وكالات – كتابات :
يدَّعي تنظيم (داعش) أنه يدعو إلى الدين الخالص، ومع ذلك يقع في شَرَك خدعة نُسِجت في القرن التاسع عشر، وكُشِفت منذ مدة طويلة.
نشرت مجلة (نيولاينز) الأميركية مقالًا، لـ”أحمد الشمسي”، الأستاذ المشارك في الفكر الإسلامي في جامعة “شيكاغو”، تحدث فيه عن حقيقة العَلَم الذي يرفعه (داعش) وتدَّعي أنه يحمل خاتم “النبي محمد”، وهو الأمر الذي أُثير حوله عديد من الشكوك ويُرجح أنه غير صحيح.
يستهل الكاتب مقاله بالقول: في عام 1854، أصدر دبلوماسي فرنسي يُدعى، “فرانسوا ألفونس بلين”؛ إعلانًا مفاجئًا، وهو اكتشاف رسالة أصلية أرسلها “النبي محمد” إلى حاكم “مصر”، في القرن السابع؛ مختومة بالخاتم الشخصي لـ”النبي محمد”. وتخبرنا السيرة النبوية أن “النبي محمد” كتب بالفعل مثل هذه الرسائل، ولكن حتى ذلك الحين، كان يُعتقد أنه لم يُكتب لأي من هذه الرسائل النجاة.
ورواية “بيلين” عن هذا الاكتشاف مثيرة؛ وإن كانت من نسج الخيال. ولكن التاريخ الحقيقي للرسالة، وتاريخ الرسائل الأخرى التي يُزعم أن “النبي محمد” كتبها، والتي بدأت في الظهور بعد وقت قصير لا تقل إثارة. ومُرِّرت هذه الرسائل المزوَّرة لتصل إلى أيادي رجال الأعمال الأذكياء والعلماء المتحمسين والسلاطين السذَّج لتصل في نهاية المطاف إلى أكثر الأماكن غير المتوقعة؛ العلم الرسمي لتنظيم الدولة الإسلامية.
قصة الرسالة الأولى..
يقول “الشمسي” أنه وفقًا لـ”بيلين”، اكتُشفت رسالة “النبي محمد” على يد رجل فرنسي يُدعى: “إتيان بارتيليمي”؛ أثناء بحثه في مكتبات الأديرة القبطية بالقرب من بلدة “أخميم”، جنوب “مصر”. وتمتليء رواية “بيلين”، عن اكتشاف “بارتيليمي”؛ بالعواطف والشجون؛ إذ تصور الرجل وهو يكافح ببطولة ضد الإرهاق والإفلاس من أجل إنقاذ المخطوطات القديمة من الوقوع في هُوَّة النسيان وتسليط الضوء عليها من جديد.
ثم آتى جهده أكله عندما عثر على مخطوطة عربية، وبعد فَحص الغلاف التالف، تعرف على كلمة “محمد” المكتوبة بخط قديم. ثم أحضر المخطوطة وهو مفعم بالحماسة من أجل تدقيقها عن كثب. ويستشهد “بيلين”، برسالة “بارتيليمي”؛ التي أرسلها إلى عائلته بعد مدة وجيزة من العثور على الرسالة واصفًا جهوده المضنية لفك رموز الرسالة واختتمها قائلًا: “بالنظر إلى الختم وبداية السطر الأول، فإنني أميل إلى الإعتقاد بأن هذه المخطوطة المكتوبة على جِلد رقيق هي رسالة من محمد إلى الأمة القبطية، وأن هذا هو ختم نبي المسلمين”.
ومع أن “بيلين” تدرب على يد أبرز المستشرقين في عهده، إلا أنه مارس مهنة في السلك الدبلوماسي الفرنسي؛ إذ عمل مترجمًا في البداية، ثم قنصلًا في كل من “القاهرة” و”إسطنبول”. وبفضل علمه الجم ومنزلته البارزة، كان لرأي “بيلين” تأثير كبير. فأحتوت الدراسة التفصيلية للرسالة المزعومة؛ التي نشرها؛ على إعادة كتابة للنص الأصلي وترجمة فرنسية له، تقول إن “محمدًا” يدعو المسيحيين في “مصر” إلى إعتناق الإسلام، ويقترح الحوار على أساس التوحيد المشترك.
