كلمة ضياء السعداوي صاحب مكتبة الحكمة في ندوة توقيع كتاب الأستاذ عبدالهادي الخليلي (رحلتي في الطب والحياة)
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات الأعزاء ….
وأرحب بجميع الحاضرين معنا اليوم وخصوصاً المشاركين لأول مرة وكذلك من تجشم عناء الوصول الينا من مسافات بعيدة ومن يتواصل معنا على قناة زوم وأخص بالذكر سيادة رئيس الجمهورية العراقية الموقر الدكتور برهم صالح بإرساله رسالته الكريمة مشكوراً بهذه المناسبة وكذلك تحيات سفير العراق الدكتور فريد ياسين لعدم إستطاعته الحضور نظراً لمشاركته في مؤتمر دولي إضافة الى جميع الأخوة المشاركين من عدة دول منها العراق وأنكلترا والولايات المتحدة على قناة زوم.
نلتقي اليوم مرة أخرى في مكتبة الحكمة ضمن فعالياتها وأنشطتها الفكرية والثقافية والأدبية … بعد توقفنا في الفترة الماضية وتجميدها نظراً للظروف الصحية القاهرة التي مرت عبر تفشي وباء كورونا في العالم. ونأمل أن نكون في نهاية المحنة ونتنمنى للجميع أن يكونوا بألف خير وصحة وسلامة.
في هذه الأمسية، سيكون عرض وتوقيع لكتاب “رحلتي في الطب والحياة” وهي سيرة حياة وذكريات لطبيب من وادي الرافدين وهو الأستاذ الدكتور عبد الهادي الخليلي، وهو الطبيب العالم العلم في أختصاصه والذي لم يكتفي بقول كان أبي وعائلتي ومالها من تاريخ في الطب والعلم بل كان الأبن النجيب البار الذي حمل الراية والمشعل وزادها علواً وإشراقاً وتألقاً، بما أجتمع فيه من حُسن الخصال والصفات منها العلم والذكاء والخُلق والأدب … وقوة الأصرار على تحقيق الهدف مع ثقة في النفس تتجلى في تواضعه وأبتسامته المشرقة والتي كانت المفتاح للتواصل مع الأخر والبلسم الشافي والأمل بمستقبل أفضل. لقد كان ولا زال الأخ والصديق والطبيب العالم والأستاذ المعلم والأبن البار للوطن والأمة والأب والقدوة للأجيال التي تربت وتعلمت على يده.
الأخوة الأعزاء …. الكتاب الذي نعرضه اليوم هو من أواخر كتبه وليس الأخير ان شاءالله فهو كالنهر كلما أغترفت منه يقول لدي المزيد. فلديه العديد من الكتب التي لم تُنشر وترى النور بعد، ومنها كتب في التمريض العصبي والجراحة العصبية وغيرها، ونتمنى أن تُنشر في المستقبل القريب ليستفاد منها الجميع. وكما له العشرات من الكتب والبحوث المنشورة قدم منها مائة وخمسة من البحوث في العشرات من المؤتمرات المحلية والعربية والعالمية كان بها الخليلي من المنظمين لها إعداداً أو مشاركة فاعلة وله بحوث ضمن اللجان البحثية والتخصصية، منها منظمة الصحة العالمية، وجمعية مكافحة السرطان، وهيئة البحث العلمي، ولجنة أختيار علماء العراق، وعضو في المجمع العلمي العراقي. وفي مجالات طبية أخرى منها جراحة العين ومحجرها، والأكياس المائية وزرع النخاع الشوكي وكذلك السرطان. كما أشرف على ثلاثين أطروحة دراسات عليا لطلبة الماجستير والدكتوراه. ومن الكتب المنشورة له كتاب مكافحة السرطان في العراق وكتاب معجم المصطلحات الطبية والعصبية وكتاب كيف تكتب الأطروحة لطلبة الدراسات العليا، وساهم في إصدار كتاب لجامعة تمبل في أميركا بعنوان “كيف ينظرون ألينا”.
