19 ديسمبر، 2024 2:50 ص

بدون مؤاخذة-ثاني المسجدين وثالث الحرمين

بدون مؤاخذة-ثاني المسجدين وثالث الحرمين

القرار الذي صدر عمّا تسمّى لجنة التّعليم في الكنيست الإسرائيلي، والقاضي بإلزام المدارس التّابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية بإدراج المسجد الأقصى المبارك ضمن جولاتها التّعليميّة للطلاب اليهود، ليس جديدا، فالمسجد الأقصى مستهدف حتّى قبل وقوعه تحت الاحتلال، وتعرّض للعدوان منذ الدّقيقة الأولى لاحتلاله، عندما طاردت دبّابة اسرائيليّة المدنيّين المقدسيّين الذين احتموا في المسجد القبليّ في السّادس من حزيران 1967، وحطّمت بابه التّاريخيّ بماسورة مدفعها، وفرمت بجنازيرها أكثر من مترين على عرض البّوابة من السّجاد العجمي الفاخر المفروش في المسجد، وفي اليوم نفسه باشرت جرّافات الاحتلال بهدم الأبنية المحاذية لحائط البراق-الحائط الغربيّ للمسجد-، فهدمت حارتي الشّرف والمغاربة، وجعلت الحائط الغربيّ حائطا “لمبكى اليهود” يؤدّون صلواتهم أمامه. وتواصلت ولا تزال حتى يومنا هذا عمليّات الحفريات تحت المسجد وباحاته وساحاته في محاولاتهم اليائسة للعثور على أيّ أثر يهوديّ، كما جرى إشعال النيران في المسجد في 21 أغسطس 1969، والتي أتت على منبر صلاح الدّين الأيّوبي، وزخارف أخرى كثيرة، وفي اكتوبر 1990 تعرضّ المصلّون في المسجد إلى مذبحة، وفي العام 1996 افتتحوا النّفق الأموّي الذي يمتدّ تحت المسجد الأقصى من حائط البراق إلى طريق الآلام قرب المدرسة العمريّة، وفي سبتمبر عام 2000 اقتحم أريئيل شارون وزير الحرب الإسرائيلي وقتذاك المسجد الأقصى ممّا أدى إلى إشعال الإنتفاضة الثّانية التي حصدت أرواح الآلاف، وفي العام 2017 جرى احتلال المسجد من جديد، وتمّ نصب بوّابات إلكترونيّة عند بوّاباته، لكن المحتلين تراجعوا عنها عندما تدافع المقدسيّون بشيبهم وشبّانهم، مع إخوتهم في الدّاخل الفلسطيني لحماية مسجدهم، وقبل بضع سنوات اتّخذت بلديّة الاحتلال قرارا باعتبار ساحات المسجد أماكن سياحيّة عامّة، وبمعنى آخر لم تعتبرها جزءا من المسجد الأقصى، ومنذ العام 2007 جرى تقسيم المسجد زمانيّا من خلال السّماح للمتطرّفين اليهود بدخوله على اعتبار أنّه مكان مقدّس لليهود! وقبل أسابيع قليلة أصدرت محكمة الصّلح الإسرائيليّة قرارا بالسّماح لليهود “بالصّلاة الصّامتة” داخل المسجد الأقصى. وقبل سنوات عديدة اتّخذت وزارة المعارف الإسرائيليّة قرارا بإلزام المدارس بتنظيم رحلات إلى القدس تحت شعار”اعرف وطنك”، وقبل شهر قامت بلديّة الاحتلال بتجريف جزء من المقبرة اليوسفيّة على بعد عشرات الأمتار من المسجد الأقصى، وتحويلها إلى حدائق عامّة. ومنذ احتلال القدس في حرب حزيران 1969 لم تتوقّف انتهاكات المسجد الأقصى وبأشكال مختلفة، تماما مثلما لم تتوقّف محاولات هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه. لكنّ استهداف القدس ومسجدها الأقصى ازدادت شراسة منذ اعتراف إدارة الرّئيس الأمريكي السّابق ترامب في ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما تبعها بالإعلان عمّا يسمّى صفقة القرن لابتلاع فلسطين التّاريخيّة كاملة، وصاحب ذلك اعتراف إدارة ترامب بالجولان السّوريّة المحتلة كجزء من اسرائيل. ويجدر التّذكير هنا بأنّ اسرائيل قد أغلقت القدس أمام أبنائها الفلسطينيين منذ 28 مارس 1993، أي قبل توقيع خطيئة أوسلو بستة أشهر، وعزلتها عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربيّ، واكتمل هذا الحصار باكتمال بناء جدار التّوسّع الاحتلالي عام 2007.

وما يجري في القدس وغيرها من الأراضي المحتلة لا يمكن فصله عن الحروب على لبنان وعلى قطاع غزّة، واحتلال العراق وتقسيم السّودان، وافتعال حروب أهلية في سوريا والجزائر، والحرب على اليمن، وحصار ايران، وشيطنة قوى المقاومة، فكلّ هذا يندرج ضمن مسلسل تطبيق صفقة القرن الأمريكيّة الرّامية إلى إعادة تقسيم المنطقة لدويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، وإطلاق يد اسرائيل للهيمنة على المنطقة برّمتها.

لكنّ دولة الاحتلال تغوّلت أكثر وأكثر في سياسة الاستيطان وتهويد القدس والإعتداء على المسجد الأقصى بعد مشاركة أنظمة تتكلّم العربيّة مثل الإمارات، البحرين، المغرب والسّودان وغيرها في تطبيق صفقة القرن، التي أملاها نتنياهو على ترامب، وطبّعت علاقاتها بشكل علنيّ مع اسرائيل، وحظيت الأنظمة المطبّعة بتأييد كنوز أمريكا واسرائيل الإستراتيجية في المنطقة، عندما اعتبرت التّطبيع “قرارا سياديّا”!

وهنا لا بدّ من التّذكير بأنّ المسجد الأقصى جزء من العقيدة الإسلاميّة، فهو أولى القبلتين وثاني المسجدين ومعراج خاتم النّبيّين وأحد المساجد الثّلاث التي تشدّ إليها الرّحال، وما التّفريط بالمسجد الأقصى إلا بداية للتّفريط بصنويه الكعبة المشّرفة والمسجد النّبويّ الشّريف.

واستمرار المسّ بقدسيّة المسجد المبارك وتطوّرها سيدخل المنطقة في حروب دينيّة يعرف مشعلوها متى يبدأونها، ولا يعرفون هم وغيرهم متى ستنتهي، لكنّها بالتّأكيد ستحرق الأخضر واليابس، ولن ينجو من لهيبها أحد، وستطيح بأنظمة تحتمي بأعداء شعوبها وأمّتها، وما أخلصت يوما لأوطانها ولشعوبها، وستكون وبالا على مشعليها أيضا والحديث يطول.

أحدث المقالات

أحدث المقالات