ويطابق وصف “بيلين” للوثيقة بدقة أوصاف رسالة “محمد” الواردة في الأعمال التاريخية الإسلامية المبكرة؛ مثل كتاب: (فتوح مصر وأخبارها)؛ لـ”ابن عبدالحكم”، في القرن التاسع. إضافة إلى ذلك، جادل “بيلين” بأن نص الرسالة يُشبه النصوص القديمة المستخدمة في المخطوطات القرآنية الأولى التي حصل عليها المستشرقون الفرنسيون، (بالقوة)، أثناء احتلال “نابليون”، لـ”مصر”. وبفضل مخطوطة “بيلين” بالطبع، اشترى السلطان العثماني، “عبدالمجيد الأول”، (خليفة المسلمين الثالث بعد المئة وسلطان العثمانيين الحادي والثلاثين والثالث والعشرين من آل عثمان)، هذه الرسالة، عام 1858، بثمن باهظ بلغ: 500 ألف قرش تركي، أي ما يُعادل: 73 جنيهًا ذهبيًّا.
وتحمَّس المستشرقون أيضًا لهذا الأمر وانشغلوا به، ومع أن “مجلة الجمعية الشرقية” الألمانية؛ اعترفت، عام 1856، بأنه لم يُتَحقق من صحة الرسالة على وجه اليقين، إلا أن دراسة “بيلين” المتعمقة جعلت ذلك ممكنًا جدًّا. وبعد أربع سنوات، زعم “ثيودور نولدكه”، في الطبعة الأولى من دراسته الرائدة لتاريخ القرآن، أنه لا يمكن التشكيك في صحة الرسالة. ونظرًا لهذا الاتفاق الساحق، استُخدم نص الرسالة لاحقًا لمصادقة نصوص أخرى. فعلى سبيل المثال، في عام 1857؛ أُعلِن أن مخبأ العُملات النحاسية الذي اكتُشف حديثًا في ذلك الوقت؛ هو مخبأ حقيقي بناءً على التشابه بين الكتابة الواردة في الرسالة وتلك الموجودة على العُملات المعدنية المكتشفة.
أولى الشكوك..
يلفت الكاتب إلى أن أول خرق لهذا الإجماع كان، في عام 1863، عندما ظهرت إلى العلن رسالة أخرى يُزعم أن “النبي محمد” قد كتبها. وكما حدث سابقًا، اشترى السلطان العثماني، آنذاك، الرسالة الجديدة. وسخَرَ “هاينريش ليبرخت فلايشر”، عميد الدراسات الاستشراقية في “ألمانيا”، في ذلك الوقت؛ علانيةً من الرسالة الثانية، قائلًا: “الإيطالي الذي زوَّر هذه الرسالة وروَّج لها لا بد أنه محظوظ جدًّا؛ إذ تمكَّن من خداع المسلمين حتى الأكثر تعليمًا منهم”. وأشار “فلايشر” إلى عديد من الأخطاء الساذجة الواضحة في الرسالة مثل الخطأ الإملائي في اسم المرسل إليه، واقترح “فلايشر” أن: “مزوِّر الرسالة” أراد أن يرى هل الدجاجة التي وضعت البيض الذهبي لبائع الرسالة الأولى لا تزال على قيد الحياة أم لا، (كي تضع له بيضًا ذهبيًّا هو الآخر نظير رسالته)”.
أما النقد الأكثر شمولية وحسْمًا جاء من المستشرق النمساوي، “جوزيف كاراباسيك”، الذي عمل على مجموعة البردي العربية في “فيينا”؛ التي تحتوي على أقدم الوثائق التي كتبها مسلمون على الإطلاق. ووفقًا لـ”كاراباسيك”، فإن التحليل الباليوغرافي، (يختص بعلم الكتابات القديمة)، المُقارَن الذي ركَّز على شكل النص في هذه البرديات القديمة والرسالة الموجَّهة للأقباط أظهر بوضوح أنها مزوَّرة. وسرعان ما قبِل “المجتمع العلمي الألماني” استنتاجات “كاراباسيك”. وعندما نشر “ثيودور نولدكه” الطبعة الثانية من كتابه: (تاريخ القرآن)، تراجع عن موقفه السابق بكل صراحة معلنًا أن الحروف: “بالتأكيد ليست أصلية”.
