خاص: إعداد- سماح عادل
في هذه الحلقة من الملف هناك أطروحات هامة، منها قدرة المرأة الكاتبة رغم الجدل في مجتمعها والقيود أن تكتب وتبدع حتى وهي ترتدي خمارا يغطي جسدها كله، مما يعكس مدى قوتها وإرادتها على تحقيق ما تحلم به وما تحب أن تفعله.
وهناك طرح آخر هام وهو أن الاتجاهات النسوية والأفكار المتعلقة بالجندر والفروقات الجنسية والتصنيف على أساس النوع هو نوع من الإلهاءات ومحاولة للتفريق ولهدم وإجهاض حركات النضال الاجتماعية، التي من المفروض أن يشارك فيها النساء والرجال كتفا بكتف، لكن التساؤل الهام هو هل استطاعت حركات النضال الاجتماعي في مجتمعاتنا الشرقية على مدى تاريخها الطويل أن تنصف المرأة، وأن تنتصر لها، وأن تظهرها وتجعلها تتقدم الصفوف جنبا إلى جنب مع الرجال.
يشهد التاريخ أن حركات التحرر والنضال في مجتمعاتنا الشرقية لم تنصف المرأة، ولم تعطها أدوارا قيادية رغم جهدها وأدوارها الهامة، وظلت تتجاهل أو تتعامي عن وجود تمييز يحدث على أرض الواقع ضد المرأة، وتشدد على التعميم، لكن من يربح المكاسب المعنوية والمادية هم الذكور، أو يتم استخدام النساء كدمى وغالبا تكون لهن صلات قرابة أو زواج بقيادات الحركات النضالية، ويمكن القول أن حركات النضال سواء ليبرالية أو يسارية كانت في جوهرها حركات ذكورية يقودها الرجال ويستفيد منها الرجال ويرددون فيها شعارات عامة توحي بالعدالة والمساواة.
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
- في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
- ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
- هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
- هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟
يجب التوقف عند مستويات الكتابة وعمقها وماذا تعالج..
يقول الكاتب اليمني “محمد عبده الشجاع”: “أعتقد أن المسؤولية والمهام التي ذكرت وصعوبة التوفيق بين البيت والكتابة، لم تعد تقتصر على المرأة فقط وخاصة مع جائحة كورونا، على الأقل نحن نشهد تبعات كثيرة على الطرفين.
لكن طالما أن الحديث عن المرأة بالتأكيد هناك صعوبة تقلل من نشاط المرأة الثقافي والأدبي وهي قد تختلف من مجتمع إلى آخر ومن أسرة إلى أخرى بحسب البيئة المحيطة وتوزيع الأدوار.
بمعنى أننا أمام حالة تحتاج إلى ترشيد كل شيء، العمل، الوقت، الأولاد لأن النقطة الأهم هنا هي عدم قدرة الكاتب العربي على العطاء الأدبي عموما والثقافي بسبب ارتباطه بتوفير حاجيات الحياة اليومية الروتينية أكثر من أي مهام أخرى، فكل الذين برزوا بقوة أو معظمهم وجدوا فرصة الاستقرار فعملوا على تنظيم وقتهم والتفرغ للإنتاج على عكس كثير ممن أخذتهم مشاغل الحياة إلى مربعات منهِكة”.
وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ يقول: “الإبداع هو الإبداع الأهم أن يعرف هذا الكاتب/ة ماذا يكتب أيا كان حجم الإنتاج، لأن الفرص أو البيئة التي قد تتيح لعشرة من الكتاب في هذا البلد لن تتاح ل100 في بلد آخر، على سبيل المثال، كتاب الخليج أو بعض الدول التي تمنح مبدعيها التفرغ أو يصبح لديهم قدرة على الإبداع والسفر والبحث دون هموم فيما يخص توفير لقمة العيش، أيضا الأمر ينطبق على المرأة في هذه الحالة.
