خاص : كتبت – نشوى الحفني :
اختتمت، أمس الأول، في العاصمة الأميركية، “واشنطن”، فعاليات “الحوار الإستراتيجي”؛ بين “مصر” و”الولايات المتحدة”، برئاسة وزيري خارجية البلدين، “سامح شكري” و”آنتوني بلينكن”، بعد انقطاع دام 06 سنوات، كان قد توقف منذ 2015.
وتطرقت جِلسات “الحوار الإستراتيجي”، بين “مصر” و”الولايات المتحدة”، إلى عدد من مجالات التعاون ذات الاهتمام المتبادل، بينها الموضوعات السياسية والاقتصادية والقضائية والقنصلية وحقوق الإنسان، وكذلك في مجالي التعليم والثقافة، فضلاً عن تبادل الرؤى والتنسيق بشأن القضايا الإقليمية والدولية.
وتتضمن لقاءات وزير الخارجية المصري في “واشنطن”؛ وزير الخارجية الأميركي، “آنتوني بلينكن”، ومسؤولون من “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” و”وزارة الدفاع”، وعدد من الدبلوماسيين البارزين؛ من بينهم المبعوث الأميركي إلى “إيران”، كما يلتقي أعضاء مجلسي “النواب” و”الشيوخ”، بالإضافة إلى عقد لقاءات مع أبرز مراكز البحث والفكر.
الحوار قائم على مستوى الندية..
تعليقًا على مخرجات الحوار، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية، “د. طارق فهمي”؛ أن: “السبب في عودة الحوار؛ هو أن العلاقات بين البلدين تشهد تحسنًا في الوقت الحالي على المستويين الإقليمي والثنائي، إلا أن هناك مناكفات بين واشنطن والقاهرة في بعض الأمور التي تجاوزتها مصر، منذ سنوات طويلة، لكن الحوار يقوم الآن على مستوى الندية، حيث تحتاج إدارة بايدن، للقاهرة، في ملفات محددة مثل: ليبيا والسودان، فضلاً عن مسألة غزة وعدم حدوث خروقات للتهدئة الراهنة”.
وأكد “فهمي”؛ وجود: “توافقات (أميركية-مصرية)، لكن هناك بعض الخلافات بشأن تنوع مصادر السلاح في مصر، والتي أزعجت الإدارة الأميركية الحالية”، لافتًا إلى أن: “مسألة تجميد المعونة العسكرية الأميركية يُمثل مشكلة لمصر لإرتباطها بقضايا أخرى تحتاج مراجعة”، كما أكد أن: “هناك أفكار قد تُطرح في هذا الحوار، مثل صيغة (2+2) الإستراتيجية الروسية، لتسوية أزمات المنطقة، وربما يُعاد تشكيل مؤسسات التعاون (المصري-الأميركي)”.
يُعزز مكانة مصر كحليف قوي خارج منظومة الـ”ناتو”..
كما أشار المحلل السياسي الأميركي، الدكتور “عاطف عبدالجواد”، إلى أن أجندة “الحوار الإستراتيجي” تشمل طائفة عريضة من الموضوعات التي يتفق أو يختلف حولها الجانبان من مسألة الأوضاع في “السودان”، إلى جهود العودة إلى “الاتفاق النووي” مع “إيران” و”القضية الفلسطينية” و”ليبيا” وملف حقوق الإنسان.
مضيفًا أن هذا الحوار هو الأول في عهد الرئيس، “بايدن”، والأول منذ العام 2015، رغم أن “الولايات المتحدة” تدرك أهمية “مصر” كنقطة ارتكاز لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وأشار إلى أن الجانب الأميركي أشاد بإستراتيجية “مصر” المعلنة أخيرًا لإلغاء حالة الطواريء، وتحسين حقوق الإنسان خلال خمس سنوات، وأن “واشنطن” سوف تتعاون مع “القاهرة” في تحسين حرية التعبير والصحافة بصورة مستدامة ومحسوسة، وبهذا تتحسن العلاقات “المصرية-الأميركية” نحو الأفضل والأقوى.
