19 ديسمبر، 2024 12:48 ص

لماذا تخاف المؤسسة الدينية مقاطعة الانتخابات؟!

لماذا تخاف المؤسسة الدينية مقاطعة الانتخابات؟!

بدءاً المؤسسة الدينية ينبغي أن تعمل بوظيفتها وهي حماية مصالح الناس، ورعاية أمورهم وتخفيف الأعباء عنهم، أما أن ترى هذه المؤسسة تعزف على الوتر الذي يطرب الفاسدين الذين استهلكت منبر الجمعة كاملا في السنوات الماضية في انتقادهم وتحميلهم مسؤولية الفساد حتى نما شعور لدى الناس أن هذه العملية لم يجنوا منها غير ارتفاع الظلم والجور وتردي الأوضاع حتى صارت دماء الناس وكراماتهم وأعراضهم وأموالهم نهبة للذئاب، فهذا الأمر يحتاج أن يقفوا منه وقفة محاسبة لهذه المؤسسة ولا يتركوا لها الحبل على الغارب هكذا، فلطالما لعبت المؤسسة الدينية دور الراعي، وكانت دائما توضح للناس أن الفساد أكل مفاصل الدولة، بل وصل الفساد إلى أخمص القدم ولا سبيل إلى العلاج، ولكن تستغرب اليوم أشد الاستغراب عندما تجد هذه المؤسسة التي تعد نفسها الراعي الصالح، تشدد على من ترعاهم كي يكونوا طعاما للذئاب!!
الراعي الصالح لا يترك غنمه نهبة للذئاب، فما بالك بهذا الراعي الذي يسلم بيده رعاياه للذئاب؟؟!! في أيام الحسين(ص) وعلى منبر الحسين(ص) يتحدث الناطق بلسان المؤسسة الدينية قائلا : أسمع أن الناس أنهم يريدون مقاطعة الانتخابات، ولو سألتني: هل هذا صحيح؟! أقول: لا هذا خطأ، وخطأ كبير!! لماذا خطأ كبير؟؟!! لأنه سيسلب الشرعية المزعومة لعملية من ألفها إلى يائها ينخر فيها الفساد، حتى أن الناس لم تستنكر على رئيس الحكومة وهو يصرح على العلن بوسائل الإعلام: أن ما منعه من الذهاب إلى البرلمان للمساءلة لأنه إذا ذهب سيحمل معه ملفات فساد تقلب الدنيا!!!!
رئيس الحكومة يقول : لديه ملفات فساد تقلب الدنيا!!!! عجيب، عجيب، إذن لماذا هذا التشبث بعملية فاسدة؟؟!! وهل من العدل أن يترك الناس بيد الذئاب ورئيس الحكومة لا يريد الذهاب إلى البرلمان حماية للذئاب ولا يريد كشف ملفات فساد تقلب الدنيا؟؟!! يا عقلاء أفتونا مأجورين، هل يقول بهذا القول عاقل؟! وإذا رضي العاقل لنفسه أن يقول مثل هذا الكلام لأنه مستفيد من السكوت على الفساد!!! فما بال السامع ضربت عليه الذلة إلى هذا الحد فيقبل أن تنهشه الذئاب من دون أن يحرك ساكنا!!
ذكرني هذا الحال بحادثة وقعت لجندي مغولي ذكرها ابن الاثير في الكامل عند اجتياح المغول إلى بغداد وإباحتها للجند اياما، فوافق أحد الجنود وهو يتجول في أزقة بغداد أن رأى مجموعة من جند الخليفة فطاردهم لوحده وهم يفرون أمامه من زقاق إلى زقاق حتى حصرهم في أحد الازقة المغلقة، وإذا به يلتفت إلى نفسه لم يكن بيده سيف ليقاتلهم، وهم يرتعدون خوفا من صوته، فقال لهم: انتظروني حتى آتي بسيف!! وإذا به يتركهم ويذهب ليأتي بسيف وهم جامدون بمكانهم لم يستغلوا عددهم وخلو يد عدوهم من السيف، وحتى لما ذهب ليأتي بالسيف لم يهربوا ويفلتوا من هذا الحال المخزي، بل انتظروه حتى جاء بالسيف وقتلهم كلهم!!!
عندما قرأت هذه الحادثة منذ زمن أيام الدراسة بقيت معلقة في ذهني لا تبارحني، بل لما قرأتها تصورتها وكأنها حادثة ملفقة وأسطورية، ولا يمكن أن تكون واقعية وحصلت بالفعل، حتى دار الزمان دورته، وصرنا في دولة بني العباس ـ بحسب ما تصرح المؤسسة الدينية في مجالسها الخاصة ـ وهذا التصريح ذكرته وكالة أنباء حمورابي (http://hammurabi-news.com/viewcontent/?c_id=10880)، وهذه الدولة تركت الناس نهبة للذئاب، والذئاب راحت تنهش بهذا الشعب من كل حدب وصوب، والمؤسسة الدينية هي من جعلت الناس ـ للأسف ـ كائنات خائرة كأولئك الذين حشرهم الجندي المغولي في زقاق مغلق وتركهم ثم عاد لهم بسيفه ليقتلهم كلهم، وهناك كان جنود الخليفة صورة للذل الذي لا يوصف، واليوم هذه الحالة يجسدها شعب كامل وتلك هي المصيبة.
