فِي الحَلَقَةِ الأُوْلَى مِنْ هَذا المَقَالِ، تَطَرَّقْتُ إِلى وَصّفٍ عَامٍّ، شَمِلَ تَوزيْعَ مَحاوِرِ القِوَى فِي المَنطِقَةِ، وَ قَلَقِ مِحْوَرِ (السُعودِيّةِ – إِسْرَائِيْلَ)، مِنْ تَقَارُبِ إيْرَانَ، مَعَ أَمْريْكا وَ الغَربِ، جَرّاءَ استِخدامِ اسْلُوبِ (السِّيَاسَةِ النَّاعِمَةِ)، مِنْ قِبَلِ الطَّرَفَيّنِ، لإيجَادِ حِلُولٍ لأَزمَةٍ دَامَتْ بَيّنَ الجَانِبَيّنِ، أَكثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ عُقُودٍ مِنَ الصِّرَاعِ المُتَبَادَل. وَ أَبْدَأُ هَذِهِ الحَلَقَةِ، بِنَقْلِ تَصرِيْحٍ للكاتِبِ وَ الأَكادِيْمِيّ الأَمريْكِيْ، مِنْ أَصلٍ لُبنًانِيّ، د. فؤاد عجمي/ معهد هوفرـ جامعة ستانفورد الأميركية. وَ هو مِنَ الأَصْوَاتِ الّتي تُسَانِدُ تَيّارَ المُحَافِظيْنَ الجُدُدِ، وَ سِيَاسَتِهِم الخَارِجِيَّةِ، وَ خَاصَّةً فِي العِرَاق. وَ الّذي يَعكِسُ بِشَكلٍ مّا، رَأيَ النُّخبَةِ الأَمريْكيَّةِ مِنَ المُحَافِظِينَ، وَ قَلَقِها عَلى استِمْرَارِ عِلاقَةِ أَمريْكا بِحُلَفَائِها القُدَامَى، فَصَرَّحَ قَائلاً:
(المثير للسخرية هنا، هو أن أصدقاء الولايات المتحدة، الذين تتعامل معهم في الشرق الأوسط، هم روسيا وإيران وسوريا، بينما الدول التي تشعر بالغضب، حيال ذلك، هي الدول التي ترتبط مع أمريكا، بعلاقات تحالف تاريخية، وعلى رأسها السعودية و إسرائيل.) (سي أن أن /11/11/203).
هَذا القَلَقُ دَفَعَ (جون كيري)، ليَتَحرَّكَ زَائِراً، الإِمَارَاتِ العَرَبيَّةِ المُتَّحِدَةِ، بتاريخ 11 ت2 2013، لتَطمِيْنِها. وَ هُوَ قَادِمٌ إِليّها مِنْ (جُنَيّفْ). بعدَ لِقائِهِ بالوَفدِ الإِيْرانِيّ، برئآسَةِ وَزيرِ الخَارجِيَّةِ مُحمَّد جواد ظريف، لمُناقَشَةِ المِلَفِّ النَّوَويّ اإِ يْرانِيّ. وَ تَزامَنَ مَعَ ذَلك تَوَصُّلُ إِيْرانَ فِي 11 ت2 2013، إِلى اتِّفَاقِ تَعاونٍ، مَعَ الوِكالَةِ الدُّوَليَّةِ للطاقَةِ الذَّريَّةِ، حَوْلَ بَرنامَجِها النَّوَويّ.
