كتب علي السراي : تتنافس أحزاب شيعية، في الانتخابات التشريعية المقبلة، على منصب رئيس الحكومة، مع انهيار التحالف الذي ضم أغلب القوى السياسية التي مثلت ما كان يعرف بـ”البيت الشيعي”، لتدخل في مرحلة سياسية جديدة، عنوانها البحث عن فصيل شيعي قوي، يمثل الطائفة سياسياً.
وإلى الساعة ترفض كتل سياسية شيعية الافصاح ليس عن توجهاتها في التحالف وحسب، بل الترويج لأسماء معينة لمنصب رئيس الحكومة، لكن الأكيد أنها ستشارك في الانتخابات بشكل منفرد، في تكتيك يعتمد على “متغير” النتائج وعدد الأصوات التي يحصل عليها كل فصيل.
لكن مصدراً شيعيا مطلعاً، أبلغ “العالم”، أن ملامح بعض المرشحين ستظهر قريباً، وسيكون طرح مؤشرات أولية عن أسماء محددة، بمنزلة اختبار مقبوليته لدى الاطراف الأخرى في المعادلة العراقية.
ومعـــاينة المرشحـــين المفترضين، وفرص قبولهم ونجاحهم في حصد التأييد من كتل سياسية شيعية أولاً، وأخرى خارج المشهد، كما في الكرد والسنة، تقوم على أساس قدرة كل منهم على اقناع شركاء العراق في المنطقة والعالم، بأنه سيمثل حالة الاستقرار لمرحلة ما بعد 2014.
ونظراً لتفكك التحالف الشيعي، وتعدد اللاعبين الذين خرجوا من معطفه، فإن مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة ستكون، على ما يبدو، أكثر تعقيداً من سابقاتها، وقد تأخذ فترة طويلة، يخشى أنها تؤدي إلى فراغ سياسي ودستوري.
لكن ثمة عامل حاسم وحيد قد يختصر جهداً سياسياً شاقاً، وهو حجم المقاعد التي ستحصل عليها القوى الشيعية في البرلمان، والتي على أساسها سيتحدد شكل الصراع.
وبشكل عام، فإن رئيس الوزراء المقبل لن يكون على رأس السلطة التنفيذية قبل أن يحقق ثلاثة شروط، الأول فض الاشتباك الشيعي الشيعي على الزعامة السياسية، والفوز بتحالف من كتلتين أو أكثر بفارق مريح من المقاعد. أما الثاني فيتعلق بتحقيق مطالب الخصوم من غير الشيعة، وما يتطلبه ذلك التفاهم مع حزب مسعود بارزاني الصاعد بأريحية كبيرة في الاقليم، وإجراء تسوية “مغرية” للسنة، اهمها منحهم “سلطة أكبر”، وإشعارهم بالطمأنينة من الوضع السياسي الجديد.
ومهما يكن، فإن من المستبعد ظهور أسماء “غير معروفة” في الوسط السياسي، وفي افتراض أن الخارطة السياسية الشيعية لا تتحمل “اسماً مغموراً”، فإن عشرة مرشحين سيكون أحدهم رئيساً للحكومة، وهم، في الغالب، نوري المالكي، علي الأديب، إبراهيم الجعفري، فالح الفياض، قصي السهيل (دائرة دولة القانون)، وباقر الزبيدي، عادل عبد المهدي (دائرة المجلس الأعلى)، وجعفر الصدر (دائرة التيار الصدري)، واحمد الجلبي وإياد علاوي، وهما، ربما، مرشحا تسوية اللحظة الأخيرة عن (دائرة توافق المجلس الأعلى والتيار الصدري).
دائرة المالكي وحظوظه
ويحرص “دولة القانون” على دعم مرشحه “الوحيد” حتى الآن، نوري المالكي، لينال ولاية ثالثة، على الرغم من أن مصادر عديدة تتحدث عن أن فشل زعيم الائتلاف في تحقيق ذلك سيضطره إلى تقديم مرشح آخر من حزب الدعوة الإسلامية.
والمالكي هو المرشح الأبرز، حتى الساعة، وهو الوحيد الذي طرحه ائتلافه اسما صريحا لرئاسة الحكومة في الفترة المقبلة، على عكس بقية الفصائل الشيعية، التي اكتفت بإعلانها الرغبة في أن تكون بديلاً للمالكي، من دون أن تطرح اسم مرشحها.