وأوضح أن الهدف الرئيس من “الحوار الإستراتيجي”؛ هو العمل معًا على تقريب وجهات النظر والتعامل معًا لمواجهة الخلافات والتحديات، فضلًا عن تعزيز الاتفاق في قضايا عديدة أخرى؛ من بينها التعاون في مكافحة الإرهاب، لافتًا إلى أن “الحوار الإستراتيجي” يُعزز مكانة “مصر”، كحليف قوي خارج منظومة “حلف شمال الأطلسي”.
خطوة مهمة في الاتجاه الإيجابي للعلاقات..
وفي السياق ذاته؛ أشار المحلل السياسي الأميركي، “مايكل مورغان”، إلى أن استئناف “الحوار الإستراتيجي”، بين “مصر” و”الولايات المتحدة”؛ خطوة مهمة جدًا في الاتجاه الإيجابي لتعميق العلاقات بين الدولتين، وأهم دلالاته إدراك أهمية “مصر” كحليف إستراتيجي تاريخي لـ”الولايات المتحدة” في منطقة الشرق الأوسط، منوهًا بأن “شرق المتوسط” يُبرز أهمية “الولايات المتحدة” كقوة عظمى لـ”مصر”.
وأضاف أن التوقيت له دلالات كثيرة، خصوصًا بعد الانسحاب السريع لـ”الولايات المتحدة” من المنطقة، ووضع “مصر” اقتصاديًا وإستراتيجيًا في المنطقة، خلال الفترة الحالية.
ونوه بأن الكثير من الأحداث في ملفات عدة، في الأشهر القليلة الماضية؛ مثل انسحاب “الولايات المتحدة” من “أفغانستان” والحرب الأهلية التي اندلعت في “إقليم تيغراي” و”أديس آبابا”، تفرض نفسها على مائدة الحوار، فضلاً عن مناقشة “القضية الفلسطينية” والحرب على الإرهاب في المنطقة والاتحاد في مواجهة تغيير المشهد العسكري في المنطقة.
ولفت إلى أن هناك بعض الملفات غير المباشرة في الحوار، ومنها ملف “سد النهضة”، وهو الأهم لـ”مصر” والمصريين، مشيرًا إلى أن مجالات التعاون عديدة وتتطلب إرادة من الجانبين وأهمها دعم جهود السلام في المنطقة، فضلاً عن التعاون الاقتصادي والإستراتيجي؛ خصوصًا بعدما أثبتت “مصر” أنها تخطت مرحلة عدم الاستقرار بعد ثورتين كبيرتين، كما بلورت دورها المحوري في المنطقة بشكل عام وفي الصراع “الفلسطيني-الإسرائيلي” بشكل خاص.
سياسة مغايرة تُريد فتح صفحة جديدة..
ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير “صلاح حليمة”، أن إدارة الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، تنتهج سياسة مغايرة لسلفه، “دونالد ترامب”، ومهتم بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، مضيفًا أن توقيت انطلاق “الحوار الإستراتيجي” بين البلدين يحمل عديد الدلالات، فالمنطقة العربية ومنطقة البحر الأحمر والقارة الإفريقية تشهد تغيرات في غاية الخطورة، ترتبط بالأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وهناك مرتزقة ومنظمات متطرفة مدعومة من بعض الدول، و”مصر” عضو في “مجلس الجامعة العربية” و”الاتحاد الإفريقي”، ما يعني الاشتباك مع كل هذه التحديات في المنطقة.
وأوضح أن العلاقة بين “مصر” و”الولايات المتحدة” وصلت إلى مرحلة متقدمة؛ فعلاقات الدول تبدأ بالتفاهم الإستراتيجي ثم التعاون الإستراتيجي يتبعه “الحوار الإستراتيجي”، لافتًا إلى أن “مصر” دخلت مرحلة الشراكة الإستراتيجية مع “أميركا”، ما يعني التوصل إلى رؤى متوافقة بين الجانبين في كل الملفات.
