خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
زيارة “تشاويش أوغلو”، وزير الخارجية التركي؛ إلى “طهران” في ذروة التوتر الإعلامي يحوز الأهمية. تلكم الزيارة التي تأتي في أعقاب التطورات في منطقة “القوقاز” الجنوبية؛ والتوتر الدبلوماسي بين “باكو” و”أنقرة” مع “طهران”؛ بسبب اعتقال عدد من السائقين الإيرانيين وتوقيف وتفتيش الشاحنات التي تحمل لوحات إيرانية على مسار: “غوريس-فابان”.
وبالتالي تعتبر هذه الزيارة غير مرتقبة وصادمة؛ بسبب تورط “تركيا” في تطورات إقليم “قره باغ”. لكن كأن هذه التبعات لا تلقي بظلالها على زيارة “أوغلو”، الذي يبدو أنه يتبنى وجهة نظر إيجابية بالكامل؛ إذ لم يكتفي فقط بوصف “إيران”: بـ”بيت الصديق”؛ وإنشاء الشعر الفارسي إلى جانب المسؤولين الإيرانيين، وإنما تحدث مع “إيران”؛ عن: “خريطة الطريق الجديد”، معلنًا التضامن مع “إيران” فيما يخص العقوبات والملف النووي. بحسب تقرير “ميرزا رضا توكلي”؛ في صحيفة (خراسان) الأصولية الإيرانية.
هل يمكن الثقة في الموقف التركي المتذبذب..
تلكم التصريحات تُثير التأمل والسؤال بشأن مدى إمكانية الثقة في تصريحات وزير الخارجية التركي؛ مع الأخذ في الاعتبار للمواقف التركية المتذبذبة ؟.. والواقع أن الإجابة تستدعي البحث في عدد من الموضوعات المختلفة؛ وفي المقدمة الاقتصاد التركي.
وقبل الإجابة لابد من الإشارة إلى عدد من الملاحظات الهامة، فلطالما كانت: “المكاسب الاقتصادية” أولوية في السياسات التركية، وعلى أساسها تنظيم هذه الدولة علاقاتها الدولية.
ولعل أوضح مثال على ذلك لعبة الفأر والقط التي يلعبها، “إردوغان”، مع “تل أبيب”. وانفعاله على، “شيمون بيريز”، ثم نقل السفارة الأميركية إلى “بيت المقدس” وتصريحات الرئيس التركي ضد “إسرائيل”، بينما نشهد في الخفاء توطيد العلاقات التجارية بين الجانبين؛ هو مثال واضح على هذا النوع من السياسات التركية.
الحالة الاقتصادية لتركيا..
وبفهم هذه الحقيقة؛ فإن علينا في تحليل العلاقات مع “تركيا”، البحث أولًا في الأوضاع الاقتصادية التركية المأزومة حاليًا. فقد إنهارت “الليرة” التركية إلى أدنى مستوياتها إزاء “الدولار”، منذ بداية العام الميلادي الحالي، وتجاوزت معدلات التضخم التركي نسبة: 20%، ناهيك عن تأثير وباء (كرورنا) على كساد سوق السياحة التركية.
لذلك تكتسب زيارة، “أوغلو”، إلى “طهران”؛ وتصريحاته بخصوص: “خريطة الطريق الجديد”، لونًا اقتصاديًا أكثر من أي شيء آخر.
علاوة على ذلك تُجدر الإشارة إلى أن “تركيا”، مثل “السعودية”، ترقب المفاوضات النووية وفرصة نجاح “إيران”، حال رفع العقوبات وتغيير معادلات المنطقة؛ والأحجية السياسية في غرب “آسيا” لصالح المكاسب الإيرانية، فإن من مصالح “تركيا” الاقتصادية سواءً من حيث التنمية السياسية أو من حيث تدعيم محور الشمال الغربي إلى الجنوب، تقوية العلاقات مع دول الخليج.
إرتباطات اقتصادية..
وقبل أسبوع؛ أُعيد افتتاح مسار الترانزيت “التركي-الإماراتي”، عبر “إيران”؛ ويوفر: 06 – 08 أيام؛ مقارنة بـ”قناة السويس” البحرية.
بخلاف زيارة، “محمد بن زايد آل نهيان”، ولي عهد “الإمارات”، إلى “تركيا”، للمرة الأولى منذ 10 سنوات، لذلك يعتبر هذا المسار حيوي بالنسبة للحكومة التركية، ولن يكون من السهل الاستفادة منه دون توطيد العلاقات مع “إيران”.
ومن البديهي الترحيب بمثل هذا المحور بالنظر إلى أهميته السياسية والاقتصادية بالنسبة لـ”الجمهورية الإيرانية”. ويُعاني “حزب العدالة والتنمية” من تراجع الشعبية على مشارف الانتخابات المقبلة لأسباب مختلفة؛ سببها مواقف حكومة، “إردوغان”، والتشكيك في الأداء الاقتصادي.
والمسؤولون في هذا الحزب الحاكم يدركون هذه المسألة؛ ومن ثم يتحركون على صعيد الاستقرار والخروج من هذا الوضع. ولذلك تعمل الحكومة التركية على استمرار سياسة خفض التوتر مع مختلف الأطراف، والعمل على تقوية العلاقات مجددًا مع “طهران”.
ويُجدر الإنتباه إلى ضرورة رسم خريطة طويلة المدى بين “إيران” و”تركيا”؛ لما قد يترتب على ذلك من مصالح للطرفين. ونوع مواجهة الدول الغربية مع “تركيا” في العقود الأخيرة يعكس رفض “الولايات المتحدة” و”أوروبا” إلى التعامل مع “تركيا”؛ باعتبارها حليف إستراتيجي.
بل إن التضاد في السياسات الخارجية التركية مع الغرب، خلال العقد الماضي، يوضح حقيقة أنه لا بديل لـ”أنقرة” عن التقارب مع الشرق.