ويعتقد المالكي أن فرصه بالفوز كبيرة جداً، خصوصاً بعد أن حسم معركة قضائية مع خصومه، حين تمكن من انتزاع قرار من المحكمة الاتحادية “لا يمنعه” من تولي منصبه الحالي للمرة الثالثة على التوالي، وهو القرار الذي جعل القضاء العراقي في مواجهة سهام النقد من خصوم المالكي، واتهامات بأنه خاضع للسلطة التنفيذية.
وعلى الصعيد الخارجي، يقول أنصار “دولة القانون”، إن الولايات المتحدة، ولأنها لم تجد بديلاً مناسباً، فهي تعتقد بصلاحية استمرار المالكي في السلطة. وعن إيران، فإن زعيم “دولة القانون” عاد أخيراً من طهران، وحاول هناك ترتيب “أوضاع الولاية الثالثة”.
ومهما يكن، فإن المالكي هو الشخص الأكثر نشاطاً على الصعيد الخارجي، ففي الأسابيع الثلاثة الماضية، واجه اللاعبين الاقليميين والدوليين الكبار، وهو الآن يستعد لزيارة تركيا، لاختبار مدى مقبوليته لديها، وهو الأمر الذي يتوقف على ما يستطيع تقديمه من تنازلات سياسية واقتصادية.
والمالكي، أيضاً، تحرك لتسوية سنية، بناء على نصائح أميركية، كما صرح سياسيون غربيون قبل نحو أسبوعين، وبدأت وساطاته تعمل بنشاط مع معارضيه في ساحة الاعتصام السنية في الرمادي.
وتقول مصادر مطلعة، لـ”العالم”، إن “وساطات المالكي نجحت مع بعض اطراف الاعتصام، لكنها فشلت مع أطراف أخرى، من أبرزها رافع العيساوي، وأحمد العلواني”.
ولو حصل المالكي على تأييد من إيران وأميركا، وهو افتراض يسود في “دولة القانون”، فإنه بحاجة إلى إنهاء مشكلة معقدة في الخليج، لا سيما مع السعودية وقطر.
وأضافت المصادر، “في هذه الحالة، سيراهن المالكي على تغير المواقف الخليجية بعد الاتفاق النووي الإيراني، ما يعني إنه قد يحصل على هدية من طهران”.
ولو حصل المالكي على تأييد اطراف من السنة، والذين يوصفون غالباً بأنهم “الحلقة الأضعف” في الخارطة السنية، وفي حال قدم ضمانات “كبيرة” للكرد، فإنه لن يعبر إلى الولاية الثالثة، من دون حسم معركته الشيعية الشيعية.
وهنا يواجه المالكي حجري عثرة من النوع الثقيل، الأول شعور عام بأن المرجعيات الدينية “قد ضاقت ذرعا بتصرفات رئيس الحكومة، وشعرت بأنه لا يريد أن يسمع أحداً”، اما الثاني فيتعلق بطموحات أحزاب شيعية، على رأسها التيار الصدري والمجلس الأعلى بأن يحلوا في محله خلال الدورة التشريعية القادمة.
لكن فشل المالكي، يجعله يفكر ببديل يحفظ لحزب الدعوة أمل البقاء في السلطة، ويؤمن عليه من فقدان المنصب.
وتؤكد المصادر، لـ”العالم”، أن “المالكي في اللحظة التي يدرك فيها فقدانه أمل الولاية الثالثة، سيقدم مرشحاً من كتلته للمنصب”.
ويبدو أن أسماء سياسيين مثل، فالح الفياض، علي الأديب، قصي السهيل، وإبراهيم الجعفري، ستكون من ضمن خيارات “الانقاذ” لدولة القانون.
وبالنسبة لعلي الأديب، وزير التعليم العالي، فإنه معتاد على طرح اسمه في الكواليس كمرشح للمنصب منذ سنوات، وتردد بحسب تسريبات صحفية بأنه والمالكي رأسان لا يحتملان بعضهما، سوى أن المالكي وقدرته على “استنفاد” قوة السلطة التنفيذية جعلت كفته ترجح على صقور الدعوة، بل أقواهم.
ويبدو قصي السهيل، خياراً ممكناً، لأنه حظي بفرصة التقارب من المالكي، بل ان المصادر تشير إلى أن رئيس الحكومة ظفر بقياديين من خصومه في إطار تكتيك لإضعافهم، من بينهم السهيل.
لكن ما يحول دون خيار السهيل، هو انزعاج قياديي الدعوة من تسليم الكعكة لشخص خارج دائرتهم، خصوصا وأنه قادم من “عباءة الصدر”.
وهناك أيضاً، فالح الفياض، الذي يبدو متاحاً اكثر للمالكي، حتى مع انتمائه لتيار الإصلاح بقيادة إبراهيم الجعفري.