تساؤلات في العالم الإسلامي حول الرسائل..
أما في العالم الإسلامي، فلم تُناقش صحة هذه الرسالة المزعومة لحقبة من الزمن، ويُرجح “الشمسي” أن سبب ذلك هو عدم إتاحة الرسائل للعامة. فالسلاطين العثمانيين الذين حرصوا على إقتناء أربع من هذه الرسائل، احتفظوا بها ضمن مجموعتهم من الآثار المقدسة، (التي تحتوي أيضًا على بقايا من النبي محمد مثل الأسنان والعباءة وشعر اللحية)، وقاموا بزيارات احتفالية وتكريمية سنوية لها.
ولم تُطرح الأسئلة بشأن هذه الرسالة، حتى عام 1904، عندما جادل مقال في مجلة (الهلال) المصرية بأن نص الرسائل هو محاولة فجة لتقليد الكتابة الإسلامية القديمة. ولكن الباحث، في “حيدر أباد”، “محمد حميد الله”؛ دعم صحة الرسائل ودافع عن هذا الأمر في سلسلة من المنشورات، من عام 1935 حتى 1985. ولم يكتفِ بالدفاع عن أصالة الرسائل الأربع التي كانت في مجموعة السلطان العثماني، بل عن رسالتين مختلفتين كانتا بين أيدي أشخاص آخرين.
كانت حجة “حميد الله” الرئيسة تستند على أنه لم يكن لدى العلماء المسلمين ولا المستشرقين، في القرن التاسع عشر؛ معرفة كافية بالنصوص القديمة كي يتمكنوا من إنتاج رسائل مزورة بهذا التعقيد، ومن ثم لا بد أن تكون هذه الرسائل صحيحة. ولكن هذا ليس صحيحًا، فقبل نصف قرن من مقالة “بيلين” درس المستشرقون، وفي مقدمتهم مُعلم “بيلين”، “سيلفستر دي ساسي”، أجزاءً من آيات القرآن وميَّزوها وأطلقوا عليها: “الخط الكوفي”.
وأثبت التأريخ بالكربون المشع، منذ ذلك الحين؛ أن هذه الأجزاء تعود بالفعل إلى القرن الأول الإسلامي وعندما نقارن بينها وبين تلك الأجزاء، يظهر أن هذه الرسائل مزورة، واجتهد الأشخاص الذين كتبوها لتقليد نص غير مألوف لهم إلى حد كبير. فالخط الأساس للكلمات غير متسق، ولا يوجد مسافة بين الكلمات، ورُسمت الأحرف على نحو غير ثابت بدلًا من كتابتها. وبفضل الإنترنت يمكن لأي شخص أن يتصفح عشرات العينات من الكتابات القرآنية والوثائق الأخرى والنقوش الصخرية من العقود الأولى للإسلام. وبجانب هذه العينات الأصلية، تبدو الرسائل المزعومة مثل قلاع “ديزني لاند” مُصطفَّة جنبًا إلى جنب مع نسخها من العصور الوسطى. ولكن في الوقت الذي كان فيه الوصول إلى عينات أصلية من النصوص الكوفية محدودًا، نجحت محاولة التزوير.
الوصف التاريخي لختم “النبي محمد”..
ويلفت الكاتب إلى أن الختم الموجود في أسفل الرسائل يُثير عددًا من التساؤلات أيضًا. فوفقًا للأوصاف الأولى، احتوى الختم الشخصي لـ”النبي محمد” على عبارة: “محمد رسول الله”؛ وكل كلمة في سطر مستقل بدءًا من “محمد” في الأعلى. وهذه العبارة موثقة في عُملات إسلامية قديمة جدًّا. ولكن بحلول القرن الرابع عشر، بدأ بعض علماء المسلمين في التكهن بأن ترتيب الكلمات ربما كان عكس ذلك؛ أي “الله” في السطر الأول، و”رسول” في السطر الثاني، و”محمد” في السطر الثالث. وبهذا الترتيب جاء لفظ الجلالة، “الله”؛ في الأعلى وهو الأمر الذي بدا أكثر ملاءمة من وجهة نظر العلماء.