درس وتدرب وشارك وعمل في أرقى كليات وجامعات ومستشفيات ومراكز البحوث العلمية في العالم أبتداءً من العراق وأنكلترا وسويسرا وألمانيا وبلجيكا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. وكان الخريج الأول على دفعته في كلية طب جامعة بغداد عام 1966 وحصل على زمالة كلية الجراحة الملكية البريطانية عام 1984 إضافة الى العديد من الشهادات العلمية الأخرى من دول متعددة في العالم. وكما حصل على شهادة الأستاذية عام 1988، وشغل العديد من المناصب المهمة في حقل التدريس والعمل الأكاديمي فنال بجدارة العديد من الألقاب المشرفة منها الأستاذ المتميز عام 1994 ولقب أفضل طبيب من أتحاد الأطباء العرب عام 1997، وعلى العديد من الأوسمة منها وسام العلم وشارة العلم التي تُمنح للمتميزين من العلماء في العراق والعديد من الجوائز من الجامعات والكليات والهيئات الطبية المتخصصة. وأُقيمت له العديد من حفلات التكريم والأحتفاء بخدماته المتميزة.
أخوتي الأفاضل الأعزاء أن هذه الأسطر ما هي ألا قطرات وبصمات من الصورة المشرقة التي نقرأها من خلال سيرته الذاتية والتي أرفقناها لكم مع الأعلان عن الأمسية.
وأن الدكتور عبدالهادي الخليلي هو حالة مشرقة ومشرفة ليس للعراق فقط بل للأمة العربية والأسلامية والأنسانية، ونحن بأمس الحاجة لها لا سيما عندما يصيبنا الإحباط أحياناً لما يمر بأمتنا وأوطاننا العربية من بعض حالات الأنهيارات على مختلف الأصعدة السياسية والأقتصادية والعسكرية والأجتماعية والمعرفية والأنسانية والأخلاقية والقيمية نتيجة لتغييب العقل والعدل، ومن فقدان البوصلة نحو الأهداف السامية للرقي بالأوطان والمجتمع حيث نرى تحول عقدة العبودية عند البعض من القوي الى تنمر على الأقلية والضعيف أقتصادياً متجاوزين كل الأعراف والقوانين الأنسانية والشرعية والدولية، ونحن في الوقت الذي لا نبرأ القوى الكبرى الخارجية ولكننا نتفهم بأن لا يكونوا ملكيين أكثر من الملك حيث أنهم يطبقون القيم والقانون على شعوبهم والمقيمين في أوطانهم بكل شفافية. وربما يعتقد البعض أن هنالك بعض المبالغة في قراءة الصورة ولكنني أذكّره وكلنا نرى ونعرف وشاهدنا حالات مؤلمة يجب أن لا تكون في العراق مثلاً (أما الحديث عن باقي الدول العربية فيطول من حروب أهلية أو تنمرعسكري وأقتصادي على أوطان عربية شقيقة وغيرها من مشاكل) حيث أن العراق كان أول من بنى حضارة أنسانية في سومر وأكد وبابل وأشور وما قدمه منذ بداية تحضر الأنسان في أكتشاف الزراعة والأستقرار البشري بالإستئناس بالعيش المشترك مع الأخر وبإنشاء أول القرى والمدن، ومنها أوروك (الوركاء) بلد نبينا أبراهيم، عندما أصبح لديه الوقت بأنتظار حصاد ما زرع فأستفاد من الزمن للتفكير لتدريب يده على المهارة في صنع الأدوات والآلة لما يحتاج لتطوره في الزراعة والعمل ومنها العجلة الى أنتقاله من مرحلة التفكير فقط الى كتابة ما يفكر به. فكانت الكتابة المسمارية وهنا بدأت كتابة التاريخ. وبعدها كان بناؤه لأول مجتمع ودولة ودستور من خلال شريعة حمورابي والتي كانت الأولى في التاريخ لتعريف المواطن وما له من حقوق وعليه من واجبات وعقوبات في حالة أنتهاكها ومروراً بخلافة الأمام علي المرتكزة على العقل والعدل في الكوفة وعصر المأمون وما أثرى به العالم من علماء في كافة العلوم ومنها الطب والفلسفة بما فتح الأفاق للبشرية ومنها أوروبا للأنطلاق في نهضتها لتصل الى ما وصلت اليه اليوم من تطور. نعم