لماذا المؤسسة الدينية تصر على الناس لكي يذهبوا إلى الانتخابات؟؟ وما معنى ادعاء المؤسسة أنها لا تتدخل بالسياسة، ثم بعد ذلك تظهر المؤسسة نفسها هي اللاعب الرئيس في العملية السياسية؟؟!! بل المؤسسة الدينية هي مؤسس هذه العملية التي يذبح بها الناس ليلا ونهارا، وعدم ذهاب الناس إلى الانتخابات يعني بوضوح انهيار هذه العملية التي لم يجنِ الناس من ورائها غير القتل والتهجير والبطالة وانتفاخ كروش، وموت سواد أعظم من الناس جوعا وضياع؟؟!!
يتذكر العراقيون جيدا فترة من الأمان لم يشهد لها العراق مثيلا هي فترة التي تلت سقوط الطاغية، واستمرت لثمانية اشهر تقريبا قبل مجيء الأحزاب ومليشياتها، فلم تنقطع الكهرباء ساعة واحدة، وحتى عمليات الفرهود حجمها الناس كل أهل منطقة بمنطقتهم، فبدأت الناس تنتبه إلى قبح هذا الفعل، فلم يكن الفرهود غير فورة هاجت ثم سكنت، نعم كانت هناك مصاعب، ولكن المآسي التي جناها الناس بعد مجيء الأحزاب أضعاف أضعاف المآسي التي صاروا يجنونها بعد مجيء الأحزاب ومليشياتها، واشتعلت التصفيات، والقتل واستباحة الدماء، وأتذكر مرة صعدت مع أحد سواق التكسي فوجدته يتذمر لأنه فرهد مكيف هواء لكي ينعم أولاده به وينسوا الام حر الصيف، ولكنه لما سمع الجوامع تدعو الناس إلى إعادة ما فرهدوه لأنه مال حرام، خاف هذا الرجل وحمل المكيف وذهب به إلى الجامع!! وهنا يقول لي: تصدق!! بعد كم يوم أرى المكيف في بيت الشيخ؟؟!! هو هذا الدين؟؟!! كان يقولها بألم وحرقة وهو يشعر بمرارة الخديعة.
إذن بعد هذه المشاهدات التي هي غيض من فيض، ولو كان من العراقيين من عنده الإمكانية إلى تسطير ملحمة لما حصل وفعله أتباع المؤسسة الدينية والأحزاب من أمور لقال له قارئ هذا الكلام بعد كذا مائة سنة: هذه خرافات وأساطير لا يمكن أن يستوعبها عقل عاقل، وبالمقابل؛ ما أعظم خيال الكاتب الذي استطاع أن يكتب هذه المواقف العجيبة الغريبة!!! نعم ما يحصل في العراق اليوم يؤكد أن قصص ألف ليلة وليلة ليست اساطير أو خيال كاتب مبدع، بل هي ذاكرة أمة كان يُفعل بها كل ذلك الذي فعل، بل لعل ما ذكرته قصص ألف ليلة وليلة هو جانب بسيط لما كان يقع على الأرض!!
المؤسسة الدينية المستفيد الأكبر مما يحصل اليوم بهذا الواقع المؤلم، لأن هذه المؤسسة تجني الثمار الناضجة من دون عمل وتعب، وتترك الحصرم للناس، فالفساد الذي يحصل تلصقه بظهر الحكومة والبرلمان، ودماء الناس تلصقها بالجهات الأمنية، والراحة والأمان والأملاك والجاه والسلطة والوجاهة كلها للمؤسسة الدينية، وأمامكم مراسم عاشوراء صارت (بازار) كبير استنزفت به أموال الفقراء لتصب في كروش الشيوخ، والنتيجة ما هي؟؟ النتيجة هي أن المؤسسة الدينية هي الراعي الرسمي لهذه العملية السياسية التي أنتجت كل هذا الفساد، وتفزع المؤسسة الدينية عندما تسمع الشارع يريد أن يقاطع هذه العملية لأن مقاطعة الشعب يعني سقوط العملية برمتها، وهذا يعني أن الشعب سيبحث عن سبيل ينقذه من هذا التخبط والضياع، والمؤسسة الدينية لا تريد ذلك، ولذلك أغلقت على الناس كل المنافذ لتجبرهم على الدخول من بابها الذي فتحته حسب وهو باب الانتخابات، ولا سبيل سوى الانتخابات!! مع أنها لدورات ثلاث جربت هذه المؤسسة أن ذرائعها بدأت تسقط ذريعة ذريعة وفرص تصديق الناس لها باتت قليلة جدا.
ورد عن أمير المؤمنين(ص) أنه قال : [“..لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتّم الحق وراءَ ظهُورِكم وقَطَعتمُ الأدنى من أهلِ بدر ووَصلتم الأبعدَ من أبناءِ الحرَبِ لرسِول الله ولَعَمري أنهّ لو قد ذابَ ما في أيديهم لدنى التحميصُ للجزاء وقَربُ الوعَدُ وانقضت المدّةُ وبدى لكم النجم ذو الذنب من قِبلِ المشرقِ ولاحَ لكم القمرُ المنيرُ فإذا كان ذلك فراجعوا التوبةَ وأعلموا انكمّ إنْ اتبعتّم طالعَ المشرقِ سلك بكم منهاجَ الرسول (ص) وتداويتم مِنَ العمىَ والصمم…”]، فهنا أمير المؤمنين(ص) يقدم النصح للبشرية بمراجعة التوبة، فهل هناك سامع فينتفع بنصيحة العالم الحكيم؟!