لكن في كل الأحوال المقارنة في الإبداع يجب أن تكون في إطار العمل الفني الذي خرج إلى النور بعد جهد وليس في الكم، وهناك نساء استطعنا اجتياز كل العوائق وحجز مقعد متقدم عن الرجل فيما يخص الفرص، ومع ذلك تشعر المرأة دوما بهذه الفوارق بحكم البيئة والدوائر التي تقيدها منذ أن تعي الحياة وهي جزء من فطرة بديهية، فالمرأة التي تنتج أولادًا مبدعين قادرين على العطاء هي امرأة منتجة مثقفة تستحق أن تكون ضمن الصفوف الأولى وإن كان إنتاجها محدود”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “بالنسبة للشق الأول من السؤال يحيلنا إلى جدل واسع حول تحطيم التابوه داخل الأدب عموما سواء كتبته امرأة أم خطه رجل، ونظرا لأننا مجتمع قائم على مؤسسات دينية تشريعية تنزع في صورتها الظاهرة إلى “المحافظة” يخلق هذا الأمر نوع من الصراع معظمه مكرر ويدور في حلقة مفرغة، فنحن اليوم في عصر العولمة وتداخل الحدود والرقمية والربوتات بمعنى أن الكاتب/ة من حقه أن يصور الواقع أو بالأصح يعيد إنتاجه بما يخدم العمل الفني، لأن استعمال الجنس في الأدب أو الإيحاءات الجنسية أصبح أمر تقليدي وربما مستهلك بعد عقود طويلة على بزوغ الأدب الروائي.
لأن القارئ الذكي هو الذي يمكن أن يقيم العمل سواء كان لرجل أو امرأة والأسلوب الفني الذي أتت اللغة الجنسية في سياقاته، والجرأة لدى المرأة أمر طبيعي من وجهة نظري فيما يخص الكتابة من هذا النوع ومن حقها في ظل مجتمع ما زال يعيش على القمع أن تجد لنفسها مكانة لتوثيق المشهد مثلها مثل الرجل.
خلاصة القول هنا أن الحديث عن الجرأة يقابله ظهور أدب ديني وهنا يقع الكاتب/ة في إشكالية التعاطي مع القارئ والواقع معًا، وعليهما أن يكتبا أدبًا بتجرد يحاكي الواقع الذي يتخيله أو يعيشه الكاتب، دون اجتراح التحرر المفرط أو إدعاء الأسلمة وتحويل الموضوع إلى حلال وحرام وجائز وواجب، نحن لسنا في إطار الفتاوى نحن نتعاطى مع أدب مفتوح”.
أما ما يخص الكتابة “الأيروتيكية”؟ أعتقد أن هذا المصطلح عموما تم تهذيبه أو بالأصح جرى استخدامه بحسب كل مرحلة وما صاحبها من فنون ونوازع وقوانين وأعراف، بمعنى أنه لم يغب أبدا عن الواقع كونه جزء من حياتنا اليومية. فقط كيف ومتى يتم التعاطي معه.
وعلى امتداد قرون وسنوات طويلة أو كما جرى الحال فقد تشكل مرة عن طريق الرسم ومرة النحت والتصوير والشعر والقصة والرواية، وحتى تقديس الأعضاء التناسلية كواحدة من أهم الأشياء التي تحافظ على بقاء الحياة والجنس البشري بصورته اليوم وفي السابق، وكذلك الرسائل الغرامية وربما عبر أحاديث جانبية بين الجنسين وانتقاله إلى الكتابة هو جزء من إعطاء المصطلح بعدا وجوديا أكثر منه شهواني.
إذا الأمر ليس بجديد إلا على الذين وجدوا أنفسهم حبيسي التشريعات القاصرة بين الحلال والحرام، وفوق ذلك هناك كتب دينية توسعت في هذا المجال وشرحت تفاصيل مملة لا توجد حتى داخل الفنون الإنسانية نفسها، ما يعني أن فكرة الكتابة الأيروتيكية أمر لم يعد يشغل كثير من القراء إلا بما يتم توظيفه فنيًا كما أننا في عصر العولمة والفضاء المفتوح بلا قيود. وحتى مسألة الشعر الماجن والسرد الجنسي وغيره كلها تهم ليست جديدة”.
وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “بكل تأكيد كسرت المرأة حواجز كثيرة خاصة في الثلاثة عقود الأخيرة بحكم التحولات التي شهدها العالم من سقوط الاشتراكية وإحلال الرأسمالية، وما تبعها من تطور واكتشافات قد يبدو الأمر خجول أو محدود في نظر المرأة نفسها أو هناك من يقلل من هذا التواجد لكن إذا قمنا برحلة استكشاف سنجد إبداع لا حدود له وليس شرطا أن يكون في الكتابة نفسها، اليوم هناك المخرجة والمصورة وكاتبة السيناريو والممثلة غير المجالات الأخرى الواسعة.
المرأة أصبحت تنافس الرجل، لم يعد الإبداع ذكوريا محضا وتحديدا في الكتابة حتى في المجتمعات التي ما تزال فيه المرأة محل جدل تبدع وتكتب وهي مغطاة بالخمار من رأسها إلى أخمص قدميها”.
لقد أصبحت هناك قناعة تامة بأن الحياة تقاسم وشراكة لدى كثير من الذكور، واليوم هناك ضجيج لا نهاية له في وسائل الإعلام والأدب يُصنع من قبل الجنسين بالتساوي.
فيما يخص إنصاف النقاد لكتابة وإبداع المرأة هذا عائد على العمل الفني، فالنقد نفسه يعاني من قلة في ظل تدفق عشرات الأعمال يوميا، وليس بالضرورة أن تنتظر المرأة الإنصاف من الناقد، مسألة الذكورة يجب أن تذوب هنا في هذا المقام لأن مسألة الإنصاف قد يعاني منها الجنسين الأمر متروك للقارئ هو الذي يقيم.
قد يكون هناك ما يشبه التنمر أو التقييم الذي يقلل من أعمال المرأة بحكم أسلوبها ومواضيعها وربما لغتها المسكونة ببعض الرغبات والمواضيع التي تعبر عنها كامرأة وجانب من الخصوصية، لكن ذلك لا يمنع الاستمرار في الكتابة”.
وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “بحسب اطلاعي مصطلح “الكتابة النسوية” أو “الأدب النسوي” ظهر قبل عقود في أوروبا أو الغرب عموما وما زال. هو يأخذ شقين أولا أنه نتاج للتقسيم الفطري رجل وامرأة ثانيا شكل الكتابة ربما استدعت هذا التقسيم، وهناك جدل واسع خاضه النقاد والكتاب والقراء معا وصل صداه إلى المجتمع العربي وهو حتى اليوم ما يزال قائم.
لكن في نهاية الأمر يمكن التوقف عند مستويات الكتابة وعمقها وماذا تعالج حتى لا نغرق في التصنيف على حساب فن السرد وفن اللغة والفكرة والهدف.
اليوم القارئ في ظل هذا الكم الهائل من وسائل التواصل والحاسوب يبحث عما يشده أكثر مما يتوقف عند التصنيف، إنما من باب تقييم النقاد وعمل الأبحاث والدراسات وإعطاء العمل بعدا وقيمة مسألة التصنيف واردة والجدل طبيعي لكن الأهم هو الفن، الأبطال، الجملة، الكلمة، قراءة ما بين السطور، الصورة، الشخوص، وأدوارهم المؤثرات.
بالنسبة للاختلافات تعكسها اللغة ومضمون ما يتم التطرق إليه ومن البديهي أن يكون هناك اهتمامات مختلفة ومتنوعة تتضمن أفكار وعواطف وهناك مشتركات مثل التعبير عن الحب والحزن والرغبات والتطلعات إنما تظل بصمة المرأة موجودة في كل سطر.
هذه المسألة شكلت عقدة في محطة ما فحاولت المرأة الكاتبة تقليد الرجل والدخول إلى مناطق كانت تعتبر محرمة مثل الإيحاءات والحديث عن الجنس والسحاق في محاولة منها للتخلص من مفهوم التصنيف ومحاولات التقابل مع الرجل وجها لوجه، لكن في النهاية لا بد أن نصل إلى قناعة تامة أن الأدب هو الأدب سواء كانت تقف خلفه أنثى أو كان يقف خلف ذكر”.
النسوية تهدف لتخريب النضال الاجتماعي المشترك..