إِنَّ صُعُودَ إِيرانَ كعُنْصرِ قُوَّةٍ جَديْدَةٍ فِي المِنطَقَة، يُزَاحِمُ مَراكِزَ قِوَىً فِيها، أَمْرٌ غَيرُ مُرْضٍ لمراكِزِ القِوَى تِلك، وَ مِنْها الكِيَانُ الصِّهيُونيّ. فَقَدّْ وصفَ رَئيْسُ وزراءِ الكِيَان الصِّهيُونيّ (بنيامين نتنياهو)، بأَلَمٍ شَدِيْدٍ، الصّفْقَةَ الّتي عَقدَتْها إيرانُ، معَ المُجتَمِعِ الدُّوَليّ في (جُنَيّفْ)، بأَنّها أَسْوَأُ اتّفاقٍ فِي التّاريخ،(بالرغمِ مِنْ أَنَّها لَمْ تُحقِقْ، سِوَى لقاءٍ للتَفاهُمِ، و الاتّفاقِ عَلى مَوعدٍ لاحقٍ في 20 ت2 الجاري)، حَيّثُ قَال:
(يتبختر الايرانيون برضىً تام في جنيف، ولم لا، و قد حصلوا على ما يرغبون بلا مقابل. لقد حصلوا على قرار برفع العقوبات عنهم، بينما لا يدفعون أي ثمن مقابل ذلك، لأنهم لم يخفضوا في نشاطهم النووي. ايران حصلت على على اتفاق القرن، بينما المجتمع الدولي حصل على أسوأ اتفاق. هذه صفقة سيئة واسرائيل ترفضها جملةً وتفصيلاً. فأقول علانية، ان اسرائيل غير ملزمة بهذا الاتفاق، وستقوم بكل ما بوسعها من اجل الدفاع عن نفسها، و أمن مواطنيها.)(مقطع من فديو مترجم لتصريح نتنياهو/موقع بي بي سي/8 ت2 2013).
إِنَّ انعقادَ الدّورةِ الثّامنةِ والسِتّينَ للجمعيَّةِ العَامَّةِ للأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، بتاريخِ 24 أيلول 2013، شَكَّلَتْ انعِطافَةً تاريخيّةً، فِي مَجالِ الانفِراجِ السِّياسِيّ النِّسْبيّ، فِي عِلاقَاتِ التَّفاهُمِ بيّنَ أَمريْكا وَ إيْرانَ، بشَأْنِ الملَفِ النَّوَويّ الإِيرانِيّ،فأَصبحَتْ فُرَصُ إِيرانَ، للقِيَامِ بدَوّرٍ ناشطٍ في المنطقةِ، أَوفرُ حَظّاً مِنَ محور (السُعوديَّةِ – إِسْرَائِيْلَ). لِتَكُونَ إِيْرانُ عُنصُراً استِراتِيجِيّاً مُؤثِّراً، فِي مَنطِقةِ الشَّرقِ الأوّسَطِ، لَهُ أَهميَّتُةُ في إِعادَةِ تَرتيبِ الأَدوارِ الجيوسِياسيَّةِ، وَ هذهِ الأَدوَارُ، كانَتْ مرتبَةً كالآتي: (السُعوديَّة وَ منظومَة دُوَلِ الخَليجِ، إِسرائيل، الأَردُن، تُركيا، العِراق، إِيْران).
وَ إذا ما أَضَفْنا إِلى تَحَسُّنِ علاقَةِ إِيْرانَ معَ أَمريْكا، تَحَسُّنِ علاقَةِ تُركيا مَعَ العِرَاقِ، فإِنَّ المعادَلةَ الاسْتِراتيجيَّةَ السَّابِقَةَ، ستَتَغيَّرُ عَناصِرُها وَ تكونُ أَولَويّاتُ تَرتِيْبِها، حَسَبَ فَاعلِيَّةِ، كُلِّ عُنصُرٍ مِنها فِي المَنطِقَةِ. وَ يُمكِنُ استنتَاجُ ذلك، مِنْ عمليَّةِ اسْتِقْراءِ المَواقِفِ المُختَلِفَةِ، للسِّياسَةِ الدَّوليّةِ، وَ السِّياسَةِ الإِقليميَّةِ لدُوَلِ المَنطِقَةِ. مَعَ مُلاحَظَةِ، حَركَةِ التَّحالُفاتِ بَيّنَ الدُّوَلِ، الّتي تقعُ خارجَ المَنطِقَةِ. لنَصِلَ إِلى نَتيجةٍ مُؤَدّاها، أَنَّ أَهميَّةَ الأدوارِ سَتكونُ عَلى الشَكلِ التَّالي مِنَ الأَسبَقيَّة: (إِيران، العراق، تركيا، السعودية و منظومة دول الخليج و الأَردُن، وَ إِسرائيل). مَع مُلاحظَةِ استِبعَادِ طَرَفَيّنِ، مِنْ عَناصِرِ المَنطِقَةِ، هُما سُوريّا وَ مصر، بِسَبَبِ عَدَمِ حَسمِ وَضعِهما الدَّاخِلي وَ الخَارِجي، بشَكلٍ تَامّ.
