22 نوفمبر، 2024 2:44 م
Search
Close this search box.

مابعد الانتخابات العراقية..الخيارات الممكنة لتجنب الانفاق المظلمة!

مابعد الانتخابات العراقية..الخيارات الممكنة لتجنب الانفاق المظلمة!

مرّ حوالي شهر على اجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، ومازالت الامور تدور في حلقة مفرغة، في ظل موجة الرفض والتحفظ والاعتراض والاحتجاج السياسي والجماهيري على النتائج النهائية التي اعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بعد ايام قلائل، وبدلا من ان تفضي عمليات العد والفرز اليدوي لمئات المحطات الانتخابية الى تهدئة الاجواء، والاقتراب من حافات انهاء الازمة، راحت مظاهر الرفض والاحتجاج تتزايد وتتسع، ومع تزايدها واتساعها، اخذ الغموض يلف المشهد السياسي العام.

وقد كان متوقعا ان تساهم عمليات العد والفرز الالكتروني بتسريع اعلان النتائج، خلافا لكل الانتخابات السابقة، وبالتالي اختزال الفترة الزمنية لانجاز استحقاقات مابعد الانتخابات، من قبيل مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج، ومن ثم دعوة رئيس الجمهورية البرلمان الجديد للانعقاد، ليصار الى انتخاب هيئة رئاسة البرلمان ورئيس جمهورية جديد، ليتولى الاخير تكليف مرشح الكتلة البرلمانية الاكبر بتشكيل الحكومة الجديدة خلال ثلاثين يوما من تأريخ التكليف.

بيد ان نتائج الانتخابات الصادمة، اربكت كل الحسابات، وبددت مختلف التوقعات، فمرور شهر على اجراء الانتخابات من دون التقدم خطوة واحدة الى الامام، يؤشر الى قدر كبير من التعقيد والغموض، ناهيك عن القلق من اسوأ الخيارات والاحتمالات.

مفوضية الانتخابات، تؤكد، انها تعتمد السياقات والاليات القانونية في التعاطي مع الاعتراضات والشكاوى، بعبارة اخرى، هي تريد القول، بأنها غير معنية بحراك الشارع، بأعتباره ينطوي على ابعاد سياسية، لايمكن اسقاطها وفرضها على عملها المهني، بما يمكن ان يؤدي الى تغيير او تعديل النتائج بالشكل الذي يرضي الاطراف المعترضة عليها.

وبعد اكثر من اسبوعين على التظاهرات والاعتصامات السلمية امام المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، وفي محافظات اخرى، اعلنت اللجنة التحضيرية للتظاهرات والاعتصامات الرافضة لنتائج الانتخابات في اخر بيان لها صدر قبل عدة ايام، لجوئها الى مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية، قائلة في بيان لها بهذا الخصوص، “لأن المفوضيةَ بأدائها المؤسف هذا قد فقدت حياديتها وأمانتها في أداء دورها المطلوب منها قانونيا وأخلاقيا، فإننا نطالب مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية الموقرة بالتدخل الفاعل لإنقاذ البلاد من خطورة ما تسببت به المفوضية الفاقدة لأهليتِها”، في ذات الوقت الذي دعت الجماهير في بغداد والمحافظات المختلفة الى الخروج بتظاهرات سلمية في اطار ما اسمته بـ(جمعة الفرصة الاخيرة)، والتي شهدت مظاهر عنف ومواجهات بين بعض المتظاهرين من جهة والقوات الامنية المسؤولة عنن حماية المنطقة الخضراء من جهة اخرى، الامر الذي تسبب بسقوط قتلى وجرحى، وبالتالي احتقان الاجواء.

الى جانب ذلك، فأن التصريحات التي صدرت من بعض قادة قوى الاطار التنسيقي للقوى الشيعية، غابت عنها الى حد كبير، مؤشرات وملامح القبول بواقع الارقام والنتائج الانتخابية المعلنة، فالامين العام لحركة عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي، قال في مقابلة تلفزيونية، ان الانتخابات مطعون بنتائجها ومرفوضة من الطيف السياسي الأكبر، وهذا الرفض مبني على قرائن وادلة، فضلا عن تأكيده على ان مسار الاحتجاجات مستمر حتى إعادة الحق إلى نصابه، والاكثر من ذلك لوح الشيخ الخزعلي بأمكانية مقاطعة العملية السياسية برمتها اذا بقيت النتائج على حالها.