والفياض شخص حظي بثقة المالكي، وتحول في السنوات الخمس الماضية إلى “ظهير” قوي له، إلى جانب كونه “مهندس التحصينات الأمنية” التي وضعها رئيس الحكومة لحماية “الوضع القائم”.
لقد ظل الفياض محل ثقة بالنسبة للمالكي، خصوصاً مع إظهار نفسه “حارس البوابة” بوجه محاولات الخصوم للانقلاب على الحكومة، مشفوعا بقبول أميركي واضح وعلاقات مميزة مع العديد من العواصم الخليجية.
وعلى الرغم من أن “القرار الأمني” في البلاد، ليس بيد الفياض، لكنه حاز مكانة مقربة من المالكي بسبب دوره في صيانة “خارطة المالكي”، درجة أن البعض يقول أنه أقرب للمالكي من زعيمه الجعفري.
لكن الفياض قد يكون معبراً جديداً لإعادة تسوية “أخيرة” بين المالكي والجعفري، والذي قد يحين وقته حين يفقد المالكي اللعب بأوراقه ومرشحيه الآخرين، ولم يبق عنده سوى تسليم الأمور للجعفري.
لكن رئيس الوزراء السابق يواجه مشكلة حقيقة في الحصول على قبول السنة والكرد، إلى جانب أنه من السياسيين الذين لجأوا إلى الصمت، خلال الفترة الأخيرة.
ورفض أعضاء في دولة القانون التعليق على خياراتهم في ترشيحاتهم لرئيس الحكومة، لكن أحدهم قال لـ”العالم”، إن “المالكي مرشحنا الوحيد”، وعن سؤال بشان خيارات بديلة له، أردف قائلاً، “بديل؟ لا.. المالكي إلى الولاية الثالثة، نحن نعرف ذلك تماماً”.
شيعة ضد الشيعة لإزاحة المالكي: الصدر والحكيم
حسابات رئيس الحكومة الجديد مختلفة تماماً في أوساط التيار الصدري والمجلس الأعلى. إنهما صريحان جداً خلال الفترة الماضية في إعلان رغبتهما بإزاحة المالكي، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في مرشح يتوافقان عليه.
لقد استفاد الصدر والحكيم من قدرتهما، اخيراً، على إضافة تحسينات على خطابهما السياسي، لقد اظهرا، خصوصاً مقتدى الصدر، مرونة عالية في التعامل مع السنة والكرد، وقدما “لغة سياسية مختلفة”، يبدو أنها سلاحهما من اجل حسم المعركة الشيعية.
ولدى الصدر والحكيم أفضلية نسبية بسبب توقعات مرتفعة بشأن تحالفهما ضد المالكي، ونظراً لتجربة ناجحة بالنسبة إليهما في الانتخابات المحلية (20 أبريل 2013)، فإن الاعتقاد سائد في الفصيلين بأنهما “سيكتسحان” المشهد الجديد، كما يقول سياسيون صدريون ومجلسيون.
ومع ذلك سينزل الصدر والحكيم بقوائم منفصلة في الانتخابات، وهو تكتيك فرضه القانون الجديد للانتخابات، فضلا عن الوضع القائم للتنافس الشيعي الشيعي، وهو يعطي لكل فصيل حرية العمل، وانتظار نتائج الانتخابات، ليتحدد شكل التحالف.
ليس للتيار الصدري أي مرشح معلن، لكن الغزل الذي قدمه جعفر الصدر، “السياسي الاكثر اختفاءً وخمولاً”، لزعيم التيار الصدري، يجعله مرشحاً ممكناً للتيار.
واختار جعفر الصدر كلمات “عائلية” في بيان سابق (7 ديسمبر 2013) دافع فيه عن “آل الصدر”، ضد هجوم المالكي على زعيم التيار الصدري، حين ذكره “بدوره الميليشوي” في سنوات أعمال العنف الطائفي عامي 2006 و2007.
وقالت مصادر، مقربة من قيادة التيار الصدري، إن “جعفر سيكون ضمن قائمة كتلة الأحرار”.
ويعتمد التيار الصدري، في حال تحقق ترشح جعفر الصدر، على الكاريزما التي تشكلت له منذ انسحابه “المفاجئ” من دولة القانون، إلى جانب شعبيته التي ترجمتها أصواته في انتخابات العام 2010.
وفي ما عدا جعفر الصدر، فإن التيار لم يقدم أي مؤشرات عن مرشحه لرئاسة الحكومة، لكنه اكد، وبحسب المصادر، أن “قائمة الأحرار ستضم مفاجآت عديدة”.