وَ مِنَ إِحدَى المُفاجأآتِ السِّياسِيَّةِ، فِي تَرتيبِ أَورَاقِ دُوَلِ المَنطِقَةِ، تَحَسُّنُ العِلاقَاتِ العِراقيَّةِ التُركيَّةِ. وَ الّتي سَيَتبَعُها تَطوّرُ العِلاقاتِ السُوريَّةِ التركيَّةِ، سَلباً أو إِيجاباً (عندَ حَسمِ الوَضعِ السوريّ بأَي اتّجاهٍ سَيكون). فَمِنْ خِلالِ مُبادَرَةِ تُركيا، بتَكليْفِ وَزيرِ خَارجيَتِها لزيارةِ العِراقِ، فِي يومِ الأَحدِ 10 ت2 2013، زيارةً رسميَّةً، حَامِلاً معَهُ، دَعوَةً للسيّد المالكيّ لزيارَةِ تُركيا. وَ فِي أَعقابِ لقَاءِ السَيّدِ أُوغلو، مَعَ السيّد المالكيّ، أصدَرَ مَكتَبُ السيّدِ المالكيّ بَيَانَاً، استَعرَضَ فيهِ مَحاوِرَ لِقاءِ الجَانِبَيّنِ، فأَعربَ السيّدُ المالكيّ، عَن التالي:
1. إِنَّ العِرَاقَ يُريدُ بناءَ عِلاقَاتٍ طيّبَةٍ، مَعَ كُلِّ دُوَلِ العَالَمِ لا سِيَّما دُوَلِ الجِوَار. مَبنيَّةٌ عَلى المَصالِحِ المُشتَركةِ، وَ الاحتِرامِ المتَبادَلِ، وَ عَدَمِ تَدخُلِ كُلِّ طَرَفٍ، فِي الشُّؤونِ الدَّاخليّةِ للطّرفِ الآخَر.
2. التّعاوِنُ وَ التَّشاوِرُ، وَ إِقامَةُ علاقَاتٍ ثُنائِيَّةٍ مَتينَةٍ، بَيّنَ العِرَاقِ وَ تُركيا، لِتَكُونَ قَاعِدَةً صَلْبةً للتّعاونِ عَلى صَعيدِ المَنطِقَة.
3. أَنْ تَكُونَ العِلاقَاتُ بَيّنَ دَولتيّنِ مُتكافِئَتيّنِ، قَائِمَةً على أُسُسٍ متينَةٍ وَ دائِمَةٍ، بحيّثُ تَبقى مُستمِرَّةً مَعَ تَبدُّلِ الأَشخاصِ وَ الحُكومَات.
وَ مِنْ جَانِبهِ، أَكَّدَ وَزيرُ الخَارجيّةِ التُركيّ، عَلى ما يلي:-
1. ضَرورةُ التَّعَاونِ وَ التَّنسِيْقِ، بَيّنَ البَلدَينِ عَلى كُلِّ المُستوَياتِ، خُصوصَاً فِيما يَتعَلَّقُ بالتَّطوّراتِ الجَّاريَةِ فِي المَنطِقَة.
2. تَفّعيلُ عَمَلِ الِّلجَانِ المُشْتَرَكةِ، بَيّنَ البَلدَيّنِ تَمهِيداً، لِزيَارَةِ السَيّدِ المَالكيّ، المرتَقَبَةِ إِلى تُركيا.
3. نَدَّدَ بالأَعمالِ الإِرهابيَّةِ الّتي، يتَعرَّضُ لها العِرَاق. وَ أعربَ بِأَنَّ تُركيا عَلى استعدادٍ للتَّعَاونِ وَ التَّنْسِيقِ مَعَ العِرَاق، حَتّى عَلى الصَّعِيدِ الاسْتِخبَاريّ. وَ إِنَّ العِرَاقَ وَ تُركيا، يَقِفَانِ ضِدَّ اثارَةِ النَّعَراتِ الطّائِفِيّةِ فِي المَنطِقَة. وَ دَعى إِلى تَعاونٍ إِقليمِيّ أَوّسعَ فِي هَذا المَجَال.
4. كَمَا أَكَّدَ عَلى ضَرورةِ مُضَاعَفَةِ التَّشَاورِ الثُّنَائِيّ، فِيْمَا يَخُصُّ تَطَوّراتُ المَنطِقَةِ، لا سِيَمَا فِي الشَأْنِ السُّوْرِيّ. ( باختِصَارٍ مِنْ جريدةِ القُدسِ العَربِي/10 ت2 2013).
