لم يكذب ولاول مرة هادي العامري زعيم تحالف مليشيات الحشد الشعبي بأن هناك طرف ثالث وراء المحاولة الفاشلةلاغتيال الكاظمي صباح يوم أمس الأحد. والطرف الثالث هو نفس الطرف الذي قام بقتل متظاهرين انتفاضة تشرين/اكتوبر، مع فارق واحد هو أن المجني عليه في هذه المرة هو الكاظمي الذي قفز من سفينة الطرف الثالث في الوقت المناسبووقف ضد مشروعه وهو مشروع تأسيس دولة الإسلام السياسي الشيعي على غرار دولة ولاية الفقيه في ايران.
محاولة اغتيال الكاظمي اكبر من مما تقوم وتفكر به ما تسمى بالمليشيات الولائية التي في اقصى ما تذهب إليه القيامبالاغتيالات الجبانة للناشطين وفعالي انتفاضة اكتوبر او استغلال مناصبهم الحكومية للصعود على اسطح الابنيةلاقتناص المتظاهرين، فأعمال هذه المليشيات لا تخرج من دائرة عصابات المافيا. اي بعبارة اخرى ان محاولة الاغتيال تقفورائها مخابرات دولة لها إمكانيات كبيرة على الصعيد اللوجستي والاستخباراتي والعسكري، ولربما وظفت واحدة منتلك المليشيات او عناصر منها كي تكون ادوات تنفيذ في عملية الاغتيال، وليس أكثر من ذلك.
ان الترويج لمحاولة اغتيال الكاظمي بذريعة انتقامية او بحجة تزوير نتائج الانتخابات التي جاءت بما لا تشتهي سفن جناحالاسلام السياسي الشيعي، هو تصور سطحي ومن شأنه تضليل الجماهير التي خرجت في انتفاضة عظيمة لتطالببالحرية والمساواة ودولة المواطنة، ودفعت ثمنا غاليا من دمائها على يد الطرف الثالث، وهي نفس الجماهير التي غيرتشكل نضالها عبر مقاطعتها المليونية للانتخابات، وقالت كلمة فصل بالعملية السياسية ومجمل النظام السياسي – الاجتماعي المجرم والفاسد. ولا يقف ذلك التصور السطحي عند هذه الحدود، بل من شأنه تتويج الكاظمي بطلا قومياورمزا وطنيا من اجل تمرير كل المظالم الاقتصادية وتوسيع مساحة الفقر وطمس ماهية النظام العازم على ترسيخه فيالعراق، وهو نظام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، نظام الليبرالية الجديدة الذي فشل بول بريمر في تأسيسه في العراق، النظام الذي غض الطرف عن كل قتلة متظاهري انتفاضة اكتوبر وتحت عنوان ومبررات سخيفة بأنه منع الحرب الاهلية، وكان يمسك بمزماره ويراقص الثعابين كما قالفي لقائه مع احدى القنوات الاعلامية. ولن يرى النظام الذي يريد الكاظمي تأسيسه النور دون فرض الاستبداد والقمع،وقد رأينا تباشيره تلوح بالافق عندما غض الطرف عن مليشيات الصدر وهو يقوم بالهجوم على متظاهري ساحة الحبوبيفي الناصرية وفي ساحة الصدرين في النجف وفي ساحة التحرير في بغداد، وراينا كيف هاجمت قواته الامنية،الاحتجاجات الجماهيرية من اجل مطالبها العادلة.
لنعود الى محاولة اغتيال الكاظمي، والتي تذكرنا بأغتيال رفيق الحريري في بيروت عام 2005، ولكن كانت بآلية مختلفة،وهي تفجير سيارات مفخخة عند مرور موكبه، بينما تم محاولة اغتيال الكاظمي الفاشلة بمسيرات مفخخة بهجوم منسقعلى منزله في الساعات الاولى من الصباح.
ان السياسة التي وقفت خلف قتل الحريري هي نفسها في محاولة اغتيال الكاظمي مع فارق زمني. وتلك السياسة كانتوراء احباط مشروع رجلين يمثلان تيار سياسي واحد. كان مشروع الحريري هو محاولة لفك الارتباط بين لبنان وماسمي بمحور “المقاومة والممانعة” اي محور ايران-سورية في المنطقة وبناء دولة قومية مرتبطة بالمحور العربي، وبدعم من الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وهو نفس مشروع الكاظمي الذي أسس له على أكتاف انتفاضة اكتوبر. لقد تماغتيال الحريري في وضح النهار بينما فشلت عملية اغتيال الكاظمي.
على اثر ضربات انتفاضة أكتوبر فرض التراجع على مشروع دولة الاسلام السياسي الشيعي ، المرتبطة عقائديا وسياسياواقتصاديا مع دولة آلام في ايران، وهذا هو سر كراهية كل جماعات الإسلام السياسي الشيعي ومليشيانها للتشرينيين،فتحت ضربات معاولهم تكسرت هيبة واعتبار تلك الجماعات وتقهقرت اجتماعيا، واتت الانتخابات لتفرض عليها خطوةاخرى بالعودة الى الوراء.