أميركا تتبنى وجهة النظر المصرية في قضية “سد النهضة”..
واتفق معه السفير “محمد العرابي”، وزير الخارجية الأسبق، قائلاً إن هناك دلالة كبرى على عودة إنعقاد “الحوار الإستراتيجي”، “المصري-الأميركي”، فهذا الحوار يؤكد رغبة لدى البلدين في الإرتقاء بمستوى التفاهم والتعاون فيما بينهم والقضاء على التذبذب في العلاقات بينهما؛ فـ”مصر” دولة محورية في المنطقة ومن المهم لدى “الولايات المتحدة” أن يكون هناك تفاهمًا فيما بينهما لخدمة البلدين والمنطقة، كما أن إنعقاد “الحوار الإستراتيجي” يعطي إنطباع على ردود فعل الجانبين حول القضايا المختلفة؛ كما يؤدي إلى ثبات وتسهيل العلاقات المشتركة .
وأوضح أن “الولايات المتحدة الأميركية” تتبنى وجهة النظر المصرية فيما يتعلق بقضية “سد النهضة”؛ ودعم الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، للأمن المائي المصري، يعكس أن “مصر” كانت تقدم منذ البداية وجهة نظر تقوم على أسس رصينة لها وجاهتها فيما يتعلق بقضية “سد النهضة”، وبالتالي أقتنعت “الولايات المتحدة” بالموقف المصري وأكدت دعمه نتيجة لأن الموقف المصري له قدر من المصداقية، كما أنه أصبح واضحًا لكل دول العالم التعنت والمماطلة الإثيوبية في التفاوض أو التوصل لاتفاق مُلزم، لافتًا إلى أن “الأمم المتحدة” كذلك؛ حذرت من مغبة وقوع حرب أهلية بـ”إثيوبيا” نتيجة للصراعات على “إقليم التيغراي”، وهددت “أميركا” سابقًا بتوقيع عقوبات بحق “إثيوبيا”.
وتوقع “العرابي”، ألا يكون هناك مجال للجلوس على مائدة التفاوض بين “مصر” و”إثيوبيا” و”السودان”، فـ”إثيوبيا” و”السودان” لديهما مشاكل داخلية ضخمة، كما لم يُقدم “الاتحاد الإفريقي” أي بادرة لحل الأزمة بين البلدان الثلاثة؛ مما يستوجب على المجتمع الدولي الحشد للتوصل لحل يُجنب القارة الصراع على المياه، مؤكدًا أن الدعم الأميركي للموقف المصري سيقود نحو حل القضية.
تقليص التواجد العسكري نهج “واشنطن” الجديد..
كما أكد أن “مصر” وضعت خارطة طريق واضحة في “ليبيا” تم تبنيها عالميًا، كما أن الموقف المصري في وقف العنف في “قطاع غزة” واضحًا للجميع؛ ووجود تعاون “مصري-أميركي” يدعم حل القضايا المُلحة بالمنطقة.
ورأى “العرابي”، أن “الولايات المتحدة الأميركية” بدأت بنهج جديد؛ وهو تقليص التواجد العسكري وزيادة نفوذها الاقتصادي لحماية مصالحها، كما أن “الخارجية الأميركية” أكدت أنها عازمة على توسيع قاعدة الاستثمارات الأميركية بـ”مصر”؛ وهو أمر إيجابي ومهم.
ينعكس إيجابيًا على الشرق الأوسط..
