ان المنطقة العربية، تقع على جغرافية قارية في المساحة والنفوس، وتنوع المصادر الاقتصادية على جميع الصعد، بما يجعل منها؛ كتلة اقتصادية، لها وزنها وثقلها في الاقتصاد العالمي، وبالتالي يمنح القرار العربي السياسي؛ قوة في التأثير على القرار السياسي في الحقلين الاقليمي والدولي؛ لصالح القضايا العادلة للعرب، لو كان هناك قرار سياسي عربي، في جعل التكامل الاقتصادي العربي، حقيقة واقعية، يتم تحريكها عبر الحدود بحرية، وفق منهج معد ومدروس سلفا. هذا من جانب، أما من الجانب الثاني؛ امتلاك دول المنطقة العربية؛ اكبر كمية من مخزون الطاقة( النفط والغاز) في العالم، وايضا تشكل جغرافيتها جسرا لمرور انابيب نقل الطاقة الى العالم، بالإضافة الى المضائق، والممرات البحرية، ذات الاهمية الاستراتيجية على الاقتصاد والتجارة بين قطبي الكرة الارضية. هذا الجانب الأخير؛ هو الاهم، والأكثر قوة وتأثيرا في القرار الدولي، عبر صيغ من التبادل النفعي بين الدول المنطقة العربية، ودول عظمى او كبرى بعينها، من التي لها تأثيرا حاسما، ومنتجا، على صياغة وصناعة القرارات الدولية. أن هذا، يجعل منها، واعني هنا، الدول العربية مجتمعة، كمجموعة عربية موحدة، افتراضا.. مع انه، من الجهة الثانية، خارج الافتراض، لجهة الواقع؛ من اقوى واكبر مطلب من مطالب الشعوب العربية، خلال سبعة عقود مضت؛ صوت وازن في العلاقات الدولية او في القرارات الدولية؛ في الذي يخص قضايا العرب العادلة، وفي المقدمة منها، بل في جوهرها؛ القضية الفلسطينية. انما الواقع، يختلف اختلافا كاملا عن هذا الافتراض؛ أي انها، بخلاف إرادة شعوبها، لا تستخدم قدراتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي، من اجل ان يكون لها وجود فعال في القرار الدولي، مما يحفظ لها حقوقها والتي هي اصلا مشروعة، بل منهوبة من قوى اقليمية ودولية، التي تستغل ما عند العرب لمصالحها الخاصة، ولدعم سياستها في العالم. المؤسف ان الدول العربية ( الانظمة العربية) هي من تركض وراء هذه الدول، سواء ما كان منها في قلب الاقليم العربي،
أي تم زراعتها بإرادة استعمارية، ذات ابعاد امبريالية استراتيجية( الكيان الاسرائيلي)، أو في الجوار العربي، او في المجال الدولي، من الدول العظمى والكبرى؛ للمحافظة على حدودها وبقاء هذه الانظمة على دستة الحكم على حساب حاضر ومستقبل شعوب العرب واوطان العرب. لقد اعتمد النظام الرسمي العربي، في بقاءه على كرسي الحكم، على الدعم الدولي، الذي كان حتى وقت قريب قبل بداية (الحكم الوطني) دول مستعمرة ومحتلة وناهبة لخيارات هذه الاوطان العربية، ولم يزل حتى اللحظة، بل ازداد شراسة وغطرسة واجراما، ونهبا واستغلالا لخيرات هذه الاوطان. اقول اعتمد النظام الرسمي العربي على هذا الراعي الدولي المستغل، والمستخف بهذا النظام ذاته؛ في التغطية على جرائم هذه الانظمة العربية، وفي الدعم العسكري من خلال قواعد عسكرية، الا بعض الاستثناءات التي هي اقل من اصابع اليد الواحدة، وهذه هي ايضا مارست الاستبداد والطغيان والاجرام بحق شعوبها. لكنها، من الجانب الثاني، وكي لا اجانب التاريخ والانصاف؛ لقد كانت هذه الانظمة، انظمة وطنية، قارعت