ويقول الكاتب العراقي “جودت جالي”: “نحن هنا (في جوهر السؤال) أمام ترجيح، الكتابة مقابل الأمومة وشؤون البيت، هكذا بكل بساطة. هذا الترويج لفكرة أن المرأة تشغلها عوائق عن أداء مهام عظيمة في مجال الكتابة وبالتالي عليها التخلص أو إلقاء أعباء واجبات على من؟ هذه مجرد خدعة نسوية لا أكثر، ومع ذلك هي خطيرة للغاية إذ أن هذه العوائق لا تتعلق بظروف اجتماعية فقط بل بتكوين المرأة نفسها أيضا فهي خُلقت أما، الغاية من وجودها أن تكون أما.
أنا رجل وقد وُضعت يوما أمام الخيار، إما أن أفعل كما فعل بعض الأصدقاء ولا أعبأ بالحال الذي تنحدر إليه عائلتي وانصرف للكتابة أو أترك الكتابة وأعمل لأوفر لعائلتي ما تحتاج وأرعى شؤونها، وقد فعلت في ظل ظروف الطغيان أقف من الفجر إلى الليل في الأسواق أو أذهب لأعمال أخرى لمدة عشرين عاما. إذا كان يمكنها أداء مهمتها ككاتبة وأداء مهمتها كربة بيت وأم فلا بأس وإلا فمهمة الأم وربة البيت أوجب.
حين أُخَيّر بين واجبي تجاه عائلتي وناسي وبين الكتابة فلن تساوي عندي هذه شيئا. إن مهمة الأمومة مهمة نبيلة كمهمة رب البيت. بصراحة ما تفعله النسويات في الغرب هو الدفع باتجاه التخلي عن دور الأم وتكثر الجدل بشأن مكان المرأة في العلاقة الزوجية ومساحة الحرية التي تريدها والنسويات عندنا معجبات بما حصلن عليه بنات جنسهن من امتيازات، والتنظير وفلسفة الأمور مجرد تغطية على الهدف الحقيقي. ألا نعرفه كلنا؟.
وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ يقول: “توجد نصوص رائعة لكاتبات أجنبيات وعربيات ولكن أتفه النصوص هي الموظفة لخدمة الأهداف النسوية حتى من الناحية الفنية، وفي أحيان لا تكون مجرد نصوص نسوية بل أيروتيكية (التعبير الصحيح الذي نتجنبه هو خلاعية) كما هي حال نصوص كُتّابٍ موظفة للتنفيس عن شبقهم، وفي حالات معينة، انحطاطهم الأخلاقي. من الناحية الإجرائية أنا لا أحب تجزئة الهموم الإنسانية، والسعي للسعادة والعدالة يجب أن يكون ضمن النضال الاجتماعي العام. ما فعلته مراكز الفكر الغربية لتخريب النضال الاجتماعي المشترك هو الدفع باتجاه تيارات الفئوية، النسوية، الأقلية الجنسية، الجندر، الحقوق المثلية… إلى آخره. هذا مخطط بدأ منذ زمن بعيد. النصوص الجيدة، لامرأة أو رجل، جيدة لأنها متوفرة على شروط العمل الفني الناجح”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “لا أحب إشهار الاختلاف بهذه الطريقة وتوجد وسائل أكثر لياقة حتى بالنسبة للتابواهات. الأيروتيكية لها معنى متعلق بالجنس والشهوة وهي ليست إلا نسخة جديدة من الأدب الذي كنا نسميه (المكشوف المفضوح الخلاعي) ونحن نستخدم هذا المصطلح الغربي لكي لا نضطر لذكر أحد المصطلحات السابقة، فلماذا هذه المخادعة للنفس وما قيمة هكذا أدب؟”.
وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “طبعا استطاعت. يوجد نقاد كتبوا وأنصفوا ويوجد نقاد، وهم النسبة الأكبر، لا ينصفون كتاباتهن لأنهم يبالغون في مدحها ويكثرون مجاملتهن إلى حد التملق والغاية معروفة”.
وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “نعم.. تماما. يمكنني معرفة نص المرأة من الأسلوب والاهتمامات الواردة في النص وما تركز عليه حتى لو لم أكن أعرف النص لمن. الكاتبة تهتم بتفاصيل يتجاوزها الكاتب ولا يعطيها أهمية واللمسات التي تضفيها الكاتبة على نصها (النص الجيد أقصد) لها شخصية أنثوية مميزة”.