ويلمح مقربون من الصدر إلى أنه سيفتح كتلته الانتخابية لمرشحين ليسوا من التيار، بل ليسوا إسلاميين. لكن لا يبدو أن أحداً من هؤلاء سيكون مرشحا لرئاسة الحكومة.
لكن الأكيد أن الصدريين واثقون من “خروج المالكي من اللعبة”. وقال حسين الشريفي، عضو كتلة الأحرار، “زعيم دولة القانون قاب قوسين أو ادنى من الخروج”.
في المقابل، فإن حصول الصدريين على تحالف شيعي كبير يضمن لهم مسك السلطة لا يعني بالضرورة تحقق ذلك، إذ لا يزال الأميركيون مترددين في التعامل مع مقتدى الصدر، كما أن الكرد يفكرون كثيراً قبل منح تأييدهم لمرشح صدري “صريح”.
اختبارات الحكيم
وعن المجلس الأعلى، فإنه يحاول منذ فترة اختبار تعاطي الرأي العام مع مرشح محتمل من كوادره للمنصب، ويعتمدون في ذلك على “قدرة عمار الحكيم على المناورة”.
ويطلق الحكيم رسائل مختلفة بشأن نوايا تياره من التحالفات، ويستخدم لغة “مطاطة”، يفهمها الصدريون على أنها ضمانات للشراكة معهم، وتصل إلى المالكي بأنها “خطوط رجعة لعودة التحالف من جديد”.
لكن هناك مرشحين اثنين من المجلس الأعلى، وهما باقر الزبيدي، وعادل عبد المهدي.
ويبدو أن الزبيدي، الذي يعول عليه كثيراً داخل المجلس، الأقرب إلى أن يكون ورقة رابحة. وهو يعتمد على تفاهمات كبيرة قام بها المجلس مع قوى شيعية، مثل التيار الصدري، إلى جانب أوساط النجف، وعلاقات تاريخية مع الكرد، و”إشارات ود” من دولة خليجية، أبرزها الكويت والإمارات.
أما عادل عبد المهدي، الذي تحول إلى العزلة والكتابة منذ فترة طويلة، يبدو خياراً “تحت اليد” بالنسبة للمجلس الأعلى، ويعتقد كثيرون أنه يمتلك مقومات وظيفية وسياسية تؤهله لنيل المنصب، لكنه من السياسيين الذين تركوا الساحة للمتغيرات دون أن يضعوا لمسة عليها.
الجلبي.. القادم من الخلف
وفي حال تحالف الصدريون والمجلسيون، بعد الانتخابات، فانهم قد يتوصلون إلى خيار مرشح تسوية خارج عباءة “السيدين”، وهنا يبرز اسم احمد الجلبي.
وخسر الجلبي الكثير من زخمه الأميركي، فيما لا يملك حضوراً في الوسط السني بسبب مواقفه من اجتثاث البعث، وكونه أول عراب لـ”البيت الشيعي”. لكنه يملك فرصة جيدة بسبب زخم التحالف بين الصدر والحكيم، وقدرتهما المحتملة على إرضاء الكرد والسنة، وبقية الشيعة، باستثناء المالكي، بكونه رئيساً للحكومة.
ولو تحقق ذلك، فسيكون بعسر كبير، وسينجح حينها “الارستقراطي الشيعي” في ان يكون أول القادمين من الخلف.
آخر المرشحين
آخر المرشحين العشرة، إياد علاوي، زعيم ائتلاف العراقية.
وفقد علاوي، الكثير من فرص النجاح، بسبب اختفاء كتلته، “العراقية”، من على وجه الخارطة السياسية، وهو الآن لا يملك خياراً سوى النزول بقائمة “ضعيفة”، تعتمد على جمهور تقليدي، محسوب، افتراضا، على العلمانيين ومعارضي الإسلام السياسي، وانصار سابقين لنظام صدام.
لكنه قد يكون مفاجأة المفاوضات المقبلة، لو تمكن من اقناع الحكيم والصدر بان يكون مرشحهما في صفقة تسوية كبيرة ومعقدة.
وفي هذه الحالة سيكون منافساً للجلبي، ومن الممكن ان يتفوق عليه لأنه يحظى بقبول سني وكردي، مع ضمان “الضوء الأخضر” من أهم فصيلين شيعيين في العراق، إلى جانب أنه يضمن تأييد الخليج، ويبقى أن ينجح الصدريون والمجلسيون في إقناع إيران به.