الاستعمار، سواء الخفي منه او الظاهر، وقامت بما هو مفترض منها، ان تقوم به؛ من بناء قاعدة صناعية وزراعية، ونهضة علمية و تعليمية، وبناء جيوش يعتد بها، في العقود الخمسة المنصرمة من النصف الثاني من القرن العشرين. انما من الجانب الثاني دخلت في معارك مع بعضها البعض، وصادرت حقوق الشعب في ابداء الرأي في سياستها، وتصفية جميع القوى السياسية التي لا تتوافق ايديولوجيتها مع ايديولوجية النظام؛ مما جعل القوى العظمى والكبرى والقوى الاقليمية؛ امريكا وروسيا، والكيان الاسرائيلي، وغيرها من بقية الدول الغربية، ودول الجوار العربي؛ ان تجد بيسر وسهولة، مساحة لها في تحريك ذيولها في ممرات غاطسة تحت الارض. ان هذا الوضع قاد بالضرورة التي تحتمها طبيعة علاقة هذه الأنظمة مع شعوبها، على اعتمادها، على عرابها وحاميها وداعمها، الدولي والاقليمي؛ سواء القديم الباقي الى الآن منها، او الجديد الهش الذي حل محل الوطني والمستبد في آن واحد، وهذا الأخير، الذي مشى في سياسته على مسارات وتوجهات تناقضية؛ فقد افرغ الوطن؛ من القوى الوطنية الحية، ومن رموز التنوير والنهضة؛ سواء بالسجن او بالتغيب القسري، او بالتصفيات الجسدية، او بالتهجير، اجبارا، لانعدام متنفس الحرية الفكرية، وهنا اقصد جميع الاوطان العربية، التي طالها الخراب والدمار والتشظي، والاقتتال الاهلي؛ التي حكمتها أنظمة وطنية، لكنها مستبده ودكتاتورية، قبل الاطاحة بها، بثورات شعبية، جرى حرفها عن اهدافها، بقصد ممنهج وهادف. ان هذه الأنظمة، التي حملتها عواصف التدمير( التغيير..)؛ لم تجد مصدات امامها، تحوَل بينها وبين اقتلاع بنية الوطن، وهز ثوابت الوطنية فيه، واحداث خلل بنوي في هيكلية الدولة؛ بسبب سياسة الاستبداد والتصفيات للقوى الوطنية التي مارستها الانظمة الوطنية، قبل الاطاحة بها، من الشعب الثائر على الظلم والطغيان، الذي لم يجد قيادة وطنية، لها؛ وجود واسع وفعال في الساحة، تتولى التنظيم والتوجيه نحو اهداف ثورة الشعب. مما كان من نتيجة هذا الفراغ؛ ان تصدرت المشهد السياسي في دول الخراب هذه، انظمة ركيكة وهشة ومتناحرة، والتي هي الى الآن تتصارع فيما بينها على الانفراد بكرسي العرش، ولو بديمقراطية صورية، ليس فيها أي مضمون من مضامين الديمقراطية. الا اذا اعتبرنا فوضى الآراء واضطراب المواقف، والتزاحم والتدافع امام باب الشهرة والتسييد والبروز؛ محتوى ديمقراطي يحتذى به. ان الأنظمة التي يتشكل منها النظام الرسمي العربي، سواء القديم الباقي، أو الجديد الذي تحيط الشكوك بالطريقة الدراماتيكية، التي استلم بها الحكم، ولو من خلال صناديق الاقتراع، أو التي، حتى اللحظة تتقاتل على مقعد القيادة، جميعها؛ أما تعتمد على الدعم الدولي والاقليمي في ضخ الدماء في جسدها حتى تستمر في عراكها مع بعضها البعض، أو التي تعتمد في بقاءها جالسة على مقعد القيادة، على الحماية الدولية، أي امريكا وغيرها؛ بتثبيت قاعدته، على ركائز متوازنة، بمنع رياح التغييرات التي رفعت رايتها الشعوب من الوصول إليها؛ بحرف خط سيرها عن مساره الحقيقي. ان هناك انظمة عربية؛ تقوم بما يتناقض مع مسار التأريخ وضروراته الحتمية. هذه الأنظمة؛ تشكل