاليا وغيرهما، فحينها سنكون أمام احتمالية نشوء حركة احتجاج أوروبية قارية ضد سياسات مكافحة (كورونا)”.
ولهذا؛ تتردد بقية بلدان “أوروبا” في الإقدام على فرض الإجراءات المشددة، كما يقول الخبير في الشؤون الأوروبية، متابعًا: “فمثلاً ألمانيا؛ المتأخرة في تشديد الإجراءات والقيود، لخشية الحكومة من ردة الفعل الشعبية الغاضبة، والتي بلغ معدل الإصابات بها مستويات خطيرة، وهو 400 إصابة بين كل: 100 ألف ألماني، ستكون مضطرة هي وغيرها من حكومات أوروبا، في غضون أسبوع أو 10 أيام، لفرض القيود المشددة، إذا ما لم تتراجع مؤشرات الوضع الوبائي، وسنشهد بالتالي اتساع نطاق دائرة العنف والصدامات في أوروبا ككل”.
حيرة أوروبية بين تغليب المصلحة العامة أو الرضوخ للشارع !
في سياق متصل؛ يرى الطبيب “زامو بختيار”، في حوار مع (سكاي نيوز عربية)؛ أن: “الحكومات الأوروبية أمام لحظة صعبة للغاية، ما بين تغليب المصلحة العامة أو الرضوخ لضغط الشارع، وهي مطالبة هنا بالحزم ووضع الأولوية لاعتبارات الحفاظ على الصحة العامة، ومنع التدهور الوبائي، مهما كانت تكلفة المواجهة، فالتراخي وعدم فرض القيود سيقود لكارثة صحية لن تقف عند تخوم أوروبا، كون الفيروس لا حدود لانتشاره وانتقاله حول العالم”.
موضحًا بالقول: “نحن أمام فترة أعياد خلال أيام قليلة، وعلى الأرجح ستعمل معظم الحكومات الأوروبية وعن حق على فرض قيود وقائية، خلال تلك الاحتفالات وربما منعها بشكل تام، خاصة وأن المحتجين الغاضبين، لا يمثلون الرأي العام الأوروبي ككل، وهم يصمون في صفوفهم مجموعات من الفوضويين ومثيري الشغب”.
ويأتي كل ذلك وسط تحذيرات من أن فصل الشتاء الذي بات على الأبواب، والذي سيفاقم الموجة الوبائية الحالية في “أوروبا”، لا سيما وأن احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة، في حال عدم وضع ضوابط لها، ستسهم في انتشار واسع للمرض، وفق ما يحذر الخبراء الصحيون.