في قبال ذلك، فأن وتيرة الحراك داخل الاروقة والكواليس السياسية ارتفعت بصورة واضحة وملموسة، مع وصول زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الى بغداد قادما من النجف الاشرف، ولقاءاته مع كل من رئيس البرلمان المنتهية ولايته ورئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي، الحاصل عى اثنين واربعين مقعدا، ورئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، ورئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، فضلا عن لقاءات عقدها بعض اعضاء الوفد المرافق للصدر مع وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة هوشيار زيباري، الذي وصل بغداد بالتزامن مع وصول الصدر اليها.

ورغم ان زعيم التيار الصدري، قد غادر بغداد عائدا الى مقر اقامته في منطقة الحنانة بمحافظة النجف الاشرف، قبل ان يكمل برنامج لقاءاته واجتماعاته المقررة، اعتراضا على العنف والاضطراب غير المبرر-بحسب وصفه-، الا ان ذلك لايعني توقف حراك تشكيل الحكومة، لاسيما مع تصور عام مفاده، انه مهما تأزمت الامور وبلغت نقاط حرجة وخطيرة، ففي النهاية لابد من التوصل الى صيغة معينة للتهدئة والقبول بالامر الواقع وفق ترضيات وتوافقات وتفاهمات سياسية، تؤدي ابتداء الى نزع فتيل الازمة وتهدئة الشارع، ومن ثم البحث في صيغة مناسبة لادارة العملية السياسية والدولة في المرحلة المقبلة، وفق الاستحقاقات الانتخابية من جانب، ووفق مقتضيات الوضع العام للبلاد من جانب اخر.

وعلى فرض ان الارقام الانتخابية ستبقى على حالها، او انه سيطرأ عليها تغييرا نسبيا طفيفا-وهذا هو المتوقع-فهنا سنكون امام خيارين، الاول، الذهاب الى مبدأ التوافق المعمول به طيلة الاعوام الثمانية عشر الماضية، اما الثاني، فيتمثل بأعتماد مبدأ الاغلبية الحاكمة والاقلية المعارضة.

وبالنسبة للخيار الثاني، الذي يعد زعيم التيار الصدري ابرز المتبنين له في هذه المرحلة، فقد طرح من قبل بعض الشخصيات والقوى السياسية سابقا، الا انه لم يجد طريقه الى التطبيق العملي، لاسباب مختلفة، من بينها تعقيدات الوضع السياسي العراقي العام، فضلا عن هشاشة الوضع الامني، والمؤثرات والتأثيرات الخارجية، وكذلك عدم قناعة حتى الاطراف التي كانت تدعو الى تشكيل حكومة اغلبية بمثل ذلك الطرح، لصعوبة تطبيقه، وما يمكنه ان يولده من ازمات ومشاكل اضافية في حال تم اعتماده، ناهيك عن التفكير والسعي المحموم نحو المكاسب والمواقع والامتيازات الحكومية، يجعل من فكرة الذهاب الى المعارضة، خيارا لاجدوى منه. واكثر من ذلك، فأنه حتى الذين كانوا يقاطعون العملية السياسية، او يمتنعون عن المشاركة في الحكومة، فأنهم يبقون يتواصلون ويتحركون عبر قنوات مختلفة من اجل الحصول على المواقع والمناصب هنا وهناك.

وفي المرحلة الراهنة، فأن طبيعة الاصطفافات السياسية، والارقام والنتائج الانتخابية، اضافة الى حقائق الواقع وتحدياته، ربما تقلص الى حد كبير فرص وافاق خيار حكومة الاغلبية، وهذا ما نجده ونلمسه واضحا بمقدار كبير بين طيات مجمل خطابات وتصريحات الزعامات والنخب السياسية، من خلال تأكيدها وتشديدها على ضرورة تغليب المصالح الوطنية العامة، واهمية تحقيق التفاهمات والتوافقات الكفيلة بدرأ المشاكل والازمات، وتحسين الظروف الحياتية للمواطنين.

