وكالات – كتابات :
منذ عقدين من الزمن، وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001، انتشر في العالم المصطلح الذي ابتكرته آلة السياسة والإعلام الأميركي: “الحرب على الإرهاب”. هذا المصطلح الذي صار لاحقًا واحدًا من أهم وأكبر الأسباب خلف الحروب الأميركية، (بمعاونة أوروبية)، على دول الشرق الأوسط بذريعة محاربة: “التطرف الإسلامي” من بين أسباب واهية أخرى.
وبعد مرور 20 عامًا؛ ما الذي تغير بخلاف الدمار والاضطرابات والقلاقل السياسية في الشرق الأوسط ؟.. هناك تغير أكبر ربما لم يلتفت إليه الكثيرون، هذا التطور تلخص في انتفاخ جيوب البعض وتضخم حساباتهم المالية بفعل الأرباح المالية الهائلة لكبرى مؤسسات وشركات تصنيع الأسلحة التي رُصدت جراء هذه الحروب، الأمر الذي قد يدفع البعض للتساؤل، ما هو السبب الحقيقي وراء شن حروب على دول الشرق الأوسط خاصة، وفي العالم كله بشكل عام ؟
في تقريره رصد الباحث والكاتب الصحافي، “جمال النشار”، في موقع (ساسة بوست)؛ كيف استفاد أباطرة تصنيع الأسلحة من جراء تلك الحروب التي ربما لم تكن إلا ذريعة كبيرة لفتح أسواق جديدة أمام الجيش الأميركي وحلفاؤه الأثرياء، الذين تربحوا أرباحًا غير عادية من تلال الجثث والاضطرابات وجرّ الإنسانية إلى مستنقعات الحروب النظامية.
“خافوا واحذروا”: جذور المجمع الصناعي العسكري..
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد النصر العسكري لقوات الحلفاء، وعلى رأسهم: “أميركا”، في أواخر عام 1945، بدأت الحكومة الأميركية في زرع بذور حرب أخرى، ألا وهي الحرب الكورية التي بدأت بعد ذلك بخمسة أعوام فقط، في منتصف عام 1950. وهنا كان على الحكومة الأميركية، الساعية إلى فرض السيطرة الإستراتيجية؛ أن تتدخل لصالح الكوريين الجنوبيين لمحاربة “كوريا الشمالية”، المدعومة من “الاتحاد السوفياتي” الشيوعي، آنذاك.
ومن هنا بدأت آلة الحرب الأميركية العمل بأقصى طاقتها لتفريخ المزيد من الأسلحة. وهو ما ساعد في ميلاد ما يُعرف: بـ (المجمع الصناعي العسكري-Military Industrial complex). أو ما يُطلق على الشراكة بين المؤسسات الصناعية الكبرى، التي تُنتج الأسلحة لصالح الجيش الأميركي؛ وبين الحكومة الأميركية.
في خطابه الشهير، عام 1961، حذّر الرئيس الأميركي، آنذاك، “دوايت د. أيزنهاور”؛ من خطر هذا المجمع “العسكري-المالي”، ووصفه بالخطر الداهم على الديمقراطية الأميركية، ليكون أول تحذير للعالم من خطر الصناعات العسكرية على الشعب الأميركي، وهو ما استشرفه البعض على أنه تحذير خفي من تحكم هذه المؤسسات في قرارات شن الحروب من أجل التربُح، وبيع مزيد من الأسلحة وتجهيزات الدفاع على حساب السلم العالمي. الأمر الذي حدث لاحقًا، إذ تحول هذا النفوذ المخيف لتحالف المال والسلاح من مجرد آلة حرب إلى نفوذ سياسي يتحكم في السياسات الخارجية لدرجة تعيين وزراء الحربية الأميركان.
الخمسة الكبار: سماسرة الموت..
برغم التحذيرات المبكرة، والمخاوف التي أبداها الجانب الديمقراطي، فإن آلة المال والحرب الأميركية لم تختف، بل على العكس إزداد نشاطها ووضحت بصماتها في كل الحروب الأميركية التالية لحرب “كوريا”. بداية من مستنقع “فيتنام” إلى آخر قوات أميركية تمركزت في “أفغانستان”.
