لم ألمس الرضى لدى من حاورتهم من قيادات الحراك الجماهيري لمد مطاليبهم الى إلغاء الإمتيازات والرواتب الضخمة لإعضاء السلطة التنفيذية . هذه القيادات تدرك ان حجم الهدر في المال العام يتجاوز مئات الاضعاف لدى الحكومة منه في مجلس النواب . عندها تعززت مخاوفي من أن بعضا من قيادات الحراك الشعبي تنفذ أو تستجيب لمخطط حكومي في تغيير مسارات الحراك الشعبي . أشرت ، حينها ، الى ذلك في كتاباتي ، الا أن القطار غادر المحطة .
كانت الحكومة بحاجة الى كبش فداء لتهدئة الرأي العام الساخط من السرقات المقننة ووجدتْ ذلك في مجلس النواب الذي تظاهر مجبرا بالزهد بإمتيازاته الفاحشة ، فقدم رئيس اللجنة القانونية بهاء الأعرجي طلبا الى المحكمة الاتحادية تم تسويقه على أنه دعوى لإلغاء الرواتب التقاعدية لرئاسة واعضاء المجلس ، وترافق ذلك بطلب منفصل لنقيب المحامين العراقيين ، كان متوافقا بشكل يدعو الى الريبة ، مع مضامين دعوى الاعرجي .
أصدرت المحكمة الاتحادية قرارها المتضمن كسب المدعيين للدعوى ، لتنطلق الاحتفالات بأول انتصار مفترض للإرادة الشعبية التي ووجهت مرات عديدة بالقمع اعتبارا من جمعة التحرير في الخامس والعشرين من شباط 2011 .
عاصفة القرار وما أثارته من مناكفات بين الخصوم والمؤيدين كشفت ، لاحقا ، حقائق صادمة ، فكل من الاعرجي ونقيب المحامين العراقيين ، اللذين يقفان على رأس جهتين قانونيتين ، حَصَرا ( عمدا ) طلبهما بإلغاء بعض ( الإمتيازات ) الهامشية للنواب ( بعد ) تقاعدهم ، وبالتالي فإن الطلب ومن ثم القرار لم يمسا الرواتب التقاعدية للنواب ، كما لم يعدلا أو يلغيا ايا من الامتيازات والرواتب لهم خلال الخدمة .
المحكمة الاتحادية التي سارعت ، على غير العادة ، الى البت بالطلبين واصدار قرارها لم تكن بعيدة عن اللعبة ، حيث جاء القرار خاليا من المضامين ، وذرا للرماد في العيون ، بما يؤكد إنخراط جميع أركان السلطة ( التنفيذية ، والتشريعية ، والقضائية بما فيها القضاء الواقف ) وكذلك أغلب الجهات السياسية ، وبعض قيادات الحراك ، في التآمر على الإرادة الشعبية وفعالياتها الجماهيرية .