جزء مهم من النظام الرسمي العربي، بلا خجل ولا حياء، ولا ادنى شعور بالعيب من شعوبها التي تراقبها، وتستهجن وتستعار مما تقوم به أنظمتها، وهنا اقصد الجل الاعظم من هذه شعوبها، ولا اقصد النفر الضال من الأقلام المأجورة. تتجه في سياستها، بحثا عن الحماية والدعم والاسناد الى الكيان الاسرائيلي في محاولة بائسة وغير ذات جدوى، لملء الفراغ الذي سوف تتركه امريكا؛ عبر التطبيع مع هذا الكيان المسخ. تتناسى هذه الانظمة ان امريكا والكيان الاسرائيلي؛ وجهان لعملة واحدة، وكل ما يقال عن الخلاف والاختلاف بينهما في الآراء والمواقف ما هو الا محض هراء. ان النظام الرسمي العربي، سواء ما كان منه قائما، أو الجديد القائم حاليا؛ اقترف، ولم يزل، جرائم مزدوجة بحق الشعوب العربية وأوطانها:- اضطهد الشعوب العربية وحرمها من ممارسة دورها التاريخي؛ في ان يكون لها وجود تحت شمس التقدم، وايضا انتزاع حقوقها المسلوبة منها، حين اخرجها من دائرة الفعل والوجود في صناعة المواقف، ودعم هذه المواقف بالوقوف معه؛ برفع رايتها حين يكون النظام بخلاف ما هو كائن عليه، حاليا وسابقا، انما هذا النظام كان يقف ويقف الآن مع اعداء الشعوب العربية؛ من أجل البقاء على عرش الطاووس. – وايضا وفي توائم وتزامن؛ اخذت هذه الانظمة تتقاتل مع بعضها البعض بالإنابة عن اجندة الراعي الدولي والاقليمي لها ولوجودها، بصورة مباشرة، أو عبر وكلاء الخيانة والخسة والدناءة، لمصلحة هذا الراعي الدولي والاقليمي، الذي استخدم والى الآن يستخدم الثروات الاستراتيجية في الاوطان العربية، والموقع الاستراتيجي؛ لخدمة مصالحه الاستراتيجية، سواء ما هو في المنطقة العربية، او في الجوار العربي، أو في المجال الدولي. – ان هذه السياسة العربية انتجت لنا؛ دول عربية هشة، وقابلة للاختراق والهدم، والخوف والرعب من برامج الجوار العربي؛ لمعرفتها بضعف وضعها الداخلي، وافتقاره الى التماسك والصلابة. – النظام الرسمي العربي، سواء ما هو موجود في السابق، (الا البعض منه والذي هو، اقل من اصابع اليد الواحدة، لكن هذا البعض؛ اتبع الطريق الخطأ في دعم القضية التاريخية، قضية فلسطين، بل المدمر لها، وللوطن والشعب، كما بينت في اعلاه) او ما هو كائن في الوجود حاليا؛ استخدم القضية الفلسطينية في التسويق لخطابه السياسي، كمدافع عن هذه القضية التي تعتبر، وهي كذلك وجوديا وتاريخيا في الذي يخص الوجود التاريخي للعرب؛ إرضاءا وتجيشا للشعوب، وضمان ولاءها له. بينما الحقيقة التي تجري في الواقع، وفي الغرف المظلمة؛ كانت بخلاف هذا الخطاب بالكامل. وهذا هو ما ظهر جليا في السنوات الاخيرة، فقد تم تسويق التطبيع مع الكيان الاسرائيلي المحتل للأرض العربية الفلسطينية، في الخطاب السياسي الغبي، لهذه الانظمة؛ على اعتبار انه؛ لخدمة القضية الفلسطينية عبر الدبلوماسية والسياسة والسلام، ودعوة الفلسطينيين بالخروج من الصندوق حسب وصف احد هذه الاقلام او لجهة الحقيقة، احداهن.. بمعنى اخر؛ ان يكفوا من الجهاد من اجل قضيتهم العادلة؛ بأتباع طريق الدبلوماسية والسياسة، التي لم تنتزع من الكيان الاسرائيلي المحتل، حقا لهم مهما كان صغيرا، خلال اكثر من سبعة عقود خلت..