وَ قَدّْ عَزَّزَ السَيّدُ وَزِيْرُ خَارِجيَّةِ تُركيا، رُؤيَةَ تُركيا الجَدِيْدَةِ، فِي التَّعامُلِ مَعَ الوَاقِعِ العِرَاقِيّ. فَقَامَ يَومَ 11/11/ 2013 ، بزيارَةٍ لمدِيْنَةِ النَّجَفِ الأَشرفِ، وَ أَجرَى لِقاءً مَعَ المَرجِعِ السَيّدِ السِيْستَانِيّ. وَ قامَ بزيارَةٍ للضَريْحِ العَلَويَ الشَريْف. ثُمّ زارَ مَدِيْنَةَ كَربَلاءَ المُقَدَّسَةِ، حيّثُ زارَ المرقدَيّنِ الشَريفيّنِ الحُسيّنيّ وَ العَبّاسِيّ(ع). وَ أَردَفَ ذلك، بزيارَةِ مَرقَدَيّ الإِماميّنِ الجَوادَينِ(ع)، وَ كذلكَ زارَ مَرقَدَ الإِمَامِ أَبي حَنيفَةِ(رض). إِنَّ السيّدَ وَزيرَ خارجيَّةِ تُركيا، بَعَثَ مِنْ خِلالِ جَولتِهِ فِي المَناطِقِ المُقدَّسةِ، رِسالَةً قَويَّةً إِلى السُعوديّةِ وَ القِوَى التَّكفيريَّةِ، بِأَنَّ تُركيا (الّتي أَغلَبُ سُكانِها، مِنَ المُسلمينَ السُنَّةِ، وَ مِنْ أَتْبَاعِ المَذهبِ الحَنَفِيّ)، لا تُوجَدُ لَدَيها، أَيَّةُ تَحَفُظاتٍ، فِي التَّعاوِنِ المُشتَركِ مَعَ العِرَاقِ ذِي الغَالِبيَّةِ الشِّيعيَّةِ.
لَقَدّْ بَيَّنْتُ بِاختِصَارٍ، مَواقِفَ مِحْوَرِ (السُعودِيَّةِ – إِسْرائِيْل)، مِنَ التَّغَيُرَاتِ المُحْتَمَلِ، حُصُولِها فِي المَنطِقَةِ، وَ الّتي لَها انعِكاسَاتٌ ايْجَابِيَّةٌ عَلى إِيْرَانَ. وَ خِشْيَةُ هذا المِحْوَرِ، مِنْ تَضَرُرِ مَصَالِحِهِ الاسْتِراتِيْجِيَّةِ، فِي المُستَقبَلِ المَنْظُوْرِ، جَرّاءَ انْتِزَاعِ إِيْرَانَ وَ مِنْ ثُمَّ العِرَاقِ، عَناصِرِ القُوَّةِ الجِيُوسِيَاسِيَّةِ، مِنْ دُوَلِ مِحْوَرِ (السُعودِيَّةِ – إِسْرائِيْل)، وَ بِالنَّتِيْجَةِ تَهاوِي جَمِيْعِ المِشِارِيْعِ، الّتِي خَطَّطَ لَها وَ عَوَّلَ عَلى تَنفِيْذِهَا، هَذا المِحْوَرُ القَلِقُ سِيَاسِيَّاً، والمُرتَبِطُ جَذْرِيَّاً بالتَّطَلُعَاتِ الأَمْرِيْكِيَّةِ فِي المَنْطِقَة.
فِي الحَلقَةِ القَادِمَةِ، وَ هِي الثَّالِثَةُ وَ الأَخيرةُ مِنْ هَذا المَوضُوعِ، سأَتَنَاوَلُ مَا يَنْبَغِي عَلى العِرَاقِ فِعلُهُ، لِتَأْسِيْسِ مَرحَلَةٍ، تَمتَازُ بِالتَّخطِيْطِ وَ العَمِلِ الاسْتِراتِيْجِي المُنَظَّمِ، الّذي سَيُؤَدّي بالنَتيْجَةِ، لِصَالِحِ تَدعِيْمِ أَمْنِنَا الوَطَنِيّ، بِشَكْلٍ عَامّ. وَ اللهُ تَعالى مِنْ وراءِ القَصدّ.
[email protected]