كل هذا التاريخ والحضارة المجيدة والبلد الزراعي بنهريه دجلة والفرات وما يمتلكه من أكبر خزين وأحتياط للنفط في العالم وباقي المعادن الأخرى .. ولكننا نرى حالات يندى لها الجبين ومنها أطفال الشوارع والمتسولين أو الذين يبيعون في الطرقات سواء من أسر متعففة أجبرها الحال أن يعيلها أطفالها أو أن هؤلاء الأطفال ضحية لعصابات أجرامية سرقتهم وسخرتهم لجني المال بأبشع الطرق منها السرقة والدعارة والأستغلال الجنسي والأدمان وغيرها من حالات الرشوة وعدم تطبيق القانون إضافة الى أزمات أخرى مثل الكهرباء وأنهيار الطرق حتى وصل الخلل في ثقافة البعض بضياع القيم، فاخذ القوي يتكالب على الضعيف ويحرص على الباطل ويترك الحق وأننا عندما نذكر ذلك فأن هذه الحالات لم تكن موجودة بهذا الشكل قبل أكثر من خمسين عاماً في مرحلة الستينات والخمسينات وقبلها على سبيل المثال. ومثلما هنالك ضحايا من كل أبناء العراق من شماله الى جنوبه وبمختلف قومياته وأديانه ومذاهبه فأن الجاني أيضاً من أبناء محسوبين على العراق من شماله الى جنوبه وبمختلف قومياته وأديانه ومذاهبه أيضاً. أنها مسؤولية الدولة أولاً والمجتمع ثانياً وبالتالي العائلة ومسؤولية من يتصدى لواجب الوظائف العامة والسياسة والأعلام والثقافة والدين وليس الذين سقطوا في اللهاث على قشور الدنيا، ولكن من الحكمة الألهية أن لا نيأس من رحمة الله والأمل، ويمكننا القول أنها ليست حالة عامة وهنالك حالات أيجابية مثل توفر الديمقراطية وحرية الرأي ورجال نفتخر ونعتز بهم بكافة المجالات والأصعدة، يقومون بأداء واجبهم ودورهم رغم إن صورة الحالة السلبية هي الأكبر من خلال ما نرى، وهي رسالة للأمة والمسؤولين فيها حيث أن المعضلة المشكلة هي بتغييب العقل والعدل وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وأن الأمل بمستقبل أفضل مرهون بتجاوز هذه المعضلة المشكلة. وأن هذا لجلي من خلال ما نرى من كفاءات وصفحات مشرقة نفتخر بها من أمثال الدكتور الخليلي أو في رجال ذكرهم الدكتور في كتابه والذي هو أكبر من كتاب بل هو موسوعة تاريخية طبية وأجتماعية لحقبة مهمة من تاريخ العراق ومنها نستفيد ونستخلص العديد من الدروس والعبر في الحياة والمستقبل وعدم اليأس والأستسلام للقدر ولسموم الرياح العاتية حيث نرى من البصمات المضيئة في تاريخ الدكتور الخليلي هو إصراره على تحقيق هدفه بدراسته للطب وممارسته له وأنه لم يستسلم لعقبات كانت من الممكن أن تكون قد غيرت مجرى حياته وحياة الأخرين وما أستفاد منه الوطن والمجتمع من نجاحه في الوصول الى هدفه بدراسته وممارسته للطب وما قدمه للوطن والمجتمع من فوائد أنسانية جمة تجدونها في صفحات كتابه.
أنها رحلة أرخّت أحداث تاريخية وسياسية وأجتماعية بمنظور علمي وأكاديمي من خلال ربط الأحداث بشكل جميل وبأسلوب السهل الممتنع بما يُثري المكتبات بأحداث تاريخية وطبية تكون رافداً للقارئ الحصيف والمهتم المثقف والباحث عن الحقيقة في تاريخ العراق، حيث عبر عنها الدكتور عبد الهادي الخليلي بكل صدق وأخلاص بأن ما قدمه هو سداد دين للوطن والأهل والأنسانية والأجيال القادمة من الشباب لمواصلة العطاء الأيجابي بكل أمل في مستقبل أفضل وبعدم الأستسلام لبعض المظاهر السلبية والمعوقات التي نراها اليوم أمامنا أو التي مرت في الأمس القريب. وكان خير مثال لتطبيق المقولة بصدق “لا تسأل وطنك ماذا قدم لك، بل أسأل ماذا أعطيت أنت للوطن”.
وشكراً
ضياء السعداوي