وبما ان التوافق والتفاهم داخل المكون الشيعي، لاسيما على شخص رئيس الوزراء، يعد المفتاح والمدخل الاساسي لمجمل الخطوات والتفاهمات اللاحقة مع المكونين السني والكردي، وبما انه لايمكن لاي طرف-بصرف النظر عن كونه الاول في عدد المقاعد البرلمانية او لا-الانفراد بحسم الامور، فحينذاك، لامناص من جلوس الفرقاء مع بعضهم البعض حول طاولة واحدة، مهما كانت الخلافات عميقة والاختلافات كبيرة فيما بينهم.

لايستطيع التيار الصدري الحاصل على 73 مقعدا ان يذهب لوحده ليشكل حكومة اغلبية مع جزء من المكون السني وجزء من المكون الكردي، وحتى لو استقطب تحت مظلته عددا من المستقلين والكتل الصغيرة، لن يفلح بالسير في خيار حكومة الاغلبية، لان السنة والاكراد، يفضلون-بل ربما يصرون على-التعاطي مع المكون الشيعي بعد ان يكون قد حقق الحد الادنى من تفاهمات وتوافقات الامر الواقع.

ونفس الشيء بالنسبة لقوى الاطار التنسيقي، التي يقدر عدد مقاعدها، فيما لو قررت ان تؤسس تحالفا او كتلة برلمانية رصينة، ما يربو على 80 مقعدا، في حال ذهبت الى الفضائين السني والكردي لتأسيس تحالفات عابرة، كما يحلو للبعض تسميتها، ستصطدم بذات الحقائق والمواقف.

وما ينبغي التأكيد عليه، هو ان اصرار المكونين السني والكردي على تحقيق التفاهم والتوافق الشيعي اولا، ليس حبا وحرصا على هذا المكون، بقدر ما يرتبط الامر بتفاهمات وتوافقات مماثلة في اطار هذين المكونين، لتحديد وحسم منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان، بل ابعد من ذلك، الاتفاق على حصة كل كيان من كيانات المكون في التشكيلة الحكومية بأطارها العام الشامل.

ولعل اغلب القوى والشخصيات السياسية، تدرك تماما، ان خيار التوافقات والتفاهمات السياسية، بكل سلبياته ومثالبه، سيكون افضل-على المدى المنظور في اقل تقدير-من خيار حكومة الاغلبية، لاسيما اذا كان طرف المعارضة لايقل كثيرا من حيث التأثير والنفوذ والحضور الجماهيري عن الطرف الحاكم، ناهيك عن ان الخيار الثاني يمكن ان يعمق حالة الانقسام والتشضي والتفكك داخل حدود المكون الواحد، وفيما بين المكونات، وهذا يعني فيما يعنيه تعميق المشاكل والازمات بدلا من حلها وحلحلتها.

الذهاب الى خيار التوافق والتفاهم، قد يمهد السبيل لمصالحات بين خصوم اشداء، مثل زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وكذلك بين الصدر والامين العام لحركة عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي، مثلما راحت الحواجز تتخلخل وتتساقط بين القطبين الكبيرين في المكون السني، رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي، وغريمه زعيم تحالف عزم خميس الخنجر، سواء من خلال الوساطات التركية والقطرية، او الوساطات العشائرية الداخلية.

واذا كان لابد من الابقاء على مساحة صغيرة للمعارضة، فأن حركة امتداد التي ولدت من رحم الحراك التشريني، ونجحت في حصد 9 او 10 مقاعد، ومعها جزء من المستقلين الفائزين الذين يقدر عددهم بحوالي 30 نائبا، وشكل بعضهم ما يسمى (الكتلة الشعبية المستقلة)، ستشغل هذه المساحة وتتحرك فيها، دون ان تؤثر كثيرا على معادلات التوافقات والتفاهمات بين القوى والكيانات الكبيرة.

وذلك بمجمله لايلغي امكانية او فرضية حصول مفاجئات صادمة، من تلك التي يحفل بها المشهد العراقي العام.كأن يقرر الصدر شيئا خارج الحسابات والقراءات الواقعية، او يذهب البعض الى مقاطعة العملية السياسية، كما المح الخزعلي.

وكل هذا مرهون بالخروج من مأزق النتائج الانتخابية، ومن يتكفل بذلك، وكيف، ومتى؟.. وفي كل الاحوال لايبدو ان الحكومة العراقية الجديدة ستبصر النور قبل الربيع المقبل.

————————-

*كاتب وصحافي عراقي

أحدث المقالات