وفي عام 2019؛ خرجت ورقة بحثية أعدها “معهد واطسون للعلاقات الدولية”؛ التابع لجامعة “براون”، بولاية “رود آيلاند” الأميركية، ألقى فيها الضوء على أرباح الشركات العسكرية الأميركية وقيمة صفقاتها بالنظر إلى ميزانية الدفاع الأميركية؛ بين أعوام: 1948 و2020، جاء كالتالي :
بدعوى “الحرب على الإرهاب”: هذا ما ربحه أباطرة الموت الأميركيين؛ في آخر 20 عام..
رسم بياني يوضح ارتفاع ميزانيات الدفاع الأميركي من: 100 مليار دولار، عام 1948، إلى ما يُقارب: 800 مليار دولار، بين عامي: 2010 و2012.
بينما جاء إنفاق (البنتاغون)، في عالم ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001؛ من بين النقاط البارزة في هذا البحث، وكانت الأسماء التالية: “لوكهيد مارتن” و”يوينغ” و”جنرال ديناميكس” و”رايثيون” و”نورثروب غرومان”؛ هي الأسماء الأكثر تكرارًا لأكبر خمس متعهدين أسلحة، تعاقدت معهم “وزارة الدفاع” الأميركية لإنتاج ما يُقارب: 30 إلى 50% من إجمالي المعدات العسكرية والأسلحة التى يستخدمها الجيش الأميركي.
فعلى سبيل المثال، جاءت الصفقات بين (البنتاغون) وهذه الشركات الخمس، لعام 2019، فقط كما يلي :
01 – “لوكهيد مارتن”: 47.1 مليار دولار – وقفز هذا المبلغ في العام التالي: 2020؛ إلى: 75.2 مليار دولار.
02 – “رايثيون”: 26.3 مليار دولار – وقفز المبلغ في العام التالي: 2020؛ إلى: 27.8 مليار دولار.
03 – “جنرال ديناميكس”: 16.5 مليار دولار – وقفز المبلغ في العام التالي: 2020؛ إلى: 21.8 مليار دولار.
04 – “بوينغ”: 15.6 مليار دولار دولار – وقفز المبلغ في العام التالي: 2020؛ إلى: 21.7 مليار دولار.
05 – “نورثروب غرومان”: 14.2 مليار – دولار وقفز المبلغ في العام التالي: 2020؛ إلى: 20.3 مليار دولار.
“الحرب على الإرهاب”: آلة الموت والأرقام المخيفة..
جاء في المصدر السابق نفسه، نقطة بارزة تلخص إنفاق “وزارة الدفاع” الأميركية، منذ 2001 إلى 2020؛ على الحرب على الإرهاب في 80 دولة، وعلى رأسهم أبرز ثلاثة حروب، وهي حرب “أفغانستان” وحرب “العراق” وحرب “سوريا”؛ بإجمالي: 14.1 تريليون دولار. من بينهم: 2.31 تريليون دولار؛ اٌنفقت على حرب “أفغانستان” وحدها، وهو ما يُعادل تقريبًا الرقم التالي :
من إجمالي: 14.1 تريليون دولار؛ تقاسم الخمسة الكبار، خلال 20 عامًا، ما يُقارب من: 2.1 إلى: 2.3 تريليون دولار؛ وهو الرقم الذي وصفته الورقة البحثية بأنه رقم: (تقريبي متحفظ)، وقد يرتفع إلى الضعف في بنود أخرى بخلاف صفقات التسليح المباشر، (أي أن هناك بنود أخرى ربما ترفع المبلغ مثل التجديدات والتحديثات على المعدات والمنشآت)، وقد دخل هذا المبلغ خزائن الخمسة الكبار بمعدل: 300 مليون دولار يوميًا، لمدة 20 عامًا !