وتبنى “علي بن برهان الدين الحلبي”، (توفي عام 1635م)، من كتَّاب السيرة النبوية، هذا الترتيب، ولكن “ابن حجر العسقلاني”؛ (توفي عام 1449م)، وهو مرجع في الروايات عن “النبي محمد”، أشار إلى أنه لا يوجد دليل تاريخي يدعم الإدِّعاء القائل إن الختم كان يبدأ بكلمة “الله”، فقد كان اختراعًا من اختراعات العصور الوسطى.
من الذي زوَّر الرسائل ؟
يتساءل الكاتب: إذاً، الرسائل مزورة، ولكن مَن زوَّرها ؟.. يشتبه “كاراباساك” في الأقباط المصريين؛ مشيرًا إلى الممارسة التي كانت معروفة في العصور الوسطى في المجتمعات المسيحية واليهودية، وهي تزوير الرسائل التي يَعفِي “النبي محمد” حاملها من دفع الجزية. ولكن رسائل العصور الوسطى هذه كُتبت لتحقيق هدف عملي واضح، ولم يكن محتواها مشهورًا في الروايات التاريخية، وزعموا في معظم الأحوال أن ما بين أيديهم هو نُسَخ وليست رسائل أصلية.
وعلى عكس رسالة “بارتيليمي”، التي رُوِّج لها على أنها الرسالة الحقيقية من يد “النبي” نفسه. وهي نسخة من نص وثيقة معروفة وقلدت الخط الكوفي القديم وكُتبت على جِلد حيواني رقيق يُستخدَم للكتابة بدلًا من الورق، (وهذا تفصيل مهم؛ إذ لم يُعتمد الورق في العالم العربي إلا بعد وفاة النبي محمد).
ومن هنا يجب أن يكون المشتبه به الأول هو، “بارتيليمي”، ذاته، رجل الأعمال الشغوف والذي على دراية باللغات الشرقية، ونشر اكتشافه في صفوف الدبلوماسيين والأكاديميين ونجح في الحصول على موافقة “بيلين”، الأمر الذي سهَّل بيع الرسالة المربحة إلى الخليفة العثماني. ومن الشخصيات المشتبه فيها أيضًا شخصان أوروبيان هما: “ريباندي” و”ويلكينسون”، اللذان قاما بدور الوسيط في عملية البيع، وإيطالي زعم أنه حصل على الرسالة الثانية من خلال حيلة جريئة؛ إذ سافر إلى “سوريا” متخفيًا في زي شخص من السكان المحليين، واشترى الرسالة بذرائع كاذبة. وحكايات هؤلاء “المكتشفين” الأوروبيين مليئة بالكليشيهات ذات التفاصيل الضعيفة. ففي أي دير وجد “بارتيليمي” المخطوطة العربية التي تحوي الرسالة الأولى ؟.. ومِنْ مَنْ اشترى الإيطالي الذي لم يذكر اسمه الرسالة الثانية ؟
ويُشير المنهج الشكلي والإغفالات الواضحة في هذه القصص والسمات المشبوهة للرسائل نفسها إلى أن هذه الرسائل زُوِّرت في القرن التاسع عشر على يد الأوروبيين الذين تلقوا تدريبًا علميًّا لإنتاج تلفيقات ذات مصداقية، بالإضافة إلى العلاقات المطلوبة والدهاء التجاري لتحويلها إلى أموال. واستنبط هؤلاء الرجال الفكرة من الأخبار التاريخية التي تُشير إلى أن “النبي محمدًا” أرسل رسائل إلى حكام أجانب، ومن ثم حولوها إلى مخطوطات أثرية يمكن أن تُثير اهتمام السلطان العثماني.
وبعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية، ضُمت هذه الرسائل والآثار النبوية الأخرى في مجموعة السلطان إلى متحف “قصر توبكابي” وعُرضت للسياح. وحافظت البلاد على القيمة الدينية لهذه الآثار، كما يتضح من الكتيب الذي صدر في عشرينيات القرن الماضي والذي يحتوي على صورة للرسالة الموجهة إلى الأقباط وترجمة لها باللغة التركية.
من “بارتيليمي” إلى يد الدولة الإسلامية..
