الترجمة العربية للمصطلحات والتي يتم اعتمادها في القواميس، تتحول الى سلطة قاهرة لايمكن الوقوف في وجهها. واحياناً تأخذ شيئاً من القدسية خاصة عندما يربط المترجم بين اللغة العربية والقرآن ويسحب بعض قدسية القرآن ويمنحها للغة العربية باعتبارها لغة أهل الجنة ، الخ..
مع ان اللغة ليست مقدسة بل هي وسيلة تخاطب ، واستخدمها الله والرسل للتواصل مع المجتمعات لانها هي اللغة السائدة والمفهومة لهم.
ومع اننا لانعرف من قام بالترجمة الاولى وماهي خلفيته وامكانياته ، الا اننا مطالبين بالانصياع لما قاله ذلك المترجم المجهول..
الكل يعرف ان الترجمة تنطوي على خيانة حتمية وأنها فعل خياني لأنها لايمكن ان تنقل المعنى الذي اراده الكاتب الاصلي عندما كتب النص بلغته الأم.
لكنها مع ذلك لابد منها لغرض التواصل الانساني والثقافي بين المجتمعات.
وامتداداً للمنشور السابق حول الدين والضمير وما أثاره من مناقشات حول مفاهيم الضمير والاخلاق، سوف اتناول مفهوم الأخلاق وكيف تمت ترجمته لدينا وكيف كان الدافع
لنشوءه لدى العالم الغربي.
الفيلسوف جون ستيوارت مل، الذي اصبح من اوائل مفكري علم الاقتصاد، كان عالم أخلاق اساساً ، ولكن ما الذي جاء به الى ميدان الاقتصاد؟
علم الاخلاق الذي كان يكتب فيه ويدرّس ، كان يتناول قضية اكبر من مجرد دراسة سلوك الفرد الحميد مع جاره وزميله الخ…
كان يتناول صياغة قواعد السلوك العام الذي يجب ان يسود في المجتمع من اجل بناء دولة صالحة قادرة على التقدم.
كان يدرس كيفية تحديد الخطأ والصواب ومن يحدد ذلك؟
هؤلاء المفكرين الكبار كانوا مشغولين بمصلحة الأمة وكيفية بناء دولة حديثة.
لم يكن كافياً بالنسبة لهم تبني العلمانية وإبعاد رجال الكنيسة عن الحكم ، ولم يكن كافياً تحجيم سلطة الملوك وتبني النظام الديمقراطي لغرض التداول السلمي للسلطة، كانوا يبحثون في افضل قواعد بناء مقاييس ومعايير للسلوك العام السليم الذي ينسجم مع النظام السياسي الجديد.
كانوا يبحثون في موضوع المسؤوليات الفردية والجماعية تجاه المجتمع والنظام.
النظام الجديد هو النظام الرأسمالي البرجوازي الفردي الديمقراطي الذي سوف يلعب فيه الفرد الدور المحوري.
سيكون ناخباً ومرشحاً ومنتجاً ومستهلكاً وناشطاً مدنياً.
عليه ان يؤدي تلك الأدوار حسب القواعد المعتمدة .
ولكن ماهي تلك القواعد ؟ وكيف توضع؟ ومن يضعها؟
دخول جون ستيوارت ميل، لميدان الاقتصاد كان بسبب الدور المركزي في الحياة الذي يلعبه النشاط الاقتصادي والعلاقات الاقتصادية والنشاط الاقتصادي الفردي، لذلك اراد دراسة الموضوع والبحث في قواعد السلوك السليم فيه.
ومثله فعَلَ مؤسس علم الاقتصاد ، آدم سمث الذي كان عالماً في الاخلاق ويدرّس مادة علم الاخلاق في الجامعة ولديه كتب هامة في ميدان الأخلاق.
ثم وضع اول كتاب منهجي في علم الاقتصاد الذي هو ثروة الأمم .
لدينا ، الاخلاق هي الصفات الفردية الحسنة والتي تم ربطها بالدين لكي تساعد الانسان على دخول الجنة.
لديهم ، الأخلاق تساعد في بناء دولة حديثة وقوية وناجحة ومجتمع صحي ولاتهدف لدخول الجنة بالضرورة.
هنالك نقاط مشتركة بين الفهم السائد لدينا وذلك السائد في الدول المتقدمة ،ولكنهما لايتطابقان.
لدينا توجد ازدواجية في النظرة الاخلاقية في التعامل مع القضايا العامة والقضايا الخاصة.
لديهم سرقة المال العام أخطر من سرقة المال الخاص
، لأنها تلحق الضرر بكل المجتمع.
لدينا سرقة المال الخاص عيب يجب تجنبه ، وسرقة المال العام ممكنة وهي،شكل من اشكال الشطارة.
بل ان هنالك آراء فقهية بجواز الاستيلاء على المال العام لانه مجهول المالك !!
والتهرب الضريبي الذي هو سرقة من حقوق المجتمع ، ايضاً لايعتبر جريمة تمنع الانسان من دخول الجنة لانه لم يسرق من أحد معين
اذا كان البعض لدينا يصر على ترجمة المفردات الانجليزية مثل morals و ethics باعتبارها تعني الاخلاق بمعناها السائد لدينا، فهذا يعني ان هناك خطأ من نوع ما ويجب ان نبحث عن مفردات عربية ملائمة لترجمة هاتين المفردتين.
وهذه من مهام المجمع العلمي الذي يعتني بشؤون اللغة العربية ويفتش عن مفردات خافية او يركّب مفردات جديدة.
البعض يرفض حتى مجرد الاشارة الى تطوير اللغة العربية وتحديثها لجعلها اكثر ملائمة لروح العصر.
ينسون انها لغة وليست أله وليست مقدسة.
نحن لا ننتج العلوم الحديثة ونعتمد على ترجمة مايصلنا من الآخرين ويفترض ان تكون لغتنا قادرة على ذلك.
لا اقصد القول ان اللغة العربية عاجزة، بل ربما فيها ماهو كامن من الامكانيات التي تحتاج الى جهود علماء اللغة لاستخراجها وتوظيفها.