خاص: إعداد- سماح عادل
هناك طرح هام وهو قلة عدد الناقدات على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا، بل أن الناقدات عددهن قليل جدا، مع وجود إنتاج غزير من الكاتبات، مما خلق ضرورة لوجود ناقدات من النساء، يتناولن تلك الكتابات والنصوص بالفحص التحليل والدراسة. ولكي يتم تعويض النقص في النقد.
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
- في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
- ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
- هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
- هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟
حاجة الساحة الثقافية لناقدات من النساء..
يقول الكاتب الجزائري “محمد حيدار”: “صحيح أن لهذه الأشغال تأثيرا ليس على الكتابة، بل على الوقت الذي يمكن للكاتبة أن تستغله في الكتابة، لكن لهذه الأعمال من جهة أخرى مزية، فقد تكون مصدر إلهام ومنفذ يسمح باستكشاف الواقع بدقائقه التعرف على نفسية المرأة التي تمارس هذه المهام، ليس ككاتبة بل كموضوع للكتابة، ومن ثمة يأتي النص الإبداعي عند المرأة الكاتبة نصا معمّقا يتناول أسرار النفس البشرية ودقائق الحياة. عكس ما هو عند الرجل الذي تظل نظرته عامة كلما تعلق الأمر بحياة الأسرة أو الحياة الزوجية من الداخل، فهو ينظر إليها من الناحية الاجتماعية العامة غالبا، وليس من زاوية المعاناة اليومية نتيجة الشقاء العضلي والمكابدة النفسية، والتفاعل النفسي للقائم بتلك المهام.
ثم إن المرأة معروفة بضبط الوقت وباستغلال الزمن لأنها مرتبطة بمهام تتطلب منها تحديد ذلك ومراعاته، مثل أوقات الطعام وغيرها، كما وأنها طموحة وذات روح تنافسية وهذا ما تبرهن عليه في أطوارها الدراسية، إذ نجدها أكثر حرصا على التحصيل من زميلها ومن أخيها، قارن عدد الطالبات في الجامعات مثلا بعدد زملائهن، ومن ثم لا أعتقد أن همومها المنزلية تحول دون بروزها أو تواجدها على الساحة كلما أتقنت إبداعها، فليس كل الكاتبات الشهيرات كان عليهن أن يكن غير متزوجات أو غير أمهات، ولا هن يعشن زواج السينما”.
وعن مقارنة النصوص يقول: “هذا سؤال كان الأحرى به أن يُوجّه إلى النقاد، فهم الذين يعايشون نصوص الطرفين باستمرار، ويكون من السهل عليهم المفاضلة بين النصين، أما نحن فقد يحدث أن نفاضل بين كاتب ما وكاتبة ما، أما أن نفاضل بين الكُتاب كلهم وبين الكاتبات كلهن فأمر أعتقد أنه صعب ولا يظل موضوعيا، ثم إنني لم أقرأ لكُتاب كثيرين ولكاتبات كثيرات بشكل يمكنني من الإدلاء بمقارنة بهذا الصدد، ولعل في الإجابات الموالية ما سيستنتج منه نوع من الاختلاف بين الطرفين، غير أنه يمكن القول مسبقا إن إبداع الكاتب أكثر شمولية من إبداع زميلته، أي أنه لا يقتصر على مجالات معينة من مجالات الحياة.
وأخيرا ليس مقدار الزمن عند الرجل هو ما يسمح له بتحقيق إبداع أفضل بالضرورة، فالزمن المُتاح ليس مقياسا لذلك حتى وإن كان ضروريا، أيضا لا تمثل غزارة الإبداع، التي تتطلب وقتا طويلا، دليلا على الجودة والنبوغ إن صح القول، فهناك من حقق شهرة بنصين أو ثلاثة، وهناك من لم يحققها بعشرات النصوص، وفي كثير من بلداننا ليس هناك من تسمح له ظروفه بالتفرغ للكتابة، امرأة كان أو رجلا حينما يكون في أوج عمر العطاء طبعا”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “لا أدري ما التابو الذي يقصده السؤال؟ فإلى زمن قريب كانت المرأة تخوض حروبا، وإن نسبية، على مستوى ما أصبح يعرف بمسألة الكتابة عن الجسد أو قل المشاركة في هذه الكتابة، معتقدة أنها البوابة المفضية إلى الحرية، فاعتبرتها الأقرب إليها والأسهل بالقياس إلى تابوهات أخرى تقتضي من الصدام ماهو أعنف، لكن بعد ذلك، وربما نتيجة تنامي المعرفة عندها، أصبح قلمها يطال السياسة مثلا، وربما غيرها، ولنا على ذلك أمثلة عدة كـ “غادة السمان” و” فدوى طوقان”وغيرهما.