من جهته؛ أكد العميد “خالد عكاشة”، الخبير الإستراتيجي المصري، أن عودة “الحوار الإستراتيجي”، (المصري-الأميركي)، مرة ثانية؛ بعد انقطاع دام لست سنوات يعكس أن العلاقات بين البلدين عادت لطبيعتها، وهو أمر إيجابي ومُبشر يؤكد أن التعاون المشترك بين البلدين سيتم توسيع قاعدته؛ وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على منطقة الشرق الأوسط ككل، فتبني “الولايات المتحدة الأميركية” نفس الموقف المصري فيما يتعلق بقضية “سد النهضة” يؤكد ذلك، فوزير الخارجية الأميركي أكد دعم بلاده ورئيسه للأمن المائي المصري؛ وأنه يجب أن يكون هناك اتفاق مُلزم على عكس ما كانت تدعو “الولايات المتحدة” سابقًا بجلوس جميع الأطراف على مائدة التفاوض، كما وعد وزير الخارجية الأميركي ببذل كل الجهود الممكنة لتوقيع اتفاق مُلزم.
مشيرًا إلى أن التعاون المشترك بين “مصر” و”الولايات المتحدة الأميركية”؛ سيشهد آفاقًا جديدة، بعد هذا الحوار والتفاهم المشترك بين الجانبين في كل ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.
توقعات بوضع إطار مؤسسي محدد..
السفيرة “هاجر الإسلامبولي”؛ مساعدة وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأميركية، توقعت في حديث لموقع (سكاي نيوز عربية)؛ اتفاق الجانبين على وضع إطار مؤسسي محدد لاجتماعات دورية بمواعيد محددة.
وقالت إن جولة الحوار، التي جاءت بدعوة من “واشنطن”: “ستؤدي على الأرجح إلى وضع إطار مؤسسي للحوار؛ من حيث دورية إنعقاده وتوقيته والمشاركين فيه”.
وأشارت إلى إمكانية أن ينبثق عن هذا الإطار المؤسسي، لجان نوعية محددة للجوانب المختلفة للعلاقات سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، مع استمرار الاتصالات الثنائية القائمة بشكل دائم.
ونوهت “الإسلامبولي”، وهي أيضًا عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى أن العلاقات بين الجانبين إستراتيجية وممتدة على مدى 40 عامًا؛ لتحقيق الاستقرار في المنطقة؛ وهذه هي الركيزة الأساسية للعلاقات.
توقيت هام للحوار..
إزاء ذلك، بينت “الإسلامبولي”، إلى أن توقيت الحوار هام جدًا نتيجة للأوضاع التي تشهدها المنطقة، فـ”المحيط الإقليمي ملتهب للغاية ويحتاج إلى تهدئة للتوتر القائم، والعمل على تحقيق الاستقرار اللازم في المنطقة”.
وترى الدبلوماسية المصرية السابقة أن “الحوار الإستراتيجي” بين الدولتين سيتعرض إلى قضايا المنطقة المختلفة، مثل مستقبل الصراع “الفلسطيني-الإسرائيلي” وقضايا “ليبيا” و”السودان” و”سد النهضة” الإثيوبي؛ وجميعها قضايا ملتهبة في المنطقة من الناحية السياسية.
كما أنه على صعيد العلاقات الثنائية؛ فإن العلاقات “المصرية-الأميركية” لها جوانب مختلفة ومجالات بينها؛ الجانب الأمني والعسكري والاقتصادي والثقافي بين البلدين.
نقاط التجاذب بين “القاهرة” و”واشنطن”..
وحول نقاط التجاذب بين الجانبين، قالت: “الحزب الديمقراطي الأميركي؛ يعتبر حقوق الإنسان جزءًا أساسيًا من سياسته الخارجية تجاه العالم كله وليس تجاه مصر فقط”.
وأضافت: “بالنسبة لمصر؛ فإن قضية حقوق الإنسان تشمل جوانب الإنسان كلها، فيما أطلقت القاهرة مؤخرًا الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، علاوة على إعلان رئيس الجمهورية إلغاء حالة الطواريء في البلاد”.
وشددت على أن العلاقات بين الدولتين لا تقتصر فقط على جانب واحد، بل يرتبطان بعلاقات إستراتيجية قوية ومتشعبة على المستوى الأمني والعسكري والاقتصادي والثقافي.