وقد ذكرت دراسة سابقة، نُشرت عام 2013؛ خلصت إلى أن تكلفة الحرب على “العراق” وصلت تقريبًا إلى: 2 تريليون دولار من بين المبلغ الكُلي السابق ذكره، (14.1 تريليون دولار)، وهنا تُجدر الإشارة إلى أن الحرب العالمية الثانية – الأكبر في التاريخ الحديث – نفسها قد كلفّت الأميركان: 5.1 تريليون دولار، أي أقل من نصف هذا المبلغ بحوالي: 2 تريليون دولار تقريبًا.
هذا بخلاف القيمة السوقية لأسهم هؤلاء الخمسة الكبار التي نمت بمقدار: 58%؛ ما بين عامي: 2001 و2020 أو خلال سنوات “الحرب على الإرهاب”. أما على الصعيد العالمي، فقدمت تلك الشركات الخمس للعالم بأسره ما يصل إلى: 57% من إجمالي مبيعات الأسلحة لأكبر 100 مُصّنع أسلحة في العالم، وهو الرقم الذي يوضح أن نصف مبيعات – تقريبًا – الأسلحة العالمية التي تبيعها “أميركا” للعالم جاءت من خمس شركات فقط. وتُجدر الإشارة إلى أن: 64% من مبيعات الأسلحة في العالم؛ تأتي من “الولايات المتحدة الأميركية” وحدها.
ليس المال وحسب.. لوبيات ونفوذ برائحة البارود..
كما حذّر تمامًا الرئيس الأميركي، “أيزنهاور”؛ شعبه، عام 1961، من تغّول أباطرة السلاح على سياسات “أميركا” وتحكمهم فيها، جاء في تقارير نُشرت بين عامي: 2019 و2021؛ أن ما يقرب من: 380 مسئولًا أميركيًا حكوميًا وعسكريًا رفيع المستوى قد انضموا للعمل مستشارين أمنيين وماليين في مؤسسات الخمس الكبار السابق ذكرهم، بعد تركهم الخدمة في الحكومة ما بين أعوام: 2008 إلى 2018.
كما أن هناك ما يقرب من: 51 عضوًا، (أو أبنائهم وشركاء حياتهم)، في “الكونغرس” الأميركي يمتلكون أسهمًا بقيمة تتراوح بين: 2.3 و5.8 مليون دولار في شركات تصنيع عسكري تُصنّف من بين أكبر: 30 متعهد أسلحة في العالم، هنا يُجدر ذكر أن “الكونغرس” هو ممثل الشعب والجهة المسؤولة عن تمرير واعتماد ميزانيات الدفاع وعقود توريد الأسلحة من “المجمع الصناعي العسكري” !
أما عن “مجلس الشيوخ”؛ فإن ما يقرب من ثُلث أعضاء لجان الدفاع الفرعية عن لجان التخصيص العسكري يملكون أسهمًا في أكبر شركات التعهد العسكري الأميركية، وهو ما قد يُشير إلى فساد داخلي، واستغلال سلطات غير مسبوق داخل النظام الأميركي؛ منذ أن بدأت الحكومة الأميركية في تبني سياسات: “الحرب على الإرهاب”؛ والتي لم تستطع إقناع العالم وشعبها بشرعيتها حتى اليوم.
أميركا الدموية.. الضحايا مقابل الأرباح..
في لمحة سريعة توضح لنا الأرقام عدد ضحايا: “الحرب على الإرهاب”؛ التي شنتها “أميركا”، في آخر عقدين، والتي عززها وأشعلها أباطرة الموت بالتعاون مع صُناع السياسات الخارجية للتربح من خلفها :
01 – ضحايا حرب “أفغانستان”: قرابة 241 ألف ضحية في مناطق الحرب “الأفغانية/الباكستانية”؛ من بينهم: 71 ألف مدني.
02 – ضحايا حرب “العراق”: ما يقرب من: 306 ألف قتيل ما بين مدني وصحافي.
03 – ضحايا حرب “سوريا”: ما يقرب من: 266 ألف قتيل بين مدني وصحافي.
أي أن الحروب التي شنّتها “أميركا” على مناطق ودول الشرق الأوسط، في آخر 20 عامًا، قارب عدد ضحاياها – بحساب الأرقام التقريبية – قرابة مليون ضحية.