إن محاولة الاغتيال، كان يبغي من ورائها ايقاف عجلة تقدم المشروع القومي الذي يمثله الكاظمي، بدءا من مشاريعالاستثمار السعودي والاماراتي بقيمة ٣ مليار دولار لكل واحد منها وربط الكهرباء بالخليج، والمشرق الجديد مع الأردنومصر، وتقوية الشراكة مع فرنسا والولايات المتحدة الامريكية، و توجت كل خطوات الكاظمي تلك بعقد قمة التعاونوالشراكة في بغداد عشية الانتخابات. وتكشف بيانات الادانة التي صدرت ضد محولة الاغتيال وخاصة من قبل السعوديةوالإمارات ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومصر، اضافة الى الاردن التي عرضت خدماتها الاستخباراتيهتحت إمرة الكاظمي للتحقيق، عن مدى عمق وتقدم المشروع الذي يمثله الكاظمي على حساب المشروع القومي الايرانيبشكله الاسلامي وبعده السياسي في العراق والمنطقة. لقد كان يرمى من وراء سيناريو الاغتيال التخلص من الكاظمي اولا، وبعد ذلك ينتشر الفوضى السياسية والامنية، ومن ثم تتقدم مليشيات الحشد الشعبي للسيطرة على المفاصلالحكومية والامنية تحت عنوان الحفاظ على الأمن وإحباط المؤامرة الامريكية على العراق، ليتبعه إلغاء نتائج الانتخابات أوتجميدها وترحيلها الى اشعار اخر، وبالتالي جر الانفاس ولينتهي بايقاف المنحني التنازلي للمكانة السياسية للإسلامالسياسي الشيعي والمشروع القومي الايراني ونفوذها في العراق، كان هذا هو السيناريو الاكثر احتمالا، الذي اعد لهبعقلية استراتيجية وجهنمية لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، ونقصد عقارب مشروع الاسلام السياسي الشيعي المتمثلبدولة القانون-مليشيات الحشد الشعبي الذي يخدم بالتالي الحفاظ على النفوذ الاقليمي الايراني في العراق.
وفي خضم هذه الاوضاع، فان ما يثير الضحك هو وضع “محور المقاومة والممانعة” الذي لا يحسد عليه. فإذا ما نجحتعملية اغتيال الكاظمي، فكان خيرا بها وهي من اجل انقاذ مشروع المقاومة والممانعة، وإذا ما فشلت فكما نراها ونسمعهافالغاية هي فبركة عملية الاغتيال كما سماها الخزعلي وحزب الله على سبيل المثال هي من أجل ضرب المقاومة والممانعة. وهذا يقودنا ان الطرفين سيستفيدون من المحاولة الفاشلة للاغتيال خلال الأيام القليلة القادمة، فالكاظمي سيقدم نفسه بأنحياته مشروع “بناء وطن”، وسيزيد حظوظه إقليميا ودوليا ومحليا في اختياره لرئاسة الوزراء ، بينما سيستغل الجناحالاخر المشهد السياسي بعد الاغتيال لإعادة انتاج خطابه المتهرئ والتأكيد بأن كل ماجرى من فبركة هي من أجل تمريرتزوير الانتخابات وأنها تعرضت الى مظلومية سافرة، وإن قدر الشيعة هو حياكة المؤامرات عليهم محليا ودوليا، لإجهاضمشروع المقاومة والممانعة الذي تقوده في المنطقة.
ان من يدفع ثمن هذه الفوضى هو المجتمع، هو من أمن وسلامة الجماهير، وستطلق يد القوى الأمنية في قمع اية احتجاجات جماهيريةخلال المرحلة المقبلة من أجل المطالب العادلة مثل فرص عمل وتوفير الخدمات والضمان الصحي ومواجهة مشروع قانون الامنالإلكتروني والضمان الاجتماعي وتخفيض سعر المواد الغذائية ..وتحت عنوان فرض القانون . وها هي ترتفع الاصوات لدعوةسيطرة الجيش على مقاليد السلطة في العراق بشكل مباشر وغير مباشر بدءا من اشادة الكاظمي بالقوات الامنية (البطلة)
كما سماها التي أسقطت مسيرتيين من أصل ثلاثة التي استهدفت منزله، ومرورا بدعوة الصدر لنزول الجيش وانتهاءا بتصريحاتعدد ليس قليل من السياسيين الموالين للكاظمي. وتصب هذه الدعوات من اجل تعبئة الرأي العام لتقليم أظافر المشروع المناهض للتيارالقومي الذي يمثله الكاظمي ومحاولة لدحره بشكل نهائي.
ان تداعيات اغتيال الكاظمي ستلقي بظلالها الامني والسياسي على الاوضاع السياسية والامنية، و سيخيم بشكل مخططومدروس أجواء من الضبابية على ذهن المجتمع مفادها بان ما حدث أي عملية الاغتيال هي صراع بين من يرفع راية الأمنوالأمان ومحاربة الفساد والقضاء على المليشيات وبين قوى تدار عبر ريموت كونترول من خارج العراق وتريد الخرابوانتهاك سيادته. الا ان الحقيقة التي تحاول كل الاطراف اخفائها هي أن الصراع هو بين جناحين على السلطة في العراقوليس له اية علاقة بتحقيق الحرية والمساواة والرفاه، وكانت الورقة البيضاء وهي الرؤية الاقتصادية لحكومة الكاظمي هيافضل مثال.