عرف الانسان منذ بداياته بأنه ميال الى حد شبه مطلق للدفاع عن مصالحه المجتمعية، بل انه احيانا يذهب الى القتال في سبيلها ودفع اثمان بالغة لاجل الحيلولة دون فقدانها او المساس بها .
ان هذا الموضوع قد لا يميل الكتّاب للتطرق اليه احيانا، كونه ذا تشعب وتعقيد يحتاج ربما لبحوث مفصلة لاعطائه حقه، او تبيان رسائله المطلوبة للقراء او المجتمع ككل ، غير ان اهميته توجب الحديث عنه لمعرفة خفايا وتداعيات مخاطره على المستوى السلوكي بشقيه الاخلاقي والقيمي .
ومن دون مقدمات سنكون واضحين وصريحين في الطرح، كون الحديث عن ذلك لا يمكن تناوله الا بخصائصه الواقعية من دون تزييف او تضليل او مناورة في التعبير ، اي بمعنى ان السلبيات التي نحن بصدد ذكرها ما هي الا مسامير تدقّ في نعش قد يحمل بين خشباته مبادئ امة بكاملها توارثت مكارم الاخلاق جيلا بعد جيل، وتغزّل بذلك شعراؤها وانبياؤها وأولياؤها على امد قرون طويلة مضت .
من بين تلك السلبيات التي ترافق الغريزة الانسانية العامة المتمثلة في دفاع الانسان عن مصالحه ، هي عدم النظر الى مصالح الاخرين او عدم الاكتراث لها او الايمان بأن الحصول على مكسب ما يستوجب حرمان اخرين من فرصة التنافس عليه، من منطلق ان الفرصة لا تحتمل الشراكة، وغيرها من الامور المشابهة الاخرى. العمل على وفق تلك النظريات المتعارف عليها مجتمعيا ليس في زماننا الحالي، بل منذ قرون طويلة وازمان غابرة ربما تصل لآلاف السنين، حاول رسل الرحمن وانبياؤه الحد من خطورتها عبر تحسين السلوك الانساني برسالات سماوية تارة، وتارة اخرى بنصائح مباشرة بسيرة مقدسة وثقها التاريخ حثت جميعها على ضرورة ان نحب للاخرين من نحبه للذات، وان المؤمنين لا بد ان يكونوا اخوة، وان النظر الى ارزاق الاخرين ما هو الى اثم كبير يوظف ضمن خانة الحسد، والذي هو واحد من اشد الاثام التي حذرنا منها الباري جل وعلا ، كما حثت تلك الرسالات على الايمان بأن الرزق الفردي والمجتمعي لا يأتي عبر مزاحمة الاخرين، وانما بالاجتهاد والمثابرة والثقة بالنفس وتطوير الذات، بهدف الوصول للهدف المنشود الذي يسعى اليه الانسان مع تنوع صوره وتفرع محتواه.
وفي ما يتعلق بالرسائل الانسانية فقد عبر الفلاسفة وعلماء النفس البشرية وخبراء مجتمعيون في دول عدة وعبر ازمان مختلفة عن رسائل ليست ببعيدة عن ما نقلته الكتب السماوية ورسالتها المقدسة، حيث عبروا بطرقهم عن ان البحث عن المصلحة الذاتية مع غض البصر عن المحيط ما هو الا احد انواع الامراض النفسية التي قد تتطور لاحقا الى اكتساب الانسان المعني سمات في غاية الخطورة، وهي الجشع واللؤم والقسوة والخيانة التي قد تقوده لاحقا الى انعزال شبه تام عن مجتمعه الاصلي، وبالتالي انسلاخه عن سمات شخصيته الانسانية التي يولد الانسان بالفطرة عليها وميزته عن بقية المخلوقات .
ان ما تقدم يشير بما لا يقبل الشك الى ان الانسان عليه ان ينظر نظرة ثاقبة على تصرفاته التي لا بد ان يكون رذم التحكم بها في غاية الدقة، فلا يمكن الخلط بين المتناقضين، فأما ان يكون انسانا مؤمنا بإنسانيته التي اراده الله تعالى ان يكون عليها، كما ان الانسانية تشرّعها وجعلتها دستورا لها، واما ان يعود الى اصله البشري قبل ان يستخلفه الله تعالى في الارض عندما تم تحويله وتصحيح مساره الدنيوي .
ما تقدم يدفعنا للتذكير بنقاط مهمة نحن لسنا بصدد انتقادها او الوقوف ضدها، بقدر ما نصبو الى تبيانها وفصلها عن ما ذكرناه من صفات سلبية ، الا وهي ان التنافس هو حق مشروع لكن ان لا يتحول الى تسقيط المنافس، وان الطموح هو غاية طلب المبدعين غير انه يختلف عن الحقد وكراهية من يتحلون بذلك الطموح نفسه ، وان الحفاظ على المصالح المالية سواء كانت في العمل بتنوع اشكاله يكون عبر سد الثغرات والعيوب التي من شأنها التأثير في استمراريته وليس عبر اذية الزملاء او الاقران ولاسباب عدة من بينها التقرب لولي العمل او محاولة الظهور بدور قيادي او انجاح تجارة ما الى اخره من الامثلة، ونرى ان الصورة باتت واضحة المعالم للقارئ بخصوص ما ذكر سابقا .
على اي حال فأن دورنا الانساني والامانة الملقاة على عاتقنا في توعية المجتمع، وايجاد المعالجات للسلبيات التي تنشر فيه، توارثا في بعض الاحيان، وذاتيا في احيان اخرى دفعتنا لتناول هذا الموضوع الذي نعتقد بأنه احد مفاتيح الاصلاح المجتمعي، الذي نؤمن جازمين بأنه يبدأ من الذات وصولا للكل لا من الكل ثم تعميما على الافراد.