بل وهناك كاتبات تناولن كل الحقول التي نتحدث عنها مثل “د.نوال السعداوي” مثلا التي كتبت في مجالات كثيرة بما في ذلك تجربة السجون، كل واحدة كتبت وفق مستوى قناعتها وجرأتها بطبيعة الحال، هذه الجرأة التي لا يهمها، على ما يبدو، أن نتفق معها فيها أو نرفضها، حتى أننا وجدنا من تقول: “لا أريد من الآخرين موافقة، ولا صفحا ولا مشاركة، حياتي لي وحدي وأسراري لي وحدي”.وهي الكاتبة “سلوى النعيمي” في رواية “برهان العسل” ص 22.
بل وهناك من تعترف صراحة بأن نصوصها تعبير واقعي عن تجاربها الذاتية” الكاتبة “وداد بنموسى”(مصدر إليكتروني)، فأين نحن من ذلك التشكي الذي رفعه “نزار قباني” حين قال على لسان المرأة:” إنني أكتب والسياف خلف بابي؟ “.
وربما هذا أكثر من اللائي اكتفين بتوظيف بعض العناوين من باب التشويق، مثل الكاتبة “أحلام مستغانمي” مثلا، وهذا يوصلنا إلى الشطر الموالي من السؤال، وهو الكتابة الأيروتيكية وصراحة لا أدري ماذا سيقول من هو في سني عن سؤال كهذا؟ فسني يحتم عليّ أن احترم التابوهات أو بالأحرى أن أتعامل معها بحذر شديد، وهذا ما أفعله في كتاباتي حتى وإن قيل إن الإبداع اختراق وتحد وجرأة، نحن أبناء جيل آخر وأبناء ريف أساسا، ولذلك لم ننظر إلى التجديد في الأدب من هذه الزاوية كما يفعل الآخرون، حتى أنني حين أطلعتُ على بعض النصوص (الجريئة جدا) تحضيرا لهذه المقابلة، اعترتني غرابة أنا الذي كلما فلتت كلمة من إحدى شخوص نصوصي تخدش الحياء إلى حد ما؛ ورأيت الإبقاء عليها ضروريا، أجعل من صدرت عنه يعتذر احتراما للقارئ لا لشيء سوى لتطمئن نفسي ولأطمئن القارئ المحترم معي.
ولذلك لجأتُ في أول إجابتي عن هذا السؤال إلى مسألة سني حتى لا أضع العصا في العجلة لمن يتحمسون لهذا النوع من الأدب كتابا وقراء، وحتى إذا قلنا إنه على الأدب أن يتحرج من مثل هذا؛ سيُقال لنا: وأين السينما وأين مختلف وسائط التواصل من هذا التحرج؟ إن الأمر يحتاج إلى تربية (معتدلة) يصدر عنها الكاتب والقارئ معا، وليس إلى منع هذا من الكتابة أو منع ذاك من القراءة، فالقناعة الشخصية هي أساس الاثنين معا.
ثم إن وعي القارئ في مجتمعاتنا، وربما في غيرها، جعله يتطلع إلى جرأة الكتابة في مسائل أخرى أكثر أهمية، حتى يشكل الأدب قاطرة وعي وذوق رفيع، ولا يبقى الجسد وحده هو مدار الشجاعة والبطولة.
وإذا عدنا إلى لب السؤال فإنه ليس في إمكاننا إلا أن نقول إنه لا أحد ينكر بذور هذا النوع في أدبنا العربي بكل مراحله تقريبا، ومنذ العصر الجاهلي، بداية من “امرؤ القيس”، لكن هل طابع هذا النوع من الأدب جعله يحظى بأهمية استثنائية عبر عصوره عند النقاد والمتذوقين؟ لا أعتقد ذلك لأن القناعات القيمية (من قيم) أبقته دائما يلازم مكانه كطريف موروث؛ بل وأعطته اسما خاصا به هو “أدب المجون”، لكن هناك عوامل، ربما مستجدة، جعلته يغادر موقعه التقليدي ويشكل بالنسبة لكُتّابه، من الجنسين، سر تشويق وواجهة جذب للقارئ وصفة تحرر وعنوان تمرد.
