خاص: إعداد- سماح عادل
يطرح دوما سؤال التفرغ إشكالية حياتية يعاني منها الكاتب في بلداننا، فالتفرغ حلم وردي، يداعب أذهان الكتاب لكنه لا يتحقق، فنجد الكاتب رجلا كان أو امرأة يكتب النصوص ويحلم بنشرها، إما أن تضحك له الظروف ويستطيع النشر مجانا، أو يضطر أن ينفق على نصوصه من جيبه الخاص، أو يتعذر نشر نصوصه من الأساس.
وحلم أن يجني أموالا من وراء كتاباته هو حلم بعيد وصعب المنال، رغم أن الأدب والثقافة في مجتمعاتنا بدأت تدخل تحت نطاق الأعمال التجارية، وبدأ تسليع الثقافة والأدب لكن لم ينتج ذلك عائدا على الكاتب صاحب النص، وإنما استفاد منه أصحاب دور النشر والموزعون والقائمون على عملية نشر الكتب وتوزيعها وترويجها، وعلى خلاف البلدان الغربية حتى اذا لاقت أعمال الكاتب الرواج التجاري فلا يعود عليه ذلك بالنفع الكثير إلى درجة التفرغ التام لمهنة الكتابة.
لكن يبقى التساؤل: رغم كل تلك الظروف هل يمكن القول أن معاناة الكاتبة في هذه الجزئية “صعوبة النشر وصعوبة الحصول على عائد مادي من الكتابة” تتساوى مع معاناة الرجل فيها أم أنها تعاني أكثر؟
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
- في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
- ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
- هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
- هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟
أعباء الحياة المعاصرة تثقل كاهل الرجل والمرأة..
يقول الشاعر والكاتب المصري”مؤمن سمير”:كان هذا الطرح مستساغاً منذ سنوات بعيدة لكنَّ أعباء حياتنا المعاصرة صارت كالجبال وصار الجميع يئن من وطأتها بدون تمييز يخص النوع أو حتى المرحلة العمرية. ولكن هذا الرجل الذي يعاني من ضغوط هائلة ومتنوعة وتلك المرأة التي تعاني من ضغوط أكثر صعوبة وتعقيداً، لم تمنعهما أهوال الحياة هذه من الإبداع و فورانه، إذ أن مناط الأمر في ظني هو مدى أصالة الموهبة وضغطها على المبدع كي يتيح الفرصة لها كي تخرج في أي شكل تختار أن تتشكل فيه، من عدمه. إن تفرغ الأديب لمصلحة أدبه أمرٌ عظيم وقد يكون منتجاً طبعاً لكنه يظل تعبيراً عن رفاهية أبعد ما تكون عن واقعية حياتنا في العالم الثالث”.
وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “بصراحة تامة، لقد صرت لا أستوعب أي فرق في جنس المبدع الذي أبدع النص أو أعول على هذا الأمر باعتباره سيحدث فارقاً مدهشاً بالنسبة لي.
كتابات كثيرة تبدعها المرأة تتماشى مع أسئلة وتفاصيل الوجود والإنسان بدون أن تحد رؤيتها أو تؤطرها أو تضيقها كونها امرأة، تماماً مثلما يفعل الرجل. لقد بت أتعامل مع الإنسان في حد ذاته أياً كان موقعه أو نوعه أو هويته. مفسحاً بعض المجال للاختلافات الثقافية ولكن ليس كل المجال وليست الصورة كلها. وبهذا تظل جملة “التفاوت الكبير في إتاحة الفرص” مبهمة قليلاً بالنسبة لي لأننا في عصر ألكتروني نصنع فرصنا بالتكنولوجيا التي لا تفرق بين نوع وآخر أو بين حضور و تواجد جسدي من عدمه”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “في تسعينيات القرن الفائت انتشرت بشدة توجهات ما تم تسميته آنذاك ب”كتابة الجسد” حيث ارتبطت بظهور جيل جديد شاب من الكاتبات أكتر تحرراً وأكثر جرأة في التعامل مع التابوهات الجنسية بالذات، وظهرت تفسيرات تربط الأمر بمناخ ثقافي مفتوح قسراً جراء دورة الحضارة التي باتت تقزم أفكار من مثل الرقابة أو التمييز أياً كان توجهه.
لهذا تناولت الكاتبات موضوعات كانت حكراً على المؤلفين الرجال مثل الكتابة الأيروتيكية فأبدعن في النظر من زوايا جديدة وتبيان وجهات نظر، كان بالفعل بعضها طازجاً ومبتكراً، تجاه العلاقة ذاتها وتجاه الشريك فيها من خلال الفن. ثم خفتت حدة هذه التوجهات وغيرها باعتبارها توجهات مخصوصة لذاتها وذابت بالتالي في مناخ الكتابة العام وصارت الكتابة الأيروتيكية وأحياناً كتابة البورنوجرافيا- ليست جديدة ولا غريبة سواء كتبتها امرأة أو كتبها رجل وصرنا بالتالي نبحث عن فنية الكتابة ذاتها وليس انتماؤها من عدمه لموضة أو لأخرى”.
وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “نجحت المرأة لأبعد حد في التواجد في كل المجالات قاطبة ومنها بالطبع المجال الفني والأدبي وصرنا نتعامل مع بعض الكاتبات على أنهم من سحرة الكتابة والفن الحقيقيات ونتلهف على نتاجهن الأدبي ونحضر معارضهن التشكيلية وحفلاتهن الموسيقية ونتتلمذ عليهم في الجامعات والمؤتمرات إلخ.
لم تستطع أي أفكار ماضوية أن توقف الحياة التي تمثل المرأة أروع ما فيها. وأظن أن النقاد في كل المجالات اهتموا بالدرس النقدي لأعمال العظيمات من المبدعات بشكل يتناسب مع الجهد النقدي العربي الذي هو ليس كافياً ولكنه موجود وحاضر”.
وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “هذه الاختلافات إن وجدت، فإنها تعبر عن اختلافات ثقافية وذهنية وحضارية بالأساس. إذ تمر المجتمعات على الدوام بدورات للوعي والاستنارة. تنفتح المناخات المواتية للإبداع في بعضها وتنغلق في الأخرى. في دورات التقدم ستجد الفروق بسيطة وفي الدورات الماضوية المتخلفة تجد التمييز هو الذي يحكم الرؤية وبالتالي فالفروق تكون ضخمة”.
الكتابة لدى المرأة ابتعاث الحضور في كنفات الغياب..
ويقول الشاعر والكاتب العراقي “أحمد ضياء”: “لا حد للإبداع في أي جنس، الكتابة لدى المرأة ابتعاث الحضور في كنفات الغياب، وهي تسعى جامدة للتوفيق بين أشغال المنزل والأطفال والعمل والمكان الثقافي والإبداعي والفكري الذي تنتمي له، وبذا فنجد إن الجهود لديها تكون دوما في مصاف المكون الجديد والمنتج/ المثمر ذي الأثر الكلي، فكونها توفق بين هذه الأشكال الحياتية والابستمولوجية، دائما تبرز نقاط النص المغاير والمبتكر بين طيات النص”.
وعن مقارنة النصوص يقول: “لا يمكن مقارنة الإبداع، فلا فرق بين الكتابة كتابة المرأة والرجل، يتوقف هذا الأمر دوما على فاعلية اللغة ومكوناتها الإبداعية في سبيل إنتاج نص يشبه المؤلف، فلو فرضنا الإتيان بنص للرجل وآخر للمرأة، وأخذنا على عاتقنا مسؤولية رفع الأسماء وعرضنا ذلك على لجنة في سبيل معرفة البنى الإبداعية لوجدنا الظهير المعرفي والابتكاري للنص هو المميز الوحيد في نمطي الكتابة المطروحين على دكة المشرحة القرائية”.
وعن تحطيم التابوهات في كتابات النساء يقول: “في طبيعة الحال إن هدم التابوهات يجب أن يتبع وهو الكيان الحقيقي لمعرفة النماذج التي تصل لها المرأة، أنا مع الكتابة المتجاوزة للحدود والتي لا يحدها فعل ما، وهي المرحلة المثلى التي يجب أن تصلها الكتابة، فإذا كان ثمة حد ما أو عرقلة فيجب أن يتم تجاوزها داخل المحيط الكتابي الإبداعي في سبيل إنتاج خطاب شمولي بعيدا عن التعنصر لجنس معين”.
وعن تواجد كتابات النساء على الساحة الثقافية يقول: “أثبتت الكتابة النسوية تواجدها في المحافل الشعرية والفكرية على حد سواء إذ في كل مرة تتجه إلى إنتاج سلسلة اختلافية معينة في المعيار الثقافي الأمر الذي وضعها دوما في المناطق الأولى وقبل الرجل، ففي عالم الإبداع لا يمكن أن نشير إلى الذكورية كإنها سباقة أبدا، هنالك نص هو الذي يسبق كافة المجريات المحيطة.
وهنا لابد من التأكيد أن حركة شعر التفعيلة قامت على أكتاف امرأة ألا وهي “نازك الملائكة” ولم يتوقف المعين عندها بل نجد الكثير من الأسماء المهمة المشكلة لهذا الأمر ولابد من تذكر “نوال السعداوي” كمفكرة في الجانب النسوي ولابد من الإشارة في الرواية أيضا ل”إنعام كججي” وغيرها ومازال إبداع المرأة هو الأصل”.
وعند وجود اختلافات ما بين كتابات النساء وكتابات الرجال: “لا يوجد خلافات كل ما هنالك هذه نصوص تميز الحس النسوي وهذه تميز الحس الذكوري، وما بينهما ثمة الآن نصوص لا تنتمي إلى هذه الجندرية بقدر ما تنتمي إلى النص نفسه ألا وهي ما بعد الجندر”.