يقول “الشمسي”: لكن هذه الرسائل عادت إلى الواجهة بقوة، عام 2007، عندما تبنت الجماعة المتشددة، التي أطلقت على نفسها “دولة العراق الإسلامية”؛ عَلَمًا مرسومًا عليه نسخة طبق الأصل من ختم “النبي محمد” المزعوم المنسوخ من الرسائل المزورة. وفي مستند مجهول نُشر على الإنترنت، اعترفت الجماعة صراحة أن رسائل “توبكابي” هي مصدر الختم. ويُحسب لهؤلاء المسلحين أنهم كانوا على دراية بأن ترتيب الكلمات على الختم لا تتوافق مع الأوصاف القديمة للختم، لكنهم قالوا إن اكتشاف الرسائل زاد من الشكوك حول الترتيب الصحيح للكلمات. ولم يُذكَر أن الرسائل قد تكون مزورة أو أن نصها يثير التساؤلات.
وعندما أعادت الجماعة تسمية نفسها بـ”الدولة الإسلامية في العراق والشام”، عام 2014، وأقامت دولة الخلافة، التي لم تدم طويلًا، أصبح الختم المزوَّر لـ”النبي محمد”؛ رمزًا لحكم هؤلاء المتشددين. ولم يُستخدَم على العلم الأسود السيء السمعة فحسب، بل وُضِع أيضًا على تسجيلات الدعاية لـ”تنظيم الدولة الإسلامية” وختمت الدولة بها وثائقها. وبذلك، نُشِر احتيال مستشرق أوروبي إلى العالم على يد مجموعة تدعي أنهم الورثة الشرعيون لإرث “النبي محمد”.
وتبنَّت “الدولة الإسلامية” ما أعتقدت أنه ختم “النبي محمد”؛ للسبب نفسه الذي جعل السلطان العثماني مستعدًا لدفع ثمن باهظ للحصول على رسائل النبي: إدِّعاء الشرعية. وفي حين كان شراء السلطان للرسائل استمرارًا لحملة سلالته التي استمرت لقرون؛ والتي تسعى إلى جمع الآثار المقدسة، لم تكن “الدولة الإسلامية” مهتمة بالأمور نفسها، إذ سعت فقط لتسخير الأهمية الرمزية للختم التي يمكن استنساخها ونشرها بسهولة. وربما يكون مفهومًا لماذا لم يَسْعَ العثمانيون أو “الدولة الإسلامية” للتحقق العميق من صحة الوقائع التاريخية الفعلية للرموز التي يتبنُّونها.
وبدلًا من أن يكون مصدر هذه الرسائل هو محبرة كتَّاب “النبي محمد”، في القرن السابع، كانت هذه الرسائل المنسوبة إلى نتاج طبقة من رجال الأعمال المغامرين في عصر الاستعمار الأوروبي الذين رأوا فرصة لاستثمار النهم المتزايد للمتاحف والمكتبات وجامعي التحف التاريخية. ومع أن السكان المحليين في الشرق الأوسط انتفعوا أيضًا من هذه الرسائل المزورة، إلا أن الأوروبيين هم من احتلوا المناصب الأعلى والأكثر ربحًا في هذه التجارة المزدهرة. فقد امتلكوا الموارد والهيبة والأدوات العلمية التي مكنتهم من تحديد القطع الأثرية الحقيقية وامتلاكها، ثم تزوير أخرى مشابهة.
ويختم الكاتب بالقول: تُظهر هذه الرسائل كيف يمكن تزوير القطع الأصلية بقصص اكتشاف مثيرة وتغطية أكاديمية لإرضاء جمهور على استعداد للإعتقاد بأن ما يرونه حقيقي. ولم تبتدع “الدولة الإسلامية” أمرًا فريدًا؛ إذ بُني عدد لا حصر له من دول ما بعد الاستعمار على أساطير استعمارية ابتكرها وطورها المستشرقون. ومع ذلك، فإن حقيقة أن “الدولة الإسلامية”، وهي مجموعة مهووسة بأصالتها وتحررها من التأثيرات الخارجية، قد وقعت في شَرَك عملية احتيال أوروبية عمرها 150 عامًا لا تخلو من السخرية.