أو من باب” خالف تُعرف” وغير ذلك، ومهما تكن الغاية، فإن المجتمعات المعاصرة ليست من (الانغلاق والاستعداد للانبهار) بحيث تُفاجأ بكتابات كهذه، لقد ولّى عهد الدهشة، ومهما تبلغ كتابات اليوم لن تُحدث تلك الصدمة التي أحدثها الفرنسي “جوستاف فلوبير” من خلال رواية (مدام بوفاري) أو الانجليزي “د. هـ. لورانس” من خلال رواية (عشيق الليدي تشاترلي)، لقد ولّى زمن الدهشة العامة، زمن زلزلة الطبقة الاجتماعية ككل، ارتجاج المجتمع وإرباكه، وهذا لا يمنع من القول إن بعض النصوص، وهي في تزايد، ما تزال تحدث ما يمكن أن نسميه برد الفعل، وإن كان نسبيا ونخبويا، حتى أننا نكاد نجد وجها نسائيا (جريئا) أو أكثر في هذا البلد العربي أو ذاك، وهن يتحصلن على جوائز أدبية قيمة، ومؤلفاتهن هذه تشارك في معارض عربية ذات أهمية ك “رجاء الصانع” وغيرها.
وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “من حيث تواجد كتابات المرأة على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا، أقول إنها لا تختلف عن كتابات الرجل إلى حد ما، حتى ولو كانت قوة حضورها جديدة على الساحة بطبيعة الحال، وقد يكون الاختلاف كميا فحسب، في عدد الكُتاب وفي عدد النصوص أيضا، وفي عدد المجالات المطروقة كما أشرنا، ثم إن كتاباتها في بلداننا تعاني من نفس العوائق التي تعانيها كتابات الرجل بحكم الواقع المشترك (مقروئية/ طبع/ توزيع/تفرغ..الخ).
ولا تجد أدبا يُقرأ لمجرد أنه أدب رجل؛ وآخر لا يقرأ لمجرد أنه أدب امرأة، لا أعتقد حصول مثل هذا، بل ربما كان اسم المرأة أكثر جاّذبية من غيره، ولو من باب أن الناس تريد أن تعرف ماذا تقول هذه الكاتبة أو تلك.
أما من حيث إنصاف المرأة الكاتبة من طرف النقاد، فلا أعتقد أن الوضع يختلف، فالناقد الحق قد يهتم بإبداع كاتب ما كما قد يهتم بإبداع كاتبة ما إذا رأى في الإبداعين ما يشده، وليس هناك تفرقة على أساس الجنس في حدود إطلاعي طبعا، وإذا كانت معظم الجهود النقدية مسلطة على نصوص الكُتاب من الرجال، فذلك لأن نصوصهم هي الغالبة من حيث الكثرة، وستفتك النهضة الحالية للمرأة ؤهذا الاهتمام النقدي بحكم كثرة ما نلاحظ من نصوصها المتداولة في الساحة، فالرجل لم يعد وحده سيد الميدان، لاسيما في الرواية كما عندنا.
هذا، ويبقى أمران لابد من التأكيد عليهما: الأول تعاظم مسؤولية النقاد أمام هذا الزخم الكثير من الإبداع، بما فيه إبداع الرجال، لفرز غثه من سمينه، فالأدب الآن كصندوق البريدالذي يحمل كميات كبيرة من الرسائل التي لا ندري لمن هي موجهة؟ ولا لماذا كُتبت أصلا؟ ولا يوجد سعاة بريد لفك شفراتها إلا النقاد.
والثاني على المرأة أن لا تظل في حدود دور الكاتبة، المبدعة، بل عليها أن تتحول إلى دور الناقدة، كما عرفنا في الرعيل الأول، وكما نعرف في الأزمنة اللاحقة، ناقدات حدثيات كالدكتورة “يُمنى العيد”،ودة. الراحلة “رفقة دودين”، ودة. “أماني فؤاد” وغيرهن، نتحدث عن النقد المحترف خارج نقد أطوار التحصيل العلمي، المرتبط بالأطروحات والمذكرات الجامعية طبعا، وإذن فليس هناك من يحك جلدك مثل ظفرك”.
. وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “أثناء الإجابة عن السؤال الأول، قلتُ إن المرأة ربما تكون أكثر إلماما بجزئيات لا ينظر إليها الرجل إلا بوجه عام وبنظرة كلية، وهذا ينعكس على نصوصها، ومن هنا أهمية إبداعها، فهي تكون أكثر إحاطة بالقضايا التي أعطتها إياها الحياة، بحكم الأدوار التي تلعبها فيها، أما أوجه الاختلاف بين كتابات الرجال وكتابات النساء، فلا أعتقد أن اطلاعي المتواضع على كتابة الطرفين يسمح لي برصد ذلك، فالأمر يحتاج ليس إلى وقت فقط، بل وإلى إطلاع واسع أيضا.
لكن هذا لا يمنع من رصد بعض الاستنتاجات: فالكاتب والكاتبة يختلفان في أن كتابات المرأة تعكس التشكي والتظلم والشعور باللامساواة والتمييز الجنسي (بين الجنسين) والكبت، والعنف والاغتصاب، وكل ذلك يجعل الرجل دون غيره في قفص الاتهام بطبيعة الحال، بينما الرجل لا يتهم المرأة بأي غبن يتصور أنه يلحق به، فإذا كان هناك غبن أو قهر فكتاباته تتجه إلى ملامة السياسة أو المجتمع ككل أو سيرورة العالم بوجه عام وهذا وجه من وجوه الاختلاف، ثم إن كتابات المرأة غالبا، مع بعض الاستثناءات، تدور حول ذاتيتها ومحيطها الشخصي، وفي أحسن الأحوال حول معاناة جنسها (حول المرأة)، ومن هنا لا يخلو أدبها من نزعة دفاعية (نقابية أو محاماتية) إن صح القول.
وهذا هو الاختلاف الثاني وإن كانت هذه الظاهرة في طريق التراجع بحكم طبيعة العصر التي جعلت من المرأة شريكا، فأصبحنا نجد نصوصا نسائية تتعاطى بكل اقتدار مع آفاق أوسع بطبعة الحال، وحتى كتابة المرأة عن ذاتيتها تتميز بالحرص على نقل تجربتها بدقة وبكثير من الأمانة عند البعض، سواء كانت هذه التجربة منزلية أو مهنية أو في السجن أو غير ذلك، وهو ما أعطى أدبها بعدا عاما، أثرى المكتبة”.
نتاج نسوي سطحي مثير يرافقه نقد تجاري سطحي..
ويقول “إبراهيم أحمد” كاتب عراقي يعيش في السويد: “نعم كل هذه الشواغل الثقيلة جدا تعيق ظهور المرأة المثقفة، “لينين” مهما اختلفنا معه لكننا قد نتفق معه حين يصف العمل المنزلي (بالمخبل للمرأة) فكيف بمن تهتم بأمور الثقافة والإبداع؟ أين تجد الوقت والطاقة في هكذا خضم عميق مرهق؟”.
وعن مقارنة النصوص رغم تفاوت الفرص يقول: “ولم لا تقارن؟ إبداع كثير من النساء يتفوق على إبداع كثير من الرجال!”.
وعن تحطيم التابوهات في كتابات النساء يقول: “كما يحق للرجل الكاتب تحطيم هذه التابوهات يحق للمرأة الكاتبة أيضا، شرط أن لا يكون هذا التحطيم لمجرد الإثارة وتحقيق الشهرة على حساب شروط الإبداع ومتطلبات الفن الحقيقي!”.
وعن استطاعة كتابات النساء أن تتواجد على الساحة الثقافية يقول: “نعم وجدت كتابات المرأة مكانتها، رغم أنها ما زالت محاصرة في المجتمعات المتخلفة، واهتم بها نقاد جادون رغم ظهور نقد أو متابعات لنتاجات نسوية لأسباب بعيدة عن ضرورات أو قواعد الإبداع الحقيقي، أقصد ظاهرة نتاج نسوي سطحي مثير يرافقه نقد تجاري سطحي ومبتذل”.
وعن وجود اختلافات بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “اختلافات بحكم اختلاف التجربة والجو وطبيعة الاهتمامات، لكنها ليست جوهرية أو أساسية